أحمد علي الوادعي كمفكر ومحامٍ وإنسان

أحمد الوادعي (صورة أرشيفية متداولة)

أحمد علي الوادعي ضابط من ضباط الدفعات الأولى إلى جانب رفاقه وزملائه في كلية الشرطة: جار الله عمر، وأحمد علي السلامي، ومحمد عبدالسلام منصور، وأحمد الصياد. وهي الدفعات الأولى من الضباط والملازمين الأوائل التي أسهمت في الدفاع عن الثورة والجمهورية وحمايتها.

انخرط الوادعي مع زملائه باكرًا في معارك الدفاع عن صنعاء، وكان دورهم مشهودًا إلى جانب الجيش، وقوات النجدة القومية المصرية، كما كان لهؤلاء الضباط الصغار في الجيش والأمن شرف حماية صنعاء في حصار السبعين يومًا، إلى جانب إخوانهم في المقاومة الشعبية والدفاع الشعبي.
انتمى باكرًا لحركة القوميين العرب، ثم للحزب الديمقراطي الثوري. درس الحقوق في جامعة صنعاء (الدفعة الأولى)، والتحق بالمحاماة، وانغمس في التثقيف الذاتي.
نشر العديد من الأبحاث والدراسات عن الإحياء الديني والتجديد، وأبرز رموزهما كالعلامة محمد بن إسماعيل الأمير صاحب "سبل السلام"، وصالح بن مهدي المقبلي وآخرين.
في الكلمة التي ألقاها رفيقه محمد بن عبدالسلام منصور في التكريم الذي أقامه "منتدى الحداثة والتنوير"، أشار إلى بواكير الكتابة للوادعي في صحيفة الكلية الحائطية.
بدأ اليتيم أحمد الوادعي -كما يشير القاضي يحيى علي أحمد الواسعي في كلمته التي ألقاها في ندوة التكريم- دراسته التقليدية في قريته، راصدًا جانبًا من سيرة المكرم الوادعي؛ فذكر أن الوادعي في طفولته درس القرآن وعلومه، ودرس المتون كالأجرومية في قريته "القاسم"، بعمران، وانتقل إلى صنعاء للدراسة بدار العلوم، والتحق بعدها بكلية الشرطة، وعمل في مباحث تعز وصنعاء، ثم في الداخلية.
ويشير إلى تفوقه في الدراسة في الشريعة والقانون، ودوره في تأسيس نقابة المحامين. وأذكر أيضًا دوره في تأسيس نقابة الصحفيين؛ فقد أسهم في صياغة النظام الداخلي، وانتخب عضوًا في قيادة النقابة في المؤتمر العام الثاني، وتولى المسؤولية الثقافية في النقابة، وظل على تواصل بالنقابة، واهتم بالدفاع عن الحريات العامة والديمقراطية، وحرية الرأي والتعبير، وله العديد من الأبحاث والدراسات حولها، وبالأخص دراسته المهمة على قانون الصحافة والمطبوعات لعام 1990، وقد نُشر في كتاب "الصحافة في اليمن الهامش والانتهاكات"؛ إصدار "صحفيون بلا قيود" إلى جانب مواضيع، لتشكل أكثر من كتاب.

الوادعي مع ابنتيه في قاعة عبدالناصر بجامعة صنعاء في احتفالية في اليوم العالمي للمرأة
الوادعي مع ابنتيه في قاعة عبدالناصر بجامعة صنعاء في احتفالية في اليوم العالمي للمرأة (صورة اهدتها النداء الزميلة والباحثة أروى عبده عثمان)

منذ سبعينيات القرن الماضي أصبح حضور أحمد الوادعي -كمحامٍ، وفي الثقافة والسياسة، و في الندوات والمحاضرات ومقايل القات- ساطعًا؛ فهو شديد الذكاء، عميق المعرفة، واسع الاطلاع، يمتلك مقدرة فائقة على الحوار والإقناع.

