الثأر في مأرب

* عبدالله النجار عميد التربية: المعالجة لا تكون بقرار سياسي فقط

* نحاول قدر الامكان مساعدة الطلاب الذين حال النزاع دونهم، لكن عند الإمتحان لا نستطيع؟!
* هذه الظاهرة لا يمكن الخلاص منها بقرار سياسي، وإنما من خلال الناس أنفسهم
***
* لماذا تزدهر النزاعات القبلية في شبوة والجوف وتخبو في مأرب
 
 
عميد كلية التربية والآداب والعلوم بمأرب
 الدكتور عبدالله النجار لـ«النداء»:
التعامل مع الحاسوب أمر ضروري، لكن الثأر: أم الكوارث

- لقاء: علي الضبيبي
ali.dhubaybiMail

أسس الدكتور عبدالله النجار كلية التربية في محافظة المحويت أواخر التسعينيات، ثم عُين لاحقاً عميداً لكلية التربية عمران، وحالياً ينوء بمسؤولية تأسيس هذه الكلية (التربية والآداب والعلوم - مأرب).
وهو إذ يتواجد يومياً فيها ويسكن في صنعاء، يلقي محاضراته على طلاب الدراسات العليا بكلية التربية صنعاء بشكل منتظم.
ورغم هذه الزحمة في الوقت والشغل تلاحظ الدكتور النجار في تجمعات الطلاب يداعبهم ويناقش قضاياهم. إنه ممتع للغاية وأستاذ جامعي كفاءته ذائعة الصيت.
ظهر الاثنين قبل الفائت، كان يتحدث لـ«النداء» في مأرب عن مشاكل التعليم وهموم كليته الناشئة.
الكلية العارية من الإلكترونيات (بما فيها الكمبيوتر) إلاّ من طابعة صغيرة وفاكس وتليفون، وبدا مكتبه مفتقراً لجهاز كمبيوتر ليس فيه سوى طابعة صغيرة.
في هذا اللقاء كشف عميد كلية التربية والآداب والعلوم بمأرب عن معاناة شديدة تعيشها هذه الكلية الناشئة والطموحة. وعن عوامل اجتماعية وعرفية تشوِّش وتكدر المحيط الجامعي، بل وتصيب التعليم بالعطب.
إلى الحوار:

> الكلية حديثة النشأة وأنت العميد المؤسس. ماهي المشاكل التربوية والتعليمية التي تواجهكم، هل تعترضكم معوقات اجتماعية من شأنها أن تنعكس سلباً على العملية التعليمية؟
- بداية نرحب بكم ونشكركم على الزيارة وعلى اهتمامكم. ونحن نحس أن «مأرب» خارج إطار الجمهورية ونكون سعيدين جداً عندما نحظى بأي شخص يسمع مننا. في العام الماضي 2006/2007 تأسست كلية تربية وآداب وعلوم، وتضم 15 قسماً علمياً في إطار هذه الثلاث الكليات. مشاكلنا مشاكل تأسيس، وهي مشاكل تحتاج لأشياء كثيرة، أهمها الكادر الدراسي، حيث لدينا عجز كبير في (المدرسين). وليس عندنا العدد الكافي، ولهذا نستعين بأساتذة بنظام الساعات يأتون من كليات من صنعاء ومن خارج الجامعة بالباص.
المشكلة الثانية هي مشكلة المعامل فالمعامل مهمة جداً وضرورية خصوصاً للأقسام العلمية كالحاسوب والكيمياء والفيزياء والاحياء. إلى الآن لم يتم تجهيز هذه المعامل. ولدينا أيضاً مشكلة المعمل فالمبنى هذا الذي نحن فيه ليس مبنى للكلية بل ورثنا بالأساس من المعهد العالي للتربية. وجزء آخر من نفس المبنى كان يشغله المعهد المهني، وبالتالي فالقاعات صغيرة ولا تكفي عدداً ولا سعة للمحاضرات. قضية أخرى قضية المكتبة وهذا شيء مؤلم جداً لأن جامعة بدون مكتبة لا يمكن نسميها جامعة. وهي ضرورية كما تعلمون لتوفير المراجع والمصادر والكتب للطلاب وللبحوث العملية والتكاليف. وهناك قضية مهمة هي أنه ليس لنا ميزانية حتى تشغيلية لتلبية الأشياء الضرورية لتسيير أمور الكلية. اعتمدت لنا العام الماضي 9 مليون ريال في السنة كميزانية تشغيلية لثلاث كليات تحت التأسيس. ما الذي يمكن أن تعمله بمبلغ كهذا؟!
