الحوثيون وعلاقتهم بالسلطة وبالاقتصاد (1-2)

"سلطة ليست للمجتمع كله، ومتوحدة بنفسها (جماعتها)، جميع وظائف الدولة فيها مصادرة لصالح وظيفة "الجهاد/ الحرب"، و"الجبايات"، لصالح الجماعة، وفي خدمتها"

"إن الناس يصنعون تاريخهم بأيديهم، لكنهم لا يصنعونه كما يحلو لهم؛ إنهم لا يصنعونه في ظل ظروف يختارونها بأنفسهم، بل في ظل ظروف قائمة بالفعل، ظروف ورثوها ونقلوها من الماضي.
إن تقاليد جميع الأحياء الميتة تثقل مثل جبال الألب على أدمغة الأحياء" (كارل ماركس، الثامن عشر من برومير لويس بونوبرت، 1852م).

وصلت الجماعة الحوثية "أنصار الله"، إلى السلطة، أو أنها دخلت إلى السياسة من بوابة الانقلاب، والحرب والقتال، "الجهاد"، ضد "العدوان الداخلي"، وتحت شعارات سياسية، وأيديولوجية مذهبية/ دينية "طائفية"، وضد "العدوان الخارجي"، باسم الاحتلال، وكلنا ضد الاحتلال، وكانت الحرب (السلاح) أداتهم في التعريف بأنفسهم كجماعة مذهبية/ سياسية، تقول إن لها مظلومية تاريخية بدأت مع مقتل الحسين، واضطهاد "آل البيت"، وهي مستمرة حتى قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م، بل حتى اللحظة الراهنة..

وهنا -في تقديري- تكمن مشكلتهم/ أزمتهم، مع السياسة، وممارستها، ومع التاريخ، وينسون أو يتناسون، قرونًا من الاستبداد، والعنف والطغيان والتخلف والبدائية، والعجز والركود والجمود، ومن عزلة المجتمع بعضه عن بعضه، والعزلة عن العالم، بقي معها اليمن في ظل حكم الإمامة ساكنًا وثابتًا وراكدًا في واقع تاريخي، "قروسطي"، لم يتقدم خطوة واحدة للأمام على أي مستوى كان.. فقط يتذكرون الثأر والانتقام من ثورة 26 سبتمبر 1962م (ومن كل الثورة اليمنية شمالًا وجنوبًا)، الثورة التي يتصورها البعض منهم -لأن الغالبية منهم، كانوا من المشاركين فيها، بل من صانعيها- أنها انتزعت منها حقًا إلهيًا وتاريخيًا.

وفي خضم معاندة الإمامة لفكرة الإصلاح والتغيير طيلة قرون، حتى في حدوده الدنيا، حين ظهرت رموز إصلاحية تجديدية دينية خلال فترات مختلفة، تم تجاهلها وحصارها، تركت أثرها الطيب على حركة الفكر الإسلامي الإصلاحي اليمني، والعربي: العلامة المجتهد الإصلاحي التنويري، محمد بن إبراهيم الوزير، والجلال، والمقبلي، وابن الأمير، والشوكاني الذي لعب دورًا مزدوجًا سياسيًا وفكريًا، طيلة قرابة أربعة عقود التي تولى فيها منصب قاضي القضاة، "شيخ الإسلام"، ومع استمرار حركة الجمود في الفكر والسياسة، وفي المجتمع والسلطة، والتراجع على مستوى بناء الدولة، حتى في أدنى الحدود.

كان قيام أول انقلاب أو حركة سياسية إصلاحية دستورية في العام 1948م، الحركة التي ذهب ضحيتها المئات من الشهداء من أجمل وأنبل رموز الإصلاح والثورة في اليمن المعاصر، وفي ذات الاتجاه من المعاندة والرفض لأي إصلاح أو تجديد أو تغيير، كان صراعهم واستكلابهم في الصراع ضد السلطة الجديدة، في صورة الثورة السبتمبرية، وبالاستعانة بالرجعية العربية، وبالاستعمار الأجنبي.. الثورة التي قدم اليمنيون، والمصريون مئات الآلاف من الشهداء والجرحى لانتزاع حق الشعب المغتصب من قرون متطاولة من الاستبداد والطغيان في التاريخ، حتى كان ما يسمى اتفاق "المصالحة"، اتفاق جدة، مارس 1970م، وعودة رموز ملكية للمشاركة في السلطة، بضغوط خارجية، ضمن لعبة تسوية سياسية ناقصة، تخدم الخارج، وماتزال آثارها السلبية قائمة حتى اللحظة، وصولًا إلى الحروب الست 2004-2009م، للجماعة الحوثية "أنصار الله"، مع "نظام علي عبدالله صالح"، الذي كان يلعب على رؤوس الثعابين، حسب تعبيره.

