كوارث الأخطاء الطبية في اليمن - الطفلان المقالح والقطوي شاهدان
كوارث الأخطاء الطبية في اليمن - الطفلان المقالح والقطوي شاهدان (النداء)

الأخطاء الطبية في اليمن.. انتكاسات تضع المنظومة الصحية على المحك

بين ليلةٍ وضحاها، انقلبت حياة مُحمد، الطالب الذكي الذي كان يحظى بترتيبات ‏عالية في صفوفه ‏الدراسية بالمرحلتين الابتدائية والإعدادية. فهو اليوم، وبسبب ‏زيارة واحدة لأحد المراكز الطبية، ‏لن يتشارك مرة أخرى مع زملائه في صفٍّ واحد، ‏ولن يقف مُجددًا أمام المنصة منتظرًا دوره ‏ليتسلم شهادة تكريمه ضمن أوائل ‏الطلاب، ولن يلوّح بيده مودعًا والدته عند عتبة المنزل صباح ‏كل يوم.‏

محمد القطوي قبل العملية 2016 بعد تكريمه ضمن اوائل طلاب المدرسة
محمد القطوي قبل العملية 2016 بعد تكريمه ضمن اوائل طلاب المدرسة (النداء)

كان محمد عبده محمد القطوي، 22 عامًا، مُنذ نعومة أظافره، مولعًا بحب كرة ‏القدم، والسباحة، ‏ومتفوقًا في دراسته، ولكن كل ذلك لم يدم طويلًا، وقد تحوّل ‏إلى مجرد ذكرى بتفاصيلها المؤلمة ‏عقب انتكاسته الصحية التي تسبب بها أحد ‏الأطباء في محافظة إب.‏

تقول أم محمد بنبرة صوتها الموجوعة: "بشكل مفاجئ أصيب ابني بالإسهال، ‏وكان يسترجع كل ‏ما أكله"، وتابعت: "وبعدها قررنا نقله إلى مركز صحي خاص، ‏وهناك أجريت له الفحوصات، ‏وثبت إصابته بالتهاب الزائدة الدودية".‏

أدخل محمد في 19/9/2016، غرفة العمليات، وكان عمره آنذاك، 15 عامًا، ‏وأجريت له العملية، ‏وأكدت والدته أنه أدخل وهو لايزال في كامل وعيه، وكان ‏يراسلهم عبر "واتساب"، ويطلب منهم ‏الدعاء له بالشفاء.‏

أخرج محمد بعد ساعتين من الغرفة، وهو لايزال تحت تأثير المخدر، وبعد مرور ‏‏10 دقائق، ‏بدأت تظهر عليه أعراض تشنجات مُصاحبة لارتفاع في درجة الحرارة، ‏تلاها دخوله أسبوعًا ‏كاملًا في غيبوبة دماغية، عاد عقبها إلى وعيه، وظل مُرقدًا في ‏العيادة مدة ثلاثة أشهر، بحسب ‏والدته.‏

 

من التهاب الزائدة إلى ضمور في الدماغ

محمد القطوي بعد العملية 2016
محمد القطوي بعد العملية 2016 (النداء)

تقول أم محمد في حديثها لـ"النداء": "كان الدكتور المكلف بالعملية "أ.ص" مع ‏بقية زملائه، ‏يخبرونني بأن ابني يتحسن، وسيصبح بخير". وتواصل: "كما أخبروني ‏بأن ما يحدث له أمر ‏طبيعي، لأنه تحسس من التخدير". وهذا بالفعل ما أورده ‏تقرير صادر عن الطبيب الذي ذكره ‏لإخلاء مسؤوليته.‏

وبناء على ذلك، توجهت لوضع سؤال لطبيب تخدير في أحد المستشفيات ‏الخاصة (طلب عدم ذكر ‏اسمه)، حيث قال: "نعم، في بعض الحالات النادرة ‏يحدث تحسس من أدوية التخدير"، وتابع: ‏‏"لذلك من مسؤولية الطبيب أن ‏يستفسر ويدرس الحالة قبل البدء في التخدير، لوضع خطة ‏تخديرية للمريض، ‏وتجنب الأدوية المسببة للحساسية، واستبدالها بأدوية أخرى". وهذا ما لم يقم ‏به ‏طبيب التخدير في المركز الذي وبحسب تقرير صادر عن المجلس الطبي الأعلى، ‏فقد كان ‏طبيبًا لا يسمح مؤهله بتخدير المريض بمفرده.‏