للأسف السنة هذه وحتى هذه اللحظة ليس معنا حتى ريال واحد. لم يُرصد لنا حتى ريال واحد كميزانية ونحن الآن انتهينا من الفصل الأول. الأمور مؤسفة ومن الصعب أن نتحدث عنها ولكن نحن موجودون وحاضرون ونبذل كل جهودنا من أجل أن تستمر الدراسة. وسنصمد بإذن الله وإن شاء نخرج من عنق الزجاجة وتنفرج.
> كيف أنشأتم قسماً للحاسوب ولم تعملوا حساب الأجهزة؟
- امتلاك مهارات الحاسوب ضرورية الآن وقد دخل في كل شيء هذا الأمر، والأمية لم تعد تقتصر على عدم تعلم القراءة والكتابة ولكن الأمية اليوم تشمل التعامل مع الحاسوب ومع الانترنت. وبوسع الانسان أن يعلم نفسه بنفسه ولا يكون ذلك إلا بالحاسوب. ولذلك كنا حريصين على إيجاد هذا القسم في هذه المحافظة بالذات لكي نمكن أبناءها من امتلاك مثل هذه المهارات والتعامل مع هذه التكنولوجيا الحديثة. وكيف يمكن للناس، الذين ينظرون لهذا الجهاز (الحاسوب) على أنه معجزة، أن يتعلموه وأن يستخدموه في حياتهم العملية.
كان أملنا أن تتوفر لنا الحد الأدنى من الامكانيات لإيجاد المعمل، ولكن للأسف لا يوجد معمل حاسوب، وكل التدريس نظري وهذا لا يكفي بالطبع. وفي اثناء زيارة الاخ علي محمد مجور رئيس الوزراء تكرم مشكوراً برصد مبلغ عن طريق النفط مبلغ 50 مليون ريال. سيتم استخدام هذا المبلغ لتجهيزات المعامل وعلى رأسها معمل الحاسوب. وإن شاء الله يفي المبلغ بالتجهيزات الأساسية الضرورية، لكن المسألة الآن مسألة الوقت. الآن الدراسة مستمرة والمادة (الحاسوب) داخلة ضمن إطار المقررات الأساسية.
> أنتم الآن في عامكم الثاني، كيف مرت السنة الفائته مع طلاب الحاسوب؟
- ركزنا في العام الماضي على المقررات النظرية التي لا تحتاج إلى تطبيقات. لكن هذه السنة لابد من وجود حاسوب والجامعة وافقت على صرف 14 جهاز كنواة للمعمل إلى أن يأتي المدد من المبلغ المذكور.
> أنت في مأرب، وهناك قضايا كثيرة تعكس نفسها على العملية التربية وعلى التعليم الجامعي، وأنت متخصص في مجال الإدارة التربوية، ما مدى تأثير النزاعات والثأر على واقع التعليم في مأرب؟
- لاشك لها تأثير. أذكر في بداية العام جاءتني طالبة وقالت: يادكتور أنا ما استطيع أحضر. وعندما سألتها لماذا يا ابنتي، قالت: لابد ما يرافقني أبي أو أخي أو زوجي، وأنت عارف يا دكتور إن عندنا مشكلة ثأر مع ناس هنا في مأرب، لن أستطيع آتي لأن الذي سيرافقني لن يستطيع أن يأتي نتيجة وجود ثأر. فهذه واحدة من عشرات القضايا التي ظهرت. الطالب أو الطالبة لا يستطيع أن يحضر ويتعلم وينال حقه من العلم بسبب النزاع والثأر ولأن حياته قد أصبحت مهددة، للأسف الثأر له تأثير وأحياناً بطريقة لا ندركها نحن ولا نعلمها. غالباً ما يأتي طالب ويقول: أنا لا أستطيع الحضور لأتعلم لأني خائف. كثيرون لا يسجلوا في الكلية لأنهم خائفون من أن يترصد لهم آخرون في قضايا ثأر. قضية الثأر للأمانة مأساة بكل ما تحمل الكلية من معنى، مع انتشار الوعي والتعليم والثقافة يمكن الحد من هذه الظاهرة السيئة. هذه الظاهرة لا يمكن التخلص منها بقرار سياسي أو إجتماعي، إنما يمكن أن تنتهي من خلال إدراك الناس ووعيهم بأن هذه القضية تتنافى مع الدين ومع كل القيم الانيانية لأن الكثير من الأبرياء يسقطون قتلى بسبب أحد الناس في تلك القبيلة قتل ابن عمك أو قريبك والمسلسل الدموي مستمر. الموضوع بحاجة الى تكاتف الكثير من الجهات: خطباء المساجد والمؤسسات الدينية والأحزاب والتنظيمات، الدولة، الجامعات ودور العلم، كل الناس. لابد أن يتعاون الجميع من أجل تقليص الظاهرة لأن القضاء عليها بحاجة إلى وقت وجهود. والمشكلة أيضا أن هذه القضية تستخدم لخدمة أغراض أخرى.
> موضوع الطالبة الذي ذكرت، ومثلها طلاب وطالبات كثر لا يستطيعون حتى حضور الامتحانات. أقصد كيف تتعاملون أنتم ككلية مع مثل هذه الطوارئ؟
- نحن أولاً نتأكد من الحقيقة، إذا كانت هذه هي الحقيقة فعلاً من أن طالباً لا يستطيع أن يأتي إلى المحاضرات كل المحاضرات، نحاول بقدر الامكان مساعدته ونكون مرنين ونقول له حاول بقدر ما تستطيع ونحن لن نكون عاملاً آخراً على حرمانكم من المواصلة، واذا ما تأكدنا من حقيقة الأمر وأنه من الصعب الحضور نقول لهم: كونوا على اتصال ببعض زملائكم للحصول على بعض المقررات وأي شيء في اطار قدرتنا على المساعدة نحن مستعدون، وعلى هذا الأساس.
> وماذا بشأن أداء الامتحانات؟
- لا نستطيع المساعدة في الامتحانات كيف يمكن أن نساعده هنا؟ نقول لهم حاولوا بقدر الإمكان أن تصلوا إلى الجامعة بأي طريقة. المهم الأمن وسلامة الطالب وحين يدخل بوابة الجامعة هذه مسئوليتنا كاملة ولم ولن يتضرر أي طالب وقد تمكن من الدخول.
> هل واجهتكم أنتم واعضاء هيئة التدريس مشاكل من هذا القبيل؟
- نحن لا نحب ولا نرغب أن نتحدث عن مشاكل من هذا القبيل، حتى لا يترتب خوف وتكبر الشائعة عند من نأمل أن يأتوا ليدرسوا.
في الفصل الدراسي الماضي كانت مجموعة مسلحة مترصدة لباص الجامعة في طريقهم من مأرب إلى صنعاء، أوقفوا الباص وأنزلوا من كان فيه من الأساتذة، ونهبوه. وقالوا: لنا مطالب عند الدولة. اتصل بي الزملاء في العصر، وفي الحال وفرَّنا لهم وسيلة مواصلات أوصلتهم إلى صنعاء، وتواصلنا مع الجهات المختصة، والأمن والمحافظة والمجلس المحلي ومع مشائخ وأعيان هذه المنطقة التي يتبعها هؤلاء الناس.
طبعاً كل الناس كانوا مستائين، وأقولها بصدق أن الاخ المحافظ هو الداعم الأول لنا. ولولا المحافظ لما وجدت الكلية. والحق يقال إن الرجل هو وراء افتتاح الجامعة في مأرب ولايزال الداعم الأول. وحينما حصل هذا الحادث تصرف وأصدر توجيهاته بوجوب ضبط هؤلاء الناس وأن يعاد الباص في أسرع وقت مهما تطلب الأمر. وهو الذي وقف معنا في بداية التأسيس لأنه كان لابد من اجراء ترميمات ولم نحصل على ريال واحد من أي جهة، ولكن المحافظ بادر ودعم الكلية بإجراء الترميمات الأساسية. في موضوع الباص حدثت المشكلة وتكررت مرة أخرى وبصراحة الناس استاءت مما دفع بمن أقدموا على هذا الفعل إلى أن يأتوا ويعتذروا، ولأول مرة يأتوا يعتذروا من شيء فعلوه ضد (باص حكومي). وقد أمضى الباص الأول 3 أسابيع وباصي 3 أيام فقط.
> وحتى باصك اعترضت طريقه...!
- نعم أعترضوه ولكن تم استعادته وتم الأعتذار. وهذه أمور متوقعة، وكما تعرف هناك بعض الطائشين. أنا متأكد أن الجامعة بعد أن تستقر وتتعمق جذورها لن تشهد مثل هذا، وسيكون لها دور كبير لأن الطلاب، كل الطلاب، كانوا مستائين وخجلانين، طبعاً لولا وجودهم في الجامعة. والوعي الذي حصل خلال سنة واحدة كبير. بعض الطلاب كان يمارس مثل هذه الأشياء والآن يعتبرها «عيب» وشيء غير حضاري وغير إنساني وغير اسلامي، فإن شاء الله ومع الوقت يكون الوعي أكثر وأوسع.
> كيف يمكن للمجتمع في مأرب، وغيره من المجتمعات التي تحدث فيها مثل هذه المشاكل، أن يتخلص من هذه الظاهرة، وكيف يمكن أن يجنبوا الجامعة ومؤسسات العمل النزاع والثأر؟
- أريد أن أقول: الشخص الذي لا يساعد نفسه لا يمكن أن يساعده الآخرون. يجب أولاً إن تساعد نفسك حتى يتمكن الآخرون من مساعدتك. نحن نقول في مأرب: «ولتكن منكم أمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر». لابد من وجود أشخاص على قدر من المسئولية سواءً كانوا مشائخ أو أعيان أو شخصيات إجتماعية أو علماء، لأنهم هم من سيتصدون لمثل هذه الأعمال: وانصر آخاك ظالماً أو مظلوم بمعنى أن يأخذوا على يد الظالم. فأي إضرار بالعلم أو المصلحة العامة أو بمصلحة المحافظة يجب على الناس أن يتصدوا له ويهبوا ضده ويتخلوا عنه. حتى الدولة عندما تتخذ إجراء ضد هذا الشخص الذي يتقطع مثلاً في الطريق أو يختطف باصاً أو يهدد طالباً أو أستاذاً يجب على الآخرين أن يتخلوا عنه ويقولوا له أنت لست منا أبداً. ويجب أن لا يدافعوا عنه ابداً. نحن تبنينا وثيقة على أن يقف الكل ضد من يقدم على أي عمل فيه إضرار بمصلحة الجامعة أو بحياة الاستاذ أو طالب أو موظف... الخ. وقد وقع عليها كبار المشائخ ولازلنا بصدد توقيعها، وعندما نستكمل التوقيعات سنرسلها للصحف والمجلات والجهات المعنية، وإن شاء الله تخلق التزام أدبي على الأقل لدى الآخرين حتي يفكر أياً كان ألف مرة قبل أن يمس حياة طالب أو أستاذ أو موظف في الجامعة.
