معنى الشرعية في الأزمة السياسية و الوطنية الراهنة ( 2-3)

هذه المادة نشرت في مواقع التواصل الاجتماعي في أكتوبر 2016م، تعكس رؤية الكاتب في حينه والذي ما يزال متمسكا بالخطوط العامة بل وبالعديد من التفاصيل التي جاءت فيها، ولذلك يجب أن تقرأ في سياقها السياسي/ التاريخي الذي كتبت فيه"، وسيجد القارئ أن ما يحصل اليوم هو استمرار سياسي واقعي لمضمون هذه القراءة، بهذه الدرجة أو تلك، أو أنه لا يتناقض مع محتواها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

- الثنائيات القاتلة: في أزمة بناء الدولة الوطنية الحديثة.

 

في تقديري أن الأزمة السياسية و الوطنية الراهنة من الصعب قراءتها، واختزالها، وتحليلها، في ما هو منظور وظاهر على السطح السياسي العام، وفي ما هو حاصل من مفردات جارية (صالح واستمرار هيمنته، الحوثي ، واعلانه الدستوري ، وسيطرته الشكلية على صنعاء وتمدده العسكري، هادي وهروبه من الإقامة الجبرية ،حتى خروجه من عدن ، نخب سياسة مستكينة). فجميع ما سلف هو حقاً تجليات مشهدية واقعية للأزمه السياسية والوطنية ، ولكن تبقى خلفيات وجذور الأزمة موضوعياً، كامنة في بعد سياسي تاريخي أعقد وأخطر ، فهي أزمة معقدة ، وذات طابع سياسي تاريخي، عنوانها البارز يتمظهر في صورة ما أسمية "الدولة أو السلطة العميقة التاريخية" في صورة ،أزمة تتداخل فيها جمله ثنائيات قاتلة ومدمرة ، يجب فك الاشتباك في ما بينها: أزمة يتداخل فيها/ السياسي/ الاجتماعي/ الطبقي، بإرث الحضور السياسي الاجتماعي التاريخي ، أزمة يتمفصل فيها البعد السياسي الوطني ، بالبعد الأيديولوجي التاريخي للإمامة والقبيلة ، ويتماهى فيها السلطوي (السلطة) (نظام الحكم التقليدي العصبوي) في علاقته بالسلطة (سلطة المركز)، التي حلت بديلاً عن الدولة، أو ضدا على مشروع الدولة المصادر أو المؤجل تاريخياً ، هي أزمة يتداخل فيها الأيديولوجي التاريخي (الإمامي، المذهبي/الطائفي ،بالقبلي) بالبعد السياسي السلطوي للحكم، في صورة أزمة علاقة الحكم التاريخية القائمة، أزمة علاقات الإنتاج "علاقات الملكية"، وهي ظاهرة خاصة، وعامة وتحديداً في شمال البلاد، وشمال الشمال منها ، والتي انتجت وولدت في واقع الممارسة ، أزمة علاقة مواطنة ذات طابع تاريخي، ( السيد/ والشيخ), ( الشيخ/ الرعوي) ،وبالنتيجة، عدم القدرة على إنتاج وميلاد الدولة الوطنية اليمنية الحديثة .

تعويق سياسي وعسكري واقتصادي (تنموي) ضد ترسيخ المعنى الجمهوري، للشروع في بناء الدولة، بدأ مع إعلان قيام الثورة والجمهورية من 62-إلى نوفمبر 1967م إلى اتفاقية جدة مارس 1970م، وحتى اليوم.

