منتصف «ليل جنوبي»

* جمال عبادي يروي لـ«النداء»  ساعات اعتقاله ويقول:
رأيت باعوم مكبلاً بالأغلال
* هل يترنح النضال السلمي في الجنوب؟
* اعتصام رمزي للمشترك وإدانة واسعة لاعتقال  قيادات الاشتراكي و«الحراك الجنوبي»
* النائب الخبجي: السلطة افتعلت أحداث الضالع وردفان لنشر قواتها
* محمد صالح قباطي: منفتحون على الفعاليات الاحتجاجية في إطار مشروع وطني ديمقراطي
* الراغبون في الالتحاق بالسلك العسكري لو قبلوا جميعاً؟!
أخطاء متلاحقة
 
 
 الجيش والأمن يطبقان على «الشارع الجنوبي»

فيما يشبه استعراض القوة انتشرت وحدات أمنية وعسكرية في مناطق عديدة في محافظات الضالع ولحج وعدن، وذلك تحسباً لأية ردود أفعال شعبية حيال الإجراءات التي اتخذتها السلطات خلال اليومين الماضيين، وشملت اعتقالات استهدفت قيادات بارزة في جمعيات المتقاعدين وملتقيات التصالح وكوادر قيادية من الحزب الاشتراكي اليمني.
في مدينة الضالع انتشرت صباح أمس وحدات أمنية وعسكرية في منافذ المدينة، وسيطرت على الشارع الرئيسي (وهو شريان النقل والحركة بين محافظات جنوبية وصنعاء). وطبق مصادر «النداء» فإن وحدات الأمن والجيش تمكنت من تفريق تجمعات احتجاجية خلال ساعات النهار. وأفاد شهود عيان بأن رجال الأمن استخدموا الرصاص الحي لمنع التظاهرات؛ ما أدى إلى إصابة عشرة أشخاص، تم نقل بعضهم إلى مدينة عدن نظراً لخطورة حالتهم.
وقالت مصادر في جمعيات المتقاعدين وأحزاب المعارضة إن أجهزة الأمن اعتقلت العشرات من المواطنين أمس رغم عدم صلتهم بالاحتجاجات العنيفة التي نفذها قبل يومين شباب ساخطون جراء عدم قبولهم في الحرس الجمهوري.
وقالت مصادر أمنية إن عدد المعتقلين لا يتجاوز 32 شخصاً، لكن مصادر المعارضة أكدت بأن عددهم في الضالع فقط يتجاوز ال50، أبرزهم عبدالحميد طالب القيادي الاشتراكي، وعبده المعطري القيادي في مجلس تنسيق المتقاعدين، والمحامي محمد مسعد ناجي أمين عام ملتقى التسامح والتصالح في الضالع. وما تزال الأجهزة الأمنية تتعقب مطلوبين آخرين أبرزهم شلال علي شايع هادي رئيس ملتقى التسامح بالمحافظة.
في محافظة لحج دهم رجال الأمن منازل قيادات في مجلس تنسيق الفعاليات الاحتجاجية واعتقلت عدداً من قادتها أبرزهم قاسم الداعري رئيس جمعية متقاعدي ردفان ولحج. فضلاً عن 16 آخرين اتهمتهم السلطة بالتحريض على أعمال العنف الذي شهدتها مديرية الحبيلين الأحد الماضي من قبل شباب رُفض تجنيدهم.
وانتشرت الدبابات في المحافظة منذ الساعات الأولى من فجر أمس الثلاثاء في مداخل المحافظة ومحيط مديرية الحبيلين. وأكد شهود عيان وقوع صدام بين قوات الأمن والمتظاهرين من أبناء المحافظة الذين قاموا بقطع الطريق العام بين الضالع وعدن وإحراق إطارات السيارات، و شل حركة البيع والشراء.
وأكدت مصادر متطابقة أن قوات الأمن ماتزال تبحث عن 20 آخرين من أبناء محافظة لحج تتهمهم بالوقوف وراء أحداث العنف التي استهدفت مباني ومرافق حكومية الأحد الماضي.
وتشهد محافظة عدن إنتشاراً أمنياً مكثفاً في شوارعها الرئيسية مصحوباً بمدرعات عسكرية ودبابات في مداخل المحافظة منذ صباح أمس. وكانت أجهزة الأمن اقتحمت عدداً من منازل قيادات الحراك الجنوبي في المحافظة واعتقلوا عدداً منهم أبرزهم القيادي الاشتراكي علي منصر سكرتير منظمة الحزب في عدن، والمحامي يحيى غالب، وأحمد عمر بن فريد، وعلي هيثم الغريب.
وفي تصريح لـ«النداء» اكد المحامي/ محمد مسعد ناجي عضو محلي المحافظة أنه تم اعتقاله في منزله فجر أمس ونقل إلى مبنى الأمن السياسي حيث تم التوجيه بنقله إلى السجن المركزي ليتم اطلاقه بعد ذلك بعدة ساعات.
 
 
***
 

جمال عبادي يروي لـ«النداء» كابوس منتصف الليل:
اقتحم رجال الأمن منزلي وأشهروا السلاح في وجهي
* رأيت باعوم يُساق من مرقده مكبلاً بالأغلال

