لا شراكة استراتيجية مع دولة عدوة

عبر الشاعر المصري الراحل أمل دنقل عن الضمير العربي في قصيدة شهيرة جدا اقتطف جزء يسيرا منها قال: لا تصالح ولو منحوك الذهب... أتُرى حين أفقأ عينيك وأثبت مكانهما جوهرتين.. . أتَرى؟... أقلب الغريب كقلب أخيك؟... وهل تتساوى يد سيفها كان لك بيد سيفها أثكلك؟. وأنا أقول: لا تشارك..

لا تشارك عدوًا له يد طولى في مقتلك. لا تشارك عدوًا يحمي ويسند عدوك بدون حدود.

إن الشراكة الطبيعية هي التي بين نظام زيلينسكي في أوكرانيا والدولة الامبريالية التوسعية في واشنطن التي لها 800 قاعدة عسكرية في 70 دولة أهمها دولة الاحتلال.

أمريكا تستعمر عددا من الدول استعمارا غير مباشر على رأسها بريطانيا التي لا تعصي لواشنطن أمرا. حتى الشراكة الاستراتيجية بين إسرائيل وأمريكا شاذة لأن صانع القرار حول قضايانا هي إسرائيل وليس أمريكا.

إسرائيل تتشاور مع أمريكا أحيانا أسبوعيا، وهي التي تغذيها بما تريد من معلومات لتصنع قراراتها على ضوئها. هل نفعل نفس الشيء مع واشنطن؟ لا. شؤون منطقتنا أصبحت سياسة داخلية أمريكية ومن يهيمن على السياسة الداخلية هو اللوبي الصهيوني وليس المؤسسات التي تصهينت.

واشنطن ليس لها علاقة استراتيجية مع أي دولة إسلامية بما فيها تركيا عضو حلف الأطلسي التي تتذبذب علاقتها بأمريكا ولا تستقر. إذا كيف توفق دول عربية بين إعلانها أنها شريكة استراتيجية لأمريكا عدوة العرب وفلسطين وبين التزامها بدعم هذه القضية وبميثاق جامعة الدول العربية وبقرارات القمم العربية وأبرزها المبادرة العربية 2022، وبمبادئ حركة عدم الانحياز وبقرارات الأمم المتحدة؟ ألا ينبغي وجود أرضية مشتركة للشراكة أم أنها شراكة من طرف واحد؟

واشنطن تدعم كل عدون إسرائيلي وتعرقل قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967؛ وليس فقط على الحدود التي وردت في قرار تقسيم فلسطين رقم 181الصادر من الأمم المتحدة عام 1947، ونص على تدويل القدس أيضا ولكن بتواطؤ أمريكي استعمرتها إسرائيل على مرحلتين ثم اعترفت باستعمارها للقدس الشرقية في عهد ترامب عام 2017 الذي تبعته نكسة "اتفاقات إبراهام" التي ما كان يجب أن تتم.

حينها لم تستنكر أي دولة عربية ولا الجامعة العربية سياسة ترامب الخطيرة في القدس وكل الأراضي الفلسطينية المحتلة على حقوق الفلسطينيين الذي حولهم إلى جالية غير محتلة أو أقلية لا حقوق سياسية لها وأغلق مكتب التمثيل الفلسطيني بواشنطن بدون أن يستنكره أحد منا أو يحاول ثنيه عن قراره أو معاقبة نظامه ونحن قادرون على عقابه. هيهات كنا فيما مضى نقوم بجهد دبلوماسي وفي النادر نعاقب قبل أن يدهمنا ثراء استهلاكي أثر على إدراكنا السليم لمن هو بالفعل عدونا الحقيقي.

إن الشراكة الاستراتيجية مصالح ورؤى مشتركة شاملة وندية أو شبه ندية لا وجود لخلافات جوهرية بين أطرافها حول قضية يعتبرها طرف قضيته الأولى بينما لا يراها الآخر إلا بالعين الإسرائيلية. أين هي إذا القواسم المشتركة في الشراكة الاستراتيجية مع دولة تتماهى كلية مع إسرائيل وتعتبر الأراضي المحتلة عام 1967 أراض متنازع عليها (تتحدث أمريكا دائما عن الأراضي الفلسطينية بدون كلمة "المحتلة").

راهنت واشنطن على الكيان الصهيوني كعصا غليظة لها في منطقتنا لنقبع في بيت الطاعة الأمريكي بعد الانتصار الصاعق للكيان في عدوانه الغادر عام 1967 التي كانت واشنطن ولندن شريكتان فيه. بعد ذاك راهنت على علاقة استراتيجية فعلا مع دولة قوية تتقدم كل يوم ،عكسنا، لتقوم بدورها الوظيفي ضدنا عند اللزوم وإبان الحرب الباردة ضد روسيا واليوم ضد الأخيرة والصين.

ألا يوجد ألاف الإسرائيليين في أوكرانيا لقتال روسيا؟ التاريخ والمصلحة والكرامة لا تبرر الشراكة العربية مع واشنطن لسبب وجيه هو ان سياساتها إزاء القضايا العربية عدوانية.

الإيجابية الوحيدة لسياسة واشنطن في المنطقة طوال سبعين عاما من الصراع العربي الإسرائيلي هو وقوفها ضد العدوان الثلاثي الإسرائيلي- البريطاني - الفرنسي عام 1956 ومطالبتها في الأمم المتحدة بانسحاب القوات الفرنسية والبريطانية من قناة السويس والإسرائيلية من سيناء وقد نفذت الدول الثلاث قرار مجلس الأمن ولم تجرؤ فرنسا وبريطانيا الشريكتان في العدوان على معارضتها واستخدام حقهما في نقض القرار كعضوين دائمين في مجلس الأمن.

وزير الخارجية دالاس بحسب مذكرات وزير الخارجية البريطاني سلوين لويد، إبان العدوان، اعتذر فيما بعد للأخير على موقفه في الأمم المتحدة وزاد على اعتذاره سؤاله لماذا لم تتحركوا إلى القاهرة لإسقاط عبد الناصر.

وبالفعل كان من أهداف عدوان السويس إسقاط عبدالناصر الذي وصفه الوزير ورئيس الوزراء انتوني إيدن بـ"هتلر والدكتاتور وعدو إسرائيل" وراهنا على انتفاضة شعبية تطيح بنظام ثورة يوليو بعد انتصار العدوان. لكن تلك كانت سياسة الرئيس الأمريكي داويت ايزنهاور قبل أن تتوغل وتتغلغل إسرائيل في كل غرفة من غرف الإدارة الأمريكية وقبل إنشاء منظمة آيباك، الليكودية، صانعة الرؤساء وأعضاء الكونجرس وغيرهم من كبار الموظفين. الإرهابي أريل شارون رئيس وزراء الكيان لم يشتط عندما قال إن إسرائيل هي التي تحكم واشنطن. ومن يحكم واشنطن يهيمن على العالم ولهذا السبب تتخوف إسرائيل من انتهاء عصر القطبية الواحدة.

ومقارنة بما يحدث في غزة اليوم

اقتحم شارون خلال الانتفاضة الثانية وقتل وحاصر وجوع الفلسطينيين في مدينة جنين.
الإدارة الأمريكية صمتت صمتًا مُطبقًا، وعندما صدرت المبادرة العربية قال شارون بدون أن ينطق لا نريد السلام لا مع الفلسطينيين ولا التطبيع مع العرب، أي رفض جوهر المبادرة، لسبب وحيد هو أنه طالما أن أمريكا تؤيد وتدعم الاحتلال وتموله فذلك أغلى لديه من التطبيع الذي تراهن إسرائيل على النجاح فيه بالقطعة وبذلك تتمكن من دفن المبادرة العربية بأيادٍ عربية. واشنطن لم تؤيد المبادرة حتى يصبح بعضنا شريكا استراتيجيا لها. هي عمليا وفي كل تاريخها شريكة لدولة الاحتلال وحدها.

إن شراكتنا الاستراتيجية وهمية مع واشنطن بالمقارنة بشراكتها وتحالفها مع عدونا؟ واشنطن لا ترفض طلبات الكيان وآخرها تواجد حاملتي طائرتين وتدفق أسلحة إليها واحتمال ان يرابط الـ2000 جندي أمريكي التي قالت أنهم سينتشرون في الشرق الأوسط " المستباح" في "غلاف غزة " المحتل ليصبح أي هجوم فلسطيني عدوانا على أمريكا نفسها وبذلك تكمل واشنطن قتل قضية فلسطين.

أمريكا ستمنح العدو عشرة مليارات دولار لتمويل قصفها الجوي النازي لغزة ونحن صامتون. متى نوظف الشراكة الاستراتيجية لصالح قضايانا؟ بايدن نفسه سمى جريمة إسرائيل النازية التي أودت بحياة اكثر من 600 ألف فلسطيني في غارة جوية على المستشفى الأهلي المعمداني بغزة في ١٧ اكتوبر ب" الانفجار". الانفجار لا يحدث من الجو يامن قلت إنك صهيوني وأنه إذا لم تخلق إسرائيل لخلقتها دولتك!
لماذا إذن؟ نستخدم مصطلحات في غير محلها وترفضها الجماهير العربية التي لم تتبدل بوصلتها نحو القدس وفلسطين والجولان العربي السوري المحتل ومزارع شبعا اللبنانية المحتلة وقضيتها الكبرى هي تحرير الأرض العربية من الاحتلال المدعوم بنظام صهيوني في واشنطن.

أمريكا مقبلة على انتخابات رئاسية وتشريعية وهجوم 7 اكتوبر هدية من السماء لكي تقدم أقصى دعم للعدو عربونا للنجاح في انتخابات بتصويت يكتب بطاقاته الدم الفلسطيني.

بالأمس صوتت واشنطن ولندن وباريس وطوكيو ضد قرار روسي شديد التواضع، لا يدين مجازر إسرائيل بل يطلب وقف النار. أين الشراكة الاستراتيجية إذا وهي دائمة الاصطفاف مع العدو؟ ريشي سوناك رئيس وزراء بريطانيا قال أمس في برلمان وعد بلفور أن بريطانيا تؤيد إسرائيل تأييدا مطلقا. ألم يحن وقت مراجعة السياسات العربية نحو الغرب مراجعة جذرية تحفظ لنا مصالحنا وحقوقنا وكرامتنا؟