كانت مواجهته للجماعة الحوثية في البداية تكتيكية، على المستويين العسكري والسياسي، علمًا أن الجماعة الحوثية ولدت فعليًا في أحضان النظام القديم، ولكن في استقلال نسبي عنه، في البداية/ النشأة، تحت مسمى ثقافي (مذهبي) إحيائي "الشباب المؤمن"، من رموز فكرية وثقافية زيدية مختلفة متنورة "الأستاذ محمد يحيى سالم عزان" وغيره (خليط من الزيدية القحطانية الفكرية والقبلية، والزيدية العدنانية)، ضمن حركة أو مشروع إحيائي زيدي، في مواجهة "الوهابية السياسية"، حين كان الأستاذ حسين بدر الدين الحوثي أحد المؤسسين لهذه الجماعة، وكان عضوًا في مجلس النواب -بعد ذلك- عن "حزب المؤتمر الشعبي العام"، ضمن لعبة وشعار علي عبدالله صالح في الرقص على رؤوس الثعابين، وكان حينها زعيم وقائد الحروب الداخلية، علي عبدالله صالح، يحاول اللعب بورقتهم باعتبارهم كرتًا للمساومة السياسية -مع الخارج- على "شعار الإرهاب"، للحصول على المال، والسلاح، لدعمه في مواجهة "الإرهاب الديني" كما يزعم، وضد الداخل، لإثارة صراع سني، شيعي (زيدي/ شافعي)، وبخاصة بعد تحويل الجماعة الزيدية الإحيائية "الشباب المؤمن"، إلى حركة سياسية مسلحة، معلنة تمردها على النظام السياسي، ضدًا على أسباب وشروط نشأتها الإحيائية السلمية، وهي الفترة التي كان علي عبدالله صالح يفكر ويخطط ويمهد للتأسيس لقيام "الجمهورية الوراثية"، ويعد ابنه أحمد ليكون "وليًا للعهد"، ووارثًا للدولة الجمهورية، ولذلك بدأ بحجز كرسي له في عضوية مجلس النواب، ليدربه على السياسة، وممارسة السلطة، وهو الشاب عديم الحيلة السياسية الذي لا يهمه سوى جمع المال، وشراء العقار، في الخارج (ألمانيا/ الإمارات)، وفي الداخل في المواقع الهامة من المدينة صنعاء، ما إن يعلم بأرضية، أو عقار في موقع هام، حتى يسارع للضغط، والمغريات إلى شرائه، عن طريق مجموعة خاصة به.

إن رحلة علي عبدالله صالح البائسة مع قضية "التوريث"، كانت هي بداية نهايته كشخص، وليس كنظام ومنظومة حكم.. نهاية تاريخ شخصي/ أسري/ حزبي -إلى حد ما- تاريخ طويل وكارثي من الفساد السياسي والاقتصادي، وهو الذي أوصل علي عبدالله صالح، بعد أكثر من ثلاثين سنة من الحكم، إلى وهم أنه بإمكانه توريث الدولة، والجمهورية في أبنائه (عائلته)، وذلك الوهم هو -كما يبدو- قد خلق وهمًا مقابلًا له عند الجماعة الحوثية، في توجهها نحو محاولة إعادة إنتاج "الهاشمية السياسية"، بعد رحلة قصيرة من التحالف مع علي عبدالله صالح.

هنا تقاطعت، مؤقتًا، مصالح الجماعة الحوثية "أنصار الله"، مع بعض الأطراف في العملية السياسية، وذلك حين قامت -بعد ذلك- ثورة الشباب والشعب في فبراير 2011م، ووجدت الجماعة الحوثية "أنصار الله"، نفسها في قلب ذلك الحدث السياسي، والثوري الكبير، لأهداف خاصة بها، وإصرار البعض في الداخل والخارج (بعض الأطراف الإقليمية)، للعب بالورقة الحوثية، ضد حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين)، وضد النظام.. وكانت عملية انتقال السلطة إلى الرئيس الجديد عبد ربه منصور هادي، وصولًا إلى مؤتمر الحوار الوطني الشامل، الذي كان أول ترسيم سياسي رسمي لحضور الجماعة الحوثية "أنصار الله" في العملية السياسية الحوارية الرسمية، والتي مُثِّل فيها الحوثيون، بعدد تمثيلي كبير قياسًا لتاريخ نشأتهم، ولدورهم السياسي وحجمهم في الواقع (٣٧ عضوًا في المؤتمر)، تشجيعًا وتحفيزًا لهم للدخول في صلب العملية السياسية والحوارية.