- عدن - مرزوق ياسين
ساعة الصفر لدى الأجهزة الأمنية عادة ما تكون في الهزيع الأخير من الليل، لكن زوار الفجر قرروا هذه المرة توقيتاً مغايراً، فقد دهموا منازل العديد من قيادات الاحتجاجات في الجنوب بعيد منتصف ليل الاثنين. كانوا، على الأرجح، خاضعين لساعة بيولوجية أمنية جديدة.
جمال عبداللطيف عبادي رئيس الهيئة الوطنية لأبناء عدن كان يستضيف في منزله في كريتر- عدن حسن باعوم عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي القادم من حضرموت. كان جمال في غرفة نومه عندما دهم رجال أمن قال إنهم تابعون لجهاز الأمن القومي، منزله، واقتحموا غرفة النوم، واقتادوه هو وضيفة المهم إلى مقر الأمن السياسي في معسكر فتح.
أفرج عن جمال عبادي، 55 عاماً، في الرابعة من فجر الثلاثاء بعدما أخضع لاستجواب مطوَّل. ومساء أمس كان يتحدث من منزله لـ«النداء» عن وقائع اعتقاله. وقد بدا مرهقاً، وكان يرتدي نفس الزي الذي كان يلبسه في الليلة الماضية، مؤكداً بأنه لم يذق طعم النوم منذ لحظة انتزاعه من غرفة نومه.
قال: «كان باعوم نائماً في الدور الأول من منزلي، فيما كنت وأسرتي في الدور الثاني»، وأضاف: «سمعت ضرباً عنيفاً على باب البيت وتم كسره، ليحتل البيت خمسة أو سبعة أشخاص يرتدون ملابس مدنية، وبعضهم ملثم، وانتشروا في أنحاء البيت».
«أشهر شخصان السلاح في وجهي، وسحبوني حافي القدمين إلى سيارة تنتظر أمام البيت». تابع: أدخلوني السيارة، ثم جاءوا بحسن باعوم، وقد رأيته مكبلاً بالأغلال، وانطلقوا بنا إلى معتقل فتح».
في المعتقل أُجري تحقيق روتيني مع جمال عبداللطيف عبادي، ثم أفرج عنه في الرابعة فجراً. أبلغه المحققون بأن اعتقاله تم خطأ، وأنه ليس مطلوباً. وذكروه بأنه عدني، قائلين بنبرة مستنكرة: انتم أبناء عدن أيش دخلكم بالآخرين؟
يرى عبادي بأن الإفراج السريع عنه استهدف إبعاد عدن عن الحراك الجنوبي، خصوصاً وأنه شخصية معروفه قد يثير اعتقاله فئات واسعة في مدينة عدن.
وهو يملك مكتبة شهيرة في كريتر، وتوارث مهنة بيع الكتب وطباعتها أباً عن جد. وتملك أسرة عبادي أقدم مكتبة في الجزيرة والخليج، كما تملك دار شهيرة للطباعة والنشر. وتحتل مكتبة جمال الدور الأرضي، فيما تقيم أسرته في الدورين الأول والثاني من المبنى.
في اللحظة التي تم فيها انتزاع عبادي وباعوم من مرقديهما، كانت مجموعات أمنية أخرى تنفذ عمليات مشابهة في مواقع أخرى من عدن والضالع وردفان. «أوصلونا أولاً إلى المعتقل، وهناك شاهدنا رجال الأمن يسوقون أشخاص آخرين إلى المعتقل»، قال مستذكراً بعض من شاهدهم.
شاهد علي منصر سكرتير منظمة الاشتراكي في عدن والمحامي يحيى غالب، وأحمد عمر بن فريد الكاتب والناشط السياسي، وآخرين وُضعت رؤوسهم في أكياس لإخفاء هوياتهم.
تابع: «منعونا من تبادل الحديث»، وإذ أكد بأن الأشخاص الذين نفذوا عمليات الاعتقال تابعون لجهاز الأمن القومي، لفت إلى أن الأمن السياسي هو من تولى استجواب المعتقلين.
عند اقتياده من منزله سمع عُبادي أحد عناصر الأمن يؤكد بأن قائمة الاعتقالات تشمل أسماء عديدة، يتصدرها إسم ضيفه حسن باعوم.
وإذ أسف لعدم تمكنه من حمل أدوية ضيفه معه بسبب المباغته والترويع اللذين استخدمهما رجال الأمن، تساءل: أي قانون يسمح باعتقال المواطنين في منتصف الليل، ومن منازلهم، ومن بين أبنائهم؟
معلوم أن حسن باعوم يعاني من أمراض عديدة، ويخشى عديدون من مضاعفات خطيرة على صحته.
مساء أمس واصل جمال عبادي استقبال أصدقائه ومتضامنين من فئات مختلفة. وعلى ما يبدو فإنه سيمضي ليلته الثانية ساهراً يتلقى اتصالات من منظمات حقوقية، محلية وخارجية، ما يعني أنه سيذهب إلى النوم متأخراً، وقد يعاوده في حال غلبه النوم كابوس «منتصف ليل عدني» رهيب، وقد يمنعه العياء والإرهاق من فتح مكتبته صباح اليوم، لكن ذلك لن يثير قلق «وَّراق» تجري أحبار الكتب في دمه، فالسلعة الرائجة في سوق السياسة هذه الأيام هي «الرصاص الحي».
 
 

***
 
 
نفذت الفعاليات الاحتجاجية في المحافظات الجنوبية العديد من الاعتصامات، فسقط القتلى والجرحى وطالت  الاعتقالات المئات من أنصارها، لكن قادتها كانوا  دوما يؤكدون تمسكهم بالنضال السلمي
 
