بشراكة مع NDI و«النداء» و«مأرب برس».. جمعية المستقبل للتنمية والسلم في مأرب تدشن حملة واسعة لفض النزاعات وتحجيم الثأر

بشراكة مع NDI و«النداء» و«مأرب برس».. جمعية المستقبل للتنمية والسلم في مأرب تدشن حملة واسعة لفض النزاعات وتحجيم الثأر

- مأرب - علي الضبيبي
تتبنى جمعية المستقبل للتنمية والسلم الإجتماعي في مأرب حملة توعية واسعة في أوساط المشائخ والوجهاء والطلاب الجامعيين لمناهضة الثأر وتجنيب الجامعة ومؤسسات التعليم، وبالذات الثانوي والعالي، النزاعات والثأر القبلي.
ووجه الشريف سالم بن سعود رئيس الجمعية دعوة مفتوحة هذا الأسبوع إلى قيادة المحافظة ومجلسها المحلي وإلى المشائخ والوجهاء والشخصيات السياسية وقيادة الرأي والفكر، إلى دعم رعاية هذه الدعوة، وإلى عقد اتفاق جامع بين كل مكونات المجتمع في محافظة مأرب: «أن تكون الجامعة مهجَّرة».
وقال في حوار مع «النداء»، ينشر العدد المقبل، إن النزاعات والثأرات في مأرب تسببت في إضعاف التعليم، «الذي يشهد تدهوراً ملحوظاً وتراجعاً إلى الوراء»، وأن نسبة خريجي الثانوية العامة وخريجي الجامعة «تتراجع من عام لآخر». وإذ لفت إلى وجود أسباب كثيرة تدفع الكثير من الطلاب إلى العزوف عن الدراسة الجامعية، قال إن الثأر والنازعات القبلية من أهم هذه الأسباب، موضحاً أن «هناك طلاب لا يستطيعون حضور الإمتحانات، بسبب النزاعات والثأرات. وهناك طلاب لا يستطيعون أن يدرسوا في كليات المحافظة ويضطرون إلى الدراسة في محافظات أخرى».
وتوقع الشريف سالم أن تلقى دعوة الجمعية استجابة واسعة عند الناس، لأن «الجميع بلا استثناء متضرر من الثأر، ويريد أن يعيش في أجواء آمنة ومستقرة». وأضاف، وهو الخبير في فض النزاعات القبلية، أن المواطنين مهيأون ومنتظرون فقط «لمن يأخذ بأيديهم إلى شاطئ السلام».
وإذ نوه بقانون حمل السلاح وبالجهود التي تبذلها وزارة الداخلية في هذا الإتجاه، اعتبر منع دخول السلاح إلى المدينة، والتزام القبائل بهذا القانون، «خطوة إيجابية وممتازة ومؤشر خير للإقلاع عن الثأر».
ووجه الشريف سالم شكره الخاص إلى وزير الداخلية ر شاد العليمي. وأمل أن يبادر من موقعه، كرئيس للجنة العليا لمعالجة قضايا الثأر، إلى دفع اللجنة لمباشرة العمل والنزول الميداني. وتساءل: «إلى متى سيظل الناس ينتظرون وصولها؟!». داعياً الوزير وقيادة المحافظة ومجلسها المحلي إلى تقديم «الدعم المعنوي والرعاية، وأن يكونوا شركاء لجمعية المستقبل في مهمتها هذه».
وتتبنى جمعية المستقبل حملتها هذه مع شركاء محليين ودوليين هم: المعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية (NDI)، صحيفة «النداء»، وموقع «مأرب برس» الإخباري. وبالتزامن والتنسيق مع جمعيتين تنشطان للأهداف نفسها في الجوف وشبوة.
وفي لقاء جمع قيادة جمعية المستقبل وشركائها بعميد كلية التربية والآداب والعلوم في مأرب، الاثنين الفائت، أبدى الدكتور عبدالله النجار عميد الكلية ترحيبه بالدعوة واستعداد الكلية لإقامة شراكة كاملة.
الدكتور النجار في مقابلة صحفية مع «النداء» تنشرها في عدد لاحق قال إن عدداً من الطلاب تخلفوا عن الإمتحانات العام الماضي بسبب الثأرات القبلية. النجار وهو أحد أقدم الكوادر العلمية في المحافظة أسف للوضع التعليمي البائس في محافظة مأرب. وقال إن مخرجات التعليم الأساسي والثانوي ركيكة، «ووجدنا طلابا في الكلية لا يحسنون الكتابة والقراءة»، متسائلاً: «إلى متى ستظل هذه المحافظة في وضعها التعليمي البئيس هذا؟!».
