"سامسونايت"

في صبيحة يوم مفترج، وفي مقر الجريدة "14 أكتوبر"، كنت ومعي زميل الصحافة الأستاذ القرشي عبدالرحيم سلام، في استقبال الأستاذ الكبير والشاعر محمد سعيد جرادة، الذي زارنا باكرًا كعادته.. فهو من قوامي الفجر عكسي كنوام الضحى.. معه قصيدة كتبها عن عدم اقتناع لتناسب الذكرى المئوية لميلاد فلاديمير لينين.. وأراد بلا ممانعة إعادة نشرها.

القرشي عبدالرحيم سلام (شبكات التواصل)
القرشي عبدالرحيم سلام (شبكات التواصل)

ولهذه القصيدة قصة طويلة يتداخل فيها مع الجرادة الأستاذ الأكبر عبدالله فاضل فارع.. والشاعر الجميل محمود علي الحاج، قد ألملم شتات تفاصيلها في ذاكرتي.. وأعود للحديث عنها لاحقًا إذا بقي في العمر متسع، وفي السنين جدوى.
وبينما نحن معًا نتجاذب أطراف الحديث، فتح الجرادة سامسونايته، وهي لا تبقى مغلقة بإحكام إلا إذا وضع إصبعه على بابها ليثبت إحكام إغلاقها! يقول: لازم أصبِّع لعارها حتى لا تفتح وتطعفر السامان اللي بداخلها.. أخرج رأس جزر من الشنطة، وأخذ يقضم منه بشهية! عندما كنا معًا في القاهرة كان يكثر من أكل الجزر.. قال إنه يقوي النظر.. وقلت له لكنك يا أستاذ تكثر منه لدرجة قد تربي لك عينًا ثالثة! فردها لي على التو، ونحن عند

مطعم الحاتي، وطلبت طبق كباب مصري مشوي.. وطحينة مع الخبز.. كنت أحب الكباب المصري جدًا جدًا.. فردها لي الجرادة جوابًا على ما قلته له عن محبته للجزر.. قال: من كثر أكلك للحوم، أخشى أن تنبت لك مخالب! واحدة بواحدة.

عبدالله فضل فارع(شبكات التواصل)
عبدالله فضل فارع(شبكات التواصل)

قال لنا رئيس التحرير إن عليَّ أن ألحق بموكب الأمين العام الذي سيزور لحج، في احتفاء بتدشين العمل في مزرعة جديدة استصلحت أراضيها.. سيارتك موجودة؟ قلت نعم.. قال: سيمر موكب الأمين العام من معاشق بعد قليل، فالحق بموكبه على الطريق.. قال القرشي: باجي معك.. وقال جرادة: وشلوني معاكم.. وسلم القصيدة اللينينية للسيد علي الضحياني، مصحح بروفات الجريدة.. ومشينا لنلحق بموكب الأخ الأمين العام الذي كان في ذلك الوقت قد تولى أيضًا هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى.. يعني صار الرئيس، وأيضًا الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني الذي أعلن تأسيسه وقتها.
ووصلنا محافظة لحج.. قبل العاصمة الحوطة ببضعة أميال، حيث مقر الاحتفال الذي نصبت له منصة خشبية وضعت عليها عدة كراسي للأمين العام ومن معه.. ونحن كنا ضمن من معه، وجلسنا في الخلف لفتاح، واستوى جرادة على كرسيه، وهو ممسك بشنطته.. ومصبِّع لها كي لا تفتح.. وبجانبه جلسنا.. يبدو أن عبدالفتاح إسماعيل خرج قبل تناول فطاره.. فأشر بيده.. وأحضروا له دبة حافظة، صندوقًا بلاستيكيًا لحفظ الساخن والبارد.. وفتحها.. وكان

محمد سعيد جرادة
محمد سعيد جرادة(شبكات التواصل)

الجرادة غافلًا يحربش بيده داخل شنطته لا أدري يبحث عن ماذا.. وطلعت رائحة طعام الأخ الأمين العام.. وشمشم جرادة بأنفه الذي كان يحركه في حركة شمشمة واضحة.. وقال: أيش هذا العرف؟ ها؟ ورفع صوته أكثر، وقال: أيش ذي العروفات؟ ما تشموش؟ أحرجنا من كلامه.. ويبدو أن الأخ الأمين العام سمع كلامه.. فالتفت نحونا، وقال: هيا بسم الله.. باتتفضلوا معي قراع؟ فشكرناه باستحياء.. ورجع إلى طعامه، وهو يقول: عيش وملح! ونحن ساكتين ومبلمين.. ورجع الجرادة يحربش بيده داخل شنطته السامسونايتية أم إصبع.. لكزه القرشي وقال له: اهجع يا محمد الناس تتفرج علينا.. أيش تدور ذي الساع؟ أجابه بالقول: أدور على اثنين دينار أنا متأكد أننا طرحتهم في

محمود علي الحاج(شبكات التواصل)

الشنطة! مش وقته.. قال له القرشي.. ويبدو أن أحد ضباط الأمن قد لاحظ حركات مريبة عندنا.. فاقترب وقال بلؤم: أي خدمة يا رجال؟ ارتبك الجرادة وأفلتت إصبعه زمام باب السامسونايت.. فانفتحت.. واندلق كل ما فيها على الأرض.. 3 رؤوس جزر.. وحبتين ليم حامض.. وقلمين حبر جاف.. و3 كراريس مدرسية... وأيضًا بعض الزبيب واللوز! وظهر وسط هذا الكل أخيرًا الديناران اللعينان سبب هذه الفضيحة كلها. ارتاح رجل الأمن، ورجع إلى موقعه مطمئنًا.. ونحن ذايبين في هدومنا من الخجل! ألم أقل لكم عن عشق الجرادة الجنوني للجزر.. ونسيت أن أضيف أنه قد اشترى آلة لعصر الجزر من القاهرة، بأغلى الأثمان!
ألقى فتاح كلمة بمناسبة تدشين المزرعة.. وانطلقنا بعده لمعانقة الفلاحين الفقراء، مهنئين لهم بهذا الإنجاز العظيم.
ومرت واقعة سامسونايت الجرادة أم إصبع بأمان.. وقفلنا راجعين.