وجه الله... وجه غاضب؟

وجه الله... وجه غاضب؟ إلهام مانع

ومنذ متى كان الله كارهاً لخلقه؟
تساءلت، وأنا استمع إليها.
ووالله، أني احترقت، وأنا أردده.
وها أنذا أعيد السؤال إليكما: منذ متى كان الله كارهاً لخلقه؟
 فتمعن، ثم تأملي، قبل أن تردا!
محدثتي كانت صحافية ماليزية، هندوسية الديانة.
التقيتها على هامش مؤتمر "تعلُم الحياة في عالم متعدد الثقافات"، الذي عقد في Caux في سويسربين الخامس والتاسع من يوليو الماضي، والذي رعته منظمة المبادرة من أجل التغيير.
كانت تحدثني عن ما يحدث في ماليزيا. كانت تحدثني عن ألمها.
عن التغيير الذي يحدث في بلدها... تغيير أَثر على حياتها، وحياة غيرها. وكانت تقص علي حكاية عرفتها من بداياتها، لأنها القصة نفسها التي تكررت فصولها في بلداننا العربية بدءا بمصر، مروراً بسوريا، واليمن،...، وبلدان المغرب العربي.
محدثتي قالت لي إنها كانت تحيا في منطقة، سمُتها التعدد. منطقة هي بؤرة مصغرة لماليزيا. وكما تعرفون، دولة ماليزيا تجمع بين قوميات وديانات متعددة. نصف سكانها مالاويون يدينون بالإسلام، ثلث السكان ماليزيون من أصل صيني، ومعظمهم يدينون بالبوذية، ونحو 7% ماليزيون من الهنود يدينون بالهندوسية أو المسيحية، إضافة إلى جماعات سكانية تنتمي إلى أصول تايلاندية أو اندونيسية.
محدثتي قالت لي إنها في الماضي كانت تعيش مع مواطنيها من الماليزيين في وئام ومحبة.. إلى حد. لأنهم، كانوا يتعايشون معاً، ولا يتزاوجون فيما بينهم.
في كل الأحوال، وعلى الأقل، كانوا يعيشون معا، كلٌ ودينه، ويختلطون ويتزاورون. وكان التسامح سمة الحياة.
ثم هبت رياح التأسلم الشعبي، حركته جماعات إلاسلام السياسي. تماما كما هبت تلك الرياح في بلداننا العربية، وغيرت من طابعها. نراه اليوم من جديد في بلدان جنوب شرق آسيا.
فأقتلعت المحبة والتسامح من جذورها.
محدثتي قالت لي إن الزيارات التي كانت يومية مع جاراتها وصديقاتها من الماليزيات المسلمات تباعدت... فأصبحت إسبوعية.
ثم تباعدت أكثر فأصبحت شهرية.
ثم انقطعت.
وقبل أن تنقطع، عادتها بعض من تلك الصديقات. قلن لها إن الأئمة الجدد في المساجد يحذرونهن من الإختلاط بمن لا يدين بدينهن. وأنهم أكثروا من النصح، بكلمات تنز بالكراهية، قالوا لهن:»لا تودوا من لا يدين بدينكن. أقطعو صلة المحبة والود. وحبذا لو أضمرتن لهن الكراهية في القلب».

ولأنهن ظننَّ أن الأئمة في مساجدهن يحدثونهن بحديث الله، صدقن ما يقولونه. وكما تعرفون، فإن بعض الظن إثم.
خفن، فأبتعدن، حتى انقطعن عن صديقتهن الماليزية الهندية الأصل، الهندوسية الديانة.
 فعاد السؤال إليَّ من جديد: ومنذ متى كان الله كارهاً لخلقه؟
لا أقول ذلك بأريحية من يقتنع بتفوق دينه، كما يفعل الكثير من مفكرينا المسلمين.
كأنه يتصدق على خلق الله، بمحبة الله أو كراهيته.
بل أقولها لأني على قناعة أننا جميعاً نقف أمامه سواسية.
مسلمون، مسيحيون، يهوديون، بوذيون، هندوسيون، ملحدون. كلنا خلقه.
الله المحبة. هكذا تصورته دائما. نوره المحبة.
أما الله الذي يصوره لنا الفكر الديني السلفي، فهو لا يزيد عن رجل غاضب. هكذا يصوره لنا.
رجل غاضب، وجهه مكفهر، متجهم، كئيب، كئيب. لا يحب. بل يكره.
ونخافه. أي والله نخافه، يقولون لنا أن نخافه، فترتعد فرائصنا منه، هو ومعه الموت.
فلا نأمن له.
كأنه صورة مجسدة لمن يروج للفكر السلفي نفسه.
الله المحب، لا وجود له ضمن هذا الفكر.
لا يحبنا. وفي الواقع لا يحب لنا الخير.
 فهو عندما يحبنا يَمن علينا بالبلايا.
هل تذكرون تلك العبارة التي مافتئوا يكررونها علينا:»إن الله إذا احب عبداً ابتلاه!»
يقولون لنا إن الله عندما يحبنا يكرهنا!! فيتصدق علينا بالبلايا!! بالله عليكم، هل نريد حبه بعد هذا؟

