معنى الشرعية في الأزمة السياسية و الوطنية الراهنة (3- 3 )

هذه المادة نشرت في مواقع التواصل الاجتماعي في أكتوبر 2016م، تعكس رؤية الكاتب في حينه والذي ما يزال متمسكا بالخطوط العامة بل وبالعديد من التفاصيل التي جاءت فيها، ولذلك يجب أن تقرأ في سياقها السياسي/ التاريخي الذي كتبت فيه"، وسيجد القارئ أن ما يحصل اليوم هو استمرار سياسي واقعي لمضمون هذه القراءة، بهذه الدرجة أو تلك، أو أنه لا يتناقض مع محتواها.

-------------------------------------------------------------------------------------------------

ثنائية السلطة والشعب:

إن تغول السلطة على الدولة واختطافها ومصادرتها في جيب السلطة (الحاكم)، هو الجذر المفسر لتحول الثروة الاجتماعية الوطنية للشعب إلى رديف للحاكم، وجعلها أمرًا مشاعًا بيد الحاكم الفرد، الواقع فوق المؤسسات والمنفصل عنها بدون محاسبة أو رقابة أو مساءلة، وهو بالنتيجة من أفرز ظاهرة "القائد الفرد"، و"القائد الرمز"، و"القائد زعيم الأمة والشعب" الذي يقف فوق مستوى الوطن والتاريخ. ومن جذر هاتين الثنائيتين (السلطة والدولة) و(السلطة والثروة) ظهرت ثنائية، "السلطة والشعب"، تحول معها الشعب إلى رهينة، ومختطف في جب إرادة السلطة (الحاكم)، شعب بدون إرادة ولا أحلام، ولا حتى احتياجات ذاتية مطلوب تلبيتها له، تأتي مشيئته الديمقراطية الانتخابية -مع الأسف- لتصادرها رسميًا باسم الشعار التعددي والديمقراطي.

إن الرضوخ أو استمرار القبول بجملة هذه الثنائيات القاتلة، وهي أخص خصائص الدولة التقليدية (السلطانية) -كما سبقت الإشارة- هو الذي يفسر حضور دور، وفعل كل من ثقافة الإمامة (الثيوقراطية والأوتوقراطية)، واستمرار دور علي عبدالله صالح وحتى اللحظة، وهذا ما يفسر كذلك ظاهرة زين العابدين بن علي، والقذافي، وحسني مبارك، وجميع الطغاة في تاريخنا المعاصر، ولا أستطيع أن أقرأ ظاهرة ومفهوم "المستبد العادل" المتناقضة، المثيرة للجدل (مستبد وعادل)، في تاريخ فكرنا العربي النهضوي الحديث والمعاصر، من الإمام محمد عبده إلى اليوم، سوى بأنها واحدة من تخريجات ومخرجات أزمة الوعي، أزمة وعينا بالحرية، وبأنفسنا، أزمة واضحة وجلية في أيديولوجياتنا الوطنية/ والقومية واليسارية الاشتراكية، في علاقتهما، وموقفهما، من قضية الحرية، والديمقراطية.. أزمة وعي وفكر ورؤية (معرفية/ وسياسية) لها حضور في جذر فكرنا السياسي العربي الإسلامي، حيث فكرة الإصلاح والتغيير والثورة على الحاكم (الخليفة/ الملك، الإمام، السلطان)، وجدت متماهية ومتوحدة بفكرة "العدل المجردة"، وليس بفكرة وقضية الحرية، وهو أمر طبيعي ومفهوم في السياق السياسي الاجتماعي الفكري التاريخي، ولكنه غير مقبول وغير مفهوم استمراره اليوم.