النضال السلمي يترنح
 
 
عبدالعزيز المجيدي

أمضت مكونات الحراك في المحافظات الجنوبية عاماً كاملاً في الاحتجاجات، متجنبة الوقوع في شراك أعمال الشغب والعنف. لكن الأسبوع الأول من عامها الثاني بدا مغايراً ومؤشراً لتداعيات خطيرة.
كانت أول فعالية نفذها المحتجون في ال24 من فبراير من العام الماضي بمحافظة الضالع. وفي ال24 من مارس الفائت كانت ذات الفعاليات تحتفي بالذكرىالأولى لبدء الاعتصامات المفتوحة التي شهدتها المحافظات الجنوبية والشرقية لاحقا.
لقد وفرت الآثار الناجمة عن حرب 1994م وماتبعها من سياسات رسمية الاسباب الكاملة لتشكل تيارات مناهضة لممارسات السلطة، أخذت طابعا احتجاجيا بعد طول تململ.
خلال السنوات التي تلت الحرب تبينت القوى السياسية، سيما الحزب الاشتراكي، مطلبا رئيسا ملحاً: ازالة آثار الحرب ومعالجتها في إطار مصالحة وطنية. لكن السلطة لم تكترث للأمر وانصاعت لزهو مأخوذة بسيطرتها على الارض، غير عابئة بمشاعر كراهية تتعاظم في نفوس مواطني الجنوب.
ومع أن الرفض لسياسات السلطة سيما المتعلق بقرار مقاعدة أفراد الجيش الذين قاتلوا مع الحزب الاشتراكي، ظل يعبر عن نفسه بين الحين والآخر على مدى السنوات اللاحقة، إلا أنه لم يتشكل كلافتة جدية الا بظهور ما بات يعرف الآن بجمعية، المتقاعدين العسكريين والامنيين.
في أول اعتصام نفذ في محافظة الضالع، تركزت مطالب المحتجين على موضوع رئيس وهو إعادة المقاعدين قسريا إلى أعمالهم وتسوية أوضاعهم الوظيفية المعيشية أسوة بزملائهم في الجيش.
بعد انقضاء المهلة، التي حددت بشهر، دون تلبية السلطة لمطالبهم، دخلت الجمعيات التي تشكلت في جميع المحافظات الجنوبية والشرقية، مرحلة الاعتصام المفتوح منذ مارس العام الماضي. لقد توالت الاعتصامات في المديريات وعواصم محافظات المدن السبع وسط مجابهة أمنية لوأدها.
لكن إصرار الفعاليات وقادتها على التمسك بالنضال السلمي، قطع الطريق على ما اعتبرته الجمعيات محاولات لاستدراجها للعنف، لتتصاعد وتيرة الاعتصامات بشكل مكثف.
عقب تحول في المطالب وصولاً الى " حق تقرير المصير للجنوبـ" وإن بدا مطلبا مرتبكا، كان يوم 7/7/2007 بدلالته السياسية المنصرفة الى ذكرى نهاية حرب 94 تطوراً نوعياً في أداء الفعاليات، وكذلك في تعامل السلطات معها: خلافا لما بدأته الجمعيات بتنفيذ فعاليات منفردة كل في محافظته، تم تنفيذ اعتصام في ساحة العروض بعدن، شاركت فيه جميع الجمعيات برغم الاجراءات الأمنية المشددة.
وقد باشرت السلطات وقتها تنفيذ أول عملية اعتقال للرجل الأول في قيادة مجلس تنسيق الجمعيات، وسقط العديد من النشطاء جرحى في حوادث اتهمت الشرطة بارتكابها.
بحلول العام، وبعد سلسلة اعتصامات، كانت الحصيلة مروعة بالنسبة للمحتجين في جانب الخسائر البشرية والإجراءات الأمنية: 9 قتلى، وأكثر من مائة جريح، والمئات من المعتقلين (قضوا فترات احتجاز متفاوتة وتم إطلاقهم).
كل تلك التبعات كانت باعثا بالنسبة للمحتجين للتمسك أكثر بخيار الاحتجاج بالوسائل السلمية، وعدم الانجرار إلى العنف. وهو ما كان يتم التأكيد عليه عقب كل حادثة من قبل قادة الحراك.
فضلاً عن جمعيات المتقاعدين العسكريين، تشكلت العديد من الجمعيات كالشباب العاطلين عن العمل، والأراضي الزراعية، جميعها انخرطت في الاعتصامات بفعالية.
صاحب ذلك إحباط عام بسبب الأوضاع المعيشية من جهة، وإخفاق السلطات الرسمية في معالجات جذرية للمشكلة.
ومع أن أحزاب اللقاء المشترك بدت جزءاً من ذلك الحراك إلا أن الفعاليات ذاتها لا تبدي ارتباطًاً لمواقف المشترك سيما مشترك «المركز».
جميع مكونات الحراك ظلت على الدوام -حتى وهي تشهد سقوط العديد من القتلى- متمسكة بالنضال السلمي وهو ما كان مثار اعجاب كبير.
لكن الوسيلة التي ظلت مصدر قوة للحراك، بدأت الآن تترسخ على واقع أعمال أدخلت الدبابات إلى المعركة السلمية.
لثلاثة أيام ظلت الضالع مسرحاً لأعمال «شغب»، وقد بدأت شرارة الإنجرار لأعمال العنف تلوح بإحباط بدأ يأخذ حيز من شريحة مهمة: الشباب العاطلين عن العمل الذين نفذوا بعض الأعمال احتجاجاً على عدم استيعابهم في الجيش.
بحدوث ذلك خرجت الدبابات إلى الشوراع، وشنت السلطات حملة اعتقالات واسعة. هل ستكون بداية لانطفاء أطول الاحتجاجات اليمنية على الإطلاق؟ أم أن تحولاً خطيراً صوب السلاح بدأت مؤشراته؟
مطلع الشهر الفائت كان الناطق باسم جمعيات المتقاعدين عبده المعطري، يحذر من انفلات الأمر «إذا استمرت السلطات في طريقة مواجهة الاحتجاجات السلمية بالقمع, فإن جميع الخيارات تبقى مفتوحة».
كان يقصد تحديداً أن الجمعيات «لاتضمن السيطرة على أعضائها».
 
 