ومع تنامي نزعة الثأر والانتقام عند علي عبدالله صالح، ضد الثورة، والرئيس الجديد الذي لم يتمكن من القبض على زمام أمور السياسة والسلطة، لعدة أسباب، منها افتقاده "كاريزما" القائد السياسي صاحب القرار (الرئيس الصدفة، وليس حتى الرئيس الضرورة)، وكذا بسبب الممانعات من نظام علي عبدالله صالح، و"الدولة العميقة"، لمجيء رئيس من خارج دائرة "دولة المركز" و"العصبية"، وهنا توافقت مرحليًا مصالح علي عبدالله صالح، والجماعة الحوثية، فقد رأى علي عبدالله صالح في الحوثيين أداة أو وسيلة لعرقلة إنجاز المرحلة الانتقالية، بذرائع واهية، كهدف سياسي استراتيجي، مشترك يجمعهما مع اختلاف الأهداف (التكتيكية)، الخاصة لكل منهما.

وبتواطؤ مع بعض الأطراف الخارجية، نكاية بالإخوان المسلمين (الإصلاح)، ولتعويق عملية حركة اندفاعة الثورة الشبابية الشعبية، أكثر إلى الإمام، وضدًا على مخرجات الحوار الوطني الشامل، التي لخصت واختزلت في محتواها وبنودها وقراراتها، الأهداف السياسية والاستراتيجية للحراك السلمي الجنوبي 2007م، ولثورة الشباب والشعب في فبراير 2011م، وعند هذه اللحظة تحولت لعبة الرقص على رؤوس الثعابين إلى ضده، بعد أن أسهم علي صالح بقوة في وصول الجماعة الحوثية "أنصار الله"، إلى عمران، وإلى صنعاء، حتى احتلالهم السلطة والرئاسة، بأدوات الدولة، وقوات وعتاد الجيش الرسمي المحسوب على علي عبدالله صالح، حتى وصول حربهم إلى جنوب البلاد (عدن، 2015م)، وما بعدها، من تداعيات سياسية، وعسكرية، وهنا كانت بداية النهاية الحتمية لعلي عبدالله صالح بالقتل المتوقع، بعد أن خان أهداف الثورة والجمهورية، في الذهاب بعيدًا مع حلمه/ وهمه بـ"الجملكية"، أي في توريث الدولة الجمهورية في أبنائه وأبناء إخوته، الذين كانوا يسيطرون على القوة العسكرية والأمنية والمالية الضاربة في البلاد.. أي بعد أن حصر السلطة والقوة في عائلته الصغيرة، بعد تقليصه حتى لنفوذ أبناء القبيلة (سنحان) بمن فيهم اللواء علي محسن الأحمر، دفاع وحارس مرمى "الوهابية السياسية"، الذي وجد نفسه مضطرًا ومكرهًا لإعلان التحاقه بثورة الشباب والشعب تمهيدًا لاختراقها من الداخل.

إن هذه الرحلة السياسية للجماعة الحوثية من الحرب إلى الحوار المؤقت (التكتيكي)، حتى الاستيلاء على السلطة، دون أية خبرة سياسية مسبقة بإدارة شؤون الحكم (الملك)، في الانتقال من كهوف "مران"، إلى "القصر الجمهوري"، في صنعاء، كل ذلك جعلهم يتصرفون خبط عشواء في كل شيء، وما يحصل اليوم على مستوى إدارة السياسة والسلطة والاقتصاد، وفي العلاقة التناقضية بالمجتمع، هو المثال النموذجي على ذلك.

وعند هذه اللحظة بدأوا بتقديم هندستهم السياسية والعملية الإجرائية لتأسيس "هاشمية سياسية معاصرة"، والعالم يدخل العقد الثالث من الألفية الثالثة، وهنا اصطدامهم مع الجميع، وصدمة الجميع بهم، من خلال وقوفهم ضد قيم الحياة والمدنية والعصر في كل خطوة يخطونها على طريق الاستئثار بالسلطة والثروة.