> إذاً أنتم تواجهون تحديات على مستوى التجهيزات وعلى مستوى المجتمع. هل تتوقع أن يتحقق هدف الوثيقة وتصبح الجامعة مهجرة؟
- إذا تعاون الناس وأدركوا مصلحة أنفسهم ومجتمعهم وتعاون معنا الأخ المحافظ، وأنتم ايضاً سيتحقق كل شيء. واعتقد أننا قادرون. وهناك ناس على قدر من المسئولية ويريدوا أن يختفي الثأر تماماً.
> كيف تلاحظ مخرجات التعليم الأساسي والثانوي في المحافظة؟
- مؤسفة ومحزنة. يأتونا طلاب ونجد مستواهم ضعيفاً أكثر مما تتصور. لا يجيدون مهارة الكتابة والقراءة. هذه إحدى المشكلات التي نواجهها في اللغة العربية ما بالكم باللغة الانجليزية. ولذلك نحن نحاول الآن أن نفكر في محاضرات أو مقررات تقوية في اللغة ليتمكن الطالب أن يكتب ويقرأ بصورة سليمة. الطالب في الأساس هو ضحية لأن التعليم الأساسي والثانوي مترد إلى أبعد درجة نتيجة عدم وفرة المعلم الكفؤ والإمكانيات الأخرى. وهناك عوامل أخرى لعل أهمها غياب ضبط العملية التعليمية في هذه المدارس. حيث يفترض أن يحصل الطالب على الحصص المقررة والمنهج المقرر بطريقة صحيحة وسليمة، يتلقاها في التعليم وبالتالي يخرج مؤهلاً، لكن للأسف هذا غير موجود: لا متابعة للغياب ولا متابعة للأساتذة في المدارس، ولا معرفة بنوعية المعلمين ومستوياتهم.
> اذا كان الوضع قائماً بهذه الصورة، كيف هو الحال بالنسبة للفتيات؟
- في المحافظة لايزال أقل مما يتمنى الشخص. في بعض المناطق لا توجد حتى الآن مدارس للبنات وبعض الأماكن للأسف لا توجد حتى مدارس ثانوية. واريد أن أقول وبصدق إن الطالبات عندنا ممتازات ومستواهن واداءهن أفضل من أداء الطلاب، طبعاً بعضهم.
> كيف تنظر لهذا التحالف من منظمات مدنية وإعلام وجمعيات وجهات رسمية وقبلية في موضوع الحد في قضايا الثأر والنزاع وتهجير الجامعة؟
- شيء طيب أن نجد إهتمام بمثل هذه القضايا. ونتمنى أن تسهم (هذه الجهود) في التوعية بخطورة النزاع على التعليم بكل مستوياته، ومادام العمل من أجل المجتمع والتنمية ونشر الوعي فلن يعترضه أحد.
> هل يحب الأستاذ الدكتور عبدالله النجار أن يقول شيئاً لأبناء محافظة مأرب؟
- أقول لأبناء محافظتي عليكم أنتم أن تتحملوا مسئوليتكم لتوفير أجواء آمنة ومستقرة للجامعة ولكل مشاريع التنمية. واذا كان لأي شخص مطالب فلتكن وسائله سلمية خالية من قطع الطريق أو اختطاف باص أو تفجير أنبوب أو غيره. وأدعوهم إلى التخلي عن الدعوات المناطقية.
 
 
***
 
 ترتفع في شبوة والجوف وتنخفض في مأرب
نزاعات عمرها 100 سنة وآخرى حديثة التشكل
 
 
عندما تسنح الظروف لأحدكم التنقل في أوساط قبائل مأرب، سيدرك كم هؤلاء الناس يحبون السلام.
قبل 9 أشهر شرعت وزارة الداخلية في تطبيق قرار منع حمل السلاح في المدن الرئيسية، وكانت الأنظار تتجه صوب مدينة مأرب.
الصورة النمطية تجذرت في الذهن اليمني إن البندق المأربية لابد وأن تعبر نقطة التفتيش، لكن الصورة الواقعية أخذت منحاً آخر هذه المرة. لقد أثبت المواطن المأربي أنه أكثر استشعاراً بالمسئولية.
منذ يوليو 2007 والأمر يسير على نحو جيِّد. لم تحدث صدمات عنف بين المواطنين ورجال الأمن على أي من مداخل المدينة الثلاثة. وعكست القبائل المبندقة ملمحاً صحياً لافتاً يتكرر كل يوم، وهم يخلعون أسلحتهم ويودعونها لدى محلات الإئتمان، قبالة رجال الأمن، ثم يدخلون المدينة.
وقد شكر العميد الركن محمد منصور الغدراء مدير أمن محافظة مأرب، المواطنون على هذه الروح الخلاَّقة في أكثر من وسيلة إعلام محلية.
وإذ أشار الغدراء، في تصريح منتصف الشهر الفائت لوكالة الانباء اليمنية سبأ، إلى انخفاض معدل الجريمة في مأرب خلال العام الماضي 2007 بنسبة 16.43 في المائة، مقارنة بعام 2006. وقال المسئول الأمني إن إجمالي الجرائم خلال تنفيذ حملة منع السلاح انخفضت إلى 160 جريمة، فيما كانت قبل تنفيذ الحملة 183 جريمة.
وكانت دراسة ميدانية، نفذها فريق من الباحثين اليمنيين، كشفت عن تزايد النزاعات القبلية وضحاياها في ثلاث محافظات يمنية: شبوة، مأرب، الجوف، خلال الفترة 2000 إلى 2005، بسبب الثارات والنزاع على الأراضي. وتؤكد نتائج الدراسة نفسها، وجود وعي وإدراك عميق لدى قيادات المجتمع القبلي، ورغبة قوية عند المشائخ «بأن يزيد دور الدولة في توفير الأمن وتحقيق العدالة».
الدراسة التي أعدت لصالح المعهد الوطني الديمقراطي (NDI)، وأجريت على 149 شيخاً يمثلون 35 مديرية و221 قبيلة، أفادت أن هذه النزاعات، البالغ عددها 158 نزاعاً، إضافة إلى الثارات راح ضحيتها 212 قتيلاً، وجرح 1360 مواطناً. إضافة إلى تسببها في نزوح أسراً من مناطقها.
فضلاً عن ذلك: «حرمان التلاميذ من الذهاب إلى مدارسهم والمرضى من الحصول على العناية الطبية». وألحقت هذه النزاعات أضراراً بالزراعة والمشاريع التنموية والخدمات «على محدوديتها».
الدراسة أوضحت إلى أن 40٪_ من هذه النزاعات تعود إلى ما قبل عام 1985، وأن عمر بعضها يصل إلى أكثر من 100 سنة.
وشهدت الفترة 2001 إلى 2005 أعلا معدل نزاعات جديدة (35 نزاعاً)، ومع كثرتها فإنه لم يحل منها سوى 6٪_. في المقابل فإن الأعوام الخمسة الأولى من العقد الفائت: 1991، 92، 93، 94، 95 كانت نسبة النزاع فيها منخفضة. إذ لم تحدث فيها سوى 13 نزاعاً أي بنسبة 9٪_ من إجمالي عدد النزاعات البالغة 158.
وإذ ترتفع النزاعات في محافظتي الجوف وشبوة، حيث بلغت في الأولى 65 نزاعاً، وفي الثانية 53، فإن محافظة مأرب بدت أحسن حالاً. حيث شهدت 11 مديرية فيها 38 نزاعاً ما يعني إن إمكانية إيجاد حل لهذه الظاهرة فيها.
وتفيد نتائج الدراسة إلى أن هناك رغبة جامحة لدى المشائخ وأعضاء المجالس المحلية في المحافظات الثلاث، لتهجير عدداً من المرافق الخدمية كالمدارس والجامعات والأسوق والمستشفيات ودور العبادة.
وعلى خلاف الاعتقاد الشائع عند أوساط مختلفة في المناطق الحضرية، فقد كشفت الدراسة رغبة قوية لدى المبحوثين (المشائخ) بأن يكون لأدوات الدولة دور فاعل في مناطقهم. فقد كانت نسب إجابات المبحوثين على سؤال الدراسة: ماهي الإجراءات التي ينبغي على الدولة أن تتخذها للحد من الثأر؟ على النحو التالي: 61٪_ يرون أن الحل يبدأ بتشكيل لجان خاصة لمعالجة الثأر.
 44٪_ تثبيت الأمن.
34٪_: إنشاء المحاكم وتفعيل دور المحاكم القائمة.
20٪_: توفير فرص عمل.
21٪_: دفع التعويضات.
9٪_: تنفيذ مشاريع تنموية.
8٪_: معاقبة مرتكبي أعمال العنف.
وكشفت مؤشرات الدراسة الميدانية عن معدل مرتفع للصراعات القبلية في إطار القبيلة الواحدة أو بينها وأخرى، مؤكدة أن هذا العنف مرتبط بنزاعات عنيفة وقديمة. وذكرت إن الدولة وكذا النظم القبلية لم تستطع إيجاد حلول لها. كما تفيد المؤشرات إن حوادث عنف جديدة «تنشب دون أن يكون لها أي ارتباط بالنزاعات العنيفة السابقة بين القبائل». وأن تزايداً مضطرداً في عدد النزاعات القبلية منذ عام 1990 على مستوى الثلاث المحافظات التي شملتها الدراسة.
وأظهرت هذه النتائج أسباباً متعددة للنزاعات. أكدت أن أقواها على الإطلاق «كان على الأراضي وبالذت فيما يتعلق بالرغبة في السيطرة والسيادة».
 الدراسة دللَّت على ضعف أو عدم جدوى الآليات التقليدية المتبعة حالياً لمعالجة موضوع الثأر، بمؤشرات عدد القتلى خلال الفترة 2000- 2005 المرتبط بنزاعات قدمية وأخرى حديثة. وإذ توصلت نتائجها إلى إن الثأر يمثل المظهر الأبرز للصراع، قالت إن تفاقمه وارتفاع معدل النزاع يؤكد «قصوراً كبيراً في الآليات التقليدية (القبلية) التي تتبعها القبائل للإحتواء والحل». منوهةً إن هذه الآليات «مكلفة وتفتقر إلى الإستدامة كما أنها تنطوي على مخاطر شديدة في بعض الحالات».
وبالإضافة إلى ما يتعلق بالخسائر البشرية والجرحى من الرجال والنساء والأطفال، فإن النزاعات- كما تقول النتائج- تضاعف أعباء كثيرة على الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المحافظات المذكورة. وقالت إن سوء الأوضاع الأقتصادية، فيها، وتحديداً محدودي الدخل والمصادر، يؤدي إلى ارتفاع نسبتي الفقر والبطالة «وهو ما يشكل ببيئة خصبة جداً لاندلاع وتجدد النزاعات». ويشكل إرتفاع معدل البطالة في أوساط الشباب بصورة خاصة «سبباً لانخراطهم في الصراعات».
وفي ضوء ما توصلت الية النتائج والمؤشرات الميدانية، أوصى فريق البحث بإيجاد وتفعيل آليات واستراتيجيات لحل النزاع.
ودعت التوصيات إلى تفعيل دور اللجنة الوطنية العليا لمعالجة قضايا الثأر وإيجاد آليات على مستوى كل محافظة لمعالجة قضايا الثأر والنزاعات. وإلى أن تعيد الدولة إعداد إستراتيجية شاملة لمعالجة قضايا النزاع. كما أوصت بإدماج مفهوم حل النزاعات في إعداد وتنفيذ الاستراتيجية والخطط التنموية بما يراعي ظروف النزاع ويسهم في حل بعضها من خلال إشراك شرائح وقيادات من المجتمع القبلي أثناء مرحلتي الإعداد والتنفيذ.
