نجله أحمد يقول إنه محبوس عند الرئيس، والمنظمات الدولية صنفته سجين رأي

نجله أحمد يقول إنه محبوس عند الرئيس، والمنظمات الدولية صنفته سجين رأي

مخاوف من إحالة الصحفي صلاح السقلدي إلى النيابة الجزائية المتخصصة

عندما يشاهد أحمد، 5 سنوات، ضيفاً في منزل أسرته في خور مكسر- عدن، يسارع إلى التواري في غرفة أخرى.
قبل شهرين بالتمام لم يكن أحمد لينفر من أي ضيف يطرق المنزل. لكن هذه العادة بدأت في العاشرة والربع من صباح 18 يونيو الماضي عندما اقتحم أفراد من الأمن السياسي منزل أسرته، وقاموا على مرأى منه ومن شقيقتيه صابرين، 11 سنة، و فرح، 6 سنوات، باعتقال رب الأسرة الصحفي صلاح السقلدي، رئيس تحرير موقع «شبكة خليج عدن».
أفراد الأمن الذين كانوا يرتدون ملابس مدنية، تعاملوا بقسوة مع الصحفي المطلوب من الأجهزة بسبب نشاطه الموالي للحراك الجنوبي. وقد عُومل أثناء اعتقاله بخشونه، إذْ سحبوا يديه إلى خلف ظهره ووضعوا قيداً عليهما، ثم دفعوه بطريقة مهينة إلى خارج المنزل فيما زوجته وأطفاله الثلاثة في حالة ذهول.
على الرغم من أن لأغلب الصحفيين اليمنيين تحيزاتهم الايديولوجية والسياسية، وأحياناً الجهوية، بسبب حداثة عهد اليمن بالصحافة المستقلة، فإن من اللافت هنا أن السلطات تتعامل بقسوة استثنائية مع أولئك الصحفيين المنضوين في إطار «الحراك الجنوبي» أو المؤيدين له. وخلال الأشهر الماضية ظهر هذا التمييز جلياً في عدد من الحالات أبرزها اعتقال فواد راشد رئيس تحرير موقع «المكلا برس» في ابريل، واعتقال صلاح السقلدي في 18 يونيو، والحكم بحبس أنيس منصور مراسل الأيام في «لحج»، لمدة 14 شهراً في يوليو الماضي بعد محاكمته أمام محكمة عادية في لحج بسبب نشاطه الصحفي، وتغطيته لفعاليات الحراك خلال العامين الماضيين.
والحال أن هؤلاء يتم تجريدهم، أولاً، من صفتهم الصحفية، والتعامل معهم باعتبارهم ناشطين في الحراك، ومتآمرين على الوحدة. والأسوأ أن هذا التصنيف يحرم هؤلاء من أية ضمانات كفلها الدستور والقانون للمواطنين، ومن ذلك اعتقالهم لمدة طويلة دون إحالتهم إلى النيابة أو إطلاق سراحهم، خلاف ما يقرره القانون، وكذا تحييد دور نقابة الصحفيين إزاءهم باعتبار أن الاجراءات الواقعة عليهم ناجمة عن تورطهم في انشطة معادية للوحدة وليست بسبب تغطيتهم للأحداث.
وفي حالة الزميل صلاح السقلدي فإن النقابة اكتفت بإصدار بيان وحيد يندد باعتقاله، ويطالب بالافراج عنه، لكنها لم تتبع البيان بأية خطوات تصعيدية لإقناع السلطات بالإفراج عنه أو إحالته إلى نيابة الصحافة المتخصصة إسوةً بزملائه الصحفيين في المحافظات المختلفة. وتأمل أسرة السقلدي أن تبادر النقابة والمنظمات الحقوقية إلى الضغط على الحكومة من أجل تأمين الحماية القانونية اللازمة له، ورفض إحالته إلى النيابة الجزائية المتخصصة، باعتباره من سجناء الرأي، كما جاء في بيان لمنظمة العفو الدولية صدر مؤخراً حثت فيه العالم على التضامن مع السقلدي وحسين العاقل الأستاذ الجامعي في جامعة عدن، واللذين أُحتجزا دون سبب سوى ممارستهما بصورة سلمية لحقهما في التعبير.