مع وصولهم إلى قمة السلطة، وإصدارهم بيانهم أو "إعلانهم الدستوري" المرتبك، كان أول تماس سياسي عملي لهم، بمعنى ممارسة السياسة، وإدارة السلطة والدولة، "وعليه فقد تم إفراغ الساحة من مضامين السلطة، لتحل محلها مضامين التسلط"، والتعبير الفكري السالف حول السلطة، والتسلط للأستاذ زيد بن علي الوزير، في كتابه "حديث في المصطلحات الإسلامية"، (ص23)، وهو عمليًا ما تم مع الإمامة الهادوية التاريخية، حيث التسلط الإمامي الهادوي في تسمياته وطبعاته المختلفة، وصولًا إلى "بيت حميد الدين"، التهم السلطة، والسلطة ابتلعت الدولة وصادرتها، وهو ذاته ما يتم ويتكرس مع "الهاشمية السياسية المعاصرة"، وقد تم قبل ذلك مع الأمويين والعباسيين في تحويلهم الخلافة الراشدة والشورى إلى ملك عضوض، مع الفارق السياسي والتاريخي الذي يحسب للأمويين والعباسيين الذين أسسوا قبل قرون طويلة دولة حضارية تنسب الحضارة العربية الإسلامية إليهما تحديدًا، لأن ما يحصل اليوم هو عودة وتراجع قهقرى للخلف، عما كان على المستويات كافة..

تمت "ملشنة" كل شيء خارج نطاق المعنى الرسمي لمؤسسات الدولة، والتي غدت جميعها ملحقة وتابعة بسلطة "المشرفين"، تحولت معها سلطة الجماعة الحوثية "أنصار الله"، إلى البديل الفعلي لكل مؤسسات السلطة

ومن هذه اللحظة، لحظة الانقلاب السياسي المعاصر، بدأ تراجع المعنى السياسي، المادي والواقعي لدولة المؤسسات، وللعمل المؤسسي النسبي الذي كان قائمًا، وهو إحدى ثمار بقايا الجمهورية السبتمبرية، والأكتوبرية، بعد أن تحولت سلطة "الولي الفقيه"، في مخبئه تحت شعار "الولاية"، وتحت غطاء "المجلس السياسي الأعلى"، إلى بديل للسلطة والنظام السياسي الجمهوري والدولة الوطنية الحديثة، فحلت مفردة "المشرف"، "دولة المشرف"، وهي قوة موازية وبديلة لمعنى مؤسسات سلطات الدولة، من رئيس الوزراء إلى الوزراء، وقيادات مؤسسات الدولة، ومختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية، بعد أن تم "ملشنة" كل شيء خارج نطاق المعنى الرسمي لمؤسسات الدولة، والتي غدت جميعها ملحقة وتابعة بسلطة "المشرفين"، تحولت معها سلطة الجماعة الحوثية "أنصار الله"، إلى البديل الفعلي لكل مؤسسات السلطة، والدولة، حالة مزدوجة مما تبقى من السلطة والنظام السياسي، الحديث، ومن النظام "الثيوقراطي/ الإمامي"، أو على وفق النموذج الإيراني/ الشيعي، " الاثنى عشري"، في بناء السلطة والدولة، تراجع معها معنى الدولة الذي كان في واقع الممارسة، لصالح سلطة "دولة المشرف"، ومن فوقه "الولي الفقيه"، الذي هو في واقع الممارسة، أقوى وأعلى مكانة وأهمية ومرتبة تنفيذية من رئيس الجمهورية، ومن رئيس الوزراء، ومن الوزير، ومن رئيس مجلس إدارة أية مؤسسة في النظام، فابتلعت سلطة المليشيات كل تفاصيل بنية مؤسسات النظام السياسي، بل كل ما تبقى من الدولة في داخلها، بعد أن تحولت السلطة إلى تسلط.

والتوصيف السالف حول دور "المشرف" ومكانته اليوم، تحت قيادة "السيد الجديد"، يذكرني -مع الفارق- بحديث ورأي الأستاذ محسن العيني، في كتابه "خمسون عامًا في الرمال المتحركة"، حين كتب قائلًا ما معناه: إلى أنه صار أصغر ضابط وشيخ أكبر وأقوى من أي وزير، بل أكبر وأقوى من رئيس الوزراء! وكأننا في حالة عودة من دولة "الشيخ" "دولة القبيلة"، إلى "دولة السيد المشرف"، دولة "الهاشمية السياسية الجديدة"، إنها استمرارية معاصرة للجدلية التاريخية، في صورة "ثنائية الإمامة، والمشيخة القبلية".