فـ"العدل أساس الملك/ أساس الحكم"، هو ما نقرأه معلقًا خلف كرسي الخليفة والإمام، والأمير والسلطان، والملك، ورئيس الجمهورية، في كل المنطقة العربية، من معاوية إلى عبدالناصر إلى بورقيبة، مع أن هذا الشعار لم يعد يعلق اليوم، لأن العدل ذاته لم يعد موجودًا ولا قائمًا، إذ نحن تدربنا وتربينا معرفيًا وأيديولوجيًا على بعدي وعي: ملك حاضر بقوة، وعدل غائب بقوة أكبر، وفي غياب كلي للضلع الثالث من المثلث الذي من المفترض أن يقوم على جدلية ثلاثية: الملك، العدل، الحرية. ولذلك كانت من منتجات الإعلام الأيديولوجي والسياسي العربي الاستبدادي، مفاهيم "القائد الرمز"، "القائد الضرورة"، "القائد رمز الأمة والشعب"، "القائد موحد الوطن والتاريخ"، "الرئيس المؤمن/ أنور السادات"، "أبو العائلة"، "فارس اليمن والعروبة"، حتى اختراع اسم "الزعيم" في محاولة لتفصيله على مقاس علي عبدالله صالح، الذي رفضه الشعب، ولم يقبل به رئيسًا، ليصبح بقدرة الإعلام والميديا، "زعيمًا"، على من تبقى من حواريي الزبونية.

الأزمة إذن في تقديري غائرة في عمق وعينا السياسي، والفكري، والاجتماعي، والثقافي التاريخي. لقد أعلنتها ثورة الشباب والشعب في 11 فبراير 2011م، ثورة حرية، وكرامة إنسانية، وعدالة اجتماعية، ثورة قطعت شوطها المعرفي الأول، نحو خطاب الحرية، ونكثت عنها أو خذلتها المكونات السياسية في السير بذلك الخيط المعرفي والسياسي الى مداه المنشود. ومن هنا تأكيدنا أنه من جذر وخلفيات هذه الثنائيات القاتلة، يمكننا أن نفهم ونفسر الدور الضعيف والمستكين والموارب للأحزاب السياسية المعارضة جميعًا "قادة الأحزاب"، بدرجات متفاوتة، ووقوعهم بين حالتي ضعف ممالئة للحاكم، ومقاومة سلبية في الغالب، لم ينقذهم منها، سوى الحراك الجنوبي السلمي في البداية، ثم ثورة الشباب السلمية والشعب، اللتين رفعتا سقف المعارضة، ووحدتاها بحركة "الثورة في الشارع"، بعد أن كسرت ثورة الشباب السلمية حاجز الخوف من الحرية، كما سبقت الإشارة، الذي لم يجرِ استثماره بالصورة المطلوبة والمرجوة من قبل أحزاب المعارضة حتى اللحظة، بدليل ما نشهد وما يجري اليوم.

إن مفهوم "المحاصصة" أو لعبة المحاصصة التقليدية في الثروة (القديمة/ الجديدة) التي يحدد معناها ومقاديرها وأسماءها النخبوية، الحاكم، وكذا توزيع السلطة على قاعدة تلكم "المحاصصة"، وهي محاصصة محدودة ومختارة في بعض هوامش السلطة (الحكومة) وبعض المواقع الثانوية التي بدأ في اعتمادها جزئيًا في السنوات الاولى لثورة 26 سبتمبر 1962م، في صورة تشكيل "مجلس قيادة الثورة"، "مجلس الرئاسة" اللذين تم التراجع عنهما بعد أقل من شهر، حتى الاستقرار على فرض صيغة "المجلس الجمهوري"، "أصحاب الحل والعقد"، بعد انقلاب 5 نوفمبر 1967م وحتى اليوم، وجميعها، بدرجات متفاوتة، ليست سوى تخريجة، أو تحايل من "المركز السياسي التاريخي العصبوي"، على قضية تداول السلطة، وعلى توزيع الثروة الاجتماعية وطنيًا، على قاعدة العمل والإنتاج، والحاجة، وعلى شرط الكفاءة والخبرة والمؤهل، والنزاهة الوطنية والاجتماعية، أي على قاعدة المواطنة المتساوية.

