عن ثقافة الكراهية.. يناير مرة أخرى -

* عن ثقافة الكراهية.. يناير مرة أخرى - بشرى المقطري
* وا.. أمناه! استغاثة لسيادة وزير الداخلية من لعنة وثيقة إثبات الهوية - عفراء الحريري
* حَوْم في "حُمَّى أحداث 13 يناير" - عبدالقوي غالب
* على خلفية مشاركتهم في ملتقى التصالح والتسامح.. معتقلون يواجهون تهماً يعاقب عليها بالإعدام -  شفيع العبد
* اتحاد أدباء وكتاب عدن في بيان موقف من القضية الجنوبية والسلطة الحاكمة
 

عن ثقافة الكراهية.. يناير مرة أخرى

بشرى المقطري

في سياسة تكسير الأيادي التي انتهجتها السلطة منذ حرب 94 يبدو كل شيء ممنطقاً بالكراهية لكل بادرة تسامح وتوافق وانسجام حتى لو كانت ساذجة، فيبدو الوطن الذي تريده لنا مرادفاً للدم، كمعادل واقعي وتاريخي لفكرة التعايش فيه، وإن كان الوطن بسماحته وتفنيد ذاكرته سيجعل طرحي أشبه بترويض صخرة بحجم يناير.
ويناير مرة أخرى سيجعلني أحزن، لأن كثيراً من الدماء أريقت فيه، وكثيراً من الكراهية والحقد أُشعلت في شرف ذلك اليوم. فالسلطة الحالية المأزومة تتغذى على فكرة سحقنا جميعاً حتى آخر نقطة دم، من سياسة التجويع التي تكوي يومياتنا بقسوة، حتى إلهائنا بالاحتقانات الدموية في كل الجغرافيا اليمنية. لكن يناير يظل في عين السلطة صخرة تتكئ عليها لتغزل شرنقتها كل عام، وتستثمره لتخيفنا من مغبة الانجرار لأي حلم حتى لو كان وهماً! لتكون السلطة وحدها المظلة الوحيدة الآمنة الصالحة للنوم والتعايش وربما الموت كمدا، وما عداها مبشر بيناير أخرى..!
لماذا نخاف يناير؟! لماذا يظل الحديث عنه أشبه بدق أسفين ساخن في وجداننا؟! لماذا الكتابة عنه تعريض بجهة ما، وتحريض على الألفة؟! وأننا لم نعد مخولين بالكتابة عنه بحيادية ودون اجترار الألم والحقد! أكثر من عشرين عاماً مرت ومازال يحمل يناير المذاق المر والمنهك لذاكرتنا بعده. سلسلة أخطاء ستتوالد من رحم يناير لتفجعنا بذاكرتنا ووطننا. وفي مخليتي الصغيرة مازال «يناير» الوجع المسكوت عنه، حتى لو لم نكتف بالصراخ فقط لمجرد الفزع من فكرة الاحتراب الأهلي المخيف، أو حتى لجلد الذاكرة الميتة، يبدو يناير مرة أخرى جرحاً مغروساً في القلب والذاكرة، واستثناء فريداً في انزلاقاتنا التاريخية الدموية، وفي أحلامنا الكابوسية، سيظل يحمل شساعة الجرح ولذة النكء. أحياناً أهجس بتساؤل مرير: «ماذا لو أقلب التواريخ قليلاً على رأسها، وأعود لتلك اللحظة الفارقة؟! ماذا مثلاً لو لم يكن هناك يناير؟! ماذا لو لم يحدث ما حدث؟!، ماذا لو كان 13 يناير يوماً عادياً في شهر عادي نمر به كما نمر أيامنا باعتيادية؟ هل ستكون الأحداث حينها مختلفة قليلاً؟» ربما لن تكون هناك وحدة بتلك العجلة، وذلك الاندماج القسري، وتلك الخسائر؟! حينها لن يشعل نظام صنعاء حرب 94، لأن الطرف الآخر لن تكون له جراح يلعقها بحسرة، وستكون موازين القوى متعادلة، ولن تكون ذاكرتنا بذلك اليتم والألم.
هل نتسامح لننسى أوجاعنا وحقدنا كاعتراف بخطأ ما ارتكبناه في لحظة جنون تاريخي؟ ولكن من الذي له الحق بالتسامح؟!، ومن يسامح من؟!، وكيف نسامح بعضنا؟ هل نحن «كشماليين» غير معنيين بأحداث يناير وأنها تركة وذاكرة لا تخصنا كما يروج البعض؟!
بقلق مبرر كنت أتتبع مهرجان التسامح الذي أقيم في ذكرى يناير. ومهرجان كهذا سيكون مغرياً بالقراءة والتصفيق والترحيب، سيكون مناسبة وطنية لافتة أن نقف عليها ونتآزر لإنجاحها. لكن المهرجان، وعلى سطوته الاعلامية، كان مخيباً لآمالي المتواضعة، فكان هناك القليل من التسامح والقليل من الكراهية. وبتخبط عشوائي بين هاتين الفكرتين خرج المهرجان مشوشاً لي وللكثير من المتابعين؛ لأنه لم تكن هناك واحدية في الأهداف والطرح، ولم تكن هناك آلية فاعلة للتسامح الذي نشد عليه. واستنادي كان إلى البيان السياسي الصادر عن المهرجان الذي خفض من سقف توقعاتي وجعلني أعود لتعاطي الجميع مع هذا المنزلق التاريخي الخطير.