***
 

الراغبون في الالتحاق بالسلك العسكري لو قبلوا جميعاً؟!
أخطاء متلاحقة

باسم الشعبي

لو أن اللجنة الخاصة باستقبال طالبي الالتحاق بالسلك العسكري قبلت كافة المتقدمين من أبناء الضالع وردفان والذي لا يتجاوز عددهم 250 فرداً، هل كان ذلك سيجنبنا رؤية ما حدث من تدمير وتخريب طال الممتلكات العامة والخاصة بصورة ما تزال تثير القلق والترقب؟
بالنظر إلى الحراك في جنوب الوطن الممتد منذ ما يزيد على عام، فإن المراقبين لما يجري كانوا يتوقعون -كما يبدو- تصرفاً مغايراً من قبل القائمين على لجنة استقبال العسكريين الجدد في منطقة يريم يمتص غضب الشارع الجنوبي أو على الأقل التخفيف من حدته إلا أن ما قيل من قبل قائد عسكري بدأ مجانباً للصواب ومستفزاً، حد وصفهم. وفي الناحية الأخرى كان لابد من رؤية مخالفة لما سبق. إذْاعتبر البعض ما حدث فعلاً مدبراً ومخططاً له من قبل من وصفوهم بالمخربين والإنفصاليين. وبدا ذلك متسقاً مع موقف السلطة على أن رفض قبول عدد من الشباب في السلك العسكري يعد أمراً إجرائياً ولا يمكن أن يدفع إلى التخريب والتدمير.
إحجام الفعاليات السياسية الحقوقية الفاعلة في الحراك الجنوبي كجمعيات المتقاعدني والتصالح والتسامح، عن إدانة ما حدث من أعمال شغب خلال اليومين الماضيين؛ جعل البعض يتهمهما بالوقوف، أو على الأقل، تأييد ما حدث، إلا أن الملاحقات والمداهمات التي نفذتها السلطات فوراً وضداً على قادة الحراك في كل من الضالع وعدن ولحج، أوجد رأياً مخالفاً ينطوي على محاولة السلطات منع القيادات من التقاط أنفاسها وإصدار بيانات تُجرِّم ما حدث.
إنتاج المبررات
إذا كان الرفض الذي قوبل به القادمون من الضالع وردفان للإلتحاق بالسلك العسكري قد ولد لديهم المبرر الكافي لأعمال الشغب وأحداث الفوضى، فإن مثل هكذا تصرفات انتجت كما يبدو مبررات أكثر من كافية لإصدار أوامر من قبل الجانب الحكومي لاعتقال قادة الحراك وعسكرة الحياة المدنية من خلال الانتشار الكثيف للمعدات العسكرية التي شوهدت بحسب، المصادر، تجوب مدينتي الضالع والحبيلين (عاصمة ردفان) وعلى امتداد الطريق المؤدية إلى عدن تحسباً لأي طارئ.
ليس من السهل الآن لأي متابع أن يتكهن بالضروف والأحول التي ستؤول إليها الأوضاع المتوترة. فالاعتقالات التي طالت ما يقارب 11 شخصية فاعلة منذ عام من الحراك السلمي، ربما تقابل بردة فعل تجاه السلطة من قبل المناصرين والفعاليات الشعبية احتجاجاً ورفضاً لمنطق الاعتقالات. لاسيما وأن هناك من ينظر لما حدث بوصفة من تدبير أجهزة السلطة. عوضاً عن أن إصابة 5 أشخاص أمس في الضالع بسبب صدامات حدثت مع قوات الأمن؛ يضعنا أمام مؤشر خطير لا يقبل التقليل من شأنه كما حدث سابقاً في مناسبات مشابهه.
سيبدو الرافضون للشغب والفوضى، وربما انفلات الأمور لاسمح الله، عديمي الحيلة والمقدرة في تغيير مسار التحولات الراهنة صوب ما هو إيجابي لأن حدوث ذلك من شأنه أن يأتي من قبل السلطات الحاكمة في صورة معالجات سريعة أو توقف الفعاليات المختلفة في الجنوب عن الاحتجاجات والمطالبات والقبول بالأمر الواقع.. فلو أنه بإمكان الأصوات الرافضة للفوضى والتخريب في المعارضة أو السلطة أو غيرهما، عمل شيء تجاه الراهن من خلال البيانات والنشاطات المختلفة، كان ذلك في تصوري حدث من قبل أن تشهد الضالع وردفان أعمال الشغب لاسيما وأن أصوات الرافضين لم تعد غائبة عن الساحة وإن بدت هادئة هي الأخرى.
ما يجعل الأمر بحاجة، لما هو مغاير وجاد لفعل شيء يذكر، وعلى وجه السرعة، هو الوضع القائم القابل للتطور.
إن صح ما تلفظ به القائد العسكري: «خلوا البراميل تنفعكم»، فإن ذلك يقرأ في سياق الاستفزازات، في وضع مستفز أصلاً تعيشه المحافظات الجنوبية. كان الاجدر به أن يرفض قبولهم لو أراد، دون أن يلحق ذلك بكلمات- كما يؤكد مراقبون- هيجت الجرح وأسهمت في انتاج فعلين خاطئين: الأول يتجسد في أعمال الشغب، والثاني في عملية الاعتقالات كما بدا للمتابعين.
الأمور تبدو متداخلة ومتشابكة كالوضع القائم تماماً.
 
 

***
 
 
إدانة واسعة لحملة اعتقالات الجنوب
النائب الخبجي: السلطة افتعلت أحداث الضالع وردفان لنشر قواتها

حذر النائب ناصر الخبجي من استمرار الانتشار العسكري الكثيف في محافظات الضالع ولحج وعدن.
وقال في تصريح لـ«النداء»: إن الانتشار يشير إلى وجود نوايا غير طيبة من السلطة تجاه الناس.
وإذ أشار إلى أن الاختلالات الأمنية التي شهدتها الضالع وردفان يومي الأحد والاثنين كانت مفتعلة من قبل السلطة كمبرر لهذا الانتشار العسكري، أكد أن الشباب الساخط الذين هاجموا المباني الحكومية والمدنية والمحلات التجارية ليسوا معروفين.
وقال: هذا أمر خطير وإن لم تحتكم السلطة للعقل، فإنها ستجر البلاد إلى حرب آخرى. وشدد الخبجي في تصريحه على تمسك قادة الحراك بالخيار السلمي ودعوتهم للناس الإلتزام بهذا الخيار.
إلى ذلك دانت أحزاب اللقاء المشترك بمحافظة عدن حملة الاعتقالات التي نفذتها أجهزة الأمن أمس الثلاثاء وطالت عدداً من قيادات المشترك والفعاليات الأخرى، واصفاً الحملة بالهوجاء.
واعتبر مشترك عدن في بيان له الاجراء مؤشراً خطيراً ونذير شؤم على السلم الاجتماعي، محملاً السلطة مسؤولية النتائج المترتبة على تصرفها.
وطالب بسرعة الافراج عن كافة المعتقلين مؤكداً على الاستمرار في نضالها السلمي. ودعا أعضاءه وأنصاره إلى تصعيد نضالهم. وفي السياق ذاته اعتبرت منظمة الاشتراكي والتجمع اليمني للاصلاح في الضالع حملة الاعتقالات تعبيراً عن الحالة الهستيرية التي تعيشها السلطة وأنها بذلك تجر البلد إلى دائرة العنف. وطالبت في بيانها الاعتراف بالقضية الجنوبية وإطلاق كافة المعتقلين ومعالجة الجرحى والمصابين. فضلاً عن مطالبتها بضبط النفس وعدم الانجرار إلى العنف والتمسك بالنضال السلمي.
وأدان ملتقى التصالح بالضالع ما أسماه عسكرة الحياة واستفزاز المواطنين والتنكيل بهم. وقال الملتقى في بيان أصدره مساء أمس: إن إقدام السلطة على هذا التصعيد ماهو إلا تعبير عن إفلاسها وضيق أفقها.
 