بعد خمسة أشهر من إجراء العملية، دخل محمد في مضاعفات، وحصل له ‏انسداد بالأمعاء بسبب ‏قيام الطبيب بخياط جزء كبير من المعدة عندما كان ‏يخيط عملية الزائدة، وهو ما استدعى أسرته ‏إلى سرعة نقله إلى مستشفى في صنعاء ‏لإجراء عملية فك الانسداد.‏

وعند اطلاعنا على التقرير الطبي الصادر من المشفى الذي نقل له محمد، اتضح ‏وجود التهابات ‏شديدة في منطقة العملية السابقة، وتهتك في جدار الأمعاء، ‏وتضيق شديد في الصمام، وقد تم قص ‏جزء من الأمعاء الدقيقة مع الأعور، وإعادة ‏توصيل الأمعاء.‏

قالت أم محمد: "أصيب ابني بعد العملية السابقة بضمور شديد في الدماغ ‏بسبب توقف القلب أثناء ‏العملية، وعدم امتلاك الدكتور الأكسجين الكافي، ولا ‏جهاز الإنعاش". وأضافت بحزنٍ: "بنفس ‏فترة مرض ابني تسلمت شهادته للصف ‏التاسع، والتي حصل فيها على معدل 90.43%، ولكنه ‏هذه المرة تسلمها وهو ‏طريح الفراش، لا يعي ما يدور حوله".‏

اليوم، وبحسب التقرير الطبي، فإن محمد يعاني من ضمور شديد في الدماغ، ‏وفقدان الإدراك، ‏وعدم القدرة على التمييز أو الكلام، مع عدم القدرة على الجلوس ‏أو التحكم بحركة الأطراف، كما ‏يصعب عليه الأكل والشرب، وهو ما جعل الطبيب ‏يقرر عمل أنبوب للأكل يتغير كل ستة أشهر.‏

معاناة محمد لم تنتهِ عند هذا الحد، ولكن كانت تبعاتها على أسرته التي باتت ‏تتحمل متاعب السفر ‏من إب إلى صنعاء، من وقت لآخر، وذلك لمتابعة علاجه، ‏مع العلم أنهم توقفوا عن علاجه ‏الفيزيائي بسبب الوضع المادي، حيث بالكاد ‏يستطيعون توفير ثمن تغيير أنبوب المعدة، إضافة ‏إلى معاناتهم في متابعة تنفيذ ‏قرار المجلس الصادر في 5 أكتوبر 2019، والذي يلزم المركز ‏الطبي بدفع ‏الغرامات.‏

 

حادث لم تنتهِ معاناته

عبداللطيف المقالح عقب العملية 2020
عبداللطيف المقالح عقب العملية 2020 (النداء فاطمة الأغبري)

في صنعاء قصة أخرى من قصص الاستهتار التي يكون أبطالها أطباء لم يعوا بعد ‏دورهم في هذا ‏المجال، وهذه المرة كان الضحية الطفل عبداللطيف عمار المقالح، ‏‏11 عامًا، والذي نقل إلى ‏مستشفى "يوني ماكس الدولي"، بعد تعرضه لحادث ‏مروري، وبدلًا من عمل الكشافة ‏والفحوصات اللازمة له كما هو متعارف عليه، ‏استكفى الممرضون بتنظيف الجرح وإزالة الجلد ‏الميت، ثم قرروا -بحسب والده- ‏استدعاء مساعد طبيب "ف.ص" لإجراء عملية تجميل للجلد.‏

يقول عمار المقالح، وهو والد الطفل، في حديثه لـ"النداء": "أخبروني أن عظمه ‏سليم! ولم ‏يتضرر، وسوف يخرج بعد إجراء العملية مباشرة".‏

أجريت العملية لعبداللطيف، وظل مدة أسبوع في المشفى دون متابعة من أي ‏طبيب، يعيش تحت ‏رحمة الحقن والأدوية التي تخفف من آلامه.‏

ويؤكد عمار أنه وبعد تألم ابنه الشديد وظهور أعراض تورم في الركبة، أخبر مدير ‏المستشفى، ‏ولكنه ظل يطمئنه بأن الوضع طبيعي.‏

ويضيف: "عند رؤية مساعد الطبيب "ف.ص" لولدي أصيب بالذهول ‏والارتباك بعد أن وجد ‏ركبته متورمة ومتصلبة، وقرر إجراء عملية أخرى.‏

أجريت لعبداللطيف العملية الثانية، وكانت على يد الطبيب "ب.ع"، وأخبروا ‏والده أنهم قاموا ‏بتنظيف الأوساخ المتبقية التي كانت سببًا في القيح والورم، كما ‏قاموا بإغلاق الجرح، مؤكدين أن ‏الورم والتصلب سينتهي.‏

