ملف - 18 عامًا على ذكرى الاستئناف الثاني للنداء

ملف ذكرى الاستئناف الثاني للصحيفة
ملف ذكرى الاستئناف الثاني للصحيفة

ترتبط قصة الصحافة بالوحدة اليمنية في 22 مايو 1990. صعودها بلغ أوجه في سنوات الوحدة الأولى، حتى إن ربيع الصحافة اليمنية التصق بمناسبة قيامها. وانتهى باندلاع حرب 1994.

فرضت مقتضيات النظام السياسي لما بعد الحرب هامشًا للحريات السياسية والمدنية، بدأ محدودًا عقب حرب 1994، واتسع تدريجيًا حتى بلغ مستويات متقدمة في العام 2003 وما بعده، وسط ظروف محلية وإقليمية ودولية سمحت بهامش كبير في مجال الصحافة المقروءة.

يمكن سريعًا الإشارة لعدد من المتغيرات المحلية والخارجية التي ضغطت على نظام الرئيس علي عبدالله صالح، وفرضت عليه إرخاء قبضته على الحياة الحزبية والمجتمع المدني البازغ والصحافة. تبنت الولايات المتحدة باعتبارها الفاعل الأول، في العالم العربي، ما يسمى "الشرق الأوسط الجديد"، كمدخل إلى تكريس "الديمقراطية الليبرالية" و"السلام" و"قيم الليبرالية"، وأهمها حرية السوق وتشجيع المبادرات الخاصة وقطاع الأعمال و"حرية الصحافة"… لكن قبل ذلك كله وبعده الحرب على الإرهاب باعتبارها التحدي الأول حينها بعد احتلال العراق.

داخليًا كانت سلطة الرئيس (السابق) علي عبدالله صالح بدأت تتحلل بفشل كل المحاولات التعويضية في الجنوب، وتراخي القدرة التمثيلية في بعض مناطق الشمال. بكلمة أخرى فشل محاولات تعويض الحزب الاشتراكي جنوبًا، وازدياد قوة النموذج "الإيراني" لدى شباب إسلامي في صعدة ومحافظات أخرى اشتهرت تقليديًا باعتناق المذهب الزيدي. سيكون من المفيد التعمق في التوجهات الإسلامية لدى هؤلاء، وانتماء عدد منهم لـ"الإخوان المسلمين". هذا التطور (أو التراجع) في المؤثرات الظاهرة على شباب الظاهرة الإسلامية، تزامن وظهور علامات على تفكك تحالف السلطة التاريخي الذي انتصر في حرب 94، ثم، بعد حوالي العقد، قيام اللقاء المشترك الذي ضم إلى أحزاب المعارضة التجمع اليمني للإصلاح (شريك صالح منذ وصوله إلى السلطة في 17 يوليو 1978، عندما كان "الإخوان المسلمون").

فهم تنامي ثم سيطرة الحوثيين على صنعاء يقتضي تتبع مسار العلاقة بين الرئيس السابق صالح والإخوان المسلمين، فضلا على درجة شرعية النظام السياسي في المراحل المختلفة بعد الوحدة اليمنية في 1990.

في ربيع 2004 انتخب مجلس نقابة جديد للصحفيين، تمكنت فيه المعارضة والمستقلون من الحصول على قرابة نصف أعضاء المجلس.

وسط هذه الأجواء الإيجابية تقدمت إلى وزارة الإعلام بطلب ترخيص صحيفة "النداء"، وتم منحي الترخيص في 12 أبريل 2004، على أن يصدر العدد الأول من الإصدار الأسبوعي خلال 6 أشهر من تاريخ الترخيص.

كانت الأجواء في الظاهر مشجعة، لكن تبين بعد أسابيع من انتخاب مجلس النقابة أن السلطة متوترة بأكثر مما تصوره كثيرون في المعارضة والمجتمعين المدني والحقوقي، بل وفي السلطة ذاتها، أدواتها السياسية والشعبية أقصد! واتضح أن صالح يوشك أن يفقد تركيزه بفعل تهديدات متمثلة في قرصات "الحيات والأفاعي" التي تتحلق حول عرشه في صنعاء وشمالها الأدنى والأقصى، مع تململ الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر من نهج صالح الجديد بتركيز السلطة الفعلية في أقاربه (ابنه أحمد وإخوته وأبناء إخوته)، وإعلان حسين الحوثي العصيان، في تحدٍّ صريح للراقص على رؤوس الثعابين المتربع على كرسي "ملك حمير"!

