ولي أمري أدرى؟

ولي أمري أدرى؟

*إلهام مانع
والله، أني كدت أبتسم.
لكني احترت كيف أبتسم؟
ثم قلت لنفسي، إن الإنسان هو الإنسان.
في حكمته أو ضعفه.
هنا أو هناك.
لا فرق.
فعُدت عن الابتسام، وتفكرت.
بعض السيدات السعوديات، تفتقت قريحتهن.
أردن أن يأخذن موقفاً من الحركة المدنية الناشطة الداعية إلى منح المرأة السعودية بعضاً (وليس الكل) من الحقوق التي تتمتع بها نظيراتها من النساء العربيات. فخرجن علينا بحملة عنوانها "ولي أمري أدرى بأمري".
فتحولت حملتهن إلى مادةٍ للتندر.
هل نلومهن؟ كل ما أردنه هو أن يكّحلن واقعا، لا يعرفنه، فزدنه عمى.
وفي الواقع سيكون غريبا أن نتوقع منهن أمراً لا يفهمنه. ففاقد الشيء لا يعطيه، كما تعرفون.
معظمهن ينتمين إلى الطبقة الأرستقراطية السعودية.
ورئيستهن أميرة.
أياديهن مخملية. ويعشن في القصور والفيلات. فهل نلومهن إن جهلن واقع المرأة السعودية؟
سيدات الحملة خِفن على نساء المملكة. خِفن على النساء من النساء.
من ناشطات سعوديات، يعشن يوميا واقع المرأة في شرق المملكة وغربها، في شمالها وجنوبها. يعرفن كيف تعاني، يعرفن كيف تعيش مذلة يومية.
لسن أميرات. لحسن الحظ!
ويؤمنّ أنه من حقهن أن يعاملن كإنسان بالغ راشد.
إنسان.
ليست طفلة المرأة.
ليست قاصراً المرأة.
وليست عاراً نغطيه.
ناشطات تعبن من واقع المعاناة والمذلة اليومية.
فطالبن بإلغاء مبدأ الوصاية على المرأة السعودية.
لم يستغربن أن بلدهن هو البلد المسلم الوحيد الذي يمنع المرأة من قيادة السيارة. ألا يبدو غريباً أن تنفرد السعودية بهذا المذهب الغريب؟ لكنه كان دوما غريبا.
لم يتساءلن لم ينفرد وطنهن بين البلدان الإسلامية، بأن زاد الخناق على المرأة فيه ألف ضعف، فأصبحت المسكينة لا تتحرك دون إذن من ذكر، لا يميزه سوى عضوه الذكري.
فأصبحنا نرى امرأة في العشرين، ينهرها أخوها ابن العاشرة.
ولي أمري أدرى بأمري؟
بالله عليكن؟
لم يستغربن أن المرأة في بلدهن لا تستطيع أن تتحرك شبراً دون إذن من وليها. لا يحق لها أن تخرج من بيتها، أن تدرس، أن تذهب إلى المستوصف... دون إذن من ولي أمرها.
وولي أمرها هو أبوها أو أخوها أو أي ذكر في عائلتها حتى تتزوج. ثم يصبح ولي أمرها زوجها حتى يموت أو تموت. يزوجها وهي في العاشرة، يضربها، أو يعنفها، أو... يُحسن معاملتها. هي وحظها.
كالبطيخة، قد تكون ناضجة حمراء تنز حلاوة، أو تعثر، فتكون مُرة، حامضة، مقيتة كالقطران.
يعشن أميرات. والقيود التي تخنق المرأة العادية كل يوم، لا تطبق عليهن.
هل واجهن يوماً رجلاً من هيئةِ كتم أنفاس الخلق؟ لو وقع نظر رجل من الهيئة على واحدة منهن، لتوارى خوفاً.
فالدين كما تطبقه الهيئة لا يعترف إلا بالقوة. قوة ولي الأمر.
أين من رجالها والدين؟
ولي أمري أدرى بأمري؟
بالله عليكن؟
لم يستغربن. لم يتساءلن.
بل انزعجن، بسذاجة يُحسدن عليها، تذكرنا بسذاجة ماري إنطوانيت، من مطالب من احترقت أيديهن بنار الواقع اليومي للمرأة السعودية.
فبعثن برسالة إلى العاهل السعودي، يدعونه إلى الثبات على الظلم.
"من قال إننا في حاجة إلى حقوق؟"
"لا نريد حقوقاً تتنافي مع عاداتنا!"
"كف أيديهن عنا!"
"اقطع ألسنتهن!"
"ثم أخرس أصواتهن!"
"دعنا كما نحن!"
"كائن في درجة أقرب إلى الحيوان! (مع احترامي للحيوان)"
والمدهش، أني لم أندهش. لم أندهش من الحملة.
أتعرفن لماذا؟
لأن تاريخ الحركات النسائية المطالبة بحقوق المرأة في كل أرجاء العالم، كان مليئا بحملات شبيهة بحملة "الرجل أدرى بأمري" هذه.
مقابل كل امرأة ناشطة طالبت بحقوقها، وقفت أكثر من امرأة تلعنها، باسم العادات، باسم التقاليد، وباسم الدين (أيا كان هذا الدين)، وتُعيب عليها سعيها إلى التغيير.
ليست غريبة هذه الحملة.
تشبه حملة أخرى قامت بها نساء سويسريات في العشرينات ثم في الخمسينات والستينات ضد االمطالبات بحق المرأة في التصويت. هن أيضا لجأن إلى الدين والعادات والتقاليد كذريعة تقف أمام التطور.
حتى في هذه لسنا فريدين.
فالإنسان كما قلت من قبل هو الإنسان.
في حكمته، وقوته.
وفي ضعفه وسذاجته.
هنا أو هناك.
لا فرق.
لكن ولي أمري، ليس أدرى بأمري.
فأنا الأحق بشأني.
والأدرى بأمري
حتى وأنا أحني رأسي إجلالاً لأبي.
وصاحبات الحملة يصررن على البقاء قاصرات.
ذاك شأنهن.
لكن من قال إنهن يتحدثن باسم المرأة السعودية؟