وأكد أنه لا يمكن أن تتقدم محافظة مأرب إلا من خلال جهد أبنائها «واستيعابهم لأهم مشاكلها وقضاياها». داعياً المشائخ والأعيان إلى عقد اتفاق عام يلزم الجميع «أن تكون الجامعة مهجَّرة وكل مؤسسات ودور العلم».

***

هل بالإمكان وضع حد لتأثيرات النزاعات القبلية على التعليم؟!
الثأر شبح مخيف يهدد مستقبل طلاب كليات مأرب الجامعية

- تقرير من جمعية المستقبل للتنمية والسلم الإجتماعي م/ مأرب
عادة ما ينظر الناس إلى "الثأر" باعتباره مجرد قتل وحصاد للأرواح، ويتجاهل أفراد المجتمع، بقصد أو بغير قصد, الآثار السلبية الناجمة عنه في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والتنموية.
 قد لا يبدو مدهشاً في ظل ذلك التجاهل قيام مشائخ وأعيان وأفراد القبائل ببذل طاقاتهم في سبيل تدعيم بناء القبيلة عسكرياً وزيادة العدة والعتاد وتوسيع دائرة التحالفات للانتصار في نزاعها الذي تعيشه مع قبيلة أخرى، أو تحسباً لأي نزاع قادم قد تدخل فيه، ولم يدر بخلد أحدهم أن قوة قبيلتهم في جانب آخر حالت ضبابية الرؤية في فترة النزاع دون الكشف عنها.
وفي هذا السياق يشير عدد من الدراسات التي تناولت النزاعات القبلية وظاهرة الثأر، إلى أن قلة الوعي وانتشار الأمية بشكل كبير في مناطق النزاعات من أبرز العوامل التي لعبت دوراً أساسياً في تعميق النزاعات وإذكاء نيران الحروب. كما أن إهمال القبيلة للتعليم وشغل أبنائها بثاراتها وصراعاتها عن مستقبلهم وقوتهم الحقيقية المتمثلة في تأهيلهم العلمي والأكاديمي فاقم من تأثيرات النزاعات السلبية. ناهيكم عن انتشار الفقر في أوساط القبيلة نتيجة ارتباط الفقر بالجهل.
ولو قامت كل قبيلة بإجراء حسبة بسيطة على ما قامت بإنفاقه من أموال على تكاليف الحروب من ذخائر وقذائف وأسلحة خفيفة وثقيلة ونفقات أثناء القتال وإعادة إعمار ما خربته الحروب من منازل ومنشآت، لو قارناها بما قامت به في جانب دعم التعليم، فسنخلص إلى نتيجة سلبية؛ لو أن القبيلة قامت بتوظيف تلك الأموال في اتجاه دعم التعليم لساهم في تأهيل عدد كبير من أبناء القبيلة كان بإمكانهم تعزيز قوة القبيلة والإسهام في الرفع من مستوى وضعها الاقتصادي.
 وبالطبع فإن محافظة مأرب تعد من بين أكثر المحافظات اليمنية التي تأثرت سلباً من النزاعات القبلية والتي رافقها قصور كبير في جانب اهتمام المجتمع بالتعليم وبالتحديد التعليم الجامعي، وبالرغم من ذلك الوضع الذي ساهم في حرمان قطاعات واسعة من المجتمعات القبلية إلا أن هناك إهمالا حكوميا صاحب تلك المرحلة ولا يمكن بأية حال أن يكون هناك مبرر للدولة حتى وإن وجدت مثل تلك الظروف.
الحضور المتأخر لكلية التربية والآداب والعلوم كنواة لجامعة متكاملة وافتتاح مكتب لجامعة العلوم والتكنولوجيا بمحافظة مأرب في العام 2006 والإقبال الشديد على الدراسة، كشف كم هي الرغبة الجامحة لدى أبناء قبائل مأرب من الجنسين والقناعات الحقيقية المتوفرة لديهم في نيل مؤهلات أكاديمية عليا.
