دولة إسرائيل كاحتلال وفصل عنصري

في العام 1975، صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379، باعتبار الصهيونية شكلًا من أشكال العنصرية والتمييز، وطالب القرار جميع دول العالم بمقاومة الأيديولوجية الصهيونية التي هي -حسب القرار- تشكل خطرًا على الأمن والسلام الدوليين.

بعد زيارة السادات لإسرائيل، سنة 1977، واتفاقيات كامب ديفيد، في 17 ديسمبر 1978، بدأ التراجع في الموقف العربي، والهرولة نحو الاستسلام، والتراجع عن اللاءات الثلاث التي رفعها الزعيم العربي جمال عبدالناصر، في الخرطوم، عام 1967، وهي: لا صلح، لا تفاوض، ولا اعتراف.

المفارقة الراعبة أن الزعيم ناصر، تحت وطأة الهزيمة، رفض الاستسلام، وراهن على إعادة بناء القوة، والرد، في حين أن السادات، وعقب الانتصار الجزئي في حرب 6 أكتوبر 1973، ورغم الانتصار، سلم الأوراق بنسبة 99% لأمريكا، وذهب إلى القدس، ووقع اتفاقيات كامب ديفيد، وهي الاتفاقيات التي ألحقت أفدح المخاطر والأضرار بالقضية الفلسطينية، وتخلت فيها مصر عن دورها القومي، منحازةً للنهج الأمريكي، وللتصالح مع الصهيونية وأداتها إسرائيل.

اشترطت إسرائيل -كمنتصر- عدم الذهاب إلى مدريد إلا بعد إلغاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379، باعتبار الصهيونية شكلًا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، وكان لها ما أرادت، مؤزرةً بضغط أمريكي وأوروبي، واستسلام من جانب الحكم العربي، وأهل القضية (القيادة الفلسيطينة).

تصدى المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد، بنقد مرير، ومعه الأستاذ محمد حسنين هيكل، للمفاوضات والاتفاقيات، وبدأ خط التراجع الذي وضع الأمة كلها تحت التهديد والتسيد الإسرائيلي، والأيديولوجية الصهيونية.

الفصل العنصري والتمييز في دولة الاحتلال الاستيطاني نابع من رافدين أساسيين، الأول: الفكر الصهيوني العلماني القائم على اعتبار اليهودية كعرقية قومية، والثاني: التمييز الديني اليهودي التوراتي. وحقًا، فإن الخلط بين الديني، والعلماني الصهيوني الاستيطاني لفلسطين، كان كارثيًا، ولكن الأمر الأهم الضغط الأمريكي الشديد، وتهديد الرئيس الأمريكي بوش للدول المؤيدة للقرار 3379، مترافقًا مع نهج السادات، وقيادة المنظمة.

ويقينًا، فإن اجتياح صدام للكويت عام 1990، قد فتح الباب واسعًا أمام سردية الصراع العربي -الفارسي، وشق الصف العربي، ومهد لأن تصبح إسرائيل إحدى ضمانات أمن بعض الدول العربية، وتزايد الضغط الأمريكي على الرافضين.

التخلي عن قرار من أهم القرارات الأممية التي تدين الصهيونية، وتدمغها بالعنصرية؛ معتبرةً أيديولوجيتها خطرًا يتهدد الأمن والسلام الدوليين، خطيئة كبرى؛ فالعنصرية هي الجريمة الحاكمة في فلسطين منذ 1948.

قبل بعض الحكام العرب، ومنظمة التحرير، التخلي عن القرار، أو بالأحرى عدم الدفاع عنه، مقابل قبول -لاحظوا مجرد قبول- إسرائيل حضورها مفاوضات مدريد، وهي المفاوضات التي كانت نتائجها كارثية، والتي سماها المفكر إدوارد سعيد "سلام بلا أرض"، أو "سلام أمريكي"، وهما كتابان كرسهما المفكر الباحث الفلسطيني ضد أوسلو ومدريد.

هناك تماهٍ بنيوي بين نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وجنوب روديسيا (زيمبابوي)، وإسرائيل، وفي دعاوى العرقية والانتساب للإله، واحتكار القدسية، والتفوق العنصري. ويتفوق نظام الفصل العنصري الصهيوني في أنه احتلال استيطاني يقوم على أساس وعد إلهي لجميع يهود العالم في العودة إلى الأرض التي وعد الأب ابنه بها، وهي خرافة حاكمة ومستمرة، كما تقوم على خرافة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وهي خرافة أخرى تلغي حقيقة وجود شعب فلسطيني يمتد لمئات وآلاف السنين.