ومع الوجه المكفهر للرحمن الذي يصورونه لنا، كذلك الدين الذي يدعونا إليه.
دين لا يحب الحياة. بل يدعونا إلى الموت، وإلى الموت ونحن نحيا.
دين لا يؤمن بالجمال في الحياة. بل ينفر من كل ما هو جميل في الحياة.
لا يؤمن بالحب، بالفن، بالغناء، بالموسيقي، بالرقص، والرسم... لا يؤمن بالجمال.
تخيلوا: نغمة موسيقية جميلة، نطرب لها، نهز رؤوسنا معها، فينعق علينا صائح: «الموسيقي حرام». لا يؤمن بالجمال بل يصر على القبح، الظلام، الكراهية، ثم الموت.
أريد صورة للرحمن «طبيعية».
يحبنا، ونحبه.
لانخافه.
بل نحبه.
ليس بعبعاً، نخيف به الأطفال، فيصابوا بالكوابيس، ويبللوا أسرتهم ليلاً.
وأريد ديناً، لا يدعو إلى الموت في الحياة. بل يدعونا إلى الحياة، ومحبتها.
فأنا أريد أن أحيا. وليس في الحياة، أو محبته، ما يعيب.
هذه رؤيتي للرحمن، وهذه رؤيتي للدين كما أمارسه. قد تتفقون معها، وقد تختلفون. وفي كل الأحوال سأحترم موقفكم.
لكن، عندما يتعلق الأمر بعلاقة الإنسان بغيره من البشر، عندما يتعلق بالعلاقة مع الماليزية من أصل هندي، وديانتها هندوسية، رجوتكم، رجوتكم كثيراً، أن لا تقحموا الدين في الموضوع.
وأنا أعني هذه العبارة كما فهمتموها.
لا تُدخلوا الدين في علاقة الإنسان بالإنسان، سواء كان هذا الدين داعياً إلى المحبة أو الكراهية.
بكلمات اخرى، حتى لو جاء إنسان يدين بالمسيحية، في صورتها المتسامحة (فالتطرف في كل الأديان كما تعرفون)، ليقول لي إن دينه يدعوه إلى محبة غيره من غير المسيحيين، فإن موقفي سيظل حذرا من مثل هذا الحب. فكما أحبني لأن دينه يقول له ذلك، فهل سيكرهني لو دعاه دينه إلى الكراهية؟
هما وجهان لعملة واحدة. سلوكٌ يتحكم فيه فكر ديني.
وأنا لا أريدها محبة دينية.
بل إريدها محبة إنسانية.
أخرجوا الدين من تعاملنا مع الإنسان.
لا تحبوا إنساناً أو تكرهوه لدينه، أو لأن دينكم يقول لكم بالمحبة أو الكراهية.
بل إقبلوا الإنسان كما هو.
مجرداً.
هكذا.
إنسان.
لو كان فعله خيرا، أحببته. وسأحبه، لا أسأل هل هو بوذي، هندوسي، ملحد، مسلم، مسيحي، أو يهودي.
ولو كان فعله سيئا، ابتعدت عنه. ولن أسأل.
لكني لن انقطع عن زيارة جارتي، لأنها هندوسية الديانة.
ولن أكف عن تحيتها ومعايدتها في الأفراح والأحزان، لأنها تؤمن بآلهة متعددة.
ما تؤمن به شأنها، مادام لا ينتهك حقوقاً إنسانية.
وما يربطني بها هوية هي الأسمى: هوية الإنسان.
 وكما أن الله لا يكره خلقه، كذلك الإنسان لا يكره نظيره.
ولذا، أعود، لأقول لكم: هي الحكاية نفسها تتكرر فصولها، نراها اليوم في ماليزيا وإندونيسيا، كما تابعناها صامتين، في بلداننا العربية، تكتب سطورها رياح الاسلام السياسي، و لن يقف في وجهها، ويتصدى لها غير إيمان الإنسان.. بهوية الإنسان.