نشبت حرب صعدة الأولى، واستمرت عدة أشهر، وانتهت بمقتل مؤسس جماعة "الشباب المؤمن" حسين بدر الدين الحوثي، في سبتمبر 2004.

بعد ذلك "النصر المؤزر" بشهر صدر العدد الأول من صحيفة "النداء". وفي اليوم التالي لتوزيع العدد تم إلغاء الترخيص وسحب العدد من الأكشاك والمكتبات!

بعد 5 شهور عادت الصحيفة للصدور بفعل تضامن واسع مع ناشرها، وبفضل أداء قانوني محكم لمحاميها الأستاذ نبيل المحمدي، أدى إلى صدور حكم بإلغاء قرار الوزارة الإداري بإلغاء الترخيص.

عند صدور العدد الأول لـ"النداء"، كان علي عبدالله صالح قد أنهى فعليًا التمرد ببوادر تمرد جديد سيظهر سافرًا في الثلث الأخير من مارس 2011، بانضمام علي محسن الأحمر باتفاق مسبق مع التجمع اليمني للإصلاح، لـ"ثورة الشباب"!

والذي حصل في 2004 أن دحر التمرد قاده قائد المنطقة الشمالية الغربية علي محسن الأحمر، مدعومًا بالتجمع اليمني للإصلاح الذي وفر تأييدا شعبيا في صعدة وفي المدن اليمنية ما استلزم من صالح رد الجميل بعطايا مادية فورية لقائد المعركة ومن وقف مع "الشرعية"!

وقد تبين لي بعد نصف عام أن إغلاق "النداء" جاء في هذا السياق.

 

ولاستكمال الصورة فإنني عندما علمت من الصديق الأستاذ عبده سالم، القيادي في التجمع اليمني للإصلاح، في منتصف مارس 2005، أن قرار الإغلاق الصادر، ولا جدال، من الرئيس صالح، تم نزولًا عند طلب من أمين عام التجمع يومها الأستاذ محمد اليدومي، استغرقت بعض الوقت لتقبل الأمر!

تذكرت يومها ما قاله لي صديقي نبيل الصوفي، قبيل مصادرة العدد بساعات… كان معجبًا بافتتاحية العدد الأول، مبديًا دهشته لجملة قالها اليدومي أو قيادي آخر في الإصلاح، حول دور صحيفة "الصحوة" أوردتها حرفيا في افتتاحية "النداء"! كان ردي أن على نبيل ألا يغفل أبدًا أنني سبق أن كنت في صحيفة حزبية اتعلم فنون العمل الصحفي واتقدم، قبل سنوات.

لماذا أستعيد هذه القصة الآن؟

لأن من حق الناس أن تعرف الظروف التي عملت فيها الصحافة الأهلية والحزبية قبل 2011، ذلك لإدراك أن القامع والمقموع كانا عابرين للمواقع التقليدية (سلطة ومعارضة)، فالقامع ليس دائمًا سلطة، مثلما أن المقموع قد يكون أحيانًا صحفيًا في صحيفة حزب يحكم أو يشارك في الحكم. ولقد يحدث أن يصدر حزب معارض بيانًا ناريًا ضد السلطة بسبب حكم قضائي جائر ضد صحفي معارض، فيما الحزب ذاته يمنع الصحفي من الكتابة في صحيفته!

لقد عاشت الصحافة اليمنية فترة قلقة في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس علي عبدالله صالح، وتقلبات مختلفة، لكن الأكيد أن هامش الحريات، خصوصًا حرية الصحافة، كان أوسع من أي وقت مضى، ولذلك كان اليمن يرد في التقارير الدولية ذات الصلة بالحريات قبل دول عربية عدة، باعتباره بلدًا تنتهك فيه حرية الصحافة، فيما الحق أن اسم اليمن يرد متقدمًا على غيره بسبب حيوية الصحافة ووجود رفض نقابي ومجتمعي للانتهاكات المرصودة حتى وإن لم يظهر مرتكبو الانتهاكات جميعهم في المشهد!

