فؤاد بامطرف.. ذلك الذي تمدد بحضوره في العقول والقلوب - عمر عبدالعزيز

فؤاد بامطرف.. ذلك الذي تمدد بحضوره في العقول والقلوب - عمر عبدالعزيز

تتضاعف المسافة بين الذاكرة والزمان وأنا أحاول مُغالبة مشاعري المتشظية، فيما أكتب عن الاخ والصديق العزيز فؤاد بامطرف. فالمرحوم فؤاد لم يكن صديقاً على درب التداعيات اليومية التقليدية فحسب، بل أيضا على درب المعاني والرؤى.
ولهذا السبب لم يكن يتعاطى مع الآني اليومي على حساب الرؤية والموقف، ولم يكن براغماتيا خالياً من المبادئ والقيم الاخلاقية، بل كانت مرونته وروحه الشعبية التلقائية محكومة بالإباء والرفض المعلن للرزايا والأخطاء. هكذا عرفته منذ أن وطأت قدماه مدينة عدن صباح يوم بعيد من زمن كان وغرب. فقد شاءت الاقدار أن تجمعنا مهنة المتاعب يوم أن كنت معنياً بأمر التلفزيون في عدن، وكان المرحوم فؤاد معنياً بأمر الإذاعة في المكلا. وحالما تخاطرت أفكارنا,انطلقنا وبرفقتنا كوكبة الاصدقاء المعاضدين والساهرين معنا على درب الإنجازات المتتالية، وفي مقدمتهم الصديق الكريم صاحب القلب الكبير الاستاذ صالح المضي، ومعه أيضا وعلى الدرب ذاته الأصدقاء صالح يمين الذي كان بمثابة الدينامو المتحرك دون توقف، والمرحوم هادي كراشيم الذي ألفنا معه البحار ولحظات الاسترخاء المفعمة بمزيد من التداولات حد الجدلِ، والصديق العزيز الرائي محمد الحداد صاحب الفكر الثاقب والتلمسات البديعة لأحوال الزمان والمكان، ورجل المهام الدؤوبة سعيد بريك الذي كان يكمل تلك المنظومة بسياقاته الفريدة صداقة ومحبة وصبرا، والرواقي الاستثناء سعيد سبتي الذي كان اعتمرت لياليه الباذخة بتداعياتنا المتناغمة، والأديب الأريب سالم العبد الذي كان بمثابة "مفتاح صولـ" أيامنا البحرية، يموسق ليالينا ويُدوزن نهاراتنا.
 وكان المرحوم فؤاد بامطرف في القلب من كل هذه السجايا، يتخاطر مع الفنون والجنون، كما الروية والصبر والدربة، ويتمدد بأقدامه على كل المرابع بقدر الصداقة النظيفة، والعطاء المحكوم بالفكرة والمغامرة معا. هكذا تمكنّا معه وخلال زمن قياسي من إنجاز منظومة من معيدات الإرسال في مدن الساحل والداخل بحضرموت، ثم شرعنا في إقامة استوديو البث الخاص بالمكلا، وتحركت عربة النقل الخارجي من عدن لتضع حضرموت في قلب المعطى الإعلامي التلفزيوني بحضور واقتدار مشهودين.
ولا أنسى الاشارة هنا إلى الدور الحاسم للقيادات السياسية الداعمة لفكرة نشر الإعلام افقيا والذين منحونا قوة دفع استمرت طوال الفترة ما بين 1980-1985.
تلك كانت محطة أساسية وضعت المرحوم فؤاد في أساس خياراته البناءة. وشاءت الأقدار أن يكون في زيارة لعدن قبيل اندلاع أحداث يناير الخسيسة,وكنت حينها معيناُ بمعهد الفنون الجميلة وتصادف أن ذهب بسيارتي إلى التواهي ليستمتع بعاداتها الإفطارية الصباحية الموشاة بالتنبل والشاي، وكان كعادته ابقوريا شعبوياً محباً للمرح والحياة. وكان يومها بصدد الذهاب إلى مطار عدن قبل أن نفاجأ جميعا بانفجار الموقف؛ويعود فؤاد أدراجه تاركا موعد أحلامه بالمطار..يعود إلى المعهد وبرفقته الصديق العزيز صالح يمين.
تاليا:وجدنا أنفسنا معاً في بيت زميل كريم ولمدة عشرة أيام, يصعب ذكر مغازيها وتفصيلها في هذة العجالة،لكن تلك الأيام كانت شاهداً على ما يتجاوز الصداقة المهنية الفكرية إلى أقاليم الغيب السامية.
وتوالت الأيام في المكلا وعدن وصنعاء على ذات الدرب. لقد بدأت مرحلة جديدة تماماً في حياتنا المشتركة،بل وفي حيوات الجميع،وأصبحنا أمام الحصاد المر للحروب. فالزمن يمضي بإيقاع مختلف،والتوازن السابق يختل وفق نواميس جديدة لم يعهدها الجنوب،والانتشاء المزيف بالظفر العسكري حرك بعض العابرين الصغار من صناع "أمجاد" الاستباحة والنهب باسم الدولة والقانون،ويكثر الجدل واللغط، ويتموضع فؤاد بامطرف في مربعه الذي أختاره بثبات، وقرر تحمل المكاره والمتاعب مهما كانت الظروف، ودفع أثماناً مؤكدة من صحته قبل روحه، وسار على طريق المناجزة والمبارزة البطولية حتى جاءه الأجل في لحظة باردة من لحظات استرخائه الأثير في أزمنة الطمأنينة الواثقة من مستقبل مشرق.
هكذا عرفت فؤاد بامطرف، ولكم تمنيت أن أراه قبل غيابه الأبدي عن الفانية،ولكم قبلت بعتابه الناعم، وهو الذي عرفني في محكات الصبر والعمل والضنى، ولقد كنت دوماً إلى جواره حتى في غيابي الفيزيائي عن الوطن، وكانت صداقته لي،ومازالت, ذات قيمة خاصة عندما يطال الأمر تلك الكوكبة النبيلة من الأسماء التي ذكرت.
رحم الله الأخ الصديق فؤاد بامطرف, وأسكنه فسيح جناته, وإنا لله وإنا إليه راجعون.