كيف وقع مصنع الغزل والنسيج في فخ التحديثات؟!

قد تكون السنوات الأربع الماضية فترة سعد ومكاسب لمنفذي التحديثات في مصنع الغزل والنسيج بصنعاء، لكنها أيام شؤم وجفاف وبطالة لدى 1500 عامل.
لاحدود للتشاؤم السائد في أوساط العاملين وقد بلغ ذروته الآن، فإغلاقهم شارع «شعوب- الحصبة» الذي يمر من جوار المصنع، قبل حوالي اسبوعين، لم يكن هو الاحتجاج الأول، بل التعبير الأبرز عن السخط الذي يعتريهم. فمنذ أوقف المصنع في 2005 واعتصاماتهم تتكرر، أولها تزامن مع إيقاف المصنع حيث انتقدوا بشدة قرار الإيقاف، والذي وصفوه بـ«الجائر»، ليتبعه بأسابيع مطالبتهم برواتبهم، التي لم تكن مدرجة ضمن ميزانية الدولة لذلك العام، ولكنهم أدرجوها في الميزانية على أن يتقاضى العامل راتبه كل ثلاثة أشهر.

ما يقارب 40 مليون ريال هو إجمالي المرتب الشهري للموظفين في المصنع وهذا المبلغ يعتبر قرضاً على المصنع حتي يتم تشغيله، وهذا جزء من خسارة إيقاف المصنع إضافة إلى سرقات أخرى، آخرها كانت من أحد رجال الأمن وهي سرقة إطارات وكابلات وأجهزة؛ وتجري التحقيقات في الموضوع ويقول العلاَّمي، مدير الشؤون القانونية: «إن القصد من هذه السرقات هو التخريب أكثر منه سرقة».
قبل 10 أيام كان محمد صالح، أحد العاملين في قسم الغزل، يمسك بقبضته على 55 ألف ريال استلمها من المصنع بعد مطاردة مضنية لخمسة أيام. ويقول إن ال55 ألف ريال هي «مرتب ثلاثة أشهر» ويضيف ساخراً: «مش تتخايل أنه معاش شهر».
وشكى محمد أنه يعول 8 أفراد ولا يحصل على راتبه «إلا بعدما الطح لوما أشبع». وزاد: «وما أضافوش لنا الزيادة حتى الآن»، مستاء من الأوضاع التي يمر بها المصنع ولكن بطريقته: «جالسين ثلاث سنوات في الترميم والله لو يبفعلوا مصنع جديد أن قد جهزوه».
يعود التحاق محمد بالمصنع إلى عام 92 ومثله رفيق دربه «عبدالقدوس» الذي كشف عمَّا يدور في كواليس المصنع من فيد قائلاً: «عطلوا العمال وادّوا الشلة حقهم ومشرفين الأقسام وقلعوا المكائن وباعوها في الخردة بالكيلوا ويا حراجه يارواجه».
وشكى، كجميع العمال المتضررين، من توقف الشغل قائلاً: «وقفوا لنا المصنع وما يدوا لنا المعاشات إلا بعد ثلاثة أشهر وهم مستفيدين مرتاحين واحنا نتجعجع ونتجرع المر». وخلال حديثه كان أحد الاداريين في المصنع يقاطعه محاولاً استفزازه قائلاً: «اسكت يا عبدالقدوس «انت أكبر نصَّاب»، لكن الأول استشاط غضباً وقال متحمساً وهو يلتقط حجراً بملئ يده: «هذا كبير السرق داخل المصنع». وخاطبه قائلاً: «رحلك يا.....».
هذه ليست مشاكل عابرة، إنها دلالة على تهميش الحكومة لحقوق العاملين وعدم أخذها بعين الاعتبار كما هي دلالة أيضاً على عدم اهتمام الدولة بالمصنع الهدية العظيمة.
اختطاف المصنع ليس جديداً. فالمصنع الذي قدم كهدية من دولة الصين للملكة المتوكيلة اليمنية عام 1958 اختطف في مهده ليصبح أبرز منجزات الثورة اليمنية السبتمبرية الخالدة، و«من منجزات بلادي».
لم ينس كافة العمال الأوفياء فضل الدولة الصينية في منح اليمن هذا المصنع العظيم وإمداده «بقطع غيار» كاملة حتى منتصف الثمانينيات.
إنتاج المصنع بدأ في منتصف مارس 1966، بثلاثة أقسام رئيسية هي: قسم الغزل وقسم النسيج، و قسم الطباعة، والصباغة والتجهيز النهائي. و استمر العمل بالآلات الصينية حتى تم تحديثها عام 1982، وادخال مكائن جديدة. واستمر العمل بها حتى إيقاف المصنع في مارس 2005.
بعد وقت من مناقشة خصخصة المصنع في جلسة برلمانية حادة خرجت بعدم الموافقة على ذلك؛ تفاجأ العمال بالقرار الذي يفتقر إلى الحكمة، شرعت فيه وزارة الصناعة والتجارة بإخماد الدخان المتصاعد من قمة «صومعة» مصنع الغزل والنسيج الشامخة في الطرف الغربي منه، مطلع العام 2005، لتخمد معه آمال وطموحات 1500 عامل صلبوا على أرصفة البطالة.
ففي منتصف التسعينيات من القرن الماضي، كان المصنع شامخاً يطل برأسه من الشرفة متطلعاً إلى المزيد من النجاح والرقي. واليوم، يجثم على ركبتيه متوسلاً، المؤسسة الاقتصادية اليمنية سرعة إنجازه ليعيد مجده الذي صنع بأيد عظيمة.
عندما رست مناقصة تحديث المصنع (إنشاء معمل جديد وترميم قسم الغزل) على المؤسسة الاقتصادية اليمنية بتكلفة 600 مليون ريال، اشترط عليها أن تنجز ذلك خلال مدة لا تتجاوز 3 أشهر، لكنها تخطت السنة الثالثة لتغوص في غمار الرابعة.
هذا الفتور في التنفيذ يعرض آلات الغزل الحديثة التي تبلغ قيمتها 6 مليون دولار، هي قرض من دولة الصين، إلى التلف حيث وأنها معرضة لعوامل التعرية منذ 3 سنوات؛ مرصوصة إلى جوار المباني التي أصبحت شبه مدمرة.
ففي 22 سبتمبر 2004 وضع رئيس الجمهورية حجر الأساس لمشروع عملاق يعمل بمتوسط إنتاجي يصل 10 أطنان من الغزل يومياً على أنه سيتطلب إيقاف العمل لأشهر محددة إلا أنها طالت لتصل إلى 4 سنوات، وهذه تفوق الفترة التي أنجزت فيها الشركات الصينية إنشاء المصنع.
في الأسبوع الفائت كانت حركة الأيدي العاملة تواصل سيرها في ترميم قسم الغزل، لكنها لم تكمل حتى الآن نصف عملها المتفق عليه.
وفي ظل شعور بتسمر الحياة، يعيش عمال المصنع أياماً صعبة؛ متخمة بالقهر مجمعون على أن السبب الأقوى في تساهل إنجاز الترميم هي «المؤسسة الاقتصادية» موضحين أن لها مصالح في ذلك تتمثل في أنها تستورد كميات كبيرة من الاقمشة الصينية تجنى من ورائها أرباحاً طائلة.
إن المؤسسة تتعمد تعطيل المصنع. وأكدت مصادر داخل المصنع- طلبوا عدم ذكر أسمائهم أن المؤسسة تمتلك نصف مصنع الرجوي للأقمشة (مؤسسة خاصة) وتعتبر منافساً كبيراً ومن مصلحتها إجهاض المصنع وتوقفه.
الا أن مقاول المشروع برَّر، في إتصال هاتفي مع «النداء» الاسبوع الماضي تأخرهم في إنجاز العمل بأن إدارة المصنع لا توفر الامكانات المتمثلة بالماء والكهرباء إلا بمقابل وأن العمل باعتباره «عمل يدوي» يتطلب منهم جهد ووقت كبير، كذلك توقفهم «لمرات» وبسبب العجز المالي.
وإذا نظرنا إلى الجانب الإداري، فقد كان منصب مدير المؤسسة هو أحد المقاعد الشاغرة التي يتلهف إليها الكثير، ومما يجعله كذلك هو لأن المصنع يتمتع بإيرادات خيالية كما أنه مستقل مالياً وإدارياً، ولا تشرف عليه أي جهة. لقد كانت آلية الصرف العشوائي هي السائدة؛ فأصبح المصنع مثقلاً بالقروض المخيفة. وبحسب تقرير اللجنة البرلمانية الخاصة بدراسة الحسابات الختامية لموازنة الدولة لعالم 2005 حول حسابات المؤسسة العامة لصناعة الغزل والنسيج، فإن بيع ممتلكات المؤسسة «أرض، أصول متنوعة، تصدير القطن وبيع بذرة القطن في السوق المحلية» تتم بالأمر المباشر، وكذلك مشتريات المؤسسة.
كما لاحظت اللجنة في تقريرها هنا عدم المبالاة في رهن أصول المؤسسة لدى البنوك مقابل الاقتراض، دون موافقة من وزير الصناعة والتجارة والجهات المختصة.
وكشف التقرير عن ترحيل مستحقات الحكومة من «ضرائب تأمينات، زكاة» من عام لآخر من دون سداد. وقد تراكمت هذه المستحقات حتى بلغ الاجمالي نهاية العام 2005 نحو 576.346.690 ريالاً.
أما بالنسبة لمخالفة قيادة المؤسسة للنظام الأساسي لها، فأشارت إلى أن القيادة تخترق القوانين واللوائح النافذة بصورة صريحة، وتمارس أنشطة تختلف عن تلك المحددة في النظام الأساسي للمؤسسة. والأمر الذي يلحق الضرر بعمل المؤسسة هو أن تترأس قيادة المؤسسة وتدير الجمعية التعاونية المشتركة التي يتركز نشاطها في المتاجرة بالقطن، لاسيما بعد أن اكتشفت اللجنة أن جزءاً من المحاصيل السنوية للقطن يؤول لصالح الجمعية، كما تحصل أيضاً على جزءٍ من القطن المصدر إلى الخارج.
أما فيما يخص الخسائر التي تكبدتها المؤسسة، فقد أوضحت أن المؤسسة أصيبت بعسر مالي نتجة ارتفاع خسائرها من عام لآخر حتى بلغت نهاية العام 2005 2.378.853.839 ريالاً. وأن تدهور الوضع المالي في السنوات الاخيرة؛ أدى إلى توقف المؤسسة عن النشاط في شهر مايو 2005 «باستثناء نشاط ضئيل في مجال المتاجرة بالقطن» فسبب لها ذلك عجزاً عن سداد مرتبات موظفيها والالتزامات الأخرى والديون المستحقة على المؤسسة حتى بلغت نهاية العام 2005،4.591.519.971 ريالاً، وفقاً لبيانات الحساب الختامي.
الأداء التشغيلي للمؤسسة بدأ بالتراجع عاماً بعد آخر ووفقاً لإحصائية الانتاج للمصنع منذ العام 1995 حتى 2005. نلاحظ في الجدول المقابل حالة الزيادة والإنخفاض قياساً بإجمالي الإنتاج لعام 1995 وهو 5.758.592 ياردة سنوياً. وأشار عبدالباسط الغرباني، مدير الانتاج في المصنع، إلى أنه وصل في الثمانينات إلى 8 ملايين ياردة سنوياً، موضحاً أن سبب الانخفاض التدريجي هو تدني «الكفاءة الآلية». وأن الكثير من الآلات يعود تاريخ صنعها إلى ما قبل العام 1962 «وهذا أدى إلى انتهاء عمرها الإفتراضي»، ويرى أن التدهور تنامى بسرعة في كافة مكائن المصنع مؤدياً بشكل متزايد دوراً عكسياً في جهد العمال.
بدأ توقف المصنع يبدو وليد المصادفة، تماماً كإنشائه، وليس وليد قيادة سياسية قررت ذلك لتحقق أهدافاً بعيدة المدى. فبحسب أحد الموظفين في المصنع، فإن تعطيل المصنع وتوقيفة يأتي كمخطط مدروس من الدولة لخصخصته بعد أن درسوها بدقة ويقول: «أن المؤسسة ستتعذر بأنها تعاني من أزمة مالية ولم يعد باستطاعتها إكمال المشروع عندها لم يكن أمامنا سوى خيارين هما: إما الخصخصة أو إيقاف المصنع»، وهذا ما يتحاشاه ويخاف من وقوعه عمّال المصنع.
ومع أن العمال يتلهفون شوقاً إلى العودة إلى المصنع لإعمار ما دمره التوقف. لكن لأن أيام الشدائد تمر بطيئة وشديدة الوطأة العمال، وهم في ترقبهم الدائم للفرج يرون أيامهم كذلك.
 

 
 
 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
***
 

أنا مرتبي 26 ألف ولو أنا شحات شا حصل أكثر

عندما أوفقت وزار الصناعة والتجارة مصنع الغزل والنسيج بصنعاء أخذت توقيعات الادارة وتوجيهات القيادة تجرُّ أربعة مستودعات كانت تعجُّ بالأقمشة.
فمع أنه كان ميسوراً بما يزيد عن مليوني ياردة من الأقمشة، فقد أجهضته الإلتزامات المالية على بيع الأقمشة لتسديد ما عليه، وكانت التوجيهات بصرف 800 ألف ياردة «لمستثمر سوري» مقابل جزء من «قيمة الأعلام التي وفرها للجنة الدائمة أيام الانتخابات الرئاسية» قد تصدرت قائمة الالتزامات على المصنع.
لا يقتصر الأمر على بيع الأقمشة فحسب، فقد بيعت آلالات النسيج. يقول خالد العلاًّمي نائب مدير إدارة الصيانة العامة وعضو نقابة العمال في ذلك: «صرفوا حاجة محدودة للجمعيات التقنية بتوجيهات الرئيس البقية باعوها خرده»، وبالنسبة للمؤشر القوي لإعلان عجز مالي واللجوء إلى الخصخصة، فيقول إن النقابة رفضت ذلك قبل إيقاف المصنع عندما ناقش هذا مجلس النواب» وإنها نظمت احتجاجات عمالية واسعة. ونتقد ذلك بتوصيف ذكي قائلاً: «إذا قلنا نخصخص المصنع، معناه أننا قلعنا الثورة وهو المنجز الوحيد الذي لا يزال قائماً حتى الآن».
وأشار إلى أن عرقلة العمل في التحديثات ليست سوى «خطة طويلة المدى للخصخصة».
ويرى العلاًّمي (35 عاماً) أن العصر الذهبي للمصنع هي الفترة من 1984-1990 وهذا بالنسبة له لأنه التحق بالعمل في المصنع في 1984، مشيراً إلى أن الانتاج في تلك الفترة كان بين 40-50 ألف ياردة يومياً.
 ونادى باسم العمال والنقابة إلى ضرورة إضافة «بدلات وطبيعة عمل» وأضاف أنه لم يعد الراتب كافياً قائلاً: «كانت مرتباتنا ضعيفة في السابق لكن لابأس كانت الأسعار منخفضة، أما الآن فلا يكفي الراتب لواحد.. ومن أين أدي للأسرة».
لكنه يعتبر المبلغ الذي يستلمه كل ثلاثة أشهر «إعاشة وليس مرتب وكأنه صدقة» لا يحصل عليه إلا بعد «ملاحقة وصياح». واستنكر ذلك قائلاً: «أنا مرتبي 26 ألف والله لو أنا شحات في باب مصلحة أني لا احصل اكثر».
اقترح العلاَّمي أن تبدأ إدارة النقابة في إعطاء دورات وتزويد العمال بمهارات جديدة وواسعة لمواكبة التطورات ويرى أن الحماسة كبيرة لدى العمال بشأن رغبتهم وقدرتهم على أخذ دورات وتحديث أدائهم الفني.

halajamrhMail