اقرأ أيضاً في الذكرى الـ18 لأستئناف النداء الثاني:

18 عاما على ذكرى الاستئناف الثاني للصحيفة - سامي غالب

كنت وعدت اصدقاء، قبل اسبوع بإعادة نشر افتتاحية العدد الثاني من النداء. لكن ذلك اقتضى بعض الوقت لأسباب متصلة بعدم تحميل العدد الثاني في الموقع علما بأن الموقع نفسه ما يزال طور التحديث جراء أسباب فنية!

على أية حال تجدون هنا صورة لافتتاحية العدد الثاني، وفيها ما يشبه التشريح المكثف لمقاربة السلطة والأحزاب السياسية للصحافة المستقلة.

التزمت في مارس 2005 بوعدي للأستاذ عبده سالم، وهو على الأرجح انتظر بقلق العدد الثاني وبالذات الافتتاحية، ويحضرني الآن اتصاله الهاتفي بي ليعبر عن ارتياحه للافتتاحية قائلا انني أدنت ما حصل للنداء دون أن أذكر الإصلاح بالإسم.

على اية حال أقرأ الافتتاحية لكأني أقرأها لأول مرة ولكن بعد 17 سنة أملا من الأستاذ عبده سالم أن يتقبل الإشارة إليه، وانا اعده أن لا اتوقف عند اي رد يبدر من حزب الإصلاح أو أي عضو من اعضائه!

كلمة ثانية (افتتاحية العدد الثاني)
كلمة ثانية (افتتاحية العدد الثاني)

* نشر على صفحته في فيسبوك بتاريخ 27 يونيو 2022.

 

عن افتتاحية العدد الثاني

وصلتني عدد من الرسائل عبر واتساب محملة بمنشور الصديق العزيز سامي غالب، حول حادثة اغلاق صحيفته "النداء" عام 2004م.

المنشور إياه عاد بي الى ما يقرب من عشرين عاما، وهي مسافة زمنية طويلة نسبيا لكني ما أزال احتفظ بالكثير من تفاصيل هذه القضية، ولدي من المرويات والمعلومات، ما يسعفني للوقوف على بعض وقائعها بكل انتباه..

والحاصل أنني حضرت مقيلنا السياسي المعتاد في بيت الاخ العزيز علي سيف حسن رئيس منتدى التنمية السياسية بحضور عدد من الاصدقاء الدوليين، وخبراء المعهد الديمقراطي الأمريكي العامل في اليمن، ومنظمة فريدريش ايبرت، وعدد من الصحفيين والباحثين الدوليين أيضا، اضافة الى بعض الاصدقاء وقادة الاحزاب والشخصيات.

في هذا المقيل تحدث احد الحضور - وهو بالمناسبة شخص لا اعرفه، بدون اي مقدمات، وخارج اطار موضوع المقيل السياسي - يتهم حزب الاصلاح بأنه كان وراء اغلاق صحيفة "النداء"!! ما دفعني للرد عليه نافيا هذه التهمة عن حزب الإصلاح، معتبرا الحديث عن هكذا موضوع دون دليل لا يعدو كونه تحريضا وتحريشا بالاصلاح لدى الاصدقاء الدوليين، إضافة الى زرع الشكوك بين احزاب اللقاء المشترك!

في اليوم التالي من المقيل تحدثت مع الأخ محمد قحطان "فك الله قيده" حول ما ورد في مقيل الاخ علي سيف اليوم الاول وما انطوى عليه من كيد للتجربة السياسية ورغبة في التحريض على الاصلاح، فرد علي بقوله: المهم الان هو كيف نسعى لا عادة الصحيفة، وكيف نقف معها وندعمها!.. وقال لي بان الاخ سامي غالب رجل يستحق الدعم والاسناد، مشيدا بعقليته ونباهته وتوازنه، ثم طلب مني التحدث مع الاستاذ اليدومي بضرورة مساعدتنا في اعادة الصحيفة ودعمها ماديا ومعنويا.

تحركت في اليوم الثاني الى مقر الأمانة العامة لحزب الإصلاح لمقابلة الأستاذ اليدومي فوجدت الأخ محمد قحطان قد سبقني هو والاخ الفقيد حميد شحرة رحمه الله إلى هناك، وكانوا قد قطعوا شوطا في الحديث حول الموضوع، لاسيما في تلك الفترة التي كان فيها الإصلاح في ذروة نضاله السلمي لاستعادة الحقوق والحريات ضمن احتشاد واسع لتكتل اللقاء المشترك والمنظمات المدنية والحقوقية والنقابية ومؤسسات الصحافة والاعلام، وهو ما يعني بان الإصلاح كان في اطار ذلك المسار النضالي متضررا من اغلاق الصحيفة.

كما ان مجمل الإصلاحيين من دعاة النضال السلمي كانوا ينظرون الى ان الصحيفة تشكل إضافة مهمة في مجال الحريات، في حين كانت قيادات في الإصلاح تنظر الى أهمية استعادة الصحيفة من زاوية المكاسب الحزبية، ولبعضهم أيضا نظرة أخرى كل بحسب زاويته، وكلها في المحصلة تشكل حالة إجماع على أهمية عودة الصحيفة، على النحو الذي ينفي أي إمكانية في ان يتقدم الحزب بطلب الى رئيس الجمهورية باغلاق الصحيفة، فضلا عن ان علاقة الرئيس صالح بالإصلاح حينها وبالإستاذ اليدومي لم تكن على مايرام في اطار ذلك الحراك النضالي! وهو وضع يختلف كليا عن مرحلة الثمانينات!!.

وعليه فقد خلص لقاؤنا بالأستاذ اليدومي إلى السعي لإطلاق الصحيفة مبديا استعداده لدعمها..

وبالنظر الى الظرف الذي صدرت فيه الصحيفة وتزامنها مع الحرب الاولى في صعدة ، يبدو لي ان الاجهزة الامنية تعاملت مع الصحيفة باعتبارها احد الروافع الاعلامية للحوثيين حينها، وبموجب ذلك تم اغلاق الصحيفة وسحب التصريح، غير أني لا اتذكر هل كان امر الاغلاق كان بموجب اتصال من الرئيس صالح الى وزير الاعلام؛ ام ان الجهات الامنية هي التي اطلقت اشارة امنية تم بموجبها اغلاق الصحيفة!.. وأرجح ان الثانية هي الأقرب كون الجيش والامن والمخابرات في حالة حرب في صعدة وبفعل هذه الاجواء يكون الصوت الامني هو الغالب وذو صلاحيات مطلقة ولا يحتاج العودة الى الرئيس.

ويبدو أن الجهات الأمنية التي أغلقت الصحيفة هي نفسها الجهات التي سحبت اشارتها الأمنية ومن ثم اصبح المجال مفتوحا لعودة الصحيفة.

كما لا استبعد أن تحرك الأخ قحطان ومساعيه ومتابعاته هي التي أوصلت الى هذه النتيجة بعد ان اتضح للجهات الأمنية خطأ تقديرها، وبالتالي لم يعد لديها مانع من عودة الصحيفة مقابل عدم البحث عن أسباب ايقافها..

الخلاصة في هذا الوضع بانني كنت قد علمت مبكرا بان القيود التي كانت تحول دون عودة الصحيفة قد زالت، ولكنني لم اتحدث مع أي احد بما في ذلك الأخ سامي نفسه، الذي بدون شك كان يتابع امر صحيفته بكل التفاصيل.

اما بالنسبة للأستاذ اليدومي فقد قابلته في تلك الفترة واخبرته بان الصحيفة في طريقها للعودة، فسر لذلك، وسألني: هل صدرت أوامر من الرئيس بعودتها؟ فقلت له: ربما لم يكن الرئيس وراء إغلاقها، فلعل الجهات الأمنية هي التي سحبت اشارتها، وبالتالي وافقت على عودة الصحيفة دون البحث عن أسباب اغلاقها، ولعل هناك مساع بذلت للوصول الى هذه النتيجة.

فقال لي ابلغ تحياتي للاخ سامي ومباركتي له بعودة صحيفته، واعتذاري له عن أي تقصير، وأبلغه بان يستفيد من عودة الصحيفة وينشغل بإصدارها ولا داعي للبحث عن أسباب اغلاقها، واشعره بانني معه على الدوام ومستعد لدعم الصحيفة بالمستطاع، فقلت له لا اظن بان الرجل يبحث عن دعم مالي ولا يمكن ان يقبل ذلك حتى لا يؤثر هذا الدعم على توجه صحيفته ولكن بالإمكان مساعدته في توجيه بعض المعلنين التجاريين اليه، وعلى الفور توجهت الى الأخ سامي ونقلت له هذه الرسالة بحذافيرها.