ومنذ متى كان الله كارهاً لخلقه؟
تساءلت، وأنا استمع إليها.
ووالله، أني احترقت، وأنا أردده.
وها أنذا أعيد السؤال إليكما: منذ متى كان الله كارهاً لخلقه؟
 فتمعن، ثم تأملي، قبل أن تردا!
محدثتي كانت صحافية ماليزية، هندوسية الديانة.
التقيتها على هامش مؤتمر "تعلُم الحياة في عالم متعدد الثقافات"، الذي عقد في Caux في سويسربين الخامس والتاسع من يوليو الماضي، والذي رعته منظمة المبادرة من أجل التغيير.
كانت تحدثني عن ما يحدث في ماليزيا. كانت تحدثني عن ألمها.
عن التغيير الذي يحدث في بلدها... تغيير أَثر على حياتها، وحياة غيرها. وكانت تقص علي حكاية عرفتها من بداياتها، لأنها القصة نفسها التي تكررت فصولها في بلداننا العربية بدءا بمصر، مروراً بسوريا، واليمن،...، وبلدان المغرب العربي.
محدثتي قالت لي إنها كانت تحيا في منطقة، سمُتها التعدد. منطقة هي بؤرة مصغرة لماليزيا. وكما تعرفون، دولة ماليزيا تجمع بين قوميات وديانات متعددة. نصف سكانها مالاويون يدينون بالإسلام، ثلث السكان ماليزيون من أصل صيني، ومعظمهم يدينون بالبوذية، ونحو 7% ماليزيون من الهنود يدينون بالهندوسية أو المسيحية، إضافة إلى جماعات سكانية تنتمي إلى أصول تايلاندية أو اندونيسية.
محدثتي قالت لي إنها في الماضي كانت تعيش مع مواطنيها من الماليزيين في وئام ومحبة.. إلى حد. لأنهم، كانوا يتعايشون معاً، ولا يتزاوجون فيما بينهم.
في كل الأحوال، وعلى الأقل، كانوا يعيشون معا، كلٌ ودينه، ويختلطون ويتزاورون. وكان التسامح سمة الحياة.
ثم هبت رياح التأسلم الشعبي، حركته جماعات إلاسلام السياسي. تماما كما هبت تلك الرياح في بلداننا العربية، وغيرت من طابعها. نراه اليوم من جديد في بلدان جنوب شرق آسيا.
فأقتلعت المحبة والتسامح من جذورها.
محدثتي قالت لي إن الزيارات التي كانت يومية مع جاراتها وصديقاتها من الماليزيات المسلمات تباعدت... فأصبحت إسبوعية.
ثم تباعدت أكثر فأصبحت شهرية.
ثم انقطعت.
وقبل أن تنقطع، عادتها بعض من تلك الصديقات. قلن لها إن الأئمة الجدد في المساجد يحذرونهن من الإختلاط بمن لا يدين بدينهن. وأنهم أكثروا من النصح، بكلمات تنز بالكراهية، قالوا لهن:»لا تودوا من لا يدين بدينكن. أقطعو صلة المحبة والود. وحبذا لو أضمرتن لهن الكراهية في القلب».

ولأنهن ظننَّ أن الأئمة في مساجدهن يحدثونهن بحديث الله، صدقن ما يقولونه. وكما تعرفون، فإن بعض الظن إثم.
خفن، فأبتعدن، حتى انقطعن عن صديقتهن الماليزية الهندية الأصل، الهندوسية الديانة.
 فعاد السؤال إليَّ من جديد: ومنذ متى كان الله كارهاً لخلقه؟
لا أقول ذلك بأريحية من يقتنع بتفوق دينه، كما يفعل الكثير من مفكرينا المسلمين.
كأنه يتصدق على خلق الله، بمحبة الله أو كراهيته.
بل أقولها لأني على قناعة أننا جميعاً نقف أمامه سواسية.
مسلمون، مسيحيون، يهوديون، بوذيون، هندوسيون، ملحدون. كلنا خلقه.
الله المحبة. هكذا تصورته دائما. نوره المحبة.
أما الله الذي يصوره لنا الفكر الديني السلفي، فهو لا يزيد عن رجل غاضب. هكذا يصوره لنا.
رجل غاضب، وجهه مكفهر، متجهم، كئيب، كئيب. لا يحب. بل يكره.
ونخافه. أي والله نخافه، يقولون لنا أن نخافه، فترتعد فرائصنا منه، هو ومعه الموت.
فلا نأمن له.
كأنه صورة مجسدة لمن يروج للفكر السلفي نفسه.
الله المحب، لا وجود له ضمن هذا الفكر.
لا يحبنا. وفي الواقع لا يحب لنا الخير.
 فهو عندما يحبنا يَمن علينا بالبلايا.
هل تذكرون تلك العبارة التي مافتئوا يكررونها علينا:»إن الله إذا احب عبداً ابتلاه!»
يقولون لنا إن الله عندما يحبنا يكرهنا!! فيتصدق علينا بالبلايا!! بالله عليكم، هل نريد حبه بعد هذا؟

ومع الوجه المكفهر للرحمن الذي يصورونه لنا، كذلك الدين الذي يدعونا إليه.
دين لا يحب الحياة. بل يدعونا إلى الموت، وإلى الموت ونحن نحيا.
دين لا يؤمن بالجمال في الحياة. بل ينفر من كل ما هو جميل في الحياة.
لا يؤمن بالحب، بالفن، بالغناء، بالموسيقي، بالرقص، والرسم... لا يؤمن بالجمال.
تخيلوا: نغمة موسيقية جميلة، نطرب لها، نهز رؤوسنا معها، فينعق علينا صائح: «الموسيقي حرام». لا يؤمن بالجمال بل يصر على القبح، الظلام، الكراهية، ثم الموت.
أريد صورة للرحمن «طبيعية».
يحبنا، ونحبه.
لانخافه.
بل نحبه.
ليس بعبعاً، نخيف به الأطفال، فيصابوا بالكوابيس، ويبللوا أسرتهم ليلاً.
وأريد ديناً، لا يدعو إلى الموت في الحياة. بل يدعونا إلى الحياة، ومحبتها.
فأنا أريد أن أحيا. وليس في الحياة، أو محبته، ما يعيب.
هذه رؤيتي للرحمن، وهذه رؤيتي للدين كما أمارسه. قد تتفقون معها، وقد تختلفون. وفي كل الأحوال سأحترم موقفكم.
لكن، عندما يتعلق الأمر بعلاقة الإنسان بغيره من البشر، عندما يتعلق بالعلاقة مع الماليزية من أصل هندي، وديانتها هندوسية، رجوتكم، رجوتكم كثيراً، أن لا تقحموا الدين في الموضوع.
وأنا أعني هذه العبارة كما فهمتموها.
لا تُدخلوا الدين في علاقة الإنسان بالإنسان، سواء كان هذا الدين داعياً إلى المحبة أو الكراهية.
بكلمات اخرى، حتى لو جاء إنسان يدين بالمسيحية، في صورتها المتسامحة (فالتطرف في كل الأديان كما تعرفون)، ليقول لي إن دينه يدعوه إلى محبة غيره من غير المسيحيين، فإن موقفي سيظل حذرا من مثل هذا الحب. فكما أحبني لأن دينه يقول له ذلك، فهل سيكرهني لو دعاه دينه إلى الكراهية؟
هما وجهان لعملة واحدة. سلوكٌ يتحكم فيه فكر ديني.
وأنا لا أريدها محبة دينية.
بل إريدها محبة إنسانية.
أخرجوا الدين من تعاملنا مع الإنسان.
لا تحبوا إنساناً أو تكرهوه لدينه، أو لأن دينكم يقول لكم بالمحبة أو الكراهية.
بل إقبلوا الإنسان كما هو.
مجرداً.
هكذا.
إنسان.
لو كان فعله خيرا، أحببته. وسأحبه، لا أسأل هل هو بوذي، هندوسي، ملحد، مسلم، مسيحي، أو يهودي.
ولو كان فعله سيئا، ابتعدت عنه. ولن أسأل.
لكني لن انقطع عن زيارة جارتي، لأنها هندوسية الديانة.
ولن أكف عن تحيتها ومعايدتها في الأفراح والأحزان، لأنها تؤمن بآلهة متعددة.
ما تؤمن به شأنها، مادام لا ينتهك حقوقاً إنسانية.
وما يربطني بها هوية هي الأسمى: هوية الإنسان.
 وكما أن الله لا يكره خلقه، كذلك الإنسان لا يكره نظيره.
ولذا، أعود، لأقول لكم: هي الحكاية نفسها تتكرر فصولها، نراها اليوم في ماليزيا وإندونيسيا، كما تابعناها صامتين، في بلداننا العربية، تكتب سطورها رياح الاسلام السياسي، و لن يقف في وجهها، ويتصدى لها غير إيمان الإنسان.. بهوية الإنسان.