كما ضمنت التوصيات إشراك المجتمع المحلي في جهود حل النزاعات. وقالت إن كثير من المنظمات الدولية خلصت إلى إن ظاهرة النزاعات تشكل عائقاً كبيراً لجهود تحقيق التنمية والتحول الديمقراطي، وبالتالي- كما جاء في التوصيات- يفترض تنسيق الجهود بين هذه المنظمات، موكدة على أن أي تنسيق بين المانحين من شأنه أن يؤدي «إلى تنفيذ برامج أكثر واقعية تحدث أكبر أثر ممكن».
> ع. ض
 
 
***
 
جمعية المستقبل بمأرب تنفذ زيارات ميدانية للتعريف بمبادرة الجمعية حول تجريم المساس بطلاب الجامعة
 
- مأرب - علي الغليسي
قامت الهيئة الإدارية لجمعية المستقبل للتنمية والسلم الاجتماعي بمحافظة مأرب  الأربعاء الماضي في إطار زياراتها الميدانية إلى مختلف مديريات المحافظة للتعريف بمبادرة الجمعية المتعلقة بالحد من آثار النزاعات القبلية على التعليم وبالذات التعليم الجامعي والعمل على تجريم المساس بالطلاب وعدم المساس بالحرم الجامعي، بزيارة إلى مديرية مدغل بمنطقة الجدعان. وخلال اللقاء الذي حضره عدد من الشخصيات الاجتماعية والطلاب تطرق الشريف سالم بن سعود رئيس الجمعية في كلمته إلى آثار النزاعات القبلية ومعاناة القبائل منها في مختلف المجالات، ودورها المباشر في تأخر التنمية في مناطق النزاعات.
وأشار الشريف إلى أن تلك النزاعات قد ساهمت في إضعاف التعليم نظراً لاهتمام القبائل بالثارات، وعد النظر إلى التعليم على أنه القوة الحقيقة للقبيلة، مشيرا إلى مبادرة الجمعية المتعلقة بضرورة إبعاد الطلاب وخاصة الجامعيين عن الثارات وتهجيرهم، واعتبار استهدافهم حرام بين كل القبائل، آملا أن تلقى مبادرة الجمعية قبولا في أوساط  القبائل وكافة أبناء محافظة مأرب.
بدوره قام سعد اليوسفي المدير التنفيذي للجمعية بشرح تفاصيل حملة الجمعية للحاضرين، وعقب ذلك تم فتح باب النقاش وتم استعراض وجهات نظر الحضور حول تلك القضية، حيث أكد الشيخ أحمد الباشا بن زبع استعداده وقبائله لدعم مبادرة الجمعية كونها تصب في صميم المصلحة العامة، مثمنا جهود الجمعية في ذلك السبيل، وشدد على ضرورة الاستمرار في طرق تلك القضية وإنجاح المبادرة. كما اعتبر الشيخ ناجي شرهان المبادرة خطوة جيدة كونها تلامس موضوع مهم يصب في قلب معاناة المحافظة وأبنائها، مشيرا إلى ضرورة تضافر الجهود الرسمية والشعبية لإنجاح مبادرة الجمعية وتعميمها، متطرقا إلى نجاح تحييد العاملين في الشركات النفطية من أبناء القبائل وعدم الوصول إليهم من أطراف النزاعات بعد التوقيع في فترة سابقة على وثيقة بهذا  الخصوص.
هذا وقد تحدث عدد من الطلاب عن معاناتهم وحرمانهم من التعليم في الجامعة والمعاهد الصحية والمهنية المتخصصة بسبب الثارات، مشيرين إلى حرمان أكثر من 25 طالباً من الامتحانات الفصلية في مكتب جامعة العلوم والتكنولوجيا بمأرب بسبب النزاعات القبلية. الجدير بالذكر أن الجمعية ستقوم خلال الأيام القادمة بتنفيذ عدد من الزيارات الميدانية في مديريتي صرواح والجوبة وذلك للتعريف بمبادرة الجمعية والاستماع إلى وجهات النظر حولها.