اليمن وحالة اللاحرب واللاسلم

تعيش اليمن منذ الثاني من أبريل عام 2022م حالة «اللاحرب واللاسلم»، ورغم فرح اليمنيين بالهدنة؛ لأنها توقف الاقتتال في اليمن، وتفتح نافذة الأمل بتطبيع الأوضاع، ومعالجة المآسي الإنسانية الكثيرة: الحصار الداخلي والخارجي، وتبادل الأسرى على قاعدة الكل مقابل الكل، وصرف مرتبات الموظفين، وعودة ملايين المشردين إلى مناطقهم، وحل قضايا العملة، وتوحيد البنك المركزي، ووقف الحملات الإعلامية، وخطاب الكراهية والتكفير والتخوين، والتحريض الدائم على غرس بذور الفتنة وإشعال الحرائق، لكن للأسف لم يتحقق من ذلك شيء.

الهدنة المرحب بها لم تعالج أية قضية أو مشكلة من قضايا الوطن والمواطنين، وظل الشعب اليمني ينتظر الذي يأتي ولا يأتي، وكأن الشعب الذي طحنته الحرب لا يعني لهؤلاء المتحاربين شيئًا. صحيح أن الحرب منذ ساعة الشر الأولى كانت بين خصماء سياسيين، وأطراف إقليمية ودولية، وكان الشعب وأمنه وسلامه وحياته أضحية حرب لا ناقة له فيها ولا معزة.
تُعلَن الهدنة، ويمضي عام وبضعة أشهر، وكل تبعات الحرب ومآسيها مازالت قائمة، فالتهديد شبه اليومي بالعودة للحرب سيف مصلت على الرقاب، وانتظار عودة حرب مخاوفها خطيرة. ثم ماذا يعني أن تتوافق كل الأطراف على التهدئة، ولا يعالجون تبعاتها المرعبة؟!
في الحرب كان كل طرف يسعى إلى الحسم العسكري، والانتصار في الحرب، وبعد مضي ثمانية أعوام، وبعد الخراب الذي لحق باليمن، تبين استحالة الحسم العسكري، أو تحقيق الانتصار.
لقد خابت آمال كل الأطراف في تحقيق الانتصار على بعضها، ولكنها انتصرت على اليمن، وحولتها وشعبها إلى أسوأ كارثة على وجه الأرض في مطلع القرن الحادي والعشرين.
تراجعت إرادة الانتصار، ولكن أوهامها وأحلامها لاتزال معششة، وتطل برأسها من نوافذ حالة «اللاحرب واللاسلم»؛ فكل طرف يريد أن يحقق بالتفاوض ما عجز عن تحقيقه بالحرب.
المطالبون بفك الحصار البري والبحري والجوي، وهم محقون، يعجزون عن فك الحصار عن تعز، أو فتحها بين الشمال والجنوب، والحالمون باستعادة الدولة الجنوبية لا يعترفون بهويتها اليمنية، ولا باستقلاليتها، وقياداتها المؤسسة، ويريدون العودة بها إلى ما قبل الاستقلال.
تريد إيران، ومعها كل الحق، أن تفك الحصار عن نفسها، وعن برنامجها النووي، وأن تتصالح مع جوارها الخليجي، وتحديدًا مع العربية السعودية، وتريد السعودية اقتطاع حضرموت ثمنًا لحربها على اليمن، كما ترمي إلى مد أنابيب نفطها إلى بحر العرب، وفي أحسن الأحوال تريد يمنًا ضعيفًا ومفككًا لا يحلم بالوحدة ولا بالديمقراطية، ولا بثورة يمنية أو ربيع عربي.
إن العربية السعودية لا تريد قيام دولة يمنية حتى لو كانت تابعة، أما الإمارات العربية المتحدة، فهدفها الاستيلاء على الموانئ، والجزر، وتعطيل ميناء عدن، والاستيلاء على سقطرى، وتضغط بالتحالف مع أمريكا وإسرائيل على حليفتها السعودية؛ لإطلاق يديها في الجنوب اليمني، والأخطر هو ما يريده الأمريكان والبريطانيون الطرفان الأساسيان في الرباعية الدولية، وفي لعبة الحرب في العالم.
حرب 67 أضعفت مصر والوطن العربي، وقوت إسرائيل، كما أن اتفاقية كامب ديفيد عزلت مصر عن محيطها العربي، أما الحرب العراقية -الإيرانية، فقد حرفت الصراع من صراع عربي -إسرائيلي، إلى عربي -فارسي.
تدمير العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، وحاليًا السودان، الغاية منه تحويل الأمة العربية كلها إلى «عرب إسرائيل».
استشعار العربية السعودية بخطورة استمرار الحرب، والمبادرة إلى إطفاء الحريق في اليمن، مهم لسلامة الشعبين، والأمة كلها.
تمزيق الأمة العربية، ونهب ثرواتها، وتركيعها، هو الهدف الأساس لما يجري في المنطقة كلها.
وقف الحرب في اليمن، وإيجاد مصالحة وطنية مجتمعية شاملة بين الشمال والجنوب، وبين الجنوب والجنوب، والشمال والشمال، وبين العربية السعودية واليمن، خطوة أساسية مهمة لتعافي أجزاء مهمة من الجسد العربي؛ فاليمن الممزق والمتحارب هو البوابة الكبرى للتدخل الأمريكي والبريطاني، وتسيد إسرائيل، ونهب الثروة، وفرض إسرائيل كسيد وحيد، وخلق صراعات تعم المنطقة والأمة كلها، وتبدأ ولا تنتهي.

حالة «اللاحرب واللاسلم» في اليمن تهديد مستمر؛ وهو تهديد لا يطال اليمن وحدها، وإنما يمتد وعيده إلى مناطق الثروة النفطية، وأبعد من ذلك؛ وهو ما يريده صناع الحرب الحقيقيون.

يهم اليمنيين -كل اليمنيين- وقف الحرب، وأن يعم السلام ويغمر الأرض اليمنية كلها.
تصريح المبعوث الأممي، وتحذيره من برميل البارود اليمني، خطير، ويظل التوافق على وقف دائم للحرب، مطلبًا شعبيًا، وقوميًا، وأمميًا، لكن التفاوض على الخلاص من تبعات الحرب، وإعادة بناء الكيان اليمني، وتحقيق المصالحة الوطنية المجتمعية، أمر يقرره اليمنيون بإرادتهم الحرة وباختيارهم، وليس من حق صناع كارثة الحرب في المستويات الثلاثة: الأهلي، والإقليمي، والدولي، أن يكونوا الأوصياء والموكلين بتقرير مصير اليمن، وهم الذين شاركوا في تدميره، كما أنه لا يعفيهم من مسؤولية تحمل تبعات الحرب، وكلفة البناء.
كل المليشيات لا مصلحة لها في السلام؛ فالحرب أداتها الوحيدة، ووسيلتها المثلى للتسيد، والنهب، وحالة «اللاحرب واللاسلم» يبقي أيديها على الزناد؛ لحماية المصالح المكتسبة بالحرب، والإفلات من المساءلة.