وقد جاء نظام علي عبدالله صالح، خلال النيف والثلاثة العقود، ليرسي أسس ومداميك "نظرية المحاصصة"، كنظام حكم وإدارة البلاد، وجد سنده وخلفيته في ما ورثته الإمامة والمشيخة القبلية، "الدولة العميقة"، ثم من تلكم الثنائيات الثلاث، وهي الشروط المادية والسياسية والاجتماعية والأيديولوجية التي وقفت حائلًا دون دخول اليمنيين إلى مشروع بناء الدولة الوطنية الحديثة، وهنا تحديدًا يكمن التفسير السياسي الواقعي لرفضهم (أطراف المركز السياسي) مجسدًا في ورثة الإمامة، وفي شيخ القبيلة و"العكفي" القائد العسكري، وزعماء التكفير الديني، لمخرجات الحوار الوطني، المتصلة بالقضية الجنوبية وحلها العادل، ورفض دخول "أنصار الله" كمكون سياسي في تشكيلة الحكومة، ورفضهم جميعًا، لقضية بناء الدولة الاتحادية. لقد حرص نظام علي عبدالله صالح على استمرار نظام المحاصصة التقليدي، وفق ما يقدره هو، في حرصه وإصراره على استمرار إعادة إنتاج "دولة المركز" السياسي التاريخي الذي يقف هو على رأسها، ومايزال حتى اللحظة يحلم باستعادة سلطة ما تبقى من دولة ذلك المركز، ضمن "نظام الزبونية" الولاء الشخصي له عبر قاطرة شراء الذمم، وتوزيع ما تبقى من فتات مائدة الثروة على أصحاب الولاءات، ورفض الاقتراب من التوزيع العادل للسلطة أو تداول السلطة (الملك والحكم).

فالسلطة بهذا المعنى، محتكرة وممنوع الاقتراب منها، إلا لرموز "الدولة العميقة"، وهو حين تنازل عنها تحت ضغوط ثورة الشباب والشعب، 2012م، تنازل عنها مكرهًا وتكتيكيًا، أبقى جميع شروط وأدوات السلطة ومفاصلها بيده (الجيش، الأمن، الاستخبارات، مجلس النواب، مجلس الشورى، المحافظين، السلك الدبلوماسي، سلطة المحليات، ومليارات الدولارات المنهوبة)، أصبح معه الحديث عن عملية انتقال السلطة هذرًا فارغًا، وكلامًا ممنوعًا من الصرف، في واقع انعدام أية إمكانية لممارسة السلطة بصورة مستقلة عنه. وذلكم كان هو حال عبد ربه منصور هادي رئيسًا مجردًا من أية سلطة، بقيت سلطة الدولة، كلها "الدولة العميقة"، رهينة ومختطفة، بيد الرئيس السابق، و"زبانيته"، ولم يسلم لخلفه سوى العلم، وكرسي فارغ من السلطة، وللجلوس الاعتيادي عليه فقط، ومايزال الحال كما هو عليه، وما يجري من إصرار صالح في تحالفه القائم على استعادة ما تبقى من "دولة المركز السياسي التاريخي"، خير شاهد على ما نقول، بعد أن أخرج الرئيس الشرعي، بتحالفه مع "أنصار الله"، من العاصمة صنعاء، ووضعه، والحكومة، في البداية، تحت الإقامة الجبرية، حتى ملاحقته إلى عدن، وضرب مقر الكرسي الذي جلس عليه في رئاسة الجمهورية "معاشيق" بالطائرات، حتى نفيه الإجباري له خارج وطنه. وأنا شخصيًا لا أعفي عبد ربه منصور "الرئيس" من مسؤوليته في ما آلت إليه الأوضاع في البلاد نتيجة غياب المشروع السياسي لديه، وارتباكه وتردده في اتخاذ القرار المناسب في اللحظة المناسبة، وتحول سياسته وقراراته كلها مجرد ردود أفعال، دفاعًا عن النفس، مع أنه كان بإمكانه أن يمارس دور "القائد الرئيس"، صاحب القرار، ومن موقف الهجوم والفعل، وليس رد الفعل.. فقط كان عليه أن يكاشف الشعب بما يجري، ويعلن ذلك بوضوح للناس، ويضعهم في صورة وحقيقة ما يجري، في الداخل، ومن قبل الخارج.
اليوم، وقد بلغت الأزمة السياسية والوطنية سدرة منتهاها، وقمتها العسكرية الانفجارية، التي قد يعني استمرارها تشظي (وانقسام المجتمع أفقيًا، بعد أن انقسم عموديًا)، وتفكك ما تبقى من أشياء سلطة الدولة وانقسام الجيش على أساس الولاءات الشخصية (علي عبدالله صالح/ علي محسن، وغيرهما)، وبداية احتراب بعض وحدات الجيش، ضد بعضها البعض، واستمرار القصف العدواني (عاصفة الحزم) على البنية التحتية للدولة وللجيش والأمن، وذهاب المئات من الضحايا المدنيين الأبرياء، والحرب على محافظتي البيضاء، ومأرب، باسم محاربة "القاعدة" و"الدواعش"، وإدخال تعز معترك النزاع المسلح (المليشياوي) في بعده الطائفي، الذي قد يعني استمراره وتوسعه في تعز، نذير حرب أهلية طائفية قد تمتد إلى كل الوطن. والجانب الأخطر والأسوأ والأبشع، هو إصرار تحالف صالح/ الحوثي على استمرار العدوان المجنون والهمجي، على جميع المحافظات الجنوبية، وخصوصًا الإصرار المستميت على اجتياح عدن، رمز المدنية، والسلم الأهلي الوطني، وضرب مناطق عدن المختلفة بالأسلحة الثقيلة، وتدمير أحياء شبه كاملة فيها، دون مبرر، سوى محاولة وضع عدن، والمحافظات الجنوبية (لحج، الضالع، أبين، وشبوة) تحديدًا، رهينة عسكرية، لاستخدامها ورقة في طاولة المفاوضات التي من الممكن أن تجري على الصعيد الإقليمي/ الدولي.

