هل يعني السياسيون اليمنيون ما يقولونه عند حديثهم عن السلام

هل يعني السياسيون اليمنيون ما يقولونه عند حديثهم عن السلام - علي يحيى اللكمة
هل يعني السياسيون اليمنيون ما يقولونه عند حديثهم عن السلام - علي يحيى اللكمة

حتى نعرف معالم حالة السلام أو اللاسلام في اليمن اليوم وغدًا، فلا بد من تحليل خطابات النخب السياسية ذات الفاعلية والقرار في الساحة اليمنية اليوم. وبصورة أكثر تحديدًا، لا بد من التنقيب عما بين السطور أو "المسكوت عنه" من المعاني والدلالات في تلك الخطابات؛ وذلك لما ترتبط به من استراتيجيات وقناعات سياسية لها نتائجها وعواقبها العملية في ما يتعلق بمستقبل البلد. وهذا ما تحاول هذه المقالة النهوض به.

ولأن المشهد اليوم، بعد ثماني سنوات من الحرب، قد تمخض عن وجود طرفين رئيسين متصارعين بيدهما البت في الحرب والسلم، وهما: (أنصار الله الحوثيون) و(المجلس الرئاسي وما يضمه من فصائل)، فإننا سنركز على إبراز مضامين خطابات قياداتهما من أجل معرفة ما يعنيه ذلك وما لا يعنيه بالنسبة لمسار السلام الذي بدأ الناس يتفاءلون بتباشير تحققه مع الهدنة التي أبرمت منذ أبريل 2022. ولتحقيق التمثيل المتساوي للطرفين، فإن تحليلنا ينصب على عينات من خطابات وتصريحات كل من: رشاد العليمي، وعيدروس الزبيدي (من قيادات المجلس الرئاسي)، وعبدالملك الحوثي، ومهدي المشاط (من قيادات جماعة أنصار الله الحوثيين).

وبحكم الطبيعة السياسية لخطابات هؤلاء القيادات، فإنها خطابات سلطوية تحضر فيها صورة الأنا والآخر، ويقصد منها، التأثير على المتلقين، واستثارة مشاعرهم وعقولهم بغية كسب مواقفهم، وتحقيق مصالح سياسية معينة. ويستخدم منتجو هذه الخطابات ترميزات لغوية مختارة بعناية، وتستعين بأدوات بلاغية وإشارات ثقافية يفصح عن مدلولاتها المجال التداولي المشترك بين المتكلم والمخاطب الضمني. ومن خلال تحليل محتوى خطابات هذه القيادات، فإننا نجد أنها، رغم اختلاف صياغاتها وتناقض مصالح منتجيها، تدور ضمن أربعة محاور موضوعية مشتركة، هي:

 

الأزمة الإنسانية وآثار الحرب المأساوية

تتفق قيادات الطرفين في استدعاء صورة الأزمة الإنسانية اليمنية والآثار المدمرة للحرب، وهي استراتيجية ذات طبيعة عاطفية هدفها تبرئة الأنا ومظلوميته، بما يقتضيه ذلك من مطالب واستحقاقات، وتحميل الطرف الآخر المسؤولية.

فنجد أن مهدي المشاط ، على سبيل المثال، يشير إلى "الواقع المثخن بالجراح، والمكتظ بالتركة الثقيلة من الفقر والجوع والمرض، والفساد، والتبعية، والارتهان". ويؤكد ذلك عبدالملك الحوثي في كثير من خطاباته، فيقول في إحداها مثلًا: "كل أسرة تعاني في هذا البلد نتيجة الحصار، وتلك المؤامرات على الوضع الاقتصادي والمعيشي لأبناء هذا البلد، وهو ما يبين مدى مظلومية هذا الشعب، ومدى عدوانية وظلم وإجرام تحالف العدوان". وينقل رشاد العليمي في خطابه في الأمم المتحدة، معاناة اليمنيين والأزمة الإنسانية الفادحة في البلد، بقوله: "هي السنة الثامنة على التوالي التي يقف فيها قائد يمني أمامكم ليحكي قصة الحرب، والدمار، والأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم"، ويؤكد العليمي على ذلك بقوله: "تَحمِل قيادتُنا في كل مرة إلى رحاب هذا الصرح العظيم، المزيد من الآلام والأوجاع، بسبب الحرب والأوبئة والجوع".