* نشره في 24 يونيو 2022

بخصوص إغلاق صحيفة النداء - عبده سالم

لو لم تصلني الرسالة من الاستاذ محمد اليدومي شخصيا، وبواسطة صديق عزيز هو الاستاذ عبده سالم القيادي المعروف في الاصلاح، لقلت أنها واحدة من الاعيب نظام صالح.

كانت رسالة اليدومي التي نقلها عبده سالم لي، وفي مكتبي، في منتصف مارس 2005، هي الاعتذار عن ما تعرضت له صحيفه النداء من تنكيل فور صدور العدد الاول. الاعتذار شخصيا من اليدومي مشفوعا برجاء ان يغلق الموضوع.

كنت أحدق في ملامح عبده سالم غير مصدق ما يقول!

العدد الاول من صحيفة النداء صدر في 13 اكتوبر 2004. في اليوم الثالث تم سحب العدد من المكتبات، ثم علمت لاحقا أن الرئيس علي عبدالله صالح امر حسين العواضي وزير الاعلام الغاء الترخيص، أي اعدام الصحيفة.

كان القرار مباغتا وغير مفهوم الدوافع!

لا شيء فيه يستجلب غضب السلطة إلى هذا الحد، وشخصيا قابلت مرتين الاستاذ حسين العواضي خلال الاسبوعين التاليين ولم أجد لديه سببا مقنعا. كان محرجا وهو يجتهد بحثا عن سبب ما في العدد الاول، والحق أنه لم يقنعني لأنه غير مقتنع! ما أنا واثق منه الآن أنه لم يكن يعرف السبب أصلا لكنه نفذ قرار الرئيس الذي اتصل به غاضبا طالبا منه سحب العدد من الاسواق وإلغاء الترخيص فورا، وقد اجتهد الوزير في تنفيذ الامر "السلطاني" فورا، إذ استدعى وكيل الوزارة الاستاذ محمد شاهر ومدير الصحافة ابراهيم عبدالحبيب ومديرة الشؤون القانونية الاستاذة فتحيه عبدالواسع واخرين. بحثوا عن ما يمكن ان يصلح عذرا لغلق النداء ووجدوه؛ صدرت النداء بعد انقضاء فترة السماح بيوم واحد! طبق القانون فإن على الصحيفة أن تصدر خلال ستة شهور من صدور الترخيص والنداء صدرت بعد 6 شهور ويوم!

كان المبرر مثار استغراب الجميع! والطريف ان الوزير ومرؤوسيه لم يكونوا مقتنعين به (قانونا لم يكن العذر موجبا لإلغاء الترخيص)، وقد ظهر ركاكة هذا المنطق أمام القضاء بعد قرابة 6 شهور إذ جاء الحكم حاسما بعدم جواز الغاء الترخيص وإلغاء القرار الإداري!

….

صدر العدد الثاني بعد 7 شهور بقوة القانون! لكن قبل صدوره بأيام طرأ الجديد يحمله الى مكتبي الاستاذ عبده سالم. وفحواه إن الغاء ترخيص الصحيفة كان بطلب من التجمع اليمني للاصلاح استجاب له الرئيس صالح!

قال لي عبده سالم ذلك آملا طي الصفحة. وقد وعدته بعدم إثارة الموضوع حاليا، وزدت بعدم اثارة الامر لعشر سنوات على الأقل، لكن ساكتفي بالتلميح اليه في افتتاحيه العدد الثاني، وقد كان.