الغريب في الأمر أن إدارة المستشفى أصرت على إخراج عبداللطيف من ‏المستشفى عقب العملية ‏مباشرة.. يقول عمار: "أصروا على مغادرة طفلي ‏المستشفى، وغادرته رغم رفضي". ويردف: ‏‏"وفي مساء ذلك اليوم، زال مفعول ‏المهدئات، وأصبح ابني يتألم كثيرًا، ويتقيأ، ويرتجف".‏

ويتابع: "عند التواصل مع الطبيب طلب مني إعادته للمستشفى، وكالعادة لم ‏يقم بأي فحوصات، ‏وتم ترقيد ابني، وبعد أسبوع نزعت الخيوط، وظل يأخذ ‏الجرع والمغذيات".‏

عبداللطيف المقالح 13 مارس 2023 ويظهر الورم والتصلب في الركبة
عبداللطيف المقالح 13 مارس 2023 ويظهر الورم والتصلب في الركبة (النداء فاطمة الأغبري)

تدهورت حالة عبداللطيف، وازداد حجم الورم، واستمرار التصلب في الركبة، ‏وهو ما أدى إلى ‏نفاد صبر والده الذي قرر بعد ذلك إخراجه من المشفى، ونقله إلى ‏آخر، وذلك في 15 فبراير ‏‏2020.‏

يقول عمار: "بعد إجراء الفحوصات والكشافة، أخبرني الطبيب بأن ابني أهمل ‏بدرجة كبيرة جدًا". ‏ويواصل: "وقد تضرر المفصل والغضروف، وهناك قيح داخل ‏المفصل وتيبس، وتوجد أجسام ‏غريبة وحصى". وأكد له الطبيب ضرورة تنظيف ‏وعمل عملية بالمنظار.‏

بعد رجوع عمار إلى مستشفى "يوني ماكس الدولي"، أخبر مديره بالإهمال الذي ‏ارتكب في حق ‏ولده، وهنا استدعى المدير عدة أطباء، جميعهم رفضوا التدخل ‏بالحالة.‏

يقول المقالح: "بعد خمسة أيام استدعى المدير طبيبًا آخر، وترجيته أن يقبل، ‏ووافق على التدخل، ‏ولكنه اشترط أن أوافق على إخلاء مسؤوليته".‏

ويتابع: "بعد ذلك أجريت العملية الثالثة لابني، لكن ليس بالمنظار، وذلك حتى ‏لا يذهبوا إلى ‏مستشفى آخر، ويفتضح إهمالهم".‏

لايزال عبداللطيف حتى لحظة كتابة هذا التقرير، يعاني من تبعات ذلك الخطأ، ‏وينتظر لحظة ‏تسفيره إلى الخارج للعلاج والعودة مجددًا إلى وضعه الطبيعي.‏

 

إخفاء الملف الطبي

 

بعد أن رأى عمار حجم الضرر الذي تعرض له ولده، توجه بشكوى إلى المجلس ‏الطبي الأعلى، ‏ووجه رئيس المجلس الدكتور مجاهد معصار، بسرعة تشكيل لجنة ‏نزول للمستشفى.‏

يقول عمار: "عند نزول اللجنة إلى المستشفى قاموا بإخفاء الملف الطبي الخاص ‏بابني، والذي ‏يثبت دخوله أول مرة".‏

حررت بعد ذلك مذكرة من قبل المجلس، وتهرب المستشفى، وأعقبتها مذكرة ‏أخرى لوزير ‏الصحة، ولم تتجاوب إدارة المستشفى، واستمرت في المماطلة تسعة ‏أشهر، بعدها حرر المجلس ‏مذكرة أخرى إلى النيابة العامة يخلي مسؤوليته، ‏وبعدها حضر الأطباء وأدلوا بشهادتهم.‏

وبعد متابعات والد الطفل الذي لم يتسلل اليأس إلى داخله، أصدر المجلس ‏الطبي قراره الفني ‏بإدانة المستشفى بالخطأ والإهمال وإخفاء الملف الطبي.‏

كما أصدرت محكمة بني حارث قراراها في 1 فبراير 2023، بإدانة المستشفى، ‏وتغريمه تكاليف ‏علاج عبداللطيف خارج اليمن، مع تحمل تكاليف العلاج في ‏الداخل، ولكن حتى لحظة كتابة هذا ‏التقرير لم ينفذ المستشفى حكم المحكمة.‏

 

استهتار طبيب

 

أما سمير محسن، 55 عامًا، فقبل أن يدخل إلى أحد المشافي في صنعاء، بسبب ‏معاناته من ألم ‏شديد في المعدة، لم يكن يشتكي من أية مشاكل في القلب، ولم ‏تظهر الفحوصات التي عملت له ‏مسبقًا أيًا من تلك المشاكل.‏