واختيار زمان ومكان إرسال الرسائل بخصوص مآسي الحرب في اليمن، له دور بالغ في تحديد معاني تلك الرسائل وما يتعلق بها من ارتباطات سياسية. فخطاب العليمي السابق كان موجهًا إلى المجتمع الدولي، ومن ثم فإنه يركز على المعاناة الإنسانية التي يعانيها الشعب اليمني على كل المستويات؛ في حين أن تصريحي الحوثي والمشاط السابقين موجهان إلى الداخل بصورة رئيسية، ومن ثم فإن خطابهما يركز على الجانب المعيشي الذي يشعر به المواطن، وهو يبحث عن قوت يومه. وهدف العليمي التأكيد على كون حكومته تمثل الكيان الشرعي الحريص على الشعب، وأنه الجدير بثقة العالم، أما المشاط والحوثي فيهدفان إلى كسب الرأي المحلي العام في مناطق سيطرة جماعتهما بصورة خاصة، خوفًا من المشاعر الشعبية المناهضة بسبب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة.

وقد تستدعي هذه القيادات ما يحدث من قتل ودمار من أجل إرسال رسائل مضمنة عن هوية "طرفنا" وهوية  "خصومنا" في الآن نفسه. يقول مهدي المشاط: "وها نحن اليوم نقدم مجددًا نهرًا من الدماء والتضحيات الغالية في معركة تمثل الامتداد الطبيعي لمعركة كل الخيرين من الآباء والأجداد"، ويقول رشاد العليمي: "وما إذا كان بوسعنا هذه المرة العمل الجاد من أجل وقف نزيف الدم، وإنقاذ الأرواح"، ويشير عيدروس الزبيدي إلى أن الحرب "لن تتوقف إلا باستئصال شأفة هذه التنظيمات، ووقف اعتداءاتها على أرضنا".

وبثناء المشاط على "التضحيات الغالية بالدماء"، فإنه يشير إلى أن جماعته هي الجماعة الوطنية المخلصة وغير الخائنة، فهي المدافعة عن الوطن ضد غزاته، وهي لا تبخل بالدماء الكثيرة؛ لأنها تمثل "الهوية الوطنية" المتصلة "بهوية الآباء والأجداد الأصيلة". وفي الجهة المقابلة، فإن في دعوة العليمي إلى "وقف نزيف الدم، وإنقاذ الأرواح"، إشارة إلى كونه يمثل الحكومة الشرعية التي تحرص على سلامة الشعب، وتسعى، للضرورة فقط، إلى إيقاف التمرد المخالف لحالة النظام والاستقرار انطلاقًا من مسؤوليتها التي تضفيها عليها "شرعيتها".

أما الزبيدي، فإنه ينظر إلى الخصوم بوصفهم "شجرة شيطانية ضارة لا بد من أن تستأصل"، وهي استعارة سياسية غالبًا ما تُستخدم في خطابات الأنظمة العربية في الإشارة إلى المنظمات الإرهابية. وهو خطاب يتماهى مع خطاب دولة الإمارات العربية المتحدة بخصوص جماعات الإسلام السياسي. وبإشارته إلى "أرضنا"، فإن الزبيدي يحيل إلى "الجنوب" الذي، وإن لم يتعرض له هنا، فإنه يذكره بصورة صريحة ومتكررة  في خطابات أخرى، منها قوله في  واحد منها: "وإصرارنا نحو استكمال أهداف هذه الثورة حين تتوج باستعادة بناء الدولة الجنوبية الفيدرالية المستقلة كاملة السيادة على حدود 21 مايو 1990 من المهرة إلى باب المندب، دولة يسود فيها الأمن والاستقرار".

وبصورة عامة، فإن الملاحظ أن هذه الاستدعاءات لمآسي الحرب تخدم مصالح الأطراف السياسية التي يمثلها المتكلمون، ولا تلتقي في نقطة واحدة بخصوص إنتاج خطاب يحقق الإجماع الوطني ومصلحة المواطنين.

 

الاستمرار في الحرب أو إيقافها

تظهر خطابات السياسيين في اليمن أن المنظور المهيمن في نظرتهم إلى الحرب هو منظور حسابات الربح والخسارة، وتتسم تعبيراتهم فيها باستخدام الشعارات والعبارات الفضفاضة غير الملزمة. والكلام عن الحرب ليس المقصود منه، في المقام الأول، حل مشكلة الحرب، بقدر ما يترتب عليه من إظهار للطبيعة الشريرة للخصم، ومن مشروعية أفعال الطرف الذي ينتمي إليه المتكلم.