دوافع الوزارة المبهمة كشفها اليدومي بعد 5 شهور - سامي غالب

25 مارس 2005

«النداء» لیست مطبوعة حولية أو نصف سنوية، بل صحيفة أسبوعية توقفت اضطرارياً بفعل أسلوب مدمر متواتر في حياتنا العامة يتم بموجبه تحويل الصحافة إلى موضع لتفريج التوترات السياسية.
وفي أوقات الأزمات يكون التمحيص شيئا ممقوتاً لأنه يحول دون الإفراغ العاجل لشحنة الغضب. وكان أن صبت هذه الشحنة على العدد الأول من الصحيفة وتسببت في تأخير صدور هذا العدد أكثر من خمسة شهور.
لا ريب أن «النداء» وقعت في منطقة التباس في لحظة اشتباك بين أطراف فاعلين في المنظومة السياسية. والصحفيون مهما تنوعت هوياتهم السياسية وأياً تكن المؤسسات التي يعملون فيها، غالبا مايدفعون إلى دور الضحية متى توافق الكبار أو اتناطحوا. ذلك أن الصحافة اليمنية برغم هامش الحرية الواسع الذي تتمتع به منذ قيام الجمهورية اليمنية ما تزال الطرف الأضعف في نظامنا السياسي.
لا أحد توقف لبرهة كما يمحص قبل إرسال «النداء» إلى محنة إغلاقها. وكان في حسباننا أن افتتاحية العدد الأول من «النداء»، علاوة على محتوياته، ضمانة لإجلاء موقفها وموقعها: منبرأ إعلامياً مستقلاً يعتمد نهجة تحريرية متوازنة يقوم على النزاهة والإنصاف والحرفية، وينأى عن أية تحيزات حزبية أو إيديولوجية، معليا من قيم الديمقراطية والمدنية.

تاريخ العدد: 25 مارس 2005

كلمة ثانية افتتاحية العدد الثاني من صحيفة النداء

استغرق البحث عن اسم لهذا الاصدار الجديد عديد اسابيع قبل أن يتناهى «نداء» من وراء جبل أشم وضاحية شموس!

اختيار اسم لمطبوعة جديدة أبعد من أن يكون رحلة سياحية ترفيهية، بل رحلة شاقة مليئة بالغصص والحسرات بعدما حجزت كل الأسماء المرغوبة في قائمة وزارة الاعلام للإصدارات المرخصة لصحف تصدر بانتظام في مستويات متفاوتة وأُُخر لا تصدر؛ لأسباب شتى، ليس أمرُّها غياب أصحابها في بحار الخلود أو قيعان النسيان، وثالثة تصدر فقط في المناسبات الدينية والوطنية، وأحياناً الاجتماعية.

ها إن “النداء” قد استُل من مصيدة التكاثر العشوائي، بعد مشاورات داخل دائرة ضيقة من الزملاء والزميلات الصحفيين، ومن صحاب يعدون أنفسهم من صنف ذوي الذائقة السمعية الرفيعة. لكن ما ان تقدمت بطلب ترخيص كتابي إلى وزير الإعلام، وأشَّر هذا عليه بخط يده موافقاً ومشفقاً ومشجعاً في آن، تماماً كما جميع المسؤولين والموظفين في الوزارة، حتى ظهر أن الاسم مثار انقسامات واحتجاجات بين الزملاء والاصدقاء، وبخاصة اولئك الذي رحبوا بفكرة الاصدار وشجعوا وصبروا وصابروا من دون أن يرهقهم انتظار ميلاد هذا العدد فيلتفتون عن صاحبه.

وجدت من يعترض باحتداد ضيف مشارك في الاتجاه المعاكس، واكثر من ذلك من لا يخفي اشمئزازه للاسم لمجرد أنه يقرأه محملاً بدلالات تطرف وأصولية. وكنت أحسب أن «نداء» بلا إضافة، كما في نداء الوطن أو العروبة أو الاسلام أو التقدم، كفيل بتجريده من أية محمولات ايديولوجية. وقد أبلغت هؤلاء، مناكفاً تارة ومغاضباً في اخرى، أن قراري نابع من تأثر عميق بأبرز منشور احتجاجي تم تصديره بهذا الاسم، عُلق على باب الكنيسة في مطلع القرن السادس عشر، كتبه مارتن لوثر، المحتج الأشهر و«اللامنتمي» الذي انشق عن المؤسسة مؤسساً لمذهب جديد يرفض وصاية البابوات ويُسخِّف وساطتهم بين العبد وربه، ما اعتبرته الكنيسة هرطقة، وعدَّه بعض رجال الدين ضرباً من «محمدية» على ما جاء في كتب التاريخ.

