أوبل ريكورد!

أوبل ريكورد 1967
أوبل ريكورد 1967 (صورة أرشيفية من موقع أوتوبوم)

تذكرت بعد منشوري "المزهر الحزين" عن تعرفي بالقامة الأدبية والشعرية، استاذ الجيل لطفي جعفر أمان، وهو مؤلف قصيدة المزهر الحزين الرائعة التي أبدع غنائها الفنان الكبير احمد قاسم.. وكانت تذاع كل يوم في ذكرى الاستقلال السنوية، ومُثِّلت على خشبة المسرح مرات من إخراج صديقي المخرج فيصل علي عبدالله، وكان المزهر الحزين بمثابة الشمعة التي أوصى لطفي أمان بإيقادها كل عام في ذكرى الاستقلال المجيد.

أقول تذكرت الاستاذ عدنان كامل، رئيس تحرير مجلة الوحدة الصادرة أيضاً من مطابع اليقظة، وهو قيادي في حزب رابطة ابناء الجنوب، وقد طلب مشاركتي بموضوع فني لمجلته وقمت بتغطية وقائع برنامج جنة الالحان التلفزيوني الشهير الذي كان يبث كل ليلة جمعة اسبوعياً.

وقتها كان يخرجه الأمير محسن احمد مهدي.. وقمت بذلك ونشر لي الربورتاج الصحفي كاملاً ومتصدراً في جريدته.. تلك الليلة كان دور الفنان الكبير محمد محسن عطروش وفرقته الفنية.. وكان في كامل ابهته وتألقه.. لكن الحق أن دافعي للكتابة هنا كان واقعة طريفة حدثت ايامها وكان ضحيتها صاحبنا المخرج الكبير محمد مدي.

كما تعلمون، في تلك الايام، كان بإمكان اي موظف وصاحب راتب شهري الحصول على سيارة جديدة يشتريها من اي وكالة من وكالات بيع السيارات في عدن وبالتقسيط المريح.. وكانت تلك الوكالات في عدن كثيرة.. أكثر من الهم على القلب.. وكان أشهرها وكالة بول رايس المستوردة لسيارات أوبل الالمانية التي كانت تملأ شوارع وطرقات عدن.. وكانت هي الاكثر مبيعاً بالمقارنة مع بقية انواع السيارات، وتتبعها في الرواج سيارات الفولكس واجن الخنفساء من الشركة العربية بالمعلا دكه..

المهم قرر الاستاذ عدنان كامل شراء سيارة أوبل ريكورد موديل1967م، وفي نفس الاسبوع قرر الاستاذ مدي ان يشتري سيارة اوبل مماثلة في كل شيء. نفس الموديل ونفس اللون ونفس كل شيء؛ ما عدى رقم المرور الذي يفرق بينه وبين سيارة عدنان كامل رقم واحد.. أو رقمين.

كان عناصر رابطة أبناء الجنوب وقتها، وفي فترة الكفاح المسلح الجنوني ملاحقين.. ومطلوباً قتلهم.. أو على الاقل إيذاءهم.. كانت تحركات عدنان كامل مرصودة.. اوصافه.. وبالتأكيد أوصاف سيارته ولونها وموديلها.. وهي مطابقة لأوصاف سيارة محمد مدي المنحوس..

كان هناك امر باستهداف عدنان كامل وايذائه؛ لكن المكلف بالاستهداف اختلط عليه الامر بين سيارة المدي وسيارة عدنان.. فقام بالخطأ بتفجير سيارة محمد مدي ظناً منه انها سيارة عدنان كامل!!

هذه حقيقة واقعية عشنا وشفناها.. وليست محزاية خائبة من محازي العواجيز.. ولا فيلماً من افلام الخيال الرديئة.. لكن ليس هذا هو كل شيء فالآتي أعظم.
سافر كامل الى السعودية وبقي المدي في عدن يتلبج كيف يصنع بسيارته المدمرة وهو لم يدفع بعد من اقساطها غير شهرين أو ثلاثة. التأمين لا يشمل اعمال التخريب والإرهاب، والشركة استولى عليها النظام الجديد الذي جاء به الاستقلال.. وبالتالي كان على المدي تسديد الديون الشهرية اولاً باول كأقساط على سيارته المدمرة.. وحاول الطعن بلا فائدة.. وحاس ولاس وباص من كثرة الشكاوي والبكاء ولا من يقول الله ربي!

قالوا له إن الجبهة القومية لم يكن لها يد في تفجير سيارته وبلكي.. يعني خاف وبلكي تكون جبهة التحرير هي التي فجرت السيارة.. وذا ليش يا اخواني.. لانه كل الشعب قومية.. وبالتالي رضخ المدي للقرار.. وقبل باستقطاع قسط السيارة المفجرة من راتبه الشهري الى ان استوفى قيمة الاوبل الريكورد المفجرة.. وذا ليش يا اخواني؟؟ ذا لانه كل الشعب قومية.. وتحيا الجبهة القومية.

أقرأ أيضاً على النداء:

المزهر الحزين