فعلى سبيل المثال نجد أن  عبدالملك الحوثي يسوق مبررات خوض الحرب من منظور جماعته بقوله: "كانت أولويتنا الكبرى -ولاتزال- في التصدي للعدوان، تسخير كل الإمكانات، توظيف كل القدرات، وأيضًا التركيز عمليًا وذهنيًا على هذه الأولوية".  وفي خطاب رشاد العليمي أمام القمة العربية الصينية، أكد مرة أخرى على ما دعا إليه في خطابه السابق أمام الأمم المتحدة، وهو وقف الحرب؛ لأنها دمرت اليمن وألحقت أضرارًا هائلة بأهله، لكنه أضاف، هنا، أن "الحرب حولت اليمن إلى بؤرة نشطة لتعزيز ونشر العنف في المنطقة". ومن ناحيته يرى عيدروس الزبيدي أن الحرب ضرورة سياسية حتى تحقيق بناء دولة الجنوب، حيث يقول: "عهدًا لدمائهم وتضحياتهم بأننا على دربهم ماضون حتى النصر، وبناء دولتنا المنشودة الضامنة والحافظة لحقوق الجميع".

ويتضح من منطوق خطاب الحوثي أن "العدوان"، هو ما جعل جماعته تحدد الحرب كأولوية، وتحشد لها كل الإمكانات، وهذا تبرير تطهري يلحق المسؤولية الأخلاقية بالآخر الموصوف بكونه "عدوانًا"، ويسكت الخطاب هنا عن الصراع  الذي سبق تدخل دول الجوار في 26 مارس 2015. أما الزبيدي، فإنه يجنح نحو منح المشاركة في الحرب صفة غائية قدسية تتعلق بالوفاء لتضحيات شهداء الجنوب وما طمحوا إليه من بناء دولتهم المنشودة. ومن طرفه يتحدث العليمي، أمام الأمم المتحدة، عن آثار هذه الحرب التي أودت بحياة الملايين وشردت الآلاف في أقطار العالم، وجعلتهم تحت خط الفقر، وهذا وتر حساس يجد صداه في هذا المحفل؛ فهو يخاطب مخاوف المجتمع الدولي من موجات اللجوء والهجرة وتكاليفها الباهظة، أما أمام القمة العربية الصينية، فيربط العليمي الحرب في اليمن بمصالح دول المنطقة، ومن هذا المنظور،  فإن تكاليف الحرب قد تجاوزت المكاسب السياسية، ولهذا وجب إيقافها.

مما سبق يتضح أن نظرة القيادات السياسية المختلفة إلى الحرب هي نظرة براغماتية تفاوضية بحتة. ولأنها فضفاضة وذات مقاصد استهلاكية لعواطف الجمهور المستهدف، فإن هذه الخطابات تخلو من أي التزامات وتعهدات وتنازلات ملزمة تخدم غايات أخلاقية تتعلق بالصالح العام.

 

الفاعلون الدوليون أو الإقليميون

أصبح مألوفًا لدى المواطن اليمني أن يسمع دائمًا في خطابات القادة السياسيين من الطرفين المتصارعين، كلامًا يتعلق بدول الإقليم أو بالمجتمع الدولي، وبالأخص أمريكا وغيرها من الدول الغربية الكبرى. واستدعاء هؤلاء الفاعلين، بصورة متكررة، في خطابات السياسيين اليمنيين، عبارة عن استراتيجية بلاغية لإيصال رسائل مضمنة ترتكز على تبرئة ساحة الذات وإدانة الآخر.

وفي هذا السياق نجد أن عبدالملك الحوثي  قد دأب في خطبه العامة على مهاجمة أمريكا وإسرائيل و"دول التحالف العربي"، ويصفها بدول "العدوان" وغير ذلك من الأوصاف، وفي الوقت ذاته نجد أن الخطاب السياسي للحكومة منذ الرئيس هادي حتى الرئيس العليمي، قد اعتمد على عدم تفويت أية فرصة للإشادة بدور دول الجوار خاصة، وأحيانًا القوى الكبرى كأمريكا، وظل قادة الحراك الجنوبي يشيدون بدور السعودية والإمارات في دعمهما للقوى المقاتلة ضد الحوثيين، وبصورة مبطنة في وقوفهما ضد حزب الإصلاح وحلفائه.

