قراءة في كتاب أروى عثمان "ربيع الفرجة.. سيميولوجيا المشهد الاحتجاجي في اليمن"

غلاف كتاب ربيع الفرجة سيميولوجيا المشهد الإحتجاجي في اليمن
كتاب ربيع الفرجة سيميولوجيا المشهد الإحتجاجي في اليمن (غلاف الكتاب)

قراءة في كتاب أروى عثمان "ربيع الفرجة.. سيميولوجيا المشهد الاحتجاجي في اليمن".. إصدار جديد للباحثة والساردة المهتمة بالتراث والفلكلور الأستاذة أروى عبده عثمان.


يقع الكتاب المتوسط الحجم في 430 صفحة، تحتل الصور فيه أكثر من 30 صفحة. يشتمل الكتاب التوثيقي والقرائي المهم على خمسة فصول، تتخللها عناوين فرعية كثيرة.

الكتاب توثيق لـ"ثورة الربيع العربي في اليمن". الباحثة شاهدة حاضرة في جل أحداث وتفاصيل ساحة الستين في صنعاء، وميزة الباحثة الساردة تدوينها للوقائع اليومية، وتصويرها للمشاهد التي عاشتها بتفاصيل تفاصيلها.

وكانت في مقدمة صفوف الفتيات اللاتي تقدمن المسيرات، وتعرضن للضرب، والإساءات البالغة السوء، وفرض عليهن العزل بإشارات من علي عبدالله صالح، واستجابة سريعة من تجمع الإصلاح، وتنفيذ قائد الفرقة الأولى مدرع علي محسن الأحمر، وضباطه وجنوده المنفذين بقدر من التعسف والهمجية.

دونت الوقائع والمشاهد بمزاج إبداعي رفيع، وحس نقدي حداثي منفتح ومتحرر.

مفردة "الفرجة" حسب الأسلوب البنائي، هي الاحتفاء بتاريخ الكتابة، والاحتفاء أكثر فأكثر بالصورة، باعتبار العين مبصرة، كقراء ريجيس دوبريه.

احتفت الباحثة بالصورة الناطقة ذات الأبعاد والدلالات المختلفة، ودونت الوقائع والأحداث بالصورة، وقامت بقراءة الصورة بأسلوب بنائي حداثي ومائز مغاير ومختلف. كما قامت الباحثة بطرح الأسئلة على ألوان الطيف المحتج.

تابعت باهتمام شديد البدايات الباكرة للاحتجاج السلمي وتطوراته، كما قرأت مواقف الأطراف السياسية المختلفة، وبالأخص التجمع اليمني للإصلاح، والسلفية، وأحزاب اللقاء المشترك بزعامة الإصلاح، وموقف أنصار الله (الحوثيين)، والقبائل، والشباب والمرأة، والعسكر، وانضمام الفريق علي محسن وفرقته الفرقة الأولى مدرع، كما تابعت المسيرات وضحاياها بدقة متناهية.

رصدت موقف الرئيس علي عبدالله صالح، وحواراته مع زعماء المشترك. تصدر الكتاب بمقولة: "من يسيطر على الماضي يسيطر على الحاضر والمستقبل"، لجورج أوريل، 1948.

تكرس المقدمة لانتشار الحركات الاحتجاجية في العالم العربي، ويقرأ فيها مقاومة استبداد الأنظمة الحاكمة والمهووسة بالتحكم بالسلطة والثروة، ويكون لليمن نصيبها منزلقة الى العنف.

ترى -ومعها حق- أن الحوثية خرجت من رحم الست الحروب، وترى أن السمة الأساسية للاحتجاج دولة مواطنة تكفل حق الجميع، لكن سرعان ما انكسر المسار السلمي، وتعسكرت الثورة.

وتنسب انكسار الثورة إلى دخول القوى التقليدية المحاربة من القبيلة، وأحزاب اللقاء المشترك، والإسلام السياسي.

ترصد الباحثة كل شيء، وتدون يوميًا كل ما يحدث في الساحة، كما تصور كل ما يقع عليه بصرها.

تقدم الباحثة كتابها: "هذا الكتاب سوسيولوجيا -سيميولوجي، رسم بربيع الفرجة" (قراءة سيميولوجية للمشهد الاحتجاجي اليمن 2011- 2012).

وتطرح السؤال الأهم: "ما هي مكونات المشهد الفرجوي الذي شكل في ساحات التغيير في اليمن بين الفترة 2011 و2012، ويتفرع هذا الإشكال إلى أسئلة فرعية، ويكون المشهد البصري مدخلًا للغوص في طبيعة الاحتجاجات.

تنحو الباحثة منحى الدراسات البصرية بالاستناد إلى خطاب الصورة الفوتوغرافية. تستنطق الباحثة الصورة بسردية إبداعية وفق الأسلوب البنائي لرولان بارت.