يحدد المفكر روجيه جارودي الأساطير الإسرائيلية المؤسسة للسياسة الإسرائيلية بخرافة الوعد: أرض موعودة، أو أرض مغتصبة، وخرافة الشعب المختار، وخرافة معاداة السامية. والواقع أن مؤسسي الدولة الإسرائيلية علمانيون ملاحدة، يقيمون دولة على ركائز خرافية، وهم: بن جوريون، جولدا مائير، بيجن، شامير، إسحاق رابين، بيريز، ودايان. تسخر جولدا مائير من مقولة: شعب الله المختار. وتقول: نحن الذين اخترناه ووحدناه، وليس هو، كما يسخر بيجن من أرض التوراة الموعودة، ويرى أن مذبحة دير ياسين هي من مكن إسرائيل من قيام الدولة.

نظام الفصل العنصري الصهيوني يفوق نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وردويسيا: الاستيطان، وطرد شعب من أرضه، وبناء جدار فصل عنصري، والتوسع المستمر في الاستيطان، والتهويد، وجرائم الحرب المستمرة في إسرائيل.

يتمازج الاندغام والتوحد بين الاستعلاء والتمييز الديني والقومي الشوفيني والعرقي، والعلماني الصهيوني. معروف أن العلماني الصهيوني (حزب العمل الإسرائيلي) هو أساس الدولة الإسرائيلية، وكان اليمين الديني الذي لا يتجاوز الـ15% حاضرًا، ولكنه خادم للسياسة الصهيونية، والحاخام الأكبر هو أمريكا.

منتصف سبعينيات القرن الماضي بدأ تراجع اليسار الصهيوني، وصعود اليمين (الليكود)، ومعه بدأ صعود اليمين الديني.

يتبوأ اليمين التوراتي وأحزابه موقفًا شديد العنف والإرهاب، وهو متوافق مع الأحزاب العلمانية القومية في مد الاستيطان إلى مختلف مناطق الضفة الغربية، وكانت خطيئة اتفاقات أوسلو ومدريد أن عرفات، كما يشير إدوارد سعيد في كتابه "غزة -أريحا سلام أمريكي"، (ص41): "وفي المقابل يحمل اعتراف عرفات بحق إسرائيل في الوجود في طياته سلسلة طويلة من التراجعات. تراجع عن نصوص الميثاق الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية، نبذ للمقاومة التي اصطلح على تسميتها بالعنف والإرهاب، إهدار لجميع قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية ما عدا القرارين 242، و338، اللذين لا يتضمنان كلمة واحدة عن الفلسطينيين، أو حقوقهم، أو تطلعاتهم، وتطوي منظمة التحرير ضمنيًا بذلك صفحة قرارات دولية أخرى".

ويشير إلى الالتفاف على حقوق الفلسطينيين في 1948، منها التعويض، أو العودة إلى ديارهم، وقرارات المجموعة الأوروبية، ودول عدم الانحياز، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والجامعة العربية، بالإضافة إلى الأمم المتحدة.

ويضيف: "وكلها تدين إقامة المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة، وضم القدس الشرقية، والجرائم التي ترتكب ضد السكان الخاضعين للاحتلال". ويخلص إلى القول: "وبهذا تضع منظمة التحرير الفلسطينية -على ما يبدو- حدًا للانتفاضة؛ فالاهتمام الأول في الاتفاق الجديد هو أمن إسرائيل، دون ذكر أي شيء عن الفلسطينيين" (المرجع السابق، ص41).

في 15 فبراير 2023، صوَّت أعضاء الكنيست الإسرائيلي بالإجماع على قرار سحب الجنسية الفلسطينية، أو الإقامة، من الأسرى الفلسطينيين المقيمين في الداخل الفلسطيني. وحقيقةً، فإن إسرائيل، ومنذ قيامها في 48، قامت على التهجير، والطرد الجماعي لمئات وآلاف من الفلسطينيين من أرضهم، وتهديم المنازل.

سحب مشروع القرار الإماراتي، والاكتفاء بالبيان لا يعني الكثير؛ لأن إسرائيل لا تلتزم بالقرارات الدولية، ووعد نتنياهو بوقف الاستيطان لأشهر -لاحظوا لأشهر- لا يعني شيئًا، الأخطر خنوع السلطة للإملاءات الأمريكية، والابتزاز الإسرائيلي.