يقول سمير: "قمت بعمل منظار وأشعة مقطعية ورنين مغناطيسي، واتضح ‏وجود فتق كبير في ‏الحجاب الحاجز". ويردف: "بعد ذلك قرر الطبيب "ت.ف"، ‏استشاري جراحة عامة ومناظير، ‏عمل عملية بالمنظار، ولكنه وعلى الرغم من ‏الفحوصات، استبدلها بعملية تقليدية افتكت خيوطها ‏بعد سعال هجم على ‏صدري".‏

وعلى الرغم من تواصل أسرة سمير مع الطبيب الذي أجرى العملية، إلا أنه لم ‏يذهب لرؤيته إلا ‏عند الواحدة بعد ظهر اليوم التالي.‏

مرت 13 ساعة، ومحتويات بطن سمير في الخارج، وبجواره ابنه الذي كان ‏يبكيه، ويخشى ‏خسارته.. منظر مفزع تسبب به إهمال طبيب لم تكن لديه أدى ‏مسؤولية تجاه مريض هو من ‏أجرى له العملية.‏

ويضيف سمير في حديثه لـ"النداء": "بعد ذلك قام الطبيب بإعادة إغلاق الجرح، ‏وإعادة خياط ‏جدار البطن، واتضح وجود جلطة سببتها العملية. وحتى يبرر ‏الطبيب سبب انفتاح العملية، كتب ‏في تقريره أني أعاني من سعال مزمن وجلطات، ‏رغم أن الفحوصات التي عملتها مسبقًا لم تظهر ‏أي نوع من تلك المشاكل".‏

وكنتيجة للمضاعفات التي يعاني منها سمير، واستهتار الطبيب بحالته، يستعد ‏سمير خلال الأيام ‏القادمة لرفع شكواه إلى المجلس الطبي الأعلى، ضد الطبيب ‏الجراح، آملًا إنصافه وإنصاف ‏المرضى الذين يدفعون الثمن غاليًا بسبب الأخطاء ‏التي يرتكبها الأطباء، والتي تزايدت بشكل ‏كبير في السنوات الأخيرة.‏

 

العدوى البكتيرية والفيروسية

 

بالطبع قد يخطر ببال الجميع أن الأخطاء الطبية إما جراحية أو تشخيصية، أو ‏ناتجة عن خطأ في ‏التخدير، ولكن ما يجب التنبه له هو أن هنالك أخطاء تسببها ‏العدوى البكتيرية والفيروسية.‏

وهو ما ركز عليه الدكتور خالد توفيق المقطري، أخصائي طب المجتمع، في ‏حديثه لـ"النداء"، إذ ‏يؤكد على ضرورة تدريب الكادر الطبي على بروتوكولات الحد ‏من العدوى البكتيرية ‏والفيروسية داخل المرافق الصحية، وكذلك رفع الوعي حول ‏التعقيم ومنع العدوى وطرق الوقاية ‏منها للحد من انتشارها داخل المرافق ‏الصحية والمستشفيات.‏

ويشير المقطري إلى أن هنالك عدة أسباب تنجم عنها الأخطاء الطبية، إذ تناولها ‏بشكل عام، منها ‏الحرب والحصار اللذان أديا إلى مغادرة بعض وكلاء الشركات ‏الدوائية بسبب إغلاق المطار، ‏وعدم قدرتهم على توفير الأدوية بشكل رسمي، ‏وأيضًا قصور الرقابة الدوائية من الهيئة العليا ‏للأدوية ووزارة الصحة، بعدم متابعة ‏دخول أدوية وأصناف بديلة للأصناف غير المتوفرة بسبب ‏الحصار إلى الأسواق ‏والصيدليات غير مصرح بها من وزارة الصحة والهيئة العليا للأدوية.‏

وعن دور نقابة الأطباء والصيادلة اليمنيين، يؤكد أحد أعضاء النقابة، الذي طلب ‏عدم ذكر اسمه، ‏أن النقابة دورها مغيب، ولا يستطيعون ممارسة أي نشاط منذ ‏عام 2014، بعد سيطرة جماعة ‏أنصار الله (الحوثيين) على مقر النقابة في صنعاء.‏

ويقول: "المجلس الطبي الأعلى الموجود حاليًا مزور، وتم تشكيله بطريقة ‏مخالفة للقانون، وبدون ‏النقابة، بالرغم من أن النقابة لديها 7 أعضاء وفقًا لنص ‏المادة الرابعة من قانون المجلس".‏

 

المجلس الطبي وشكاوى المواطنين

تلقى بعض الشكاوى التي يتقدم بها المواطنون إلى المجلس صداها، ولكن ‏البعض منها تدخل في ‏حالة موت سريري، وتظل معلقة بين الأرض والسماء.‏

وبالرجوع إلى قانون إنشاء المجلس الطبي الأعلى رقم 28 لسنة 2000، نجد أنه ‏وضع ليكون ‏حجر عثرة أمام الشكاوى التي يتقدم بها المواطنون، وهذا ما يؤكده ‏المحامي جميل شرف، إذ ‏يقول: "شكاوى المواطنين تجاه أي طبيب أو مستشفى، ‏إذا دخلت المجلس الطبي، فهي لا تخرج ‏من عندهم، والسبب الطبيعة التكوينية ‏للمجلس". ويواصل: "عند العودة إلى المادة 10 التي بينت ‏اختصاصات ‏المجلس، فإننا سنلاحظ في الاختصاص (ف) أن المجلس ينظر في التحقيق في ‏‏الشكاوى والمخالفات المرفوعة والبت فيها، وتوقيع العقوبات الواردة في المادة ‏‏24 أو إحالتها إلى ‏النيابة العامة إذا رأت لجنة التحقيق أن موضوع الشكوى يتعلق ‏بجريمة من الجرائم التي تختص ‏النيابة العامة برفع الدعوة إليها".‏

ويرى شرف أن هذه تعتبر فضيحة في حق المجلس، لأنه تم إعطاؤه سلطة ‏التحقيق وتوقيع ‏العقوبات من قبل لجنة مكونة من زملاء المهنة قد تتغلب فيها ‏الزمالة أحيانًا، مؤكدًا أن الشكاوى ‏إذا دخلت أدراج المجلس، فهي لا تخرج إلا لو ‏كان الشاكي لديه ظهر قوي أو يمتلك نفسًا طويلًا ‏في المتابعة، بحيث لا يكل أو ‏يمل، أما البقية فنتيجة لعدم ثقة بالأجهزة القضائية والنيابة، ‏فيسلمون بالقضاء ‏والقدر، حد تعبيره.‏

ويعتبر أن المادة 24 في الفصل الخامس المتعلق بالمساءلة والعقوبات التي ‏حددت عقوبات ‏للمخالفين كلفت النظر، والإنذار، وغرامة مالية لا تتجاوز ‏الخمسين ألف ريال، والسحب المؤقت ‏للترخيص، وشطب الاسم من سجلات ‏المجلس، وإلغاء ترخيص مزاولة المهنة، لا تختلف عن ‏العمل النقابي.‏

ويؤكد أن إعطاء المجلس اختصاصات كبيرة وخطيرة -بحسب وصفه- ليس لها ‏مبرر غير إعاقة ‏المواطنين والتسهيل للأطباء والصيادلة في صرف علاجات أو القيام ‏بمهمات طبية من شأنها ‏الإضرار بقصد أو بدون قصد بمصالح الناس.‏

من جهة أخرى، يؤكد المحامي عبدالرقيب الحيدري أن الدعوى المدنية التي ‏تقتصر على ‏التعويض عن الضرر، يجوز أن يتم رفعها بدون المجلس، ويقع على ‏المدعي إثبات الخطأ أو ‏التقصير. مشيرًا إلى أن صاحب الولاية في تحريك الدعوى ‏الجنائية هي النيابة، واختصاصات ‏المجلس المجلس الطبي الأعلى في جمع ‏الاستدلالات والتحقيق تحت إشراف ورقابة النيابة في ‏المسائل الجنائية، ورقابة ‏المحكمة عند وصول القضية لديها.‏

وتعد الأخطاء الطبية التي تنوعت بين خطأ في التشخيص، وآخر في التخدير، ‏وأخطاء في صرف ‏العلاج، وخطأ جراحي، وكذلك العدوى الفيروسية الناتجة عن ‏إهمال تعقيم الأدوات الجراحية ‏وغرف العمليات، من الأخطاء التي أودت بحياة ‏الكثير، كما تسببت لآخرين بعاهات مستديمة. ‏ومع تزايد شكاوى المواطنين في ما ‏يتعلق بهذه الجرائم، لا بد من إجراءات حازمة حيال أي ‏طبيب أو جهة طبية ‏تستهتر بحياة المرضى، وتجعل منهم ضحايا يسكنون المقابر أو أجسادًا لا ‏تقوى ‏على الحركة، بدلًا من معالجتهم والأخذ بأيديهم إلى بر الأمان.‏

اقرأ ايضاً على النداء:

الأخطاء الطبية جرائم بلا عقاب