والحق أنني صادفت أصدقاء يساريين يستحسنون الاسم، في تجلٍ حنيني، لمجرد أن «النداء» كانت في عهد مضى جريدة الشيوعيين في لبنان. وبالمثل فقد بدا أصدقاء وزملاء إسلاميون أقل توجساً من الصحيفة وخطها؛ لأن “النداء” بات الآن وسط تنامي قوة التيار الاسلامي عنواناً أثيراً لصحف ونشرات وكاسيتات ذوات هوية دينية على امتداد الساحة العربية.

قوبل الاسم إذاً بعاصفة من الاعتراض، بيد أنني تشبثت به بإيعاز من إلهام داخلي، واتكاءً على استمزاج ذوي الذائقة السمعية الرفيعة المزعومين، واولئك المشهود لهم بالذائقة البصرية الراقية، وبخاصة الفنان احمد منصر الخطاط الشهير، وعبدالله المجاهد، الرسام الذي ينثر الحُب حيثما حل، والمخرج طارق السامعي، وثلاثتهم أصدقاء عزيزون، والأخيران عددت نفسي ذا حظ حليف إذ أتيح لي العمل رفقتهما في «الوحدوي» و«الأسبوع».

على أن الاسم محض لافتة لمكان، والأمكنة بناسها، مثلما أن الصحف بمضامينها وبسياساتها التحريرية وبأساليبها التعبيرية، وقبل ذلك كله برأسمالها الحقيقي: المصداقية والنزاهة. ولئن تقاصر الاسم عن أن يُحدث وقعاً جميلاً، تعالى المضمون لتزيينه ولجعله يتغلغل في وجدان القارئ كاسباً ثقته وصداقته.

والصحافة المطبوعة في بلادنا إما مملوكة للحكومة أو للاحزاب أو للأفراد (إذ لا مؤسسات بعد تملك صحفاً، عسى أن يكون ذلك قريباً)، والأصل -بصرف النظر عن هوية المالك- أن الصحافة ملك المجتمع في مغزاها، وإلا ما شددت الدساتير على الإعلاء من شان حرية الرأي والتعبير، وإلا ما زعم ناشرو الصحف أنهم يتوسلون خدمة المجتمع ورفاهيته. لكننا إذا نتلفت حولنا نلحظ من أسف أن الصحافة الحكومية في بلدنا تنحسر وظيفتها على الرغم من أنها تزخر بعشرات الكفاءات المهنية، إلى مجرد منابر «تنمق الأباطيل وتختلق الاكاذيب» كما كان يفعل شعراء البلاط ومثقفوه في عصور الانحطاط. وتتحول الصحف الحزبية، إلا ما رحم ربي، من منابر للرأي الآخر إلى بوق لتمجيد قائد الحزب أو مسدس هو وحده من يقرِّر هوية الطريدة ويقدِّر متى يضغط بإصبعه على الزناد.

بوق ومسدس، وصفان يُخلعان على الصحافة، يحبذ قادة احزاب المعارضة استدعاءهما كلما هبطوا مظلياً في مقرات صحفهم ليلقنوا العاملين فيها، اذا هم نسوا او أعرضوا عن ذكرهم، درساً جديداً في الالتزام الحزبي.

والمفترض أن الصحافة الأهلية أقل حمولة، وبالتالي أرشق حركة في تعاطيها مع الواقع وما يفرزه من ظواهر مستجدة. ونحن، زملائي وأنا، ليس في حوزتنا برنامج انتخابي متكامل نقدمه في مستهل هذا العدد كيما نكسب أصوات القراء، أو لنمثل على المجتمع الدولي كما في انتخاباتنا قبلوية الاحكام! بل رصيد محدود من الخبرة ومخزون بلا حدود من الحماسة وأقلام لما يخاصمها التواضع بعد، وحظ قليل من الخيال جرَّأنا على قطع خطوة في مسير أميال، ومن بعد ذلك طموح لا يُحد في أن يكون نداؤنا للناس رصيناً يحترم عقولهم، لا نخبوياً يتعالى على همومهم ولا شعبوياً يتملق عواطفهم ويدغدغ غرائزهم، لا طنطنة هو ولاتأتأة، لكنما نداء جديد، على ما يقول الليبراليون -إن كان لا مناص من محمولات- نداءٌ للناس ومن أجلهم.

هذي نداء للناس - كلمة أولى