 

***
 
 
المشترك ينفذ اعتصاماً رمزياً اليوم
محمد صالح قباطي: منفتحون على الفعاليات الاحتجاجية في إطار مشروع وطني ديمقراطي
 

ينفذ اللقاء المشترك اعتصاماً رمزياً ظهر اليوم أمام مبنى اللجنة المركزية للاشتراكي احتجاجاً على ما وصفها بـ«الممارسات التي تتم بالمخالفة للدستور والقانون».
وكان المجلس الأعلى للمشترك اجتمع مساء أمس لمناقشة التطورات التي حدثت خلال اليومين الماضيين، وفي الصدارة حملة الاعتقالات التي طالت العديد من قيادات الاشتراكي وقيادات الحراك السلمي في المحافظات الجنوبية، حسبما أفاد «النداء» محمد صالح قباطي الناطق الرسمي باسم أحزاب المشترك.
محمد صالح قباطي وهو أستاذ جامعي وعضو كتلة الاشتراكي في مجلس النواب، قال إن المشترك يدين مخطط السلطة للخلط بين ما حدث من أعمال شغب في الضالع وردفان مطلع الأسبوع، وحملة الاعتقالات التي استهدفت قيادات سياسية في المعارضة وقيادات وناشطين في الحراك السلمي الديمقراطي في المحافظات الجنوبية.
وأكد بأن المشترك سيعمل عبر فعاليات عديدة، ومن خلال فروعه في المحافظات الجنوبية من أجل حماية الممارسة الديمقراطية السلمية، ورفض العنف بشتى صنوفه.
وحول موقف المشترك من أحداث الشغب الذي شهدتها محافظتا الضالع ولحج جراء احتجاج مئات الشباب على عدم استيعابهم في التجنيد، قال إن للمشترك رأياً فيما جرى، سيتضمنه البيان الذي سيتم توزيعه خلال اعتصام اليوم.
وبشأن الحساسيات والاحتكاكات الميدانية بين المشترك ومكونات أخرى في «الحراك الجنوبي» التي شهدتها مؤخراً عدة مدن في المحافظات الجنوبية، شدَّد الناطق الرسمي للمشترك على أنه في إطار المشروع الوطني الديمقراطي «ليس للمشترك أي تحفظات فيما يتعلق بالحوار مع الفعاليات الناشطة في الجنوب»، مؤكداً بأن المعارضة حسمت أمرها في هذا الصدد.
وإذ ربط حملة الاعتقالات وانتهاج سياسة القوة من قبل السلطة «بالأزمة الوطنية المتفاقمة بمآلاتها الخطيرة والكارثية»، قال إن ما حصل أمس من اعتقالات يكشف «ضيق السلطة، ونزوعها باتجاه التضييق على الهامش الديمقراطي والنضال السلمي»، محذراً من خطورة تداعيات عنف السلطة على البلد «خصوصاً في ظل الاحتقانات في الجنوب، التي تتزامن مع حالة معيشية متردية تسحق المهمشين والمقصيين من أعمالهم والعاطلين».
وإذ حمل بشدة على سياسيات السلطة المكرسة لنهج القوة والتي لاتنسجم مع الأزمات الوطنية، رأى أن البلد بحاجة ماسة إلى حلول نوعية تلبي احتياجات الناس، مشدداً على أن المدخل الحقيقي لتجاوز الأزمات الوطنية لا يكون بالعنف «بل بإرادة سياسية حقيقية تبدأ بحل القضية الجنوبية في أبعادها السياسية والحقوقية».
وبشأن تأخر المشترك في إعلان رؤيته لحل القضية الجنوبية وغيرها من القضايا، أشار إلى أن المشترك أنجز مسودة أولية لرؤيته، لكن المسودة تحتاج إلى المزيد من النقاش في ضوء تفاوت سقوف أطراف المشترك إزاء القضية الجنوبية»، لافتاً إلى أن إقرار الرؤية (المشروع) بشكل نهائي يتطلب عرضها أولاً على الهيئات القيادية لكل حزب على حدة، مرجحاً أن يتم إقرار الرؤية في غضون شهر.
 
 
 
***
 
 
الحكومة تؤكد عدم التهاون مع العناصر التخريبية في ردفان والضالع

> "سبأنت"
عبر مجلس الوزراء عن إدانته الشديدة لأعمال التخريب والشغب والفوضى التي اقترفتها عناصر تخريبية خارجة على الدستور والنظام والقانون في مديرية ردفان الحبيلين بمحافظة لحج، ومديرية الضالع.
واستمع مجلس الوزراء الذي رأسه الدكتور على مجور إلى تقرير مقدم من نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية حول تلك الأعمال، وما نجم عنها من اعتداء على المواطنين الأبرياء وممتلكاتهم وتخريب المصالح والممتلكات العامة وقطع الطرقات الآمنة.
كما ناقش الاجتماع الاجراءات التي تم اتخاذها بشأن مرتكبي تلك الأعمال الاجرامية التي أستهدفت تعكير صفو الامن وإشاعة الفوضى والفتنة.
ووجه المجلس اجهزة الامن والعدالة باتخاذ الاجراءات القانونية الرادعة بحق هذه العناصر التخريبية المثيرة للشغب والفتنة.
وأكد على عدم التهاون مع أي خارج على الدستور والنظام والقانون أو عابث بالأمن والاستقرار والسكينة العامة في المجتمع أو المساس بالوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي وإثارة الأحقاد والكراهية في المجتمع سواء كان حزباً أم فرداً أم جماعة أو أي جهة كانت ومحاسبتها طبقاً للدستور والقوانين النافذة.
وحيا المجلس التعاون المسؤول للمواطنين مع الأجهزة الأمنية تجاه التصدي لتلك العناصر التخريبية، واستنكارهم وإدانتهم الشديدة للأعمال الإجرامية الشنيعة التي ارتكبوها بحق الوطن والمواطنين والسلم الاجتماعي.
 
