ثورة الضرورة القصوى يكفيها الطرقات فخرًا

يتم تداول فيديو هذه الأيام، وعلى نطاق واسع! تعليق مرفق يشير إلى الصراع الشافعي الزيدي من غداة ثورة 26 سبتمبر 62!
المغزى واضح الآن من تسريب مثل هذا الفيديو، محاولة تأجيج صراع شافعي زيدي بأثر رجعي، وكأن هذه البلاد ناقصة صراعات!

ما هو قائم وما يهيأ له مستقبلًا من صراع مذهبي لن يبقي ولن يذر، يكفيها إلى يوم القيامة! لذلك يصبح ترفًا أن تدعو إلى صراع جديد.
في الفيديو نسمع صوت أنور السادات جليًا يقدم ما يشبه التقرير عن رحلته إلى صنعاء، والأوضاع في اليمن، يشير محضر اجتماع مكتوب رقمه "17 أكتوبر 1962" إلى أن اجتماعًا عقد برئاسة عبدالناصر، وعلى جدول الأعمال موضوع اليمن.. ولولا أن نفس الكلام في محضر مكتوب وبرقم، لقلت إن هناك من تلاعب بالصوت وأخرجه كما يريد صاحب القصد!

يقول السادات:

"إحنا قومنا (وردت هكذا) بزيارة لليمن فى يوم الجمعة الماضي. كان الواقع أساس الزيارة إنه كان دايما بتيجي منهم إشارات كانوا مبلبلين شوية وتعبانين، وبرغم إن الموقف كان هنا سليم وواضح مكانش فيه حاجة أبدا. فوصلنا وقابلنا السائل ويعني على ما روحنا فى الواقع كان الموقف العسكرى بالنسبة لهم هم هو من الأول واضح وسليم، لكن بالنسبة لهم هم كان وضح أكتر.
هم طبعا كل مشكلتهم إنهم كانوا عاوزين طيارات من أول يوم.. من أول ساعة عاوزين طيارات علشان يضربوا بيها القبايل.
مكانش متيسر إن الطيارات تروح؛ لأنه مافيش مدى توصل إليه الطيارات اللي هي الـYAK المطلوبة للعمليات. وكان فيه -زي ما إنتو عارفين- الضرب بيحصل من هنا على صعدا، فعلى ما إحنا وصلنا كان ابتدى فعال الموقف يتحسن بالنسبة لوضع الطيارات اللي هناك. الطيارات بتاعتهم اللي كانت بتتصلح خالص فقدوا الأمل فيها، والطيارات بتاعتنا وصلت واتركبت وابتدوا يطلعوا بيها ويعملوا عمليات.
الوضع السياسي بالنسبة للثورة هناك.. السلال دخل الثورة في الفجر، يعني الثورة قامت بشلة ضباط صغيرين ملازمين كلهم اللي قاموا بهذه الثورة، وعلى رأسهم الضابط اللي مات اللي اسمه علي عبدالمغني. لما لقى إن مافيش فايدة، والبدر عمال بيعمل كل يوم تصريحات بزيادة أجور ومرتبات ووعود ومجلس تشريعي و.. و.. ملقاش حل إلا إنه يجي في ليلة ويروح واخد الضباط الصغيرين -اللي هم عبارة عن مدرسة الأسلحة في صنعا- ويطلعوا وكلهم ملازمين. وطلعهم بالذخيرة اللي عندهم وحاصروا قصر البدر، وعلى ما جه الفجر كانت ذخيرتهم كلها خلصت، وكانت الثورة فشلت وانتهت. وانسحب علي عبدالمغني هو وضباطه إلى القشالق علشان يدافعوا عن رقبتهم، واعتبروا إن الثورة انتهت.. فشلت.
فى هذا الوقت اتصل علي عبدالمغني بالولد القائم أمين المحفوظات اللي في السفارة بتاعتنا؛ صديقهم أوي يعني، وفي الواقع الولد ده لعب دور كبير أوي أوي، فاتصل بيه. فقاله: ما تروح للسلال يمكن يديكوا ذخيرة يعني.
ما قاله السادات أثبت بالدليل أن الصورة لم تكون واضحة في ذهنه، عند هذه النقطة قال في موضع آخر:
"كل شيء كان عندهم، قلنا لهم ارسلوا لنا المخطط"..في نفس الزيارة زيارة أخرى، عند صعوده إلى الطائرة عائدًا إلى القاهرة، كان محمود السعدني قادمًا عليها إلى صنعاء، عاد السادات يطلب منه وقد نزل من السلم:
"يا محمود، أنا مش فاهم حاجة، إذا فهمت شيء، يبقى تكلمني لما تعود".
هذه الخفة التي تكلم فيها السادات، إما أنها كانت مقصودة لهدف ما، أو أنه كان لا يدري شيئًا عما حصل في اليمن، فظل يستقي معلوماته من د. عبدالرحمن البيضاني… فما قاله عن البدايات لم يكن صحيحًا إلى ذلك الحد، وأن هناك صراعًا زيديًا شافعيًا! لم يذكر أن الشيخ محمد علي عثمان كان رئيسًا لمجلس السيادة.. والاستخفاف الذي تحدث به كان غريبًا: "اتصلوا بالواد بتاعنا في السفارة اللي طلب منهم الاتصال بالسلال!