بعد اعتقال صلاح من منزله، انتظرت زوجته وأسرته عدة أيام لتعرف مكان اعتقاله. وقد تأكد للأسرة أنه محتجز في معتقل الأمن السياسي بعدن. وفي وقت لاحق جرى نقله إلى الأمن السياسي في صنعاء. وحسب عبدالخالق، وهو أحد أقاربه ومن القلائل الذين تمكنوا من زيارته في معتقل الأمن السياسي بصنعاء، فإن صلاح السقلدي أكد له أنه تعرض للتعذيب أثناء اعتقاله في عدن، وأن رجال الأمن السياسي في عدن قاموا بتعليقه من يديه إلي سقف إحدى الغرف لعدة ساعات، كما أمطروه بسيل من الإهانات والشتائم.
ونقل عبدالخالق لـ«النداء» تأكيدات من السقلدي بأنه لم يتعرض للتعذيب في صنعاء منذ اعتقاله قبل شهرين حُرِّم صلاح من الزيارة باستثناء مرات قليلة، سُمح لأقاربه بزيارته ولكن من وراء حاجز. ورجحت مصادر خاصة أن تتم إحالته إلى النيابة الجزائية المتخصصة، ما يعني إصرار السلطات على نزع الهوية الصحفية عنه، ومعاملته كمجرم.
وتقوم السلطات منذ 2007 بشن حملات اعتقال دورية في أوساط الناشطين في حركة الاحتجاجات في المحافظات الجنوبية. ويغلب على هذه الحملات العشوائية والقسوة والسرية في الكشف عن مصير المعتقلين. وقد اضطرت السلطات مراراً إلى التراجع عن قرارات قضائية اتخذت حيال المعتقلين كما حدث الصيف الماضي مع حسن باعوم واحمد عمر بن فريد وعلي منصر وآخرين، أحالتهم الأجهزة الأمنية إلى القضاء ثم ما لبثت أن اطلقتهم بناء على عفو رئاسي والتزامات مكتوبة من بعض المفرج عنهم بعدم معاودة النشاط الاحتجاجي.
وتعرضت الحكومة اليمنية لانتقادات شديدة من منظمات محلية، أبرزها المرصد اليمني لحقوق الإنسان الذي يتابع ملفات المعتقلين على ذمة الحراك، ومنظمات دولية مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، بسبب ما تعتبره هذه المنظمات تجاوزات خطيرة حيال حقوق المعتقلين.
وعلى مستوى آخر، فإن هذه التجاوزات، وبخاصة المعاملة القاسية للمعتقلين واحتجازهم لمدد طويلة دون مواجهتهم بأية تهم، تعزِّر الأصوات الراديكالية في «الحراك الجنوبي» التي تتحدث عن تمييز سلبي ضد معارضي السلطة من أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية.
على أن الملمح الأبرز في حملات الاعتقال الدورية هو تركيزها على ناشطي الحراك الذين يعتمدون وسائل سلمية وتجاهل أولئك الذين ينسبون انفسهم إلى الحراك السلمي، ممن يدعون إلى العنف أو يمارسونه كما في واقعة قتل 3 من أبناء مديرية القبيطة في لحج.
وبينما يمضي صلاح السقلدي شهره الثالث في المعتقل دون مواجهته بأية تهمة، تعمل زوجته بدأب على مداواة الأضرار النفسية التي لحقت بأطفاله الثلاثة، وخصوصاً أصغرهم، أحمد الذي يصر على تكرار إجابة واحدة عند سؤاله عن أبيه، قائلاً: أبي محبوس عند الرئيس!
وفي مطلع أغسطس الحالي وجهت أم أحمد رسالة عبر وسائل الإعلام تعبِّر من خلالها عن اعتزازها بزوجها وصلابته، وإيمانها بعدالة القضية التي يناضل من أجلها.
على أن ذلك لا يعني أن أسرة صلاح تنعم بالسكينة تحت ظلال «القضية العادلة» التي دفعت رجال الأمن إلى انتهاك حرمة منزلها وانتزاع رب الأسرة من البيت. ففي تقرير صحفي نشره «نيوز يمن» في 6 أغسطس عبرت والدة صلاح عن صدمتها للأسلوب الذي اتبعته الأجهزة الأمنية مع إبنها، وهي إذ تمنت على الرئيس علي عبدالله صالح التوجيه بإطلاق سراح صلاح فوراً، قالت إنها ستعتصم بالصبر في حال لم يستجب الرئيس لندائها، وستسأله يوم القيامة أمام الله عن الانتهاكات التي نزلت على «صلاح»!