الباحثة في قلب الاحتجاجات، وفي المشهد منذ البداية وحتى النهاية، وتطرح سؤال: "لماذا الفرجة؟"، وفرجة ديبور تحديدًا لاستعراض مشهدية الاحتجاجات اليمينة.

الباحثة أروى لصيقة بالأدب الشعبي، وقد أسست مركز التراث الشعبي، وقدمت عدة أبحاث في هذا الجانب. فليست مهتمة بالمعنى القاموسي اللغوي لمفردة "فرجة".

المفردة شاحبة جدًا في القاموس العربي. عدت إلى "لسان العرب"، لابن منظور مادة "فرج"، فخص مادة فرجة بالقول: "الفرجة كظلمة وظلم: الراحة من حزن أو مرض". أما "تاج العروس من جواهر القاموس"، لمرتضى الزبيدي، مادة "فرج"، فينص: والفرجة مثلثة: التفصي؛ أي الخلاص من الهم. والفرجة -بالفتح- الراحة من حزن أو مرض. واللسان والتاج هما المعجمان الأكبر في المعاجم العربية.

من خلال المعنى القاموسي الشاحب حد الفقر؛ فالمعنى منصرف للتعافي من مرض أو حزن.

أما في التداول الشعبي والسائد في الحياة العامة حسب الوقائع، وتصريفات الباحثة، فإن الفرحة والإبهاج والإدهاش هي إحدى المعانى للفرجة، وهو ما ساد في المراحل الأولى حيث حراك الشباب المستقل والباحث عن التغيير والعدل، وتسيد العفوية والتلقائية، وكفاح التحرر الحقيقي.

وحقًا، فإن مشاهد العسف والبهتان والانتهاك، ومصادرة الحريات، وتحويل ساحة الستين إلى زنازين ومستعمرة عقوبات، كسردية كافكا، فهي مشاهد راعبة، ولكنها ليست بحال فرجة.

خطب الجمع النكدة المحرضة على الموت، والحاثة على سفك الدم، والمبشرة بأهوال يوم القيامة وعذاب القبر، والمبشرة بالخلافة الإسلامية، ليست فرجة بحال.

الاحتفاء بسقوط الفرقة أولى مدرع على الساحة، ليست فرجة، شأن بسط اللقاء المشترك، وزعماء العشائر، ودعاة السلام السياسي، ظلالهم السوداء والكئيبة على الساحة، والاعتداء على الفتيات، وعزل الرجال عن النساء؛ كلها مشاهد مقيتة، وليست فرجة بأي معنى، وهو ما تدرسه الباحثة باستقصاء وجدية وعمق.

لم يفت الباحثة العميقة إدراك بؤس الفرجة، فدرست "الفبرايرولوجيون"، في عنوان مستقل".

قرأت بعض ما كتبه باحثون وصحفيون عن ثورات الربيع العربي عن تونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن، وحقيقة الأمر جلها ذات طابع نظري عام ومجرد، لكن ما كتبته الأستاذة أروى عثمان مبحث ميداني بأسلوب حداثي وعلمي.

دراستها في الفصل الرابع "تشكيلات الصور سيميولوجيًا" من أهم المباحث عن الوظيفة الإبداعية للصورة باعتبارها عينًا تنصت، كعبارة دوبريه، فالصورة سلطة، وليس ثمة معجم للمرئي.

تعددت -كما تقول- نعوت الصورة، فهي العين الباصرة المفكرة؛ العين اللغة، صورة ناطقة يتجلى عمقها الناطق في صمتها، وتنقل عن هوتز جيرالد قوله: "من لديه عينان ليرى وأذنان ليسمع وأنف ليشم وجلد ليشعر، يكون عالمه مليئًا بالصور، لكنه يحتاج إلى عقل، ويجب أن يكون منفتحًا قدر الإمكان تجاه كل شيء يستقبله عبر الحواس في المناطق الحسية للقشرة المخية. وهذا ما كانته الأستاذة أروى تدرس سيمائية الصورة الفوتوغرافية. تدرس الصور الثماني التي التقطتها من مشاهداتها في الساحة، وهي متن الكتاب من المبتدأ للمنتهى.

رصدت الباحثة كل شيء: الأشكال، والألوان، والأفعال، والأقوال، والتصريحات والخطب، والأشعار، والزوامل، والنكت، والتنابز بالألقاب، ومقايل القات، ونقد ما كتب عن الربيع في اليمن، وتحديدًا كتاب "الثورة اليمنية: الخلفية والآفاق"، ساخرة من اليقين الثوري، والآراء القطعية الإيمائية التي لا يأتيها الاحتمال من بين يديها ولا من خلفها.