إن جنون الاستمرار في اجتياح محافظات الجنوب وتطويق وحصار تعز بالحرب المليشياوية، لا يعني سوى رغبة وإرادة واعية، ومسبقة في تدمير ما تبقى من النسيج الاجتماعي، وتفتيت الاندماج الوطني وأواصر الوحدة اليمنية، بين الشمال والجنوب.

والأنكى والأمر على النفس والوجدان، أن نجد القسم الغالب من الشعب اليمني في كل مدن الجنوب بدون استثناء، وحتى في العديد من مدن (تعز، إب، والحديدة) من الشمال، من يرى ويلمس، في "عاصفة الحزم" منقذًا وسندًا داعمًا له، في مقاومتهم عدوان إخوانهم القادمين بأسلحتهم من الشمال، وتراهم مرحبين بـ"عاصفة الحزم" تحت شعار "شكرًا سلمان"، ومنددين بحرب صالح/ الحوثي عليهم (وظلم ذوي القربي أشد مضاضة على النفس...)، بخاصة وأن قوات "عاصفة الحزم" لعبت دورًا في فك حصارهم العسكري، وفي ضرب وتعويق قوات صالح/ الحوثي (أنصار الله)، ومن يساندهما من وحدات الجيش الذاهبة للقتال في (الضالع، لحج، أبين، شبوة، وعدن)، وفي منع تحقيق أهدافهم في القتال ضدهم.

حقًا، إننا أمام "كارثة سياسية ووطنية"، مواقف سياسية "تراجيدية" مأسوية، فاجعة، لم يكن بإمكان الخيال السياسي الروائي تصورها. إن ما يحصل، يعني شرخًا عميقًا في البنيان الاجتماعي الوطني، يطال الوجدان التاريخي للشعب لعقود إن لم أقل قرونًا متطاولة قادمة. إننا حقًا أمام وضع مأسوي كارثي عبثي، اعتباطي، لا معنى له سياسيًا، ولا وطنيًا، سوى رغبة دفينة في الهيمنة واحتكار المعنى الوطني العام، ما لم، فليكن تدميره، وهو ما يحصل بالحرف. فحين تجد في الصديق اللدود/ البعيد سندًا وحاميًا لك من أخيك الشقيق، أو هكذا وصل بك التصور، فإن ذلك يعني أن المعنى الوطني الجامع ضُرب في الصميم. وفي خضم هذه الصورة الذاتية الكارثية (التراجيدية) المضطربة والمشوشة، فكريًا وسياسيًا ووطنيًا، تشتغل الآلة الإعلامية، والأيديولوجية للثنائي، الإقليمي (الإيراني، السعودي)، وتوابعهما في الداخل، في تصوير ما يجري على أنه صراع سني/ شيعي (اثني عشري)، وإن كان في تقديري الشخصي في هذا الصراع... نلمح طيفًا خافتًا ضعيفًا (متواريًا)، حيث الصراع كما نراه ونقدره هو صراع عربي/ قومي/ إيراني، ولكن إعلام طرفي الثنائي الصراعي الإقليمي، لا يبرزان سوى البعد المذهبي/ الطائفي، وهو ما يزيد في تعقيد الأزمة السياسية الوطنية اليمنية، ويدفعها أكثر فأكثر نحو الأقلمة، والتدويل، بخاصة بعد صدور القرار الدولي 2216 (2015م) الذي وضع اليمن تحت الفصل السابع، أصبحت، معه وبعده، الكثير من شروط، وأوراق اللعبة السياسية الصراعية اليمنية، بيد الخارج. ومن هنا أهمية المبادرة السياسية اليمنية لمساعدة أنفسنا، ولمنع ذهاب الأقلمة والتدويل، إلى مداهما الأقصى الذي سيقضي على كل الشرعيات الداخلية (الوطنية)، أو على الأقل سيجعلها تابعة وملحقة بإرادة الخارج، بخاصة بعد استقالة الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، جمال بن عمر، وبداية تراجع دوره، ودور الأمم المتحدة. وفي تقديري أن جمال بن عمر كان يلعب إلى حد ما دورًا عربيًا وقوميًا وأمميًا طيبًا، (في الحدود الدنيا المسموح بها له)، في الحفاظ على الحالة اليمنية بعيدًا عما يريده لها بعض أبنائها وكل الخارج، في محاولاتهم إضفاء الطابع المذهبي/ الطائفي على الصرع السياسي.
إن علينا إدراك أن الحرب الدائرة في اليمن، أهدافها الاستراتيجية، أبعد وأكبر مما يرتب له البعض في الداخل، أهداف تقف خلفها سياسات ومصالح ومشاريع استراتيجية كبرى، معدة لكل المنطقة العربية دون استثناء. وهنا من المهم إدراك أن إيران -الدولة القومية- لها مشروعها السياسي والاقتصادي الأمني والإقليمي/ الدولي، في إعادة ترتيب خارطة المنطقة في ضوء صيرورة النظام العالمي الجديد المنشود تعددي الأقطاب.. وإيران الدولة القومية، وليس المذهبية، باتت تمتلك رؤية، لدورها ولمصالحها ولمكانتها لقيادة المنطقة، إلى جانب إسرائيل وتركيا (العثمانية الجديدة)، ولذلك هي حاضرة -إيران- في "لبنان" بقوة، موظفة ورقة الصراع العربي/ الإسرائيلي لصالحها، في غياب دور عربي/ قومي في ذلك الصراع، وهي حاضرة وفاعلة، بل قائدة في إدارة كل ما يجري في العراق، والعمق الأيديولوجي القومي الفارسي التاريخي مايزال فاعلًا ومتحركًا في بنية العقل القومي الإيراني اليوم في النظر للعراق، كتابع، وليس بخافٍ دور إيران البارز في المساعدة في احتلال العراق، وما بعده، وحتى لحظة جيوش التحشيد الشعبي "المذهبية/ الطائفية"، باسم محاربة "القاعدة"، و"الدواعش". فليس زلة لسان ما قاله المسؤول الإيراني الكبير، حول العاصمة بغداد (كعاصمة للإمبراطورية الفارسية).. وإيران اليوم حاضرة ومقررة في المشهد السياسي العسكري في سوريا وفي لبنان والعراق وفي البحرين، تحت شعار "محور المقاومة". وهي في هذا المثلث تحديدًا (لبنان/ العراق/ سوريا)، تملك قوة حقيقية مؤثرة، لا تمتلكها في اليمن، وهنا مشكلتها. ويمكنني القول بأن زهو وغطرسة العقل القومي/ الإيراني هو ما أخاف جميع العرب، من إيران، وليس وحسب السعودية، ودول الخليج، وقطاعًا واسعًا من اليمنيين، وبخاصة أن تصريحات القادة الإيرانيين جميعًا (من المرشد، إلى الرئيس، إلى مستشاريهما)، جميعها كانت مهيجة للشعور القومي العربي. ولعبت الأخطاء بل الخطايا السياسية الاستراتيجية، الإعلامية والإجرائية، "لأنصار الله"، في الذهاب بالعلاقة مع إيران إلى حد بعيد لا يطال معنى الصراع الإقليمي الدولي الجاري، بما فيه البعد القومي/ العربي في خضم صراع القوميات الحاصل في قلب المنطقة، وهو ما لا تسمح به صفتهم، ولا قوة شرعية لهم بالقيام بذلك، فإلى جانب ضعف حضور إيران في الداخل اليمني، لأسباب عديدة، راهنة وتاريخية، فإن هناك قوة حضور تأثير السعودية تحديدًا، ومعها دول الخليج، وإن كان التأثير السعودي، انحصر بمصالح نخب سياسية لعبت، وماتزال، دورًا سلبيًا ومدمرًا في كبح تطور شمال اليمن، وماتزال كذلك حتى اللحظة.
إن ميزة قوة حضور دول الخليج والسعودية في اليمن آتية من الجوار الجغرافي (المكان)، ومن العلاقة الجيوسياسية التاريخية بين اليمن ودول الخليج، رغم مصاعب وتعقيدات هذه العلاقة، على أن ميزة هذه العلاقات ممثلة في التداخل الاجتماعي البشري، والتاريخ المشترك، والوحدة الدينية، والعروبة / القومية الواحدة، وإمكانات المشروع السياسي القومي المشترك، الغائب، تجعل من إمكانية إنجاز الأعمال المشتركة أمرًا متاحًا وممكنًا في حدوده الدنيا، لولا الأطماع السعودية التوسعية بلا حدود تجاه اليمن.
إن مشكلة العرب، والخليج في قلب هذه الأزمة المعقدة والمركبة، أنهم لا يمتلكون رؤية كما إيران، فأنت لا تستطيع أن تجد إجابة واضحة محددة، على سؤال: ماذا بعد "عاصفة الحزم"؟ ماذا يريدون من اليمن؟ أين موقع اليمن في "مجلس التعاون الخليجي"؟ ما هي صورة العلاقة المستقبلية باليمن؟ ثم أين المشروع القومي العربي الذي يتحدثون عنه من خلف عاصفة الحزم؟
كيف سيجري ترتيب أوراق مشروع استراتيجي موازٍ أو مقابل للمشاريع المعدة للمنطقة، من قبل إسرائيل وتركيا (العثمانية الجديدة )، وإيران بطموحها النووي، على خلفية قومية إيرانية/ فارسية، وخلفهم جميعًا رؤية الدول الاستعمارية الكبرى، أمريكا/ أوروبا؟ هذه مسألة مطروحة أمام الجميع للبحث عن إجابات عليها وحولها.
إن المهم بالنسبة لنا يمنيًا اليوم الوصول إلى خلق حالة توافق سياسي على مشروع سياسي وطني ديمقراطي، ولن يكون ذلك سوى باستعادة العملية السياسية، والعودة للحوار بين المكونات السياسية بدون مليشيات، ولا سلاح، فقط سلاح الدولة الحامية، والراعية للجميع، وتسليم أسلحة الجيش والأمن للدولة، على قاعدة مخرجات الحوار و"اتفاق السلم والشراكة"، والاتفاقات المرتكزة على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.