ومن هنا ممانعة أطراف النفوذ والمصالح الصغيرة على رفض أي امكانية لبناء دولة مدنية حديثة ،واستمرار اصرارهم على فرض منطق العصبية (الغلبة)، والغنيمة (الفيد والخطاط "الجبايات والمحاصصة )، والمركزية المستبدة (الجهوية ) على اليمنيين جميعاً، هي "دويلة مركز" عصبوية فردية، وليست دولة مركزية، وهو ما اشتغل عليه نظام علي صالح طيلة أكثر من نيف وثلاثة عقود ،وعبر عنه في نظريته القائلة "الرقص على رؤوس الثعابين" (الأفاعي) بعد أن ساوى بين الشعب اليمني ، والثعابين، . وهذه هي نظريته ، ونظرته السياسية الذاتية للشعب اليمني كله من الشمال إلى الجنوب ، لم يبتدع أو يبتكر نظام علي صالح أي جديد، هو امتداد مشوه وفاسد لجمهورية 5نوفمبر 1967م، فقد جاء ليسير على خطى الإرث الأيديولوجي (السياسي الإمامي القبلي ) العسكري التاريخي ، الذي جاء انقلاب 5 نوفمبر 1967م ليكرس استمراره كأيديولوجيا ،وسياسة ونظام حكم ، والذي استكمل صورته بأحداث 23/24/اغسطس 1968م الذي عمد ذلك المسار التاريخي بالدم، وهو ذاته خيط الدم، الذي استمر وما يزال مستمراً يلاحقنا من الإمامة التاريخية إلى انقلاب 5 نوفمبر 1967م، إلى دموية تعميده الوحدة بدم "الكفار" في الجنوب في العام 1994م، وصولاً لنزيف نهر الدم الجاري الذي لم يتوقف ، وعممه صالح في توقيت واحد على كل البلاد ، جنوباً وشمالاً ، خصوصاً وتحديداً على دولة الجنوب السابقة، وهو انتقامه من الجميع الذي يفقأ العين.

إن الخطوة السياسية ، العملية الأولى لمغادرة تاريخ خيط الدم ، تاريخ الحكم بالحروب الصغيرة والكبيرة،(إدارة الصراع بالحروب والأزمات) تاريخ شرعية قوة الدم، والعصبية، يتمثل ويتجسد أولاً : في القطع الابستمولوجي (المعرفي) بأيديولوجية الإمامة ، والقبيلة ،وثانياً في قطع الصلة ، وتمزيق أواصر القربى والعلاقة والوحدة بين ثلاثية الحكم التاريخي التي ماتزال قائمة ، ومتحكمة : العصبية ( الغلبة ) الغنيمة (الفيد/ الجبايات/ المحاصصة ) ، أي المركز المستبد، "سلطة دويلة المركز". ولن يتحقق ذلك دون فك الاشتباك، والتماهي بين حدي :السلطة ، والدولة ، وضرورة تحديد الفواصل والحدود في ما بينهما.
إن سؤال الفرق بين السلطة ، والدولة ، لم يكن قائماَ في الدولة التقليدية (الدولة السلطانية، الإمامية ،العثمانية ، المملوكية ) ، كما لا حضور لهذا السؤال في جميع الاقطار العربية ،الحديثة وحتى المعاصرة، - بدرجات متفاوتة - طيلة العقود الستة الماضية .

لقد بدأ سؤال التمايز وتحديد الحدود والفواصل بين "السلطة والدولة" ، يتحرك وبقوة مع بداية العقد الأول في الألفية الثالثة ، وبعد أن أصبح سؤالاً متحركاً، وملحاً ومطلوباً ، تحوله إلى سؤال سياسة، وممارسة في قلب بنية النظام السياسي العربي . وتحديداً خلال العقدين المنصرمين، وخصوصا بعد الحراك الجنوبي السلمي2007م ،وثورة الشباب والشعب11 فبراير 2011م، حيث صار سؤال الفصل بين "السلطة والدولة " ملحاً، تحول معه السؤال إلى قضية حيوية مطلوب حله وإنجازه ، وليس طرح وتأكيد مخرجات مؤتمر الحوار الوطني ، على قضية بناء الدولة الاتحادية اليمنية ، المختلف على عدد أقاليمها ، سوى البداية ( النظرية/ الفكرية), لتحديد حالة الفصل والحدود بين "السلطة ، والدولة" ، بصورة موضوعية وواقعية وعقلانية، ضمن أفق سياسي تاريخي.

إن سؤال الفصل بين السلطة ، والدولة، هو في الجوهر ، والواقع ، سؤال الأسئلة، سؤال مرتبط بسؤال الفرد دوره ومكانته ، وبسؤال التعددية والديمقراطية والحرية والمواطنة والعدل الاجتماعي.

في التحليل الاخير ، سؤال يتجسد معناه في بداية الدخول إلى قضية التوزيع السياسي، الاجتماعي ، والوطني العادل للسلطة والثروة وتداول السلطة سلمياُ .

يمكنني القول إن نظام العصبية والفردية والغنيمة والمركزية (دويلة المركز)، حجب تاريخيا إمكانية حضور وتبلور ثقافة الشراكة والمشاركة ، وعمم عوضا عنها (ثقافة المحاصصة على قاعدة "دولة المركز") (ثقافة السيد /والتابع )، ثقافة ( الشيخ /والرعوي )، (ثقافة شيخ الرئيس، ورئيس الشيخ)، ثقافة العصبية والمركزية والأطراف الهامشية (التابعة ) ، وثقافة الدولة الريعية الرعوية ."إن الثنائية القاتلة بين السلطة ، والدولة "، أنتجت بالضرورة السياسية والموضوعية التاريخية حالة ، وظاهرة "ثنائية السلطة والثروة "، وهي التي ولدت وانتجت حالة "الثنائية القاتلة، ،بين "السلطة ، والشعب" ، حيث السلطة ، التي يفترض أن الشعب ولدها وأنتجها عبر عملية سياسية ومؤسسية ، وديمقراطية ، تتحول إلى قوة متغلبة مفصولة ومغتربة عنه ،وخارجة عليه ، وقامعة له ، وفي الممارسة الواقعية تتحول الثروة الوطنية الاجتماعية، التي يفترض أنها ملك للشعب كله ، تتحول إلى رديف للحكم ، وللحاكم الفرد ، (الإمام / الرئيس)، يقمع فيها الشعب ويصادر إرادته وحقوقه، ويغنم من خلالها (السلطة )، ثروته وأمواله، وهنا تكمن المشكلة ، حيث السلطة، أو الحاكم الذي تنتجه المؤسسة أو ترفعه المؤسسة إلى الحكم عبر أدواتها الديمقراطية ( الانتخابات )، أو التوافقية يتحول هو ذاته إلى مؤسسة مستقلة بأسمه، ويحل بديلاً عن المؤسسة ومصادراً لها .

ومن هنا حديثنا عن ضرورة الفصل أولاً : بين " السلطة والدولة " حيث السلطة العربية ، والحاكم العربي ، أحتل السلطة تاريخياً، وتغول بها على الدولة، ابتلعها واحتلها لصالحه ، لعصبيته أو جماعته "طبقته"، أو حزبه ومن خلال هذا التغول والإحتلال، صادر الثروة الاجتماعية الوطنية ، وجعلها خادمة لحكمه ، وسلطته ، مصادرة لإرادة /الأمة / الشعب ، في صورة الثنائية، القامعة ، بين "السلطة ، والشعب "، وبدلاً من أن يتحول الحاكم الذي أنتجته المؤسسة إلى خادم "موظف/ وبأجر معين"، ومحقق لإرادة المؤسسة (الدولة/ الشعب) ، صار هو المؤسسة ( الفرد/ الدولة)، وتحولت الدولة، إلى خادمة ومحققة لمشيئته ، وإرادته ، لا مهمة لها سوى إعادة إنتاجه دورياً باسم الديمقراطية ،والانتخابات المتحكم بشروطها وأدواتها .

ومن هنا محاولة علي عبدالله صالح، توريث الجمهورية في عائلته "الجمهورية الوراثية"، وهو الأمر الذي وسع من القاعدة الاجتماعية المعارضة لحكمه، ومن هنا يتحدث الناس عن ضرورة تحديد مدة رئيس الدولة (الجمهورية) بفترتين في نص الدستور، وهو ما انقلب عليه علي عبدالله صالح بعد جريمة حرب 1994م ، بتغييره للدستور أو أكثر من ثلثي الدستور!!.

إن سؤال عدم الفصل وتحديد الحدود بين " السلطة ، والدولة" في جميع الأقطار العربية، بدرجات وصور متفاوتة، كان هو المانع الأول والحقيقي أمام عدم قيام الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة .
إن استمرار هذه الثنائيات القاتلة : "ثنائية السلطة والدولة"، "ثنائية السلطة والثروة"، "وثنائية السلطة والشعب " هي التي تدفع الحاكم العربي العصبوي إلى عدم تركه للسلطة طواعية ،فهو إما حاكم على رؤوس الأشهاد بشرعية القوة ، أو سجين أو طريد ، أو قتيل ، يدافع وينافح ، ويقاتل على السلطة دفاعه عن الشرف والعرض ،"المحتد"، وكأن الحكم حق مملوك له ولأسرته ، وهو ما يمارسه اليوم علي عبد الله صالح ، وبشار الاسد ، وبشير الشؤم في السودان ، وقبلها ( زين العابدين بن علي , وحسني مبارك، والقذافي)، لأن السلطة في النظام السياسي العربي ، هي ليس مصدر للملك، والحكم، بل هي مصدر سريع لامتلاك كل ثروة الشعب الاجتماعية (الوطنية) ، وإلا كيف نفسر نهب علي عبدالله صالح أكثر من ستين مليار دولار، دون مساءلة أو محاسبة حتى اليوم، وهو ذاته ما يفسر قتاله المستميت في استعادة ما تبقى من الحكم لأولاده وأحفاده. إن الحاكم في أمريكا وأوروبا ، وفي كل الدول الديمقراطية، يدخل الحكم ويخرج منه كما دخل، ولم نسمع ان أحدهم حاول إمتلاك المؤسسة ، أو نهب أموال الشعب أو استمر في الحكم أكثر مما يقرره الدستور (دورتين) أو غيره، وبقائه واستمراره مرهون بالرضا، والقبول الشعبي .

اليوم، علي صالح هو من يحكم البلاد فعلياً لإن جميع مفاصل "الدولة العميقة" بيده، وهو من يتحكم بها ، هو من يتمدد بكل الجهات لاستعادة ما يتصوره حقه، وحق اولاده في حكم اليمنيين من خلال " شرعية القوة "، بعد أن تمكن من توريط "انصار الله" في ذلك الوهم ،الذي له نصيب عظيم في عقلهم الباطني، "الإمامة/ الولاية"، وجرهم للخروج من دائرة الحوار والتوافق الى فرض منطق الغلبة، وشرعية القوة، خدمة لمصالحه الضيقة "الدولة العميقة التاريخية"، التي توقع إمكانية إعادة تدويرها من خلال اللعب بالورقة الاقليمية ( الصراع / السعودي/الايراني)، لأنه صار يدرك أن المسرحية التقليدية لإستمرار حكمه بالطريقة القديمة أوشكت على إسدال الستار على فصلها الاخير. ومن هنا تمدده العسكري القتالي "الجهادي"، في كل الجهات، ومحاولة وضع الجنوب وعدن تحديداً رهينة بيده لمساومات مفاوضة اللحظة النهائية وللحفاظ على ما يتصوره من سلطة وحكم له ولأبنائه.

إن المنطقة العربية، واليمن في قلب هذه المنطقة، لم تخرج من واقع حضور وفعل الدولة التقليدية، لإن من أهم خصائص وسمات جوهر الدولة التقليدية (القروسطية) السلطانية حالة وواقع " ثنائية السلطة، والدولة" حيث السلطة – كما سبقت الإشارة- متغولة ومهيمنة ومختطفة للدولة ومؤسساتها، وتمنع استقلاليتها، والحاكم الفرد بعصبيته المذهبية "الطائفية"، القبلية أو العسكرية هومن يحتل الدولة، ويصادر معنى وجودها لصالح السلطة (سلطته).

وما لم يجر، فك هذا الاشتباك، فلن تدخل اليمن، وجميع أقطار المنطقة العربية-بدرجات متفاوتة - الى مشروع بناء الدولة، وهو ما يفسر ممانعة الاطراف الداخلية النافذة في اليمن "الدولة العميقة"، أي محاولة أو إمكانية للشروع في الدخول إلى بناء الدولة الوطنية الحديثة. ومن هنا – كذلك - تأتي العديد من نماذج الديمقراطيات الانتخابية ، لإعادة إنتاج ذات السلطة ، ذات الحكم وطاقمه المحيط به من البرلمان ، إلى الحكومة، إلى جميع مفاصل السلطة /الدولة.

ومن المهم إدراك واستيعاب أن صيرورة "ثنائية السلطة والدولة " هي من ولدت وأنتجت، موضوعياً، حالة وواقع "ثنائية السلطة، والثروة" ، وهي أخطر الثنائيات في بنية النظام السياسي العربي. ففي قلب تفاعلات هذه الثنائيات واستمرارها، تكمن كل الشرور القاتلة المانعة والمدمرة لأي إمكانية لحضور الدولة واستقلالية مؤسساتها، وهي الأساس كذلك لتدمير وتفتيت المجتمع، ومنع حضور وفعل الشرط السياسي المدني فيه. فحين تتحول الثروة الاجتماعية الوطنية للشعب، (الملكية العامة) إلى رديف للحكم، والحاكم تحديداً، معناه، كما يحكي لنا ذلك التاريخ السياسي العربي السلطاني، أن الحاكم، والحكم، هما المدخل والمصدر لامتلاك الثروة، وليس العمل والإنتاج، وهو ما أشار إليه ابن خلدون في "مقدمته"، حول أسباب زوال وسقوط الإمارات والدول في صورة "الجاه" الذي تحول إلى سلطة.
وبقدر اقترابك أو ابتعادك عن الحاكم، تكون علاقتك بالثروة  تدخل إلى السلطة معدماً فقيرا،ً وتخرج منها مليارديراً المسألة مرتبطة بعلاقتك بالحاكم، وبالسلطة التي يديرها هذا الحاكم، وهو ما يفسر إفلاساً أو بالأصح تفليساً وتدميراً لكثير من رموز المال والأعمال، والمقاولات، والتجارة، والصناعة، في بلادنا، ما إن يغضب, الحاكم عليهم لأي سبب كان، ومنها تمسكهم بنزاهتهم ورفضهم للفساد المالي والاقتصادي، حتى يجعلهم عرضة للإفلاس بل وللقمع ولمصادرة أموالهم ووضعهم قيد المديونية، ولذلك يدخل ويتحرك معظمهم، "رجال المال والأعمال"، دوامة "اقتصاد الفساد"، الجاري رغما عنهم حفاظاً على مصالحهم وتجارتهم واقتصادياتهم، بل وحتى للحفاظ على حياتهم من القتل، أو اللجوء للانتحار (عبدالملك الأصبحي) وغيره. كما أن حالة "ثنائية السلطة والثروة " هي المدخل السياسي لشراء الذمم والولاءات للقيادات السياسية والمدنية والعسكرية والحزبية على قاعدة "سيف المعز أو ذهبه"، "الترغيب والترهيب"، وهو ما يفسر وضع المؤسستين العسكرية والأمنية، المحتكرتين باسم الحاكم في بلادنا.

وهذه الثنائيات واستمرارها هي التي تفسر وضعنا الكارثي، وهي التي لا تمنع فحسب استقلالية مؤسسات الدولة : التشريعية والقضائية والتنفيذية، بل هي تقف حجرة عثرة أمام إمكانية بناء الدولة (دورها – ومكانتها –وهيبتها وتعادي سلطة القانون بالضرورة) كما أن " ثنائية السلطة والثروة"، هي الجذر المؤسس والداعم لسلطة مؤسسة الفساد، واقتصاد الفساد، ومع تعاظم فعل ودور هذه الثنائية تنتفي أي إمكانية للنشاط الاقتصادي، والتجاري والصناعي والمالي والقانوني الصحيح، وتمنع أي دور حقيقي للاقتصاد في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويجعل النشاط الاقتصادي والمبادرة الاقتصادية محصورة بدور وإرادة من يحرك ويهيمن ويتحكم بفعل "صيرورة ،ثنائية السلطة والثروة"، بعد أن أصبحت الثروة الوطنية الإجتماعية ( القطاع العام الذي جرى إفساده الممنهج والمنظم حتى بيعه"للزبائنية"، باسم الخصخصة )، وحتى القطاع المختلط والخاص، مرهون أمر دورهما وحركتهما (التجارية، والاقتصادية والمالية والنقدية) بيد السلطان الحاكم بأمره .