حيث نرى بأم أعيننا اليوم محاولة لتأسيس كتابة جديدة للتاريخ، كتابة مناقضة للأصل التاريخي، تقوم على المحو، والكتابة المضادة.. محو كتابة أصيلة تاريخية، هي جزء أصيل من الذاكرة الجمعية، ومن الضمير الثقافي الجمعي للناس والمجتمع، وتقديم كتابة خاصة ومخصوصة، بديلة، تدعي أنها هي الأصل"بوصية" دينية إلهية! وفي قلب هذا الجحيم لا أستطيع أن أفكر إلا متوحدًا ومتناغمًا مع المعطى الوطني والتاريخي والديمقراطي، مهما كان الثمن الذي سيدفع مقابل ذلك، على طريق التأسيس والتعميق لتيار التقدم الاجتماعي التاريخي، ضدًا على كل الأطروحات والمفاهيم التسلطية والاستبدادية: المذهبية والطائفية والقبلية والسلالية، والجهوية والمناطقية المتخلفة.

إن ما يحصل ليس أكثر من محاولة عبثية معاندة لحركة التقدم/ التاريخي.. محاولة لطمس الهوية الوطنية اليمنية التاريخية، ولمحو الذاكرة، آتية من أكثر من جهة سياسية وثقافية، وهو ما أتمنى التركيز عليه في ظرفنا السياسي الراهن، بدلًا من تبديد الجهود والوقت، في كتابات صحافية إعلامية فارغة من كل معنى، ولا صلة لها براهن ومستقبل هذا الشعب وهذه البلاد المتعوسة بنخب سياسية فاسدة وجبانة لا ترى في كل ما يحصل سوى مصالحها الخاصة، "نخب عمياء"، إلا مما تراه حقها السياسي الخاص بها وحدها!

إن "أنصار الله" اليوم، "وبعد سيطرتهم على وسائل الإنتاج المادية، نجدهم ومن الأشهر الأولى لوصولهم إلى السلطة، يحاولون جاهدين كما يشير ويكتب الأستاذ محمد يحيى عزان، وهو واحد من أبرز وأهم مؤسسي جماعة "الشباب المؤمن"، إلى الاستحواذ على وسائل الإعلام، والاستيلاء على منابر المساجد وسائر منصات خطاب الجماهير. ومن أن ذلك ليس إجراء آنيًا نتيجة الظروف التي تمر بها البلاد، ولكنه تطبيق لمنهج الحركة قائم على أساس أنه ليس هنالك إلا رأي واحد وخطاب واحد، هو الخطاب الذي يقرره "العَلَم"؛ فهو -برأيهم- المصطفى من الله، وقرين القرآن، ووارث الكتاب، وهو دون سواه من يجب اتباعه والانقياد له في أمر الدين والدنيا".

وفي هذا الوضع السياسي والأيديولوجي المأزوم، تم ويتم إلحاق الثروة (الملكية الاجتماعية العامة والخاصة)، وبالتدريج، وعلى مراحل، بسلطة الجماعة، حتى محاولاتهم استملاك أراضي الدولة وأراضي المواطنين، وحتى أراضي "الوقف"، باسم وصايا هذا الإمام أو ذلك الإمام.

أي أن ما يتحقق على الأرض ليس إلحاقًا للملكية الاجتماعية بالجماعة، وكأنها رديف للسلطة، بل اعتبارهم ذلك حقًا إلهيًا للسلالة من قرون، ومسطورًا في "اللوح المحفوظ"، سواء في شكل وصية "خفية" أو "علنية"، وفي صورة وصايا، أو بصائر، وكأنها أحاديث مقدسة، أو صكوك ملكية لا تقبل التأويل.

سلطة ليست للمجتمع كله، ومتوحدة بنفسها (جماعتها)، جميع وظائف الدولة فيها مصادرة لصالح وظيفة "الجهاد/ الحرب"، و"الجبايات"، لصالح الجماعة، وفي خدمتها.

إن ما يمارسونه على أرض الواقع، إنما هو إعادة استملاك للثروة الوطنية والاجتماعية بأثر رجعي، وعبر (وصايا/ بصائر إمامية، كما يزعمون)، هي محاولة معاصرة لإنتاج ظاهرة "المال السياسي"، المال والثروة التي لا صلة لها بالعمل والإنتاج، مصدرها الوحيد علاقة هذا أو ذاك بالسلطة، ومدى اقترابه منها، أو عبر الانتماء للسلالة الإمامية، كما هو حالنا مع البعض.. ثروة أساسها قوة سلطة "البناء الفوقي"، ولا صلة لها بالعمل، ولا بالعملية الاقتصادية والإنتاجية.


* هامش: محمد يحيى عزان، "عقدة الحركة الحوثية من الحرية والرأي الآخر"، منشور في النت.