تجربة التحدي بين أحضان الطبيعة.. وادي ظهر (6)

عند الساعة السابعة صباحًا، توجهت أنا وإحدى المشاركات الجدد، إلى جولة "ضلاع همدان"، حيث يوجد مجسم دار الحجر، وهو المكان الذي تم تحديده من قبل كابتن الفريق سعيد السروري، لتجمع الفريق المشارك في رحلة المشي والتسلق.
وصلنا عند الساعة الثامنة إلا عشرين دقيقة، وهناك وجدنا بقية الأعضاء، وقد تعرفت على عضوة جديدة انضمت للفريق، وهي خريجة آثار، وتعتبر إضافة نوعية؛ كوننا سنستفيد منها في معلومات عدة تتعلق بالمواقع الأثرية التي نجدها في طريقنا.

وادي ظهر من اعلى ( النداء)
وادي ظهر من اعلى ( النداء)

عند اكتمال العدد تحركنا جميعًا بمعنويات مرتفعة واستعداد واضح لمغامرة جديدة، انتقل جزء منا على متن باصات عامة، وآخرون بسياراتهم الخاصة.. كان مكان التجمع الثاني عند محطة البترول، وهناك عندما كانت تصل مجموعة تنتظر للأخرى إلى أن اكتمل حضور الجميع، وبعدها تحركنا مشيًا على الأقدام حتى وصلنا إلى منطقة مرتفعة منها ترى ضريح مقبرة الأولياء، وفي الجهة اليمنى ترى الأشجار والبيوت المتناثرة في الوادي، وبينها يظهر "دار الحجر" شامخًا كالعادة يحكي لنا تاريخه القديم الذي يعود إلى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي.
من الأعلى، ومن تلك المنطقة البديعة والساحرة بكل ما للكلمة من معنى، قمت بالتقاط بعض الصور للمنطقة وللفريق، كانت صورًا جميلة تظهر روعة المكان الذي أزوره لأول مرة، كانت الرياح تداعبنا من كل جانب، والشمس ترسل أشعتها الذهبية فوقنا، وتضفي للمكان جمالًا فوق جماله.

 

ضريح الأولياء

ضريح مقبرة الأولياء التابع للإسماعليين (النداء)
ضريح مقبرة الأولياء التابع للإسماعليين (النداء)

استأنف الفريق المشي، وهبطنا نحو المنحدر الذي يؤدي إلى مدخل الوادي، ثم وصلنا إلى طريق إسفلتي، ومنه استمررنا في المشي حتى وصلنا إلى مكان ظننت في بداية الأمر أنه مسجد، ولكن اتضح في ما بعد أنه ضريح مقبرة الأولياء التابع للإسماعيليين، عند بوابته الرئيسية تجد الأشجار تزينه، وفي خلفه يقع حصن "فده" أو ما كان يسمى قديمًا "أفئدة"، وكأنه يحتضن المكان. وتحتوي المقبرة على عدد من قبور الأولياء الإسماعيليين (البهرة)، منهم محمد بن الحاتم بن الوليد الأنف، وإبراهيم بن الأنف، وعلي بن إبراهيم الأنف، وعلي شمس الدين.
طلب فريق "الهاش" من حارس المقبرة الدخول إليها، وهو بدوره وافق، احترامًا للمكان طلب منا خلع الأحذية، وهذا ما فعله العديد منا من أجل زيارة المكان إلى الداخل. أكثر ما شدني في المقبرة نظافة المكان، والأشجار الكثيرة التي تزينه، كان يشبه لوحة جميلة رسمت بيد فنان.
لم تكن النظافة والأشجار وحدها ما تزيده جمالًا، ولكن حتى موقعه الذي كان مناسبًا جدًا.. فهو من جهة يطل على الشارع الإسفلتي، ومن جهة أخرى يقع خلفه حصن "فده"، هنالك التقطنا صورًا للمكان وللفريق في داخله، ثم ودعنا الحارس، وأكملنا طريقنا.
عند الخروج اتجهنا يسارًا على طول الطريق صوب قرية "طيبة"، كانت الصخور متناثرة في كل مكان، وكنا نضطر للمرور من فوقها، على الرغم من اختلاف أحجامها، واستمررنا في ذلك حتى وصلنا إلى بداية المغامرة الحقيقية.