 
***
 

صمت البيض وكلام علي ناصر
 
 
اسكندر شاهر سعد
 
لفتني تقرير "غير تحليلي" نشرته مؤخراً "الشموع" التي تُتحفنا على الدوام بتقارير خارقة للعادة، والتقرير الذي كرسته الصحيفة لإظهار وحدوية علي سالم البيض وعمالة علي ناصر محمد يتضمن الكثير مما يدعو البيض لكسر حاجز الصمت والاعتذار لشعب الجنوب واليمن عموماً تأييداً للاعتذار الذي قدمه نجله عدنان البيض والمنشور في موقع "عدن برس" الكتروني والذي جاء فيه صراحةً استنكار البيض الإبن وإخوانه ما قام به البيض الأب وزوجته الأخرى من احتفال مهيب وصاخب لزواج ابنته على المغني اللبناني ملحم زين في وقت لا يزال فيه الجنوبيون يتساقطون بين قتلى وجرحى في حراك جماهيري تعود جزء من المسؤولية التاريخية فيه على البيض الذي تفرّد بقرار الوحدة الاندماجية، وقد كان قراراً مهرولاً ومتهوراًً وغير مدروس -بإجماع القيادات الجنوبية- وما تبعه من حرب صيف 94م المأساوية لم يُسمع للبيض بعدها صوت حتى الآن وهو ما اعتبره تقرير الصحيفة الدليل القاطع والبرهان الجلي على وحدوية ووطنية البيض، وقد استنتجت "الشموع" في قنبلتها المُسيلة للدموع أن البيض من خلال الحفلة المهيبة لكريمته والتي صرف فيها مبلغ مليوني دولار! بريء من الحراك الجنوبي الذي تُرفع فيه صوره من باب الإقحام وتُرفع فيه صور الرئيس الأسبق علي ناصر من باب الإفهام والإعلام الذي يؤكد تورط الثاني وبراءة الأول.
واللافت أن التقرير الذي يُهاجم علي ناصر بشدة وينسب إليه تهم العمالة والارتهان لمحاور نفوذ لا يفهم أحد ممن يعي أبجديات السياسة صلته بها كنفوذ إيراني وأميركي وهو الذي يتزعم لجنة لمقاومة المشروع الصهيوني يعتبر أن كلام الرئيس علي ناصر وتصريحاته المؤيدة للحراك الجنوبي ولعودة الحقوق والأراضي المنهوبة منذ حرب 94م هو الدليل على عمالته وارتهانه المزعوم والبرهان على انفصاليته وعدم وحدويته، وأن صمت البيض وانعزاله الذي كان يفترض أن يكون عليه علي ناصر –بحسب الصحيفة- هو "الحسنة" الوحيدة التي يمكن أن تُذكر للبيض، وأنه في المقابل فإن علي ناصر الذي لا يريد هذه الحسنة المتبقية لمن يخرج من الحكم سواء من أجل الوحدة (ناصر) أو من أجل الانفصال(البيض)، لايرغب بأن يُنهي تاريخه السياسي بغير فضيحة تجعله محل سخط الذاكرة الوطنية وتندرها وسخريتها. وكأن الصحيفة الخارقة للعادة لم تتندر ولم تسخر من صمت البيض وانعزاله ومن حفل زواج كريمته الذي ذهبت أصداؤه إلى كل بيت جنوبي يموت جوعاً أو يقاوم ليستعيد كرامته ووظيفته وحقوقه وأرضه المنهوبة.
وهذه ليست المرة الأولى التي نقرأ فيها ما يُكرس لتأييد صمت البيض وربط هذا الصمت بوحدويته ووطنيته ربطاً عضوياً سافراً وساخراً. فثمة الكثير مما كُتب ويكتب في نفس الاتجاه ولم يعد خافياً على أحد أنه تكريس ممجوج يعبر عن قلق كبير من كلام البيض وخوف شديد من انضمام صوته إلى صوت علي ناصر والعطاس وغيرهم من قيادات الجنوب المؤثرين. وهي مساع ضحلة يفترض –منطقياً- أنها لا تحرض على الصمت بقدر ما تحرض على الكلام.
وذلك ينتظم مع الأساليب التي تسخدم للاستخفاف برموز وقيادات الجنوب إلى هذه الدرجة المقيتة إصراراً على إلغاء التاريخ وعلى مصادرة كل قيم المواطنة المتساوية والعيش المشترك والسلم الاجتماعي, ومُضي بلا هوادة في طريق الفتنة وسعي دائم لعدم توفير أية وسيلة معقولة وغير معقولة لإحداث الشرخ في الحراك الجنوبي وإفراغه من مضمونه وتحويله عن مساره ليتأتى للسلطة قمعه بالقوة، وهي السلطة التي بات من علائمها الواضحة والتاريخية أنها سلطة تعتمد الفتنة منهجاً, وترى في إيقاظها المستمر السبيل الوحيد للبقاء بغية التموضع في عالم ماقبل الدولة الذي ألفته منذ عقود, والذي بحسب كل المؤشرات لن تألف غيره ما يجعل زوالها السبيل الأوحد للتغيير.
وأخيراً: فإن البيض, الذي تحول من مشروع وحدوي يمني كبير إلى مشروع حضاري صغير في الشارقة –كما قال صديق صحفي ومحلل سياسي- والذي تختزل السلطة تاريخه كله بحسنة واحدة هي حسنة "صمته",إن لم يخرج عن صمته استجابةً لإرادة شعبه ولنصائح الكثير من القيادات السياسية الجنوبية والشمالية, فإنه يُنهي تاريخه بفضيحة ربما تكون هذه الفضيحة الأخيرة التي جرحت مشاعر الجنوبيين المقهورين والتي اعتذر نجله عنها. وأما علي ناصر فإنّ رفضه الصمت وإصراره على تأييد مطالب شعبه, هو عنوان استمراره كرمز تاريخي له، وإذا استجاب لهذه الدعوات الملغومة ومعروفة الهواجس التي تتمنى صمته, فإنه هو الآخر سيكون قد أنهى تاريخه بفضيحة.
وعلى ذلك فإن صمت البيض فضيحة قائمة ومتحققة حتى هذه "اللحظة" نأمل أن يتخلص منها، وصمت علي ناصر فضيحة مفترضة لا نتوقع حدوثها طال الوقت أم قصُر؛ وفي ذلك جزء يسير من سر ذعر وخوف السلطة من علي ناصر والتي تحاول عبثاً دفعه إلى التخلي عن سلاح الوحدة ويبادلها العبث بحكمة زعيم.
eskandarshMail
 

***
 
 
لقاءات التصالح، وجمعيات المتقاعدين ظلت صامتة، أمام جمهور التكسير والفوضى
هل يفرط الجنوبيون بميزة احتجاجاتهم: النضال السلمي المدني؟
 
 
مصطفى راجح
 
السمة الأساسية الأولى لحركة الاحتجاجات في الجنوب، هي أنها حركة سلمية، اتخذت من أساليب النضال المدني السلمي منهجاً لها.
والنضال السلمي، إلى جانب روح التضامن، هما المنجزان الأساسيان لهذه الحركة.
هذه السمة الأساسية هي التي حافظت على الحراك الجنوبي، وهي في المديين: القريب والبعيد، الصيغة المثلى التي تحافظ على الكيان اليمني موحداً، وبنفس الوقت تفتح المجال واسعاً لإعادة صياغة هذه الوحدة وفق مطالب الجنوبيين أولاً، واليمنيين عموماً بما يعطي الوحدة مضامين عادلة، ومنصفة، تستجيب لحاجات جميع اليمنيين في الدولة الوطنية، والمواطنة المتساوية.
وعندما نقول «النضال السلمي» فذلك يحيل إلى قدرة الحركة الاحتجاجية ليس فقط على تجنب الدعوة إلى العنف والقيام به، بل وقدرتها على السيطرة على الجماهير التي تشارك في الاعتصامات والمسيرات لتجنب الشغب والفوضى والتكسير، وثالثاً، قدرتها (أي الحركة الاحتجاجية) على إفشال أي محاولات من خارج جمهورها لمندسين أو أي أطراف أخرى، تحاول أن تدفع جمهور المحتجين إلى العنف والتكسير، وغيره.
وخلال عام كامل من الاحتجاجات الجنوبية شاهدنا قدرة فائقة وحضارية في أداء سلمي مدني لهذه الجماهير. وهذه الفترة تعتبر طويلة وقياسية لحركة ديمقراطية سلمية في الوطن العربي، وبإمكانها لو استمرت هكذا أن تؤسس لأهم حركة ديمقراطية تؤثر في السلطة والمكونات الأخرى للمجتمع، باتجاه ترسيخ وسائل النضال، وتمكنت هذه الحركة من الحفاظ على سمتها السلمية (مصدر قوتها) في ظل دواعٍ، وظروف مختلفة، منها تعرض بعض الاعتصامات للقمع بالقنابل المسيلة للدموع والرصاص، والاعتقالات. وهي تؤشر إلى تفوق مدني، من الصعب مثلاً مجاراته من قبل اللقاء المشترك: أن تخرج مسيرة وتضبط إيقاعها، وتسيطر على الجمهور، وعلى ردود أفعاله حتى في ظل القمع، منعاً لأي رد فعل عنيف.
خلافاً لهذا التوجه، بدت الصورة مختلفة في الضالع وردفان خلال الثلاثة الأيام الأولى من هذا الاسبوع. أدى قبول البعض في التجنيد، ورفض البعض الآخر، إلى موجة من الغضب والفوضى والتكسير واقتحام المقار الحكومية والمحلات التجارية والمفرشين! وإجمالاً: خرجت الأمور عن السيطرة، وبدت معها الاحتجاجات الجنوبية كلها في مهب الفوضى.
كان يمكن أن ينظر لهذه الحالة أنها لا تعبر عن مكونات الحراك الجنوبي كلها، لو أنها «بعد اليوم الأول» توقفت. غير أنها استمرت. وخلال هذه الأيام الثلاثة لم يصدر أي رد فعل من قبل أهم كيانين، وهما: لقاءات التصالح والتسامح، وجمعيات المتقاعدين، يدين هذه الأفعال ويضع مسافة كافية معها. بل أكثر من ذلك يمكن القول أنه باستثناء فوضى اليوم الأول، فإن لجمعيات المتقاعدين، وملتقيات التصالح - لوأرادتا- القدرة على ضبط الشارع الهائج وإرجاعه إلى المجرى النضالي المؤثر والمتحضر، وهو النضال السلمي المدني. غير أن مكونات الحراك الجنوبي لم تفعل شيئاً.
أما السلطة فلا مجال أن نخاطبها هنا، لأنها تنتظر مثل هكذا «جنان» لتنفذ أجندتها في الاعتقالات والقمع. وهي أجندة تتجاوز بالفعل مساحة هذا الشغب لنضال الحراك الجنوبي كله.
 
 
***
 
 

