مقتل الشوافي يدخل صراع مراكز القوى في تعز مرحلة دموية

مقتل الشوافي يدخل صراع مراكز القوى في تعز مرحلة دموية

> "النداء"
لقي مدير مديرية خدير بمحافظة تعز، أحمد منصور الشوافي، مصرعه، صباح الاثنين، بعد تعرضه لإطلاق نار كثيف من قبل مسلحين يتبعون النائب البرلماني أحمد عباس البرطي، وذلك أثناء دخوله المجمع الحكومي بدمنة خدير - مركز المديرية. وأصيب في تبادل إطلاق النار أربعة من مرافقي الشوافي، أحدهم إصابته بليغة. في المقابل اعتقلت السلطات الأمنية بمديرية تعز النائب البرطي و16 شخصاً من أتباعه، وتجري ملاحقة آخرين وباشرت التحقيق معهم.
وتشهد دمنة خدير حالة من الانتشار الأمني الكثيف، بعد أن عززت إدارة أمن المحافظة المنطقة ب12 طقما عسكريا وعشرات الأفراد من المنتمين للأمن المركزي والأمن العام، لاحتواء أي مواجهات محتملة بين الجانبين، في حين أغلقت المحلات التجارية في المدينة التي تعد ملتقى وسوقا تجاريا يقصده المئات يوميا من مختلف المناطق المحيطة بها.
مديرية خدير، 50 كم جنوب مدينة تعز، وتضم دائرين انتخابيتين، هي إحدى أكثر مديريات محافظة تعز توتراً منذ أعوام، بفعل التجاذبات السياسية بين الحزب الحاكم وأحزاب المشترك، خصوصا الإصلاح الذي يتمتع بنفوذ قوي في المديرية. غير أن صراعات المصالح وتنازع النفوذ السياسي بين أطراف "مشيخية" منتمية للحزب الحاكم أدت إلى مواجهات عصبية وقبلية بين أتباع الشيخ محمد منصور الشوافي - وكيل محافظة تعز وأحد أكثر المشايخ وقيادات الحزب الحاكم نفوذاً في المنطقة، وبين النائب البرلماني عن حزب المؤتمر الشعبي العام عن الدائرة 40 أحمد عباس البرطي الصاعد نجمه أكثر في المنطقة ابتداء من عام 2003.
وتعود جذور المواجهة بين جماعتي البرطي والشوافي إلى ما يقارب العام، حين بدأ الشيخ محمد منصور الشوافي ببذل مساعِ حثيثة لترشيح أحد المقربين منه عن حزب المؤتمر الشعبي العام في الدائرة 40 خلفاً للبرطي، في إطار محاولاته المستميتة لفرض نفوذه على هذا الجزء من مديرية خدير، بعد أن أحكم السيطرة على الجزء الثاني، الذي ينتمي إليه، الدائرة 41 في مدينة الراهدة، ونجح في إحكام قبضته عليها وتوج هيمنته بانتزاع الدائرة الانتخابية التي كانت محسومة لصالح حزب الإصلاح، وتمكن من إيصال ابن عمه، فيصل عبدالله هزاع الشوافي إلى مجلس النواب عام 3003، في مشهد انتخابي تخلله توقف الانتخابات وإجبار المقترعين على التصويت العلني، وهو ما شجعه على السيطرة على دائرة أخرى لا يدخل هو وأسرته ضمن إطارها، لكن له نفوذا فيها بدأ يتراكم أكثر بعد توليه منصب وكيل محافظة تعز.