 

مغامرة التسلق ومخاوفها

تسلق فريق الهاش إلى اعلى وادي طيبة (النداء)
تسلق فريق الهاش إلى اعلى وادي طيبة (النداء)

عندما وصلنا إلى نهاية تلك الصخور، كان يتوجب علينا التسلق إما من مكان صعب أو مكان أقل صعوبة، ولكن في كلتا الحالتين كان التسلق صعبًا. توجهت أنا ومجموعة أخرى من المكان الأقل صعوبة من وجهة نظر الكابتن مبخوت، هناك حاولنا تجاوز المكان، وبدعم لوجيستي من الكابتن مبخوت، والكابتن محمد، اللذين لم يتركانا، وكانا معنا خطوة بخطوة، حتى وصلنا إلى أعلى الوادي، وهذه هي روح الفريق الواحد الذي تميز فريق "الهاش".
صعدنا إلى أعلى، ووجدنا بقية الفريق في الجهة الأخرى، تحركنا معًا إلى أعلى قرية "طيبة"، ونزلنا إلى الوادي، تجاوزنا كل الصخور، وبعدها مشينا على حصى، ومنها وصلنا إلى أخدود طويل أعلى قرية طيبة، ولم يكن الأخدود ضيقًا، وكان في الأعلى صخرة معلقة بين جداري الأخدود، ويبدو أنها سقطت، وبسبب كبر حجمها ظلت معلقة في الأعلى. الشيء الذي لم أحبه هو قذارة المكان، فالأوساخ جميعها تجمعت في ذاك المكان، مصاحبة لرائحة كريهة أزكمت أنوفنا.

صورة جماعية لفريق (الهاش) من اعلى وادي ظهر (النداء)
صورة جماعية لفريق (الهاش) من اعلى وادي ظهر (النداء)

استمررنا في المشي إلى نهاية الأخدود، وهناك واجهنا تسلق صعب ومعقد رغم أنه لم يكن مرتفعًا كثيرًا، بدأ المتسلقون بالصعود، كثير منهم تجاوز المكان، وهذا إن دل على شيء فلا يدل إلا على شجاعتهم واستعدادهم النفسي والجسدي لتجاوز كل الصعاب. وبالنسبة لي حاولت بما أستطيع، ولا أخفيكم أني كنت خائفة من السقوط. حاولت التركيز على تعليمات الكابتن سعيد والكابتن عبدالرحمن، لكي أستطيع التجاوز، وبعدها استعنت بـ"المشدة أو السماطة" كما يسمها البعض، لكي أستطيع دفع نفسي إلى أعلى، حتى وصلت، وهناك انتظرنا بقية المتسلقين ليصلوا إلى أعلى، ويلتقي موكب المشاة والمتسلقين.

فريق الهاش اثناء تسلق جبل (فده) (النداء)
فريق الهاش اثناء تسلق جبل (فده) (النداء)

أخيرًا الكل أصبح أعلى الأخدود، بعد أن تحمل معظمهم مشقة التسلق، يتنفس الهواء النقي.. أكملنا طريقنا، وفي الطريق صادفنا بائع الآيسكريم الذي كان سعيدًا وهو يرانا الواحد تلو الآخر نشتري منه أنواع الآيسكريم، وتناولناه. في طريقنا إلى جبل "فده" جلس معظمنا على سفح الجبل الذي يطل على الوادي، ولكن رغبة البعض الجامحة في تسلق الحصن إلى الأعلى، غلبتهم، فتسلقوه إلى أن وصل العديد منهم إلى أعلى بمعية أطفال، كانوا وهم يتسلقون أشبه بالماعز الجبلي الذي اشتهر بقدرته الاستثنائية على تسلق الجبال، تركناهم يمارسون هواية التسلق، وبدأنا بالنزول من الجبل إلى نهاية الطريق المسفلت، حيث جئنا، وهناك انتظرنا بقيتهم إلى أن نزلوا، وفي تلك النقطة انتهت رحلة المشي والتسلق التي كانت في يوم الخميس 12 أكتوبر 2023، وبمشاركة 28 مشاركًا.