لم تفت الاعتقالات الكثيرة والتعذيب في المعتقلات والزنازين في عضده، وربما قوت عزمه في الدفاع عن الحريات والحقوق، وإعطائها جل وقته دفاعًا في المحاكم، وكتابةً في الصحف والمجلات، وإثراءً لأكثر من بحث ومؤلف.
الاعتقالات والتعذيب قد أثرا يقينًا على صحته (شفاه الله)، وما يعانيه اليوم من متاعب الذاكرة ليس بعيدًا عن المعاناة والقسوة الوحشية التي نالته.
رصد الأستاذ الواسعي بتتبع واهتمام جوانب من دوره في نقابة المحامين، وتمثيلها في العديد من البلدان العربية، والمؤسسات التي عمل فيها كمستشار قانوني، وقد عمل عضوًا في هيئة التدريس في المعهد العالي للقضاء منذ العام 1985، وحتى 2007، وهو أيضًا عضو مؤسس في مجلس أمناء مؤسسة العفيف منذ التأسيس، وعضو محرر في الموسوعة، وكتب وراجع العديد من موادها، وكان صديقًا حميمًا للأستاذ أحمد جابر عفيف، وعضوًا في مجلس أمناء المرصد اليمني لحقوق الإنسان.
كان الوادعي نجمًا مضيئًا في الدفاع عن الحريات العامة والديمقراطية، وحرية الرأي والتعبير، والحريات الصحفية كمثقف عضوي، ومحامٍ قدير، وصحفي كفء.
تصدى في المحاكم بشجاعة لأخطر وأهم القضايا؛ فقد دافع عن القصاص من المسلم الذي قتل يهوديًا، وبكفاءة ومعرفة ومهارة، حصل على الحكم بالقصاص (النفس بالنفس) [المائدة 45].
دفاعه المجيد في مواجهة دعوى المعاهد الدينية المدعومة من التجمع اليمني للإصلاح، وعلي عبدالله صالح، وتيار الإسلام السياسي ومؤازريه ضد صحيفة "الأمل" الناطقة بلسان الجبهة الوطنية الديمقراطية.
كان للمعركة ضد "الأمل" أبعاد جد خطيرة؛ فهي ضد أي تصالح وطني لوقف المواجهات في المناطق الوسطى، وبين الشمال والجنوب، وضد الحريات والديمقراطية، وضد تفتح الحريات السياسية، وحرية الرأي والتعبير. وكان التكفير والتخوين أهم عناصر الدعوى ضد "الأمل" ورئيس تحريرها الأستاذ سعيد الجناحي، وكان الانتصار لـ"الأمل" لكل قيم الوطنية والقومية والإنسانية، وقيم الحرية والعدالة والديمقراطية، وبالأخص حرية الرأي والتعبير (الحريات الصحافية).
وكان دفاعه القوي عن مقتل جار الله عمر في مؤتمر التجمع اليمني للإصلاح، حيث تولى الوادعي إلى جانب الدكتور محمد المخلافي، الدفاع عن جار الله عمر، وجرى الاقتصاص من قاتله مباشرة، ولكن العصابة الإرهابية، وعددهم يتجاوز الثلاثين، والرؤوس المدبرة في قيادة الأمن الوطني، ورأس الدولة، وتجمع الإصلاح، والتيار السلفي، قد تواروا.
وقد أشار الأستاذ حسن الدولة إلى دوره المتميز لأربعين عامًا قضاها في القراءة، والتأليف، والتدريس، والعمل المدني، وأغلبها -كإشارته- لم ترَ النور.
تعرض الأستاذ الوادعي للاعتقال المتكرر، والتعذيب البشع، والملاحقات والمضايقات بسبب كتاباته وأبحاثه وآرائه المنيرة والناقدة، ولا ننسى دفاعه الشجاع عن الأستاذين: يحيى الديلمي، ومحمد مفتاح، والقاضي لقمان الذي حكم عليه بالإعدام بغيًا وعدوانًا.

 

الوادعي ومؤلفاته:

يعدد القاضي الأستاذ يحيى أحمد علي الواسعي مؤلفات المحتفى به المكرم، وهي كالتالي:
1. شرح حقوق السلطة القضائية، 1985.
2. حقوق المرأة بين الشريعة والقانون، 1989.
3. دليلك إلى حقوقك، 1989.
4. قواعد إصدار الأحكام القضائية.
5. مقرر دراسي في المعهد العالي للقضاء.
6. المأزق الدستوري في اليمن.
7. كتاب العقود والتشريعات القانونية -تحقيق ودراسة.
8. رفع الخصام في الحكم بعلم الحكام، لمحمد بن علي الشوكاني، 1970.
9. دليل المرأة لحقوقها -قيد الطبع.
10. تحقيق لكتيب "نجاح الطالب في صفة ما يكتبه الكاتب"، للقاضي العلامة علي بن عبدالله الإرياني، وهو مطبوع أيضًا.
والوقع أن أبحاث ودراسات الوادعي كثيرة؛ فمع بداية السبعينيات بدأ النشر في مجلة "اليمن الجديد"، والمجلات الأخرى، وفي الصحافة اليمنية، ولو جرى البحث عنها وتجميعها مع الدراسات والأوراق التي شارك بها في الندوات والملتقيات؛ لكانت أكثر من كتاب، وبالأخص في الدفاع عن الحريات العامة، والديمقراطية، وحريات الرأي والتعبير، وحقوق الإنسان.

دافع الأستاذ الوادعي عن المرأة وحقوقها، وحقوق المواطنة، والحقوق المدنية، وعن دستور دولة الوحدة الذي قاد جماعة الإسلام السياسي معركتهم ضد الجوانب الوحدوية والمدنية فيه.
الأستاذ أحمد الوادعي باحث مهم، جمع بين الثقافة، والتشريع القديم، ودرس عميقًا التيارات والتشريعات الحديثة؛ فهو دارس متمكن، متين العبارة، ساطع الحجة، واسع الأفق والتسامح والرؤية. وهو ضمن قلة قليلة زهدت في الوظيفة، وابتعدت عن المغريات والهوس بالسلطة وفسادها واستبدادها، وبمقدار دفاعه عن الثورة والجمهورية، دافع عن الحريات والديمقراطية، والعدالة والحقوق.
كان نجمًا مضيئًا في سماء التقاضي كمحامٍ، وفي معهد القضاء كأستاذ، وفي الحياة الأدبية والثقافية ككاتب مرموق، ومثقف عضوي، وفي الندوات والمحاضرات كملقٍ ومتلقٍّ.
معاناة الأستاذ أحمد الوادعي بسبب إصابة الذاكرة كبيرة، وهناك عشرات من الأبحاث والدراسات والآراء النقدية له؛ فالوادعي مثقف ناقد ونابه، فكيف يمكن لزملائه وأصدقائه -على كثرتهم- وأسرته، التنادي

لجمع أعمال وإرث هذه العلامة المفكر، والعمل لنشرها؟!