 المؤتمر الشعبي العام والقضية الجنوبية
 
ميفع عبدالرحمن

أكتب هنا عما يُفترض أنه: محور الثقل الجماهيري والقرار السياسي في اليمن.
أعني به (حزب) المؤتمر الشعبي العام، فقط في حالة تمسكه وتماسكه بالعوامل الأربعة الأساسية لمعادلة وجوده الحي والحيوي: قاعدته الجماهيرية -الشعبية، بنيته الداخلية -التنظيمية، أدبياته الفكرية -النظرية وإرادته السياسية -الوطنية، دون التركيز على الجوهر الاجتماعي لأي منها.
أعني (حزب) المؤتمر الشعبي العام، لا حزب «مُخضَّريَّه» أو «حَبَّ مجذوب». كما يَتنَذَّر الساخرون في تهكم لا يخلو من السخط والشماته.
أعني (حزب) المؤتمر الشعبي العام، سليماً من كل نزغات الإعلام الرسمي/ القمعي/ جلاَّد الرأي العام -خصوصاً المحلي- بسياط التضليل والكذب وتزييف الحقائق والوعي. وهو، الإعلام الرسمي، غارق حتى ذقنه في بالوعة الفساد وأوهامه المُختلة عن ذاته هو- هذا الإعلام القائم مقام وزارة الداخلية- أجهزةً وأفراداً، إلا من رحمه الله.
أعني (حزب) المؤتمر الشعبي العام، ليس في حالته الراهنة من انعدام الوزن والتوازن، برزوحه القهري تحت وطأة هذا الحصار المُريع، المتطاول، الكثيف، المُبرْمَج وغير المرئي الذي تضربه على البلاد كلها قوة ثالثة هجين، عاتية وشبه خفية: تتكون من خليط غريب، مريب وغير متجانس من أطراف داخلية في السلطة -بأشكالها المختلفة وضمنها الشكل القبيلي- وفي المعارضة- بما فيها اللقاء المشترك- وداخل بعض الشرائح الاجتماعية- أبرزها شريحة رجال المال والأعمال- وأطراف خارجية -إقليمية/عربية/ وأخرى دولية- عُتوُّها يضاهي العتو الصهيوني وتتحرك بأساليب وأدوات (المافيا) التقليدية، هي قوة التنظيم والتطبيع والتكريس المؤسسي للفساد: رأسياً على كافة مستويات السلطة الحاكمة -من أعلى أعلاها إلى أدنى أدناها- وأفقياً في كافة مجالات الحياة العامة -من الباطن وعلى الضد تماماً من القول الهزل، المضحك جداً، عن «تاكسي (!) الفساد»، بصرف النظر عن سطحية وسماجة التشبيه فيه.
فالمؤتمر الشعبي العام في الوضع الكارثي لليمن، اليوم، على حافة هاوية التمزق، وفي وضعه هو -على وجه الخصوص- تحت وطأة حصار الفساد العاتي، يبدو أعجز حتى عن أن يدرأ عن نفسه بهتان ما يُشاع عنه -باطلاً- بأنه (أل) حزب «الحاكم».
وهو في الواقع (حزب الحاكم) ليس إلا.
سيَّان، برضاه الصامت، المشين أصلاً، أو بواحد من «صميلين» اثنين: الترغيب أو الترهيب. بل لكأن في هذا الرضا المشين ما يكفي المؤتمر الشعبي ويزيده (سعادة وفخراً)! في حين أن القوة الثالثة قد سلبته أداة التعريف (أل) في صفته المحددة -كحزب حقيقي- وبالنتيجة، سلبته كلياً ونهائياً وظيفته الرئيسية- كحاكم فعلي. أي أن تلك القوة العاتية قد قابضت المؤتمر الشعبي على وجوده المُجَرَّد بخنوعه المطلق. ولأن المقايضة تمت بصورة مجازية، كان من البدهي أن يغدو المؤتمر الشعبي (حزباً) مجازياً بدوره.
هكذا لن يكون من المرارة ولا الغرابة -بتاتاً في شيء- بالنسبة لملايين اليمنيين البسطاء، داخل وخارج المؤتمر، أن ترتكب تلك القوة جرائمها بحقهم وحق وطنهم ليس فحسب تحت سمع وبصر (أل) حزب الحاكم. إنما باسمه وتحت رايته قبل أي شيء آخر، طالما بقيت قاعدته الجماهيرية مجرد كثرة عددية- تكاد تكون سرطانية للأسف الشديد- بين السكان، على طول البلاد وعرضها، يجري اللعب بها -عند الحاجة- كورقة رخيصة ورابحة، لاسيما في الدورات الانتخابية دون استثناء: من رئاسة الجمهورية إلي منظمات المجتمع المدني، وفق مصالح وتوجهات أطراف القوة الثالثة وحدها.
أما البنية الداخلية للمؤتمر وأدبياته الفكرية وإرادته السياسية، فَدعْك منها.. فهذه لا تعدو أن تكون سوى أورام حميدة، تحتاج القوة الهجين لبقائها على حالها، كوسيلة مباشرة لاختبار مقدرة الفساد المنظم على ممارسة إشفاقه وأريحيته نحو المؤتمر، الذي ما عاد شعبياً ولا عاماً حتى في نطاق دوره (الحاسم) في تزييف إرادة الناخبين، برشوتهم أو ابتزازهم أو تزوير أصواتهم.
على أني شخصياً -ولَعَليِّ لن أكون مخطئاً- مع كل ما سبق وبالرغم منه وربما بسببه، أعتقد أن الذين لا يزالون يتنفسون -في الموتمر- برئة الوطن هواءَ شرف الانتماء والولاء النقي له وحده، لن يطول مكوثهم داخل منطقتهم الرمادية بين رأس حربة الفساد الحاكم وبين القضية الوطنية الأولى والكبرى في الظروف الراهنة: قضية الجنوب- اليمني بالطبع، كما أفهم وأثق حتى اللحظة.
من دون الدخول في التفاصيل المعلومة بالضرورة -على الأقل عبر الشارع الشعبي- عن هذه القضية الاستثنائية: واقعياً وموضوعياً، شرعاً وعدلاً، بما هي قضية أخلاقية، حقوقية، سياسية، وطنية وإنسانية بجداره -وسواء طال الوقت أو قصر- فإن التسلط الحاكم لن يلبث أن يرضخ للقضية الجنوبية وضغوطها شديدة التسارع في الاتساع والتنامي على الصعيد الشعبي بدرجة رئيسة، كي يذهب إلى الاعتراف بها.. وحتماً من وراء ظهر قاعدة المؤتمر، إن هي آثرت سلامتها على سلامة الوطن -وبالذات في جنوبه- مستمرئة رضاها الصامت حتى إزاء تمترس الحاكم (الذي بات مرعوباً جداً من قضية الجنوب إلى مخ العظم، كما تُعبِّر عودته المرتجفة- بوضوح كافٍ- لشعاره الانتحاري: السلطة أو الموت، وإن حاول التواري خلف أصبع الوحدة المُهَشَّمة -بين الجنوب والشمال- والتي تحولت على يديه إلى عبوة ديناميت قابلة للانفجار بين يوم وآخر) داخل مستنقع تعاطيه الأمني الصرف، المسلح والدموي، تجاه أهل الجنوب وحركة احتجاجهم النضالي السلمي الجسور، الدؤوب، المنظم، الواعي والمتصاعد ضد التسلط الحاكم- كتجسيد مباشر لهيمنة القوة الثالثة على الوطن ومقدراته المادية والروحية.
فهل ومتى؟؟ (عسى قبل حلول الخراب الأخير).. سيبادر آلاف الوطنيين الشرفاء والعقلاء، من الرجال والنساء والشباب، أعضاء المؤتمر إلى اتخاذ خطوة ما: عملية، شجاعة وتاريخية حقاً، تجبر الحاكم على مغادرة متراسه داخل مستنقع قتل وسفك دماء اليمنيين الأُباة في الجنوب وملاحقتهم والتضييق عليهم في معيشتهم ونشاطهم السياسي المدني، الديمقراطي والحضاري.
إن الأمل الجنوبي كبير في ألاَّ يتأخر كثيراً حسم الآخرين لاختيارهم بين الشُّرب من منابع القضية الجنوبية العذبة الزُّلال أو الشُّرب من ماء الفساد الآسن القاتل في الاستئثار بالسلطة ونهب ثروات الجنوب والتنكيل بأهله وتدمير وحدة ومستقبل الشعب اليمني ووطنه، في جنوبه وشماله على حد سواء.