يذكر مهدي المشاط أن العالم متواطئ في عدم إيقاف الحرب، بقوله: "نؤكد وننبه دول العدوان والعالم المتواطئ إلى خطورة عدم التعاون في تلبية مطالب صنعاء، باعتبارها تمثل حقوقًا إنسانية خالصة للشعب كل الشعب". أما عبدالملك الحوثي، فإنه يرجع سبب الحرب على اليمن، إلى أمريكا بوصفها العدو الأكبر، "ذلك كله بفعل السياسات العدائية الأمريكية في ظل الوصاية الأمريكية على بلدنا العزيز". وبهذه الطريقة يسوق الحوثيون لأنفسهم باعتبارهم القوة الوطنية المخلصة بعكس غيرهم ممن يصمونهم "بالعملاء" و"مرتزقة العدوان"، ولتثبيت هذه الصورة دائمًا يسكت الحوثيون عن ذكر حلفائهم كإيران وحزب الله، وإن أشاروا إليهم، وهذا أمر نادر، فبوصفهم قوى ممانعة ومقاومة في المنطقة.

وفي الجهة المقابلة يشير عيدروس الزبيدي إلى الدعم السخي لشعب الجنوب من دول الجوار، بقوله: "إن شعبنا الجنوبي وقواته المسلحة، وبدعم سخي غير محدود من الأشقاء في التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، لاتزال تخوض حربًا مفتوحة مع قوى وتنظيمات إرهابية". وهذه تقنية خطابية مكررة لدى الزبيدي يراد منها تثبيت صورة الحليف المخلص لمجلس التعاون الخليجي في وجه حلفاء غير مخلصين تتخلل صفوفهم قوى إرهابية، وهو، هنا، يفضل مصطلح "قوى وتنظيمات إرهابية" العام حتى يتسع ليشمل أعداء مشروع "استعادة الدولة الجنوبية"، ويدخل ضمنهم الحوثيون وحزب التجمع اليمني للإصلاح.

وبصفته الشرعية الدولية، فإن رشاد العليمي يحرص على هذا البعد الدولي لشرعية حكومته، فلا يغفل فرصة، كالرئيس السابق هادي، كي يذكر الجهود المشكورة للمجتمع الدولي "ومحاولتهم المستمرة لجلب السلام والاستقرار إلى بلدنا الذي ينزف للعام الثامن على وقع الحرب"، بل إنه يعلن احترامه الصارم للقانون الدولي، والالتزام بكافة المواثيق، والمعاهدات والاتفاقيات، أما دول الجوار العربي فيجعل قضية اليمن قضيتها فقد "بذلوا دماءهم وأموالهم، وفتحوا بلدانهم لاستضافة الملايين من أبناء شعبنا المشردين سواء للعمل، أو الإقامة، أو العلاج، أو التعليم"، وهو بذلك ينفي وجود أي خلاف مع السعودية والإمارات، رغم ما بات متداولًا في وسائل الإعلام من تعبيرات ساخطة يظهرها كثيرون من اليمنيين، حتى من مؤيدي الحكومة الشرعية، على نهج الدولتين الجارتين تجاه المسألة اليمنية.

ويتضح بذلك أن هذه الخطابات باختلاف أهدافها تفتقر إلى الشفافية وإلى مصارحة الشعب اليمني؛ فهي ليست إلا وسائل تواصلية براغماتية يراد منها تحقيق مصالح الفئة التي يمثلها المتكلم، وهي، لهذا السبب، لا تعكس صوت الغالبية من الشعب الذين نجدهم في أحاديثهم اليومية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، ينتقدون دول الجوار والمجتمع الدولي لنفاقهم ولعملهم بطريقة تخدم حتى من يظنون أنهم يحاربونهم في اليمن، وهو ما يعني الإسهام في تجذير الانقسامات وتعميق الأزمة وإفساح المجال أمام هيمنة الجماعات المسلحة.

 

سلام مشروط

تشير اتجاهات الصراع الدائر في اليمن إلى صعوبة حسم الصراع الدائر في اليمن رغم تطور العمل العسكري، ولعل السبب في فشل عملية السلام يرجع إلى ما نطلق عليه "السلام هدف مشروط"، بسبب تعدد جبهات الحرب في الشمال والجنوب، وتعقيد ساحة الصراع بين جهوي، حزبي، طائفي، محلي وإقليمي ودولي متعدد الأطراف، حيث شهدت الساحة اليمنية تعدد تنظيمات التطرف العنيف.

