خبت الوحوش ما بين «الشقيقة الكبرى» وجارتها السعيدة.. محرقة لامس لهبها جلودنا جميعاً

خبت الوحوش ما بين «الشقيقة الكبرى» وجارتها السعيدة.. محرقة لامس لهبها جلودنا جميعاً - مصطفى راجح

«عاملونا كأننا.. كلاب»، قالها أحد ضحايا محرقة خميس مشيط بحرقة، أمام جمع من المشاركين في جلسة الاستماع للضحايا صباح الاثنين الفائت.
ما حدث يظهر مدى الاحتقار الذي تتعامل به السلطات السعودية إزاء البشر، وهو احتقار ينزل الانسان إلى مرتبة أدنى من الحيوان. حتى لو كان هؤلاء اليمنيون الهاربون من جحيم البطالة والفقر، إلى «الشقيقة الكبرى» للبحث عن فرصة عمل، «كلاباً» ما استحقوا هذه الوحشية.
الإستماع إلى ضحايا المحرقة، يختلف عن قراءة الخبر في الصحيفة. هنا ننظر إلى لون الجلد المحروق، في الوجوه، والأعناق والسواعد. وفي العيون تحدق، في حرقة مظلومين تجلت صورهم أمام أنفسهم في لحظة وحشية، وكأنهم هوام بشرية معزولة، ومقطوعة الصلة بعالم إنساني. كائنات فحسب معزولة في قبو «أصحاب الاخدود» أمام بشر مثلهم، غير أنهم لا يتحدثون «لغتهم». العزلة هنا مزدوجة، في خبت خميس مشيط، مادياً وفي خبث «الشقيقة الكبرى» وجارتها «السعيدة» إنسانياً.
في قاعة الاستماع لضحايا المحرقة، كان بصيص أمل يتخلق أمام هؤلاء الشباب المنتمي أغلبهم لتهامة، الذين حلموا بفرصة عمل، فوجدوا أنفسهم ضحايا «جريمة ضد الانسانية»، ومطلوب منهم بعدها بساعات، أن يوغلوا بأصابعهم في امتهان إنسانيتهم بـ«التنازل» أمام جلاديهم عن جريمة مشهودة ومتمادية في الإذلال.
هنا في القاعة وقف الضحايا أمام الكاميرات الفضائية، المراسلين الصحفيين، المحامين، الناشطن المدنيين، يمنيين متنوعين، جمعهم الإحساس بالتقزز من «محرقة» لامست جلودهم جميعاً كبشر. هنا يستعيد هؤلاء الضحايا جزءاً من ثقتهم بالحياة. صحيح أن المجرمين مازالوا بمنأى عن العقاب، وأن الضحايا الذين أحرقت أجسادهم لم يرد اعتبارهم وتقدم إليهم الاعتذارات والتعويضات المستحقة، غير أن شيئاً ما حدث على الأقل.
أن منظمات مدنية احتضنت قضيتهم وبشرا مثلهم استمعوا لقصتهم، وكاميرات وثقت ملامحهم، ومحامين شكلوا هيئة لتبني قضيتهم.
ومثل هكذا مبادرة إنسانية، لا تكتمل إلا بالاستمرارية. أن تكون جلسة الاستماع بداية لجهد متواصل يمكن من خلاله أن تستعيد الهيئة البشرية المسماة «مجتمع» الاحساس بإنسانيتها وثقتها بالحياة، وليس فقط الضحايا المباشرين في أخدود خميس مشيط.
هذه النافذة تفتح آفاقاً واسعة من الحياة أيضاً أمام منظمات المجتمع المدني: منظمة التغيير، بلاقيود، الشقائق، حوار، المرصد، مركز المعلومات، هود، المنظمة اليمنية للدفاع عن الحقوق والحريات، تمكنها من إضافة تجربة جديدة ومجال استثنائي لإقامة جسر جديد مع جمهور واسع في المجتمع. الكيان البشري الواسع، الذي يبرز باعتباره الساحة الفعلية لعمل منظمات المجتمع المدني، وليس الصالونات المحدودة للندوات العمومية والهلامية، التي قدمت من خلالها «عشرات المنظمات المدنية» النشاط المدني وكأنه مقطوع الصلة بالإنسان.
وتحتاج هنا فعلاً المنظمات الفاعلة التي نظمت هذه الجلسة إلى تحية خاصة، تتجاوز هذه الفعالية، إلى تقدير نشاطها إجمالاً. وهو النشاط الذي يجعل من هذه الكيانات الفاعلة فاتحة أمل كبير لتعزيز قيم التضامن والتآزر بين الناس. التضامن الذي بدونه يفقد المجتمع اسمه وشرطه الإنساني.
> سؤال:
لماذا تجد السلطات السعودية نفسها مجبرة للدفاع عن جريمة بشعة مثل محرقة خميس مشيط؟
أى ممانعة تلك التي تمنع سلطات مسؤولة لدولة من الاعتراف بالجرم الإنساني الفادح الذي أقدمت عليه شرطتها الأمنية!؟
أي بنية تلك التي تأبى الاعتراف بالخطأ، والمكابرة عن محاسبة مرتكبي جريمة المحرقة!؟
هل نقول إن مثل هكذا استفهامات تحيل إلى صدور مثل هذه الجريمة، عن فعل ممنهج تسنده السلطات الرسمية السعودية؟!
musrj2003@hotmail. com