لقد كان يناير بالنسبة للسلطة ومنذ أعوام طويلة، العصا التي يلوح بها للحزب إما بجعله مرتهناً لتاريخ دموي يعنيه تحديداً، وإما لتفريق قاعدته الشعبية. ونجحت السلطة دائماً في ممارسة هذه اللعبة، وأثمرت في فرض مزيد من الإقصاء السياسي للحزب، خاصة بعد حرب 94. وجاءت الأحداث الأخيرة بسفك الدماء، لتذكرنا السلطة بأن يناير مازال يحمل صبغة الدم الأول والإرث الأول، وأن يناير لا يعنيها، ومن منطلق اللامسؤولية تعاطت السلطة مع يناير كذاكرة لا تخصها، واستطاعت توظيفه بحشد المزيد من الكراهية لخدمة أغراضها السياسية الآنية وشق الصف الوطني المشقوق عرضاً وطولاً، شمالاً وجنوباً، وتكريس الراهن الجنوبي لمصلحتها. أما المعارضة (الحزب الاشتراكي تحديداً) فإنها وقفت مبهوتة، وفي المنتصف دائماً خوف من مغبة التعاطي مع يناير جديد.
لقد كانت أدبيات يناير 86. حتى اللحظة، تجتزئ منا ذلك التاريخ وتسطو عليه، سواء بتغليب طرف على آخر أم بين صراعات «الطغمة» و«الزمرة»، كانت الحقيقة تختفي، وكانت كتب التاريخ تقفز على يناير، وإن حاول بعضها حشو رؤوسنا برواية واحدة وتعميم الحقيقة من منفذ واحد، ولا يتم الإشارة للآثار الاجتماعية التي حدثت، سواء بعدد القتلى، وعدد المفقودين، ومعطوبي الحرب. فظلت تلك الأدبيات على قلتها لا تعالج المشكلة من العمق، ولا تقف على الأسباب الحقيقية التي أطلقت الأحداث إلى جنونها المروع.
إن سياسة إغلاق الملفات القديمة التي تستخدمها السلطة مثلاً في عرضها لنتائج حرب 94، وتعاطي الحزب مع ذكرى يناير، لا تخدم فكرة التصالح والتسامح بشيء. حتى لو كانت فكرة المهرجانات جميلة وحضارية، لكنها في اعتقادي غير كافية لمعالجة مرحلة بحجم يناير. يجب أن لا يمر الحدث هكذا كما يمر كل شيء في بلادنا. يجب فتح جراح يناير قليلاً للتهوية، ثم دملها بطريقة علاجية صحيحة، وليس ببترها أو تحميلها أكثر مما تحتمل، يجب أن لا نمر على يناير مطأطئي الرؤوس.
قد يبدو يناير مفزعاً لي، ولك، ولجميع الأهالي والأسر، الذين فقدوا أحبتهم، والذين لم يعرفوا بعد شيئاً عنهم! قد يبدو كابوساً مزعجاً ودموياً لذاكرتنا جميعاً؛ لكننا يجب أن نقف وقفة جادة ومسؤولة لتفعيل آلية للتسامح وبمشاركة جميع أبناء الوطن. وقد نسطيع إحداث فرق حقيقي حتى لو كان بسيطاً، من خلال:
- تقديم الحزب اعتذاراً رسمياً عن أحداث يناير، وكم سيكون قراراً شجاعاً ومسؤولاً!
- تشكيل لجان شعبية وطنية لمتابعة أسر الضحايا والمفقودين وحصرها.
- عمل عزاء رمزي لكل الضحايا والمفقودين ومواساتهم.
- حصر أسر المعطوبين نفسياً وجسدياً من أحداث يناير.
- جمع تبرعات مالية من جميع الموسرين في شمال الوطن وجنوبه لتقديم بدائل مادية للأسر الفقيرة والمتضررة.
- إعادة دفن الجثث بطريقة لائقة وآدمية.
- إقامة ندوات فكرية وتاريخية عن يناير.
- تدوين الشهادات التاريخية لتوثيق تلك المرحلة بحيادية وموضوعية.
- البحث عن وثائق تاريخية جديدة تضيء تلك المرحلة.
- إعادة كتابة مناهج التاريخ للتعليم الأساسي والثانوي، بما يتوافق مع القيم الوطنية المتساوية، والإشارة لكل القيادات الوطنية الجنوبية والشمالية بالتساوي.
إن بذر ثقافة الكراهية والحقد والعنف والعنف المضاد، ستولد الكثير من الدمار وعدم الثقة، وستجعلنا مرتهنين لماضٍ نستطيع تجاوزه. أما تعاطي السلطة مع الأحداث الأخيرة، فهو مؤشر أخير على إفلاسها، وهو عمل لم يدهشني حقاً، لكن ما أدهشني تعاطي الحزب مع ذكرى يناير؛ كان عليه أن يتصالح مع ماضيه الفعلي، وتصويب أخطائه، مفوتاً الفرصة على السلطة، ويقول: «نعم، حدث ما حدث، ونحن آسفون على كل شيء».
حينها فقط سيمر يناير بخير كأي ذكرى سيئة، وسأقول: كم نحن آدميون في التعامل مع جراحاتنا! أو «نتذكر ما ينعاد...» فقط على صوت فيروز.
 
 
***
 
وا.. أمناه! استغاثة لسيادة وزير الداخلية من لعنة وثيقة إثبات الهوية
 
عفراء الحريري

وا أمناه.. وا أمناه.. وا.. رشاداه.. وا سيادة وزير الداخلية الأستاذ رشاد العليمي – أسوة بصرخة المرأة التي استنجدت بالمعتصم لإغاثتها بوا معتصماه - وأين نحن من زمن المعتصم؟! ولن أناقش الامورالسياسية فتلك لها روادها، فما أثار استغاثتي أن 13يناير 1986م يعود في ذكراه المؤلمة عام 2008م، في فعاليات مهرجان التوافق والتصالح والتسامح بين أهل الجنوب، والتي أقيمت في م/عدن في يوم 13يناير 2008م- هذا الشهر- ليس فقط بالقمع وصوت الرصاص وإنما تحديدا في المؤتمر الصحفي لوسائل الإعلام والصحف الذي عقدته السلطة المحلية بعدن وتم نشره في صحيفة الأيام العدد 5297، 14يناير 2008م الصفحة رقم 5. ولن أدخل في تفاصيل التصريحات إلا أن ما استوقف انتباهي لحد البكاء قهراً.. والصراخ وآه وا سيادة وزير الداخلية "إن صرختي تعنى بحقوق الانسان خاصة المرأة والطفل في عموم هذا الوطن بغض النظر عن خصوصية "الجنوب وعدن". وفي هذه الصرخة خصوصية أيضا لوزير الداخلية للمرة الألف.. على الرغم من أن هناك مجالاً أوسع بأن أصرخ وا علياه لفخامة الرئيس علي عبدالله صالح.. ولكن نترك فخامته لشدائد الجسام حين ستغمس كرامة الانسان في وحل الفساد تماما ويبدأ الوطن في الغرق إن لم يتول كل مسؤول مهامه بصدق وشفافية ومحبة لتراب هذا الوطن.
فما أبكاني قهرا واندهاشا وتعجبا يا سيادة وزير الداخلية، ما أدلى به مدير أمن محافظة عدن في تصريحه الذي جاء نصه ولن أضيف عليه حرفا واحدا كما يلي: "في الليل وجدنا مجاميع على السواحل في أماكن مشبوهة لا يوجد لديهم وثائق للتعرف على شخصياتهم فيما لدينا قانون وهناك إعلانات تم نشرها في سائل الإعلام بأن يلزم كل شخص أن يحمل وثيقة ثبوتية من بطاقة شخصية أو جواز سفر أو ما شابه ذلك لإثبات هويته، لكن أن يبقى إنسان مجهول الهوية فهو مصدر خطر ومعرض للخطر، ومن مسؤوليتنا أن نتحفظ عليه... إلخ". وتمنيت أن أكون موجودة في المؤتمر الصحفي وأقول "لافظ فوك يا أستاذ عبدالله قيران"، ورددت بعلو صوتي باللهجة الدارجة: "حيا بك وعشت".
وآه يا لسخرية القدر تمعنوا جيدا أن يكون للإنسان وثائق إثبات هوية فهو مصدر خطر ومعرض للخطر! ترى من منا يكذب على الآخر المواطن أو الحكومة؟ فيا ليتك سيادة الوزير تعود معي ومع هذا المواطن المغلوب على أمره عاماً إلى الوراء (22أبريل 2007 م) صحيفة الأيام العدد 5073 مقالة بعنوان "حقوق الانسان.. ومصلحة الوطن قضايا لاتعالج همسا أو سرا"، مقالة لم تنس لقضية لن تنسى أهمية وثائق إثبات الهوية. وللتذكير أشاد بها السيد نبيل الخوري النائب السابق في السفارة الأمريكية، في العدد الصادر بتاريخ 16/6/2007م لصحيفة الأيام.. ولا أظن أن سيادتكم لم تطلع عليها، وأتمنى أن تعود إليها ويطلع عليها بدