المثقف: ضمير "البُجمة"*

المثقف: ضمير "البُجمة"* - أروى عثمان

- إلى: أستاذنا القدير –أطال الله عمره– أحمد جابر عفيف
حالماً بيمن بلا قات، يمن بلا بُجم، بلا علفة
(1)
 لعقدين من الزمن وأنا أقرأ وأسمع مقولة "المثقف ضمير الأمة". وكنت مؤمنة إلى حد اليقين بذلك. وقرأت ما قاله جرامشي عن "المثقف العضوي" ودوره الحيوي في المجتمع.
  ما قرأناه، ونقرأه ونشاهده ونسمعه، هو أن المثقفين "ضميرو الحياة".  هذه صفة تنطبق على أي مثقف في هذا الكون، إلا مثقفي اليمن؛ لماذا؟
لأنهم خارجون عن كل الحيوات، وعن الوجود بما هو موجود، وبما هو غير موجود. فلم نجده سوى مثقفاً لـ"ضمير البجمة". وأما الأمة، حتى لو كانت تختزل بأفراد عائلته، فلا دخل له بها من قريب أو من بعيد.
 فهو يتصور أن الأمة هي تلك التي  لا تخرج إلا من "بجمته" و"مدكاه"، و"متفله"، وولاعات السجائر، و"البوري"، وكندا دراي، وعدة الكيف "المبَحْشمْ".
ولذا فمثقفونا "بجميون" وعضويتهم تكمن في "بجائمهم الصنفورية" (نسبة إلى الصنافير: الدمامل المتقيحة).
(2)
"المثقف البجموي" أو المثقف "العلفوي" سمخ الأسماخ، لا يرتهن لأي شيء في الحياة إلا من خلال بجمته، ومدى حجمها كبراً وصغراً، مسافتها قرباً وبعداً، اتجاهها يمينياً أو يساراً، كينونتها بالماقبليات والمابعديات، راديكاليتها ثورية بالعنف المسلح أو قاعدة الأهيمسا الغاندية (مع التحفظ طبعاً على الأخيرة). هي فلك الأكوان، دنياه وآخرته، هي عالمه وعولمته.
المثقفون "ضميرو البجمة"، تجدهم يصبون غضبهم البجموي على الجماعات المتأسلمة بشعارها: "الإسلام هو الحلـ" وهم لا يرون العالم إلا من خلال "البجمة هي الحلـ" كلاهما واحد.
(3)
أية دعوة خبيثة أو لعنة أسقطتها علينا جنيات وأمهات اليمن "كل يمني معلق من علفته"، أو بالأحرى "كل يمني معلق من بجمته". اثنان وعشرون مليون عبد، مرتهنون إلى "العلفة المقدسة".
(4)
العبودية ليست فقط أن ترتهن رقبتك لأي  ديكتاتور أو سلطان غشوم، بل أن ترتهن لعلفة سُمّية اسمها "القات" تختزل  كل أعضاء جسدك، بل وتلغيها، لتٌسمن "بجمة" وما تكاد  تهترئ، حتى يسارع اليمني – المثقف، وغير المثقف  السياسي وغير السياسي الغني والفقير، بتغريزها، وتسمينها، مثلما كانت جدتي تغرر بقرتها العجفاء لتدر حليباً أكثر، لكن مواطنونا يدرون دمامل البؤس والعدمية.
هذا الجسد الهزيل، الشبح المطحون هماً، وجوعاً، وبؤساً، وتعذيباً، يتكور في "بجمة " شبحية، لا تختلف عن أي كيس بلاستيكي اسود تجمع فيه الجثث والنفايات.
فكيف تنادي أيها المثقف البجموي بالحرية وأنت عبد لبجمتك ورهين علفتك؟! وتنادي بالديمقراطية، وأنت مغلول إلى علفة تروى بمبيدات محرمة دولياً؟!
كيف تنادي بعالم أفضل وغد أفضل، وعالمك معلق بـ"منخاش"؟! كيف تطالب بنبذ العنف وأنت أكثر الكائنات التي تمارس أبشع صور العنف على جسدك، وعقلك، وصحتك، وبلادك، وبيئتك، وأسرتك، وطفلتك، وحبيبتك؟!!!!
(5)
إن إنسانية الإنسان اليمني تبدأ حيث تنتهي العلفة، تنتهي حينما تعود الاحترام للبجمة، في مأكل نظيف، وابتسامة نظرة، لا أن تحشى بالنفايات والسموم.
ولذا لا تطالبوا أيها اليمنيون، وخصوصاً "المثقفين" بأن تتحرروا من الديكتاتوريات والطغاة. طالبوا بأن تتحروا من بجمكم، من أكياس النايلون السوداء، من الدكية، من المتفل، وسخم الدخان. فالعلفة لا تقل طغيانا واستبدادا وديكتاتورية من الحاكم المستبد، بل إنها أكثر استبداداًً ودموية ووحشية. إنها الموت بأبشع تجلياته.
(6)
أن ترتكز حياتك أيها اليمني، أيها المثقف، حاضراً ومستقبلا –إن كان هناك ثمة مستقبل ينتظرنا كبشر–  إلى "منخش" و"متفلـ" معبأ برغوة و"خثلـ" القات، فهذه كارثة الكوارث.
وإذا كانت الأسطورة تقول إن الكرة الأرضية تقف على قرن ثور، فإن اليمن "السعيدة" تقف على "منخش"، لكنها ليست أسطورة وإنما الفعل الواقعي واليومي المخجل والمدمر.
(7)
ومن هذا المنطلق أن تكون حياتنا الماضية والحاضرة والمستقبلية واقفة على: بجمة، متفل، منخش، فإنني أتوجه كأم، باسم  أطفالي وأطفال اليمن بالمطالبة بحماية دولية لا تقل عن حماية الدول المنكوبة بالزلازل والفيضانات والحروب الأهلية، واليمن أكثر دول العالم نكبة، فالتقتيل اليومي الذي وصل الى إدمان المخدر الجماعي السام (القات) الذي يستحث كل تدخل سريع للأمم المتحدة وكل المنظمات الدولية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان  بمعنى "تدويل البجمة" لإنقاذنا من أنفسنا، لإنقاذ أطفالنا وبيئتنا من الموت والانقراض (هذا ليس من باب السخرية، بل نحن أحوج اليوم أكثر من أي يوم مضى لهذا التدخل الضروري والسريع). نعم، حماية دولية من أرفع مستوى، تضع حداً لحياة الإهلاك والموت المجاني عبر صيرورة "البجم"، تحمي أطفالنا من المستقبل "البجموي الذي ينتظرهم" حماية دولية ترد الاعتبار للحياة الإنسانية  في اليمن التي حُشرت ببجمة، وبكيس علاقي أسود، ومتفل، ومدكى، ومنخش.
حماية دولية توقف تضخم "بجمنا المتوحشة".
فكيف تشوفووووووووا؟؟
 
* البجمة: الوجنة.
arwaothmanMail