ما قاله السادات يصور موقف مصر وكأنها الزوج المخدوع الذي لا يدري شيئًا عما يدور في بيته وفي الواقع من حوله.. كشف السادات عن وجهه مبكرًا!

السؤال الأهم الآن:
ما المغزى من تسريب الفيديو وفي هذه الظروف تحديدًا؟!
من سربه، وفي هذا التوقيت المقصود، يريد أن يلغي من الأذهان عظمة ثورة سبتمبر 62 برغم الأخطاء التي ارتكبها الثوار ومن حُسبوا عليها عنوة...
بما مثله السادات من يومها أراد بل قال إن الثورة مجرد رغبة لعدد من الملازمين، بينما وثائق الثورة تقول بغير ذلك، ومحتفظ بها في ملفات أجهزة المخابرات وأرشيف كل صحيفة كبرى كالأهرام... وعبدالناصر لم يأتِ بجيش مصر إلا لأنه كان يدرك ما يريد، ولم يكن يومها يعرف البيضاني الذي قدمه إليه السادات، ولم يكن في باله لاعبًا أساسيًا!
هل كانت ثورة 26 سبتمبر ثورة صدفة؟ أم ثورة الضرورة القصوى؟
الثورة -أية ثورة- لا يعد لها ويخطط لمجرد أنها ضد شخص لوحده. الثورة فعل جبار ضد وضع مزرٍ كما كان في اليمن قبل 26 سبتمبر 62. يكابر من يريد وله أن يقول غير هذا، لأنه ترسخ في ذهنه أن الثورة قامت ضد الإمام أحمد، بالفعل، ولكن كرمز وحاكم، ولذلك من أخطاء الثوار نقول إن ما جرى لأسرة حميد الدين من نساء وأطفال، لم يكن معبرًا عن الثورة، بل كانت رغبة ناقمة لمن لم يكونوا يفرقون بين الثورة والثور!
كذلك الإعدامات بدون محاكمات تظل نقطة سوداء في الثوب الأبيض.
لا يعني ذلك أن ثورة سبتمبر كانت أقل من حلم الناس، بل كانت ضرورة قصوى بحجم حلمهم.
لن نعدد إنجازاتها..
يكفيها فخرًا الطرقات فقط إذا قسمناها، فالطرق وصلت هذه البلاد ببعضها، وأتت بإنسان المشرق إلى اليمني الآخر في جنوب الشمال وجنوب البلاد، ويكفي التذكير بأن مسافة الأربع ساعات الآن بين تعز وصنعاء، كانت أيام الصيف تحديدًا خلال شهر كامل، فالطريق هي التي عززت اللحمة والوحدة الوطنية، وهي التي وصلت اليمن ببعضه، وهنا لا بد من وقفة للقول إننا قلنا أكثر من مرة "قيموا" المراحل، أعيدوا القراءة بما يتعلق بالثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر، للأسف لم يسمع أحد.. وظل الجميع فقط يشتمون "العهد المباد"، ويحملونه حتى مسؤولية انقطاع المطر! هذا ليس تملقًا لأحد، فقد كتبته مرات.
على أن الإشارة إلى الآخرين فيه فائدة عظمى، الزميل عباس غالب كان أول من كتب وفي صحيفة "الثورة"، وقالها: "يكفي شتائم للعهد المباد". يومها قامت القيامة، ولولا بعض العقلاء لكان قد تم رميه في غياهب الأمن الوطني!
ثورة سبتمبر 62 ثورة عظيمة نظرًا للظروف التي أحاطت بالفعل.. ولا يضيرها ما قاله السادات أو غيره.
وهي كأية ثورة لثوارها أخطائهم..
هي ثورة بحق، ثورة الضرورة القصوى..

"النداء"
22 سبتمبر 2023