فلكل طرف من أطراف العملية السياسية شروط لقيام عملية السلام، ومعضلات لتحقيق ذلك، فمهدي المشاط يرى أن الحديث عن السلام والأمن "لا قيمة له دون احترام حقوق الشعب اليمني"، بل إنه يتمسك بخيار الحرب، فهو يقول: "وتتحمل دول العدوان كامل المسؤولية عن كل ما يترتب من تصعيد أو تعقيد أو أضرار. وهذا لا شك أمر لا نتمناه، ولكنه محتمل جدًا في حال لم نجد عقلاء على الطرف الآخر يشاركوننا الحرص على السلام، والاحترام لمطالب شعبنا الداعمة للسلام".

أما رشاد العليمي، فيرى أن من أهم أولويات المجلس الرئاسي، جعل "خيار السلام وإنهاء المعاناة الإنسانية كأسمى أهدافه، عن طريق استعادة الدولة، وإنهاء الانقلاب". ويؤكد على أن "السلام خيار استراتيجي لا لبس فيه، في المقابل عدم القبول بأي جماعة، أو تشكيل مسلح يحتكر القوة، وسلطة إنفاذ القانون". ويؤكد أنه متمسك بمنهج السلام وفقًا "لمرجعيات الحل الشامل للأزمة اليمنية المتمثلة في المبادرة الخليجية". وباستناده إلى المرجعيات السابقة على الحرب، ومنها مخرجات الحوار الوطني وبنود المبادرة الخليجية، فإن خطاب العليمي لا ينبئ عن أي تطور في موقف الحكومة طيلة سنوات الحرب الثماني، وهذا يعني أن نظرتها إلى السلام مشروطة وجامدة.

ويحكي  عيدروس الزبيدي عن موقفه من السلام، فيقول إنه "موقف يستند إلى الرغبة الحقيقية في السلام العادل، والرافض لفكرة الهيمنة والاستعلاء والإضرار بمصالح ومكتسبات شعبنا". وهنا تظهر هذه الرغبة في السلام مشروطة بتحقق رؤية الحراك الجنوبي الذي يمثله الزبيري، وهي "استعادة دولة الجنوب المستقلة بحدود ما قبل 1990"، وهي، الأخرى، نظرة جامدة لا تلتفت إلى التغييرات التي حدثت في اليمن منذ العام 2011 حتى يومنا هذا.

 

خطوات عملية من أجل سلام دائم ومصالحة عادلة

يستطيع المرء أن يستنتج أن هذه الأنانية الفئوية، والرؤى الجامدة، والاشتراطات المعرقلة التي أفصحت عنها القراءة المعمقة لخطابات القادة السياسيين في اليمن، أنها من بين الأسباب الرئيسية لتعثر عملية السلام اليمنية؛ ابتداءً بمفاوضات جنيف ووصولًا إلى ستوكهولم وما بعدها.

وحتى يتجاوز اليمنيون العوائق الواقفة أمام تحقيق السلام الدائم والمصالحة الوطنية العادلة، فإننا نرى أنه ينبغي على قادة الطرفين المتصارعين أن يأخذوا في الحسبان بعض القضايا المهمة التي من شأنها -من وجهة نظرنا- أن تسهم في تهيئة الأجواء لمناخات السلام، وفي التعامل مع كافة التحديات التي رافقت عملية صنع السلام في السابق:

  • عليهم أن يأخذوا في الحسبان أن "السلام" الذي يتكلمون عنه، لن يتحقق دون مبادرات متجددة، وتنازلات حقيقية، وتغليب لمصلحة المجموع الوطني على مصلحة الأفراد أو الجماعات السياسية أو المناطقية أو المذهبية. ولن يتم ذلك إلا بقناعات أخلاقية تقوم على الاعتراف المتبادل، وعلى احترام كرامة الإنسان أيًا كان لونه أو انتماؤه العرقي أو المناطقي أو المذهبي.
  • بما أن الهدنة الإنسانية السارية منذ أبريل 2022، مع ما فيها من خروقات، قد وضعت لبنات لتهيئة أجواء إحياء عملية السلام في اليمن، فإنه ينبغي على الأطراف المتصارعة أن تعمل على الاستفادة منها، وأن توازن بين المكاسب السياسية، والتكاليف المقبولة للحرب، فعندما تتجاوز تكاليف الحرب المكاسب السياسية، يجب أن تتوقف الحرب، وهو ما ينبغي أن تنظر إليه كافة الأطراف في المرحلة القادمة.

علي يحيى عبدالله اللكمة: مدرس بقسم العلوم السياسية في جامعة صنعاء، باحث دكتوراه في جامعة القاهرة. متخصص في السياسات المقارنة، والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد.