ثلاثي حدود الدم

حين اعتلى نتنياهو منصة الجمعية العامة، متباهيًا بلعبة التطبيع التي بات يعشقها كعشق شمشون لدليلة، كلا الأمرين كذب وافتراء، الشعوب العربية ترفض التطبيع وعيًا وليس عاطفيًا بنفس درجة أكذوبة شمشون ودليلة.

تباهى واستحسن هزله مع العالم، مستعرضًا خريطته الخضراء، وبنى على ذلك جهنمية القراءة التلمودية مع حكومته اليمينية الأكثر تطرفًا، لترحيل وإنهاء قضية فلسطين وشعبها، وسارت المجريات به ليفاجأ بما لم يكن بالحسبان... تتابعًا مع ذلك تصاعد تضامن شعوب العالم نصرة لغزة، وها هي الجنائية الدولية تطالب بإدراج نتنياهو كمجرم حرب، حتى وإن ظل قلب الغرب الرباعي يغض الطرف عن معنى ذلك، لكنه كان مازال أرعن، إذ لم ينم له جفن وهو يلح ويتبنى موقفًا ضد بوتين، وها هي الجمعية العامة تقول كلمتها، ولكن قولها ليس القول الفصل، لا يعيرونها ما يستحق الالتفات، لأنها حافظت وتذكرت مسؤوليتها... كل ذلك يدفعنا دفعًا للغوص عميقًا في حقائب التاريخ، لنقترب أكثر وأكثر مع ما يجري بغزة فلسطين والشرق الأوسخ الجديد، جهنميات لنقف على خارطة جهنمية أيضًا تندرج تحت بند تصفية ما تبقى من عوامل الرفض والمقاومة ورفض التطبيع... بل رفض فكرة الكيان المزروع أصلًا... إنها متغيرات أحدثها صمود ومفاجأة شعب فلسطين ومقاومته، ومعهما الشعوب العربية، حيث تاريخيًا ثبتت بخاصرة العصا الغليظة التي صممت لتأديب من يرفض -كل حسب دوره وموقعه- السمع والطاعة، لذلك كانت العناوين التالية برنامجًا لا بد من نفاذه.

1. إنهاء قضية فلسطين.
2. تنفيذ مخطط تقسيم البلاد العربية تمرحلًا مع مضمون القراءة الثانية لسايكس بيكو 1916، تقسيمًا وتفتيتًا للبلاد العربية.
3. وفق مشروع للتقسيم وافق عليه الكونجرس الأمريكي عام 1983، يترافق مع ذلك...
4. المزيد من المواجهة مع أية قوى تحاول الخروج عن بيت الطاعة الإمبريالي، تحديدًا مزيدًا من صب الزيت على النار مواجهة لبوتين بأكروانيا، وملاعبة خشنة مع البروز الخشن للتنين الصيني.
هذه اللوحة التي أشرت إليها لم تنزل علينا من العدم، ولا هطل بها مطر عابر عاثر، ذاك أمر له مرجعياته، وله أصوله ضمن علامات تم زرعها وبثها على الأرض العربية تحديدًا من خلال توغل أسلحة دمار شامل أعدت مع سبق الإصرار للعلب الخشن في بلادنا العربية في مواعيد يحددونها ويحددون جوانبها للتغلغل والخلخلة وتوليد عوامل وعناصر تبعية ممنهجة من خلال تزوير الواقع والتاريخ وإعادة قراءته بفقه خطير تمادى جوهره عبثًا في أساسه الفكري حين جرت عملية التمهيد والبناء خلال مرحلة الرسملة المبتذلة المتواصلة التي هدفت أساسًا لتعزيز عناصر التفكيك والتشويه الداخلي لمكونات وتماسك الأوطان وبنيان الثقافة الوطنية تصعيدًا لخطابات جدًا ملتسبة حول الهوية الوطنية تصعيدًا لمفهوم بات ينحو تغريبًا أو هروبًا مما يعزز التماسك الوطني، وباتت مفردات ما قبل الهوية الوطنية تتصاعد على حساب اللحمة الوطنية وصولًا لبذاءات تتمثل بسوء توزيع الثروة وصولًا لهجمة تمس المعتقد وحريته تصعيدًا لثنائية الصراعات الدينية الطائفية بل المناطق والحارات.

هندسة هذا الأخطبوط -كما قلنا- لم تذره الرياح ترفًا، ولكن جرى التخطيط له بعناية وتركيز لاستمرار الهيمنة وتعزيز مكانة وقوة الكيان المزروع بالمنطقة... غيروا مفاهيم، وأقاموا كيانات مشوهة، وجرى تسويق تحالفات مشبوهة، وعولموا العالم وفق رؤية تعزز استمرار الهيمنة ولا شيء غير الهيمنة.

وضمن هذا الديالوج الكامن بأحشائه شيطان تاريخ استعمار، يتجدد للأسوأ، يتمدد لخدمة هدف أساس: ترسيخ دولة الكيان، وخلق مصالح مستجدة بطابعها الصراعي المعادي لمصالح الشعوب، لتعاد قراءة مفرداته بغير ذمة ووقاحة مقدماتها لانقلاب ملالي إيران مرورًا حرب الخليج الأولى والثانية وصولًا لمهرجان الدم بمحفل ما سموه ثورات الربيع العربي، لتضيع سوريا وليبيا، ويحترق اليمن تحت قيادة وتوجيه قوى الردة وقوى مستحدثة أخرى، والتي استخدمت أولًا لمواجهة السوفييت في أفغانستان وصولًا لمرحلة الدخول النهائي في مشروع حمام الدم النهائي المشار إليه، لينجز ما تبقى من تنفيذ ما عرف بمصطلح مشروع حدود الدم الذي صاغه الصهيوني برنارد لويس، كما وضعه إبان فترة الرئيس الأسبق كارتر.
هذا المشروع كانت معالمه جلية: التقسيم والتفتيت، صادق عليها الكونجرس الأمريكي، زاد عليها لاحقًا مشروع تقسيم مصر كما وضعه برنار ليفي، عراب ما سميت ثورات الربيع العربي... التقسيم ثم التفتيت كما هو ماثل أمامنا حاليًا... وزاد هياج هذا المشروع مع مشروع أخونة كيان مصر التي استطاعت بوحدة شعبها ودور وقوة جيشها، تحطيم هذا المشروع الجهنمي، وها هي تدفع بصمودها الثمن .
يترافق مع مشروع حدود الدم كما طرحه -كما أشرنا- برنارد لويس الذي لعب دورًا تخريبيًا ضمن لعبة صهيونية، نشير لبرنار لويس عراب ما سميت ثورات الربيع العربي... وأكمل مشوارهما الدموي كل من المعتوه بايدن وريتشي الفاقد الكينونة والضمير خلطًا لكل المفاهيم وتمزيقًا لكل المبادئ والقيم الإنسانية، وهما يسهمان عمدًا بإبادة الشعب الفلسطيني.
كلهم ثلاثي حدود الدم وما زرعوه من نماذج داعشية مثلها كل من بريمر العراق صاحب مشروع هندسة التقسيم الداخلي الفعلي للعراق، مرورًا بعبدالله عزام وأبو مصعب الزرقاوي.. كلها كانت قنابل مهدت لما يحدث الآن تحقيقًا لما عرف بهدف تقسيم المقسم وتفتيت المفتت، تحت جناح بساط... رسالة التغيير بجوهرها الصهيوني بيافطته المدمرة الفوضى الخلاقة المنتج الأمريكي سيئ الأثر والسمعة.
ذلك السيناريو الوهم الصهيوني سقط، وفوجئ الحلف الثلاثي سواء منهم من رحل ومنهم من مازال يكذب ويزيف التاريخ ويسهم بإبادة شعب فلسطين، بأن اللعبة انتهت مسيو شيلوك...
ما أدركوا أن الزمن تغير.. الشعوب ترفض رفضًا واعيًا، وليس كما يروج بأن الأمر ظاهرة صوتية، أو أنها مجرد انفعال عاطفي مؤقت ضمن معادلة لم يدركوا أنها عاصفة، وليست عاطفة، تحمل جنينًا سينمو كما نما داخل أحشاء الوطن والشعب الفلسطيني معادلة معجزة غيرت كل المفاهيم، كل ما خطط له ثلاثي مشروع حدود الدم السيئ .

تبقى قضية تتعلق بالسياسة التي تحكم بلادنا العربية وجبهة المقاومة والممانعة، نسأل ما العمل؟ غزة تباد فهل سيظل النعي؟!
أعرف أن التحدي غير مسبوق تاريخيًا، ومن لا يفهم مجريات التاريخ، تاريخ الشعوب، لا نريد استمراره بائعًا، مجرد بائع تابع ينتظر ما سيحصل عليه، فتات بعد حصاد غزة المر!
شعب فلسطين قال كلمته، المقاومة قالت كلمتها، أسقطت كل الرهانات.
هنا السؤال المعلق:
ماذا أنتم فاعلون؟