المُكلا (شبكات التواصل)
المُكلا (شبكات التواصل)

وسط تحذيرات من كارثة محتملة.. مادة كيميائية خطيرة تثير هلع الأهالي في المكلا

عاش سكان مدينة المكلا، خلال الأسابيع القليلة الماضية، حالة من الهلع والرعب الشديدين على وقع أنباء عن وجود شحنة كبيرة من مادة كيميائية سامة يراد تخزينها في منشآت شركة النفط بحضرموت.

وفجع أهالي منطقة "خلف المكلا" القاطنون جوار منشآت شركة النفط، باعتزام الشركة تفريغ شحنة "MTBE"، وهي مادة كيميائية خطيرة وشديدة التطاير وقابلة للاشتعال والذوبان بالماء، ورائحتها تشبه المخدر، الأمر الذي دفع الأهالي إلى التجمهر بالقرب من منشآت الشركة للحيلولة دون إفراغ الشحنة، وتوجهوا بشكاوى إلى السلطات المحلية.
في يوليو الفائت، وجه محافظ حضرموت مبخوت بن ماضي، بتشكيل لجنة فنية متخصصة لفحص الشحنة وتقييم خطورتها، فكان رد اللجنة صادمًا، ومحذرًا من احتمالية وقوع مخاطر كارثية في حال تفريغ الشحنة.
اللجنة قالت

إن مكونات الشحنة تعد من أكثر المواد الكيميائية خطورة على حياة الإنسان والحيوان والنبات، وعلى البيئة بصفة عامة،

وتصنف عالميًا ضمن الفئة الثالثة في درجة الخطورة بعد المتفجرات والغازات السامة، وتحتاج إلى معايير آمنة لاستخدامها، ولها قواعد عالمية متبعة في عملية التفريغ والخزن والنقل. من أبرزها أن تكون الخزانات والمستودعات في أماكن بعيدة عن الأماكن الحيوبة والهامة أو المأهولة بالسكان، وعلى مسافة آمنة من حدود المنشآت المجاورة الأخرى.
شددت اللجنة على ضرورة أن تكون الخزانات الحاوية لهذه المواد مصنعة من مواد ذات مواصفات معينة بحيث لا تتأثر بفعل المادة التي تحتويها، وغيرها من المواصفات والمعايير أثناء التداول والاستخدام.
"النداء" تتبعت مسار الشحنة، واطلعت على استخداماتها وأضرارها، وتوصلت إلى أن MTBE"" هي مادة عضوية اصطناعية تحضر من منتجات بترولية (ميثانول وإيزوبيوتيلين)، وتضاف إلى البنزين كبديل لمادة الرصاص كوقود لمحركات السيارات الحديثة (بنزين أوكتان 90-95)، وبدأت تستخدم في بعض البلدان العام 2008، لكن عددًا من الدول توقفت عن استخدامها نظرًا للأضرار السمية الكبيرة التي تلحقها بالإنسان والبيئة.
وهي تصل إلى الإنسان عن طريق الاستنشاق أو في حال التسرب إلى المياه الجوفية، إذ إن لها قدرة كبيرة على الاختلاط في المياه، فضلًا عن صعوبة تحللها بواسطة الميكروبات، وبالتالي فهي تبقى طويلًا في البيئة.

وتوصلت دراسات بيئية وصحية إلى أن "MTBE" تتسبب بأمراض سرطانية وأمراض الجهاز التنفسي وأمراض الدم.

 

من أين أتت الشحنة؟

 

بحسب تقرير اللجنة الفنية الذي حصلت "النداء" على نسخة منه، فإن الشحنة قدمت بتاريخ 29 مايو 2023م، من ميناء جبل علي بدولة الإمارات العربية المتحدة، عبر الباخرة "اسلندرو"، وتبين أن شركة الحثيلي هي الشركة المالكة للشحنة التي بلغت كميتها 5001.33 طن متري، أي ما يعادل 6.722.229 لترًا، بينما شركة صافر هي الشركة المستوردة للشحنة.
علمت "النداء" أيضًا أن الشحنة كانت وصلت إلى مدينة عدن، لكن السلطات المحلية هناك رفضت تفريغها، فقام فرع شركة النفط بمحافظة حضرموت الساحل، بتفريغ أحد خزانات الشركة في مدينة المكلا، ليتم تخزين الشحنة فيه.

في 21 يونيو 2023، رفعت شركة مصافي عدن، مذكرة إلى وزير النفط والمعادن، للتحذير من خطورة الشحنة،

وقالت إن المصفاة سبق أن استوردت مثل هذه المادة عام 2008، فكانت العواقب وخيمة على المصفاة وكادرها، ووصل الأمر حد قيام شركة النفط اليمنية حينها برفع دعوى قضائية على قيادة المصفاة.
مذكرة شركة مصفاة عدن -التي حصلت "النداء" على نسخة منها- أوضحت أن من مخاطر مادة "MTBE" أنها لا تتحلل وتتسرب إلى المياه الجوفية لتجعلها غير صالحة للشرب مطلقًا، وأن عملية تنقية المياه من هذه المواد مكلفة وغير عملية.
أوضحت المذكرة أيضًا أن معظم بلدان العالم قد امتنعت عن استخدام هذه المادة، وحولت الوحدات الإنتاجية لهذه المادة لإنتاج مواد أخرى أقل ضررًا على البيئة.
تبين أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت من الدول السباقة في الامتناع عن استخدام مادة MTBE بقرار صادر عن البيت الأبيض عام 1999، بعد أن أثبتت التجارب الأمريكية مخاطر هذه المادة على الإنسان والبيئة، ثم لحقتها عدد كبير من دول العالم.

 

محاسبة المتورطين

 

تسريب خبر مساعي فرع شركة النفط بحضرموت تفريغ شحنة "MTBE" في أحد خزانات الشركة بالمكلا، جاء بعد اعتراض مدير إدارة التخطيط والإحصاء بفرع الشركة، على هذا الإجراء نظرًا لخطورته، وجراء ذلك أصدرت قيادة فرع الشركة قرارات تعسفية بحق الموظف. وهو ما تؤكده مذكرة نائب رئيس مجلس النواب المهندس محسن باصرة، الموجهة إلى وزير النفط والمعادن سعيد الشماسي.
باصرة طالب في مذكرته -تلقت "النداء" نسخة منها- بالعمل على نقل منشآت فرع شركة النفط بحضرموت الساحل من منطقة "خلف المكلا" المأهولة بالسكان إلى مناطق بعيدة.
كما وجه بالتحقيق في من هيأ وأفرغ خزان الوقود في المكلا لاستقبال مادة "MTBE" التي وصفها بالسامة، وشدد على اتخاذ الإجراءات العقابية والقانونية إزاء ذلك.
كما دعت المذكرة إلى معاقبة المسؤولين الإداريين والفنيين بمصفاة صافر، الذين استوردوا هذه الشحنة رغم التحذيرات من خطورتها منذ عام 2008.
ودعا نائب رئيس البرلمان إلى إنصاف الموظف الذي تعرض للتعسف، ومكافأته مع زملائه الذين لم يوافقوا على استكمال إجراءات دخول الشحنة وتخزينها.

 

التقرير PDF من هنا