المشترك بين الرأي والرؤية

المشترك بين الرأي والرؤية - خالد مكرد المقطري

لقد جمع المشترك آلام فرقاء الأمس ليكونوا اتحادا في تحقيق أمل الغد وذلك على قاعدة الوطن للجميع والوطنية معيار لتحقيق بناء دولة قبل السياسة. ولكي يستمر هذا التجمع محققاً نجاحاً كان لا بد له من أن يمتلك الرؤية والمنهجية السليمة، لأن خلفيات وأخطاء الأمس كانت من دواعي الجهل بالمعطيات والعطاءات السليمة داخلياً وخارجياً فأدت إلى القطيعة في مرحلة العلنية التي كانت يمكن أن تشكل فرصة منذ بداية الوحدة مباشرة ولا تتأخر إلى يومنا هذا وتزيد فرقة القوة السياسية تكريساً وإعادة إنتاج أخطاء الماضي وتجاوزاته. إذاً لقد تأخر هذا الاشتراك سنوات طويلة وعاش في مرحلة الفصل التي لم تجدِ نفعاً حتى كان عام 2006 وهو عام الوصل، فكيف هو الآن بعد سنتين من اشتراكه حقق المشترك أنجح تفوق وتوافق على المستوى القيادي له وامتلك رؤية مميزة بين قياداته وتناغم جميل، ولكن هذا التناغم لم يكتمل بشكل مفعل أو عملي على مستوى القيادات التنفيذية للمشترك وأحزابه وبالتالي لم يحقق الغاية المنشودة في خلق تناغم جماهيري وتفاعل يعكس في الواقع وجوده الجماهيري فغلب الحوار السياسي مع السلطة أكثر ولم يتم تفعيل آليات الأحزاب تجاه الجماهير وظلت غير مفعلة إلا في ظروف مناسباتية معينة تنتهي بانتهاء المناسبة، وعليه فقد دخل المشترك حواره مع السلطة كمحارب بدون سلاح. واعتقد أن البيانات والخطابات الجماهيرية تكفي، وبهذا انجر حواره ليصل إلى قضية المعتقلين السياسيين ثم إلى قضية انتخابات تبتعد عن أصل القضية أكثر.
إن قضية الانتخابات لن تحل مشكلة هذا البلد فبلادنا تحمل خصوصية في مسألة الانتخابات، فهي لا تقوم على أساس تنافس حزبي بقدر ما تقوم على إشكالية بناء دولة النظام والقانون وهو المشروع الذي كان قاب قوسين أو أدنى من تحقيقه في نهاية مرحلة الشهيدين الرائعين إبراهيم محمد الحمدي وسالم ربيع علي، وكان مشروع اليمن الكبير راح ضحيته الشهيدان نفسيهما وما نعانيه بالأمس واليوم من معاناة ليس إلا نتيجة تصفية واغتيال هذا المشروع. وأيضاً قضية الانتخابات على أهميتها ليست هي المهمة وليست موضوع الخلاف. إن التجارب التي مرت بنا على مراحل طويلة تؤكد بأن السلطة تسير بخطى واضحة وتعرف ماذا تريد وأن قضية بناء الدولة المركزية والنظام والقانون هي آخر ما تفكر به. لقد ذهبت كل مصالح الناس في الصالح ولم ير أغلب الناس من الصالح صلاحاً إلا من كان في صالحه، فضاعت المقاييس واختلفت الأوزان وتاهت الحقائق في الحقائب وظلت الاستثناءات على حساب الوطن المنكوب والمواطن المقهور، فالمحافظ يحافظ على بقاء الفساد، والوزير يتآزر به، ومهما تغيرت الأوجه فإنها تظل حبيسة الأقنعة فالمهم أن يكون لدينا وزارة التربية والتعليم وليس مهماً إذا كان هناك تربية أو صار لدينا تعليم. وقس على ذلك كل الوزارات من عدل واقتصاد وصناعة وهلم جرا في جر الهم، لأنه عندما تكون الفوقيات أكثر إفلاسا من التحتيات، والواعظون أقل فهماً من الموعوظين تتوه بنا السُبل. إذا أراد المشترك أن يشترك فعليه أولاً أن يقاطع ثم يعود للاشتراك مع الجماهير، لأنه إذا أراد أن يحصل على حق فعليه أن يمتلك القوة، وقوته في جماهيره. بينما خصمه يمتلك إمكانيات القوة ولا يهمه الجماهير إلا كسلم، وهو بإمكانيته يمتلك السلم والسلالم. لقد ذهب المشترك يحاور على قاعدة حسن النية، ولم يكن يدرك أن الطرف الأول يتعامل على عكسها، وأن للحوار شكل أكثر منه مضمون، وأنه يحاور على منطقة التفاوض، لأنه يبحث عن صفقة السلطة، وشتان بين الحوار والتفاوض، لأن الحوار مسألة تريد أن تصل إلى حق وحقيقة، وبالتالي فهي صاحبة قضية عادلة. أما التفاوض فيريد الحصول على مصلحة ذاتية ولا يتعامل مع الموضوعية إلا للاستثمار والمزايدة، فضاع وقت طويل في الحوار، وبالتالي نظر المشترك من برج عاجي. ولعل التجمع الوحدوي كان أكثر رؤية عندما لم يشترك في الحوار، فصار الذي نظر من برج زجاجي أحكم ممن نظر برجا عاجيا، وكان ناتج الحوار "عُجاجي"، فضاعت ثماره لأنه لم يقم على نبتة سليمة. لقد صار وضع المشترك كالمغني الذي قال عنه البردوني "أحب كثيراً كثيراً ولم يدرِ ماذا أحبـ"، وصار وخصمه في نظر الجماهير "فلا الصدق يبدو كصدقٍ ولا *** أجاد أكاذيبه من كذبـ" - رحم الله البردوني. إن الحل الحقيقي هو تمكين العقل والحكمة من ضرورة وجوب تكتل واصطفاف وطني شامل من كافة الرجال الصادقين في هذا الوطن، سياسيين ومثقفين وعلماء وقيادة أحزاب وطنية ومنظمات جماهيرية شعبية ورسمية تعمل على إنقاذ البلاد أولاً من المهازل والفضاءات الفارغة، ثم ثانياً بناء الدولة اليمنية، تجعل القانون فوق الكل وتعيد للمواطن ثقته بنفسه وبقياداته وتزيل عنه كافة الصور المشوهة، ثم تأتي الانتخابات بعده وتكون الدولة اليمنية قد قامت وأصبحت المؤسسات العسكرية والإعلامية محايدة لصالح جماهير الشعب وليس الفرد في قمة الحكم والسلطة، ساعتها يمكن القول إن الانتخابات وفي حالة الاحتياج إليها ستكون في مأمن من أي غش أو تلاعب أو تزوير وقد ربما لا نحتاج إليها إلا شكلياً لتقييم بناء الدولة، اشتراك كل الوطنيين في المواقع التي يستحقونها وفي مواقعهم المناسبة ويمكن أن يبدعوا فيها لصالح الوطن والمواطن، لأن شعبنا لا يعاني مشكلة النظريات الفكرية والأيديولوجية بقدر ما يعاني من غياب الدولة التي تحقق إنسانيته وتساعده على تحقيق وإثبات نجاحه وتقدمه بين الأمم، لا أن تقهره وتسخره ليكون قطيعا في مرعى. وإذاً فالكلام كثير والألم أكثر وأكبر، ولكن الأمل هو آخر أمانينا، لأنه لا يأس من رحمة الله، وإن يئس البعض من رحمة الناس للناس.