رشح الشيخ محمد منصور الشوافي أحد أكثر أتباعه إخلاصا، وهو مدير المركز التعليمي لمديرية خدير، الذي كثيرا ما يعلن إغلاق المدارس متى شاء الشيخ الالتقاء بمدرائها ومدرسيها، خصوصا في مواسم الانتخابات، وصاحب السجل السيئ في إبعاد المدرسين المستقلين والمعارضين الذين لا يرضخون لتوجيهاته ورغبات الشيخ عن مناطق عملهم إلى مديريات نائية، ولا يستثنى من الأمر حتى المدرسات من ناشطات الأحزاب. إنه مراد محمد صالح، الشهير بمراد الزيلعي، أحد أبناء دائرة البرطي، مرشحاً عن الشيخ الشوافي لخوض الانتخابات البرلمانية التي كانت مقررة في ابريل القادم، عن الحزب الحاكم، أو مستقلا، وذلك ما جعل البرطي يستنفر كل قواه استعداداً للمواجهة، التي زاد من حدة الطموح بها اللهاث وراء الفوز السهل الذي كان متوقعاً لمرشح المؤتمر في ظل توجه المعارضة نحو المقاطعة قبل الاتفاق الاخير بين السلطة والمشترك، والذي أدى إلى تأجيل الانتخابات عامين كاملين. ويبدو أن الزيلعي يمثل ذراع الشيخ الشوافي في المنطقة. وشكا مواطنون خلال الأسابيع الماضية تقطعه لشاحنات تحمل معونة القمح الإماراتي والاعتداء على سائقيها، وفشلت مساعي المواطنين وبعض الوجاهات في فتح تحقيق حول ذلك.
بدوره استنفر الشوافي كل قواه، مستغلاً منصبه التنفيذي في قيادة المحافظة، إذ استخرج قبل ثلاثة أشهر أمراً عين بموجبه أخاه الشاب أحمد منصور الشوافي مديراً لمديرية خدير، كان ذلك كفيلاً ببسط نفوذ أكبر له على كل المديرية.
غير أن البرطي وأتباعه لم يسلموا بالأمر، لقد نفذوا اعتصامات متواصلة رافضة للشيخ أحمد منصور الشوافي الذي كان يتحرك معيناً بالنيابة عن أخيه في إطار صراع إثبات الوجود، وفرض السيطرة. استمرت احتجاجاتهم التي لم تكن سلمية خالصة، فقد كان التهديد بالمواجهة والمجاميع المسلحة حاضرة جنباً إلى جنب مع صور الرئيس التي يرفعها المتظاهرون.
وبعد أن أيقنت السلطات المحلية بمحافظة تعز أن الأمر سيفضي إلى مواجهة مسلحة في ظل فترة احتقانات سياسية قبل الانتخابات، تدور رحاها هذه المرة بين شيوخ ووجاهات الحزب الحاكم، قرر المحافظ تجميد القرار.
اعتبر الشيخ محمد منصور قرار التجميد إهانة له لا يمكن أن يتقبلها، ودخل في خلاف شديد مع المحافظ تبعاً للقرار، ووفقا لمصادر خاصة بـ"النداء"، فقد وصل الخلاف حد تقديم الشوافي استقالته من منصبه كوكيل للمحافظة، مطالباً برد الاعتبار إليه.
بعد تأجيل الانتخابات لعامين تدخل قياديون رفيعون في الدولة من أجل إنفاذ قرار الشيخ أحمد منصور وترحيل الخلافات "المشائخية". كانت التقديرات تقول إن البرطي لن يعترض على عودة الشوافي طالما أن دورته البرلمانية ستمتد لعامين. وفي حين يذكر البعض أن البرطي وافق على ذلك، غير أن مقربين منه نفوا موافقتهم على قبول احمد منصور الشوافي مديرا للمديرية من حيث المبدأ.
سيق أحمد منصور، الشاب الذي لمّا يكمل عقده الرابع بعد، الشيخ اللطيف الهادئ الذي يحظى بقدر كبير من التقدير، إلى حتفه نيابة عن أخيه، بعد أن قضى سنوات من عمره في مناصب أمنية لدى رعية لا يأخذون منصبه بعدائية كما أبناء خدير، قُتل في معركة إثبات الوجود في محافظة كانت وما زالت تفاخر بأنها أكثر محافظات اليمن تحضراً وانفتاحا وتمدنا وبعداً عن الصراعات القبلية. غير أن حسابات مراكز وقوى النفوذ في المحافظة وتضارب المصالح أيقظت غرائز بدائية بين السكان.
حاليا ينتظر الشيخ محمد منصور في تعز، ويستقبل المعزين ضيوفاً، وقيل إنه لا يعتبر ذلك عزاءً، لم يعرف له موقف حتى اللحظة، لكن ما هو متحسب أنه لن يترك دم أخيه يذهب هدراً، سواء نال مبتغاه من بوابة القضاء أم من نوافذ أخرى. بعدها سيفكر باستقبال العزاء في وفاة أخيه كقضاء وقدر.