فانوسة

صفية محمد علي الفانوس، واللقب: فانوسة.. حورية تظهر في مخيلتي بصورة ضبابية من خلال البخور العدني المضمخ بروائح العود والظفري والأخضرين في خلطة من الخلطات الأبينية العبدلية.. سلطانة مع السلاطين.. وراعية مع رعاة الإبل في الأغوار.. فانوسة.. كم مرة تأتي وتذهب.. تروح وتجيء.. تضحك وتبكي.. كم مرة تتفتح زهورها؟ تستدعيها الذاكرة لتلقى فيها سلطانة الطرب منيرة المهدية.. وبديعة مصابني صاحبة مدرسة فن الكازينو في مصر، التي تخرج فيها جيل من الفنانين،

صفية محمد علي الفانوس (شبكات التواصل)
صفية محمد علي الفانوس

أشهرهم فريد الأطرش.. ثم شفيقة القبطية، منذ أواخر القرن التاسع عشر وبواكير العشرين: لو بتحبني يا باشا.. اشرب الشمبانيا من جزمتي! حين مرضت منيرة المهدية زارتها فتاة تغني وبدأت تشتهر اسمها أم كلثوم إبراهيم: إنتي بتكرهيني ليه يا سلطانة؟ قالت: أشوف فيكي شبابي وأنا بودع دنيتي!

فانوسة خليط من كل هذا المجد والإحباط والشهد والدموع.. ملكة.. كانت ملكة جمال عدن حين كانت عدن تنظم مسابقات لملكات الجمال.. وفانوسة كانت جميلة الجميلات وملكة الملكات.. حرضني الشيخ محمد علي باحميش، أيام طيشي الصحفي، لأكتب ضد ظاهرة مسابقات الجمال.. وكتبت.. وندمت.. وما أزال نادمًا..
فانوسة كل شيء.. سيدة صالونات أيام زمن عدن الجميل.. وكانت شاعرة.. وكتبت أشعارًا غني لها منه "في كل يوم يتركني.. لهمي والعذاب.. أنا بصبر عليه.. ولا تكبر عليه.... وباحبه دوام.
رأيتها في أسمرة يوم كان السفر إلى أسمرة بالنسبة لنا كالذهاب إلى الشيخ عثمان.. كنت مع محمد شيخ وبدرية فروي، نسهر ليليًا في ملهى "بيكاديللي" الأشهر هناك. فيه يغني جيوفاني سترينجرز "إن ذي نايت" لفرانك سيناترا.. كانت فانوسة مع رجل أسمراوي صاحب الملهى تزوجته.. كانت في كامل أبهتها.. ومن بعده تزوجت مستر حمود الهاشمي.. وطلقته.. ولم تستقر بها حياة الزوجية غير مع حبيب العمر سالم بامدهف، الفنان الكبير.
أحمد الظهر من أعيان جمهورية دثينة.. عمل مع توني بيس، "بيت البسم"، كما كان يسميه أهل دثينة الذين جاء بهم الظهر ليسكنوا حي القطيع، بجوار بيت البسم.. ويعملوا عنده.. يرجع الفضل للظهر في تنمية زراعة دثينة.. كان فارسًا رأيت له صورة على صهوة جواد، في معرض صور بمركز الرئيس علي ناصر محمد، الذي روى لي حكايته.. جلب الظهر لوريات بيت البسم إلى جمهورية دثينة.. وكان محمد الفانوس يسوق إحداها.. وكانت تضيء الطريق بفانوسها.. وسمي الفانوس.. وابنته صفية سميت فانوسة! لكن...قيل إنهم عملوا في لحج، بلاد العبادل، وليس في جمهورية دثينة.. كانت فانوسة صاحبة صالون أدبي شهير في الشيخ عثمان، يرتاده رجال الأدب والفن والفكر والسياسة.. بعد فاصل زمني افتتحت فانوسة محلًا شهيرًا للكوافير على الطريق الرئيسي المؤدي إلى مطار عدن بخور مكسر.. رأيتها تعمل فيه أو تتفقده، وأنا في طريقي إلى فرن شهير يحضّر تورتات أعياد رأس السنة، أيام كنا نحتفل برؤوس السنين.. أيام عدن الجميلة وجميلة جميلاتها وملكة جمالها.. من يشبه صفية فانوسة؟ من كماها؟ لا أحد.. صدق الشاعر صالح نصيب يوم كتب فيها أجمل
غزلياته.
هي صفية فانوسة.. قطعة من عدن.. وعدن قطعة منها.. لا بل عدن كلها فانوسة.