ووفقاً للإحصائيات الرسمية التي حصلنا عليها فإن هناك 2650 طالباً وطالبة التحقوا بكلية التربية والآداب والعلوم خلال العامين الماضيين من عمر الكلية، بالإضافة إلى 317 طالباً وطالبة يواصلون تعليمهم عبر مكتب جامعة العلوم والتكنولوجيا. وانطلاقاً من كون العدد يبدو متواضعاً مقارنة بمحافظات أخرى، فلا بد أن نشير إلى أن هناك عددا كبيار من أبناء قبائل مأرب لا يزالون محرومين من مواصلة تعليمهم الجامعي بسبب الثارات والآثار السلبية التي ترتبت على النزاعات القبلية. كما أن هناك الكثير من الدارسين في تلك الكليات يتوقعون مغادرة الساحات الأكاديمية في أي لحظة ومن الصعب تحديد موعدها، وقد تحول الثارات القبلية دون وصولهم إليها وبالتالي انهيار مشروعهم الطموح وحرمانهم من تحقيق أحلامهم في الحصول على (الشهادات الجامعية). وليس من السهل قيامهم بتجاوز الحواجز وكسر القيود المفروضة عليهم عبر انطلاقة أخرى لمواصلة تعليمهم الجامعي في محافظات أخرى قد تكون صعوبة الظروف الاقتصادية ومحدودية الدخل لدى أبناء تلك القبائل عاملاً مهماً في ذلك، غير أنها تصير أمراً ثانوياً إذا ما أدركنا أن حياة ذلك الطالب صار يحدق بها خطر الموت من كل جانب، وأن (رصاصة) واحدة كفيلة بالقضاء على مستقبله؛ حيث أن هناك من يرقب عن كثب ويعمل بحرص متناه للظفر بصيد ثمين يضمن له مباركة وإعجاب قبيلته ويعمق من جراح الخصوم، الأمر الذي يضع الطلاب الجامعيين هدفاً لفوهات البنادق وأعيرة الثأر النارية!!
تؤكد المعلومات التي حصلنا عليها أن هناك عدداً من طلاب كليات مأرب الجامعية المختلفة من قبائل متعددة غادروا هذا العام قاعات الدراسة متجهين نحو إقامة جبرية وعزلة مريرة في قراهم ومديرياتهم بسبب الثأر والنزاعات القبلية المقيتة قد لا تخلو من لحظات ندم تصحبها مشاعر غاضبة على ذلك المجتمع الظالم الذي حال دونهم وطموحهم، وحوّل أحلامهم الوردية إلى سراب.
وتكشف تلك المعلومات أن هناك مجاميع طلابية في كليات مأرب الجامعية يواصلون دراستهم في ظل ترقب وحذر شديد تحسباً لانفجار نزاعاتهم القبلية في أية لحظة. وقد ولدت تلك التخوفات الكامنة في نفوسهم قلقاً شديداً ساهم في تشكيل عوامل نفسية، ما من شك في أنها ستؤثر على تحصيلهم العلمي. ومن لم يعايش ذلك الأمر فإنه قد يعجز عن إدراك حجم خيبة الأمل والمأساة الكبرى التي يواجهها الطالب الجامعي في مثل تلك الظروف. بل إن المأساة تعظم حينما يجد الطالب نفسه في فترة الاختبارات النصفية أو النهائية من العام الدراسي محروماً وموقوفاً بحكم قبلي يجبره على عدم مغادرة قريته بعد انتهاء فترة الصلح وتجدد نزاعات قبليته مع القبائل المناوئة.
يصف أحد المراقبين للدراسة الجامعية في مأرب وضع الطلاب الذين يعانون من النزاعات القبلية أن هناك عددا من الطلاب حرموا من عام دراسي كامل بعد انتهاء فترة الصلح مع بداية اليوم الأول للامتحانات. وفي يوم ما ساهمت شائعة في الكلية عن اعتداء طال منشأة لإحدى القبائل خلقت جوا من القلق في القاعات لدى طلاب القبيلة المعتدية. طلاب من قبائل عديدة لا يأتون للكلية على سياراتهم الخاصة للتمويه على من يترصدون لهم: الطرف الآخر للنزاع مع قبيلتهم، ويضطرون للتنقل من سيارة إلى أخرى برغم المسافات البعيدة، مما يحرمهم محاضرات ودروس نظرية وتطبيقية بشكل متكرر.
أما الطلاب من أبناء مديريات مأرب المتباعدة لا يستطيعون السكن في المدينة، لأن الأمان بالنسبة لهم غير متوفر، وقد تنفجر نزاعاتهم في أية لحظة.
لا أحد يمكن أن يجحد أن الكليات الجامعية ساهمت في إيجاد جو من الألفة والمحبة وعززت من روابط الأخوة بين زملاء الدراسة من أبناء القبائل المتنازعة وذلك الوضع بحاجة إلى رفد وتعزيز ذلك الجانب الإيجابي.
فصل آخر من فصول سيناريو سلبية النزاعات القبلية ولعنة الثار قد نكون غير منصفين إذا ما قررنا تجاوزه، ومع كل فصل تتكرر ذات المشاهد الموجعة.
فمأساة الحرمان من التعليم الجامعي لا تقتصر على الذكور من أبناء تلك القبائل، بل إن تأثيرات النزاعات القبلية تصيب تعليم الفتاة في مقتل. وإذا ما علمنا أن هناك حوالى 450 طالبة في كلية التربية والآداب والعلوم و60 أخريات في فرع جامعة العلوم والتكنولوجيا. فينبغي ألا نغفل حقيقة أن شبح الثار المخيف قد يحول أحلام الطالبات في الحصول على مؤهلات جامعية إلى كوابيس مزعجة بعد أن وجدن أنفسهن في إطار مجتمع أوصد جميع الأبواب أمام أفراده، باستثناء باب واحد هو باب الخوف، المفتوح على مصراعيه لاستقبال المزيد من المآسي والآلام والتي يزيدها قتامة شيوع ثقافة الحقد والكراهية والضغينة!! صحيح أن أولياء أمور الطالبات الجامعيات في مأرب قد لا يقفون مكتوفي الأيدي أمام هكذا وضع، وقد يبحثون عن وسائل يمكن وصفها بالسهل الممتنع، غير أن أحداً لن يشعر بالأمان على فلذة كبده، على اعتبار أن الذهاب إلى الجامعة في فترة نزاع قائم مغامرة غير محسوبة العواقب، ناهيكم عن عدم قدرتها على التنصل من مهامها في توفير الغذاء وإعداد المؤن لأفراد القبيلة أثناء فترة النزاعات. غير أن التخلص من ذلك يبدو سهلاً في حال غيّر المجتمع نظرته تجاه تعليم الفتاة ووضع ضمن أجندته أهمية التعليم.
ثمة ما يشير إلى أن مصيراً مجهولاً ومستقبلاً غامضاً يلف قضية استمرار طلاب وطالبات كليات مأرب الجامعية، ومعاهدها المهنية والصحية المتخصصة، خصوصاً تلك التي تقع في محيط مدينة مأرب، في ظل الأجواء المكهربة التي أفرزها واقع مرير، وضع التعليم الجامعي ومواصلة طلاب قبائل مأرب تأهيلهم الأكاديمي على كف عفريت، نتيجة تفاقم النزاعات القبلية، وانتشار الثارات بين القبائل، وعدم التوصل إلى حلول إيجابية في هذا الجانب والتي تمثل خطراً حقيقياً وتهديداً مستمراً لا يكف هاجسه عن زيارة مخيلات الطلاب بين الفينة والأخرى. ولا ننسى هنا أن نشير إلى إدارات الكليات الجامعية والمعاهد المتخصصة وهيئات التدريس فيها والتي ينطبق عليها ما ينطبق على الطلاب.
 وأمام ما عرضناه فإننا نجد أنفسنا ملزمين بتوجيه دعوة صادقة إلى كافة عقلاء مأرب ومشائخها القبلية وشخصياتها الاجتماعية وقياداتها الحزبية والجماهيرية وقيادات السلطة المحلية والأجهزة الأمنية لتكثيف جهودهم نحو إبعاد الطلاب عن النزاعات القبلية، بما يكفل لهم مواصلة مشوارهم التعليمي انطلاقاً من قدسية العلم وطلابه ومدرسيه، واعتبار ساحات التعليم وممتلكات الصروح الجامعية أماكن لها حرمتها، يطال أي معتدٍ عليها العقاب الذي يجب الاتفاق عليه قبلياً ورسمياً؛ كونها جريمة كبرى، وذلك من أجل إتاحة الفرصة أمام أجيالنا للحصول على تأهيل علمي وأكاديمي في ظروف آمنة وأجواء هادئة يرتفع فيها صوت العلم ويختفي أصوات الرصاص. وما لم نحرص على تحقيق نتائج إيجابية في هذا الجانب فإن أي أحاديث قد تصدر من هنا أوهناك عن التنمية والنهوض بالمحافظة لا تعدو كونها أحاديث للاستهلاك الإعلامي وتضييع للوقت!
في المدى الطويل من شأن مبادرة جمعية المستقبل للتنمية والسلم الاجتماعي بمحافظة مأرب بخصوص النأي بالطلاب عن الثارات، والتي بدأت مرحلتها التمهيدية، أن تضع حداً للانعكاسات السلبية للنزاعات القبلية على مستقبل التعليم وطلاب الجامعات، طمعاً في الوصول إلى تجريم المساس بالطلاب وتهجير الحرم الجامعي.
 في المدى القصير من شأن حملة إعلامية توعوية أن تؤدي إلى تشكيل رأي عام في أوساط القبائل المتنازعة يساهم في إنجاح تلك المبادرة وإخراجها إلى حيز التنفيذ. غير أن الأسوأ هو الانتظار في نظر الطلاب والمهتمين بالعملية التعليمية.
ولعل القول أسوأ من الفعل في هذا المجال. غير أن لمأرب وقبائلها سجلاً حافلاً بالتعاطي إيجابياً مع ما يخدم المصلحة العامة والذي ينبع من العادات والتقاليد وصفات الشهامة والتسامح التي يتسمون بها. ويمكن لجمعية المستقبل أن تجعل أبناء مأرب يفهمون أن في التعليم قوتهم الحقيقية ومستقبل أجيالهم الزاهر وأنهم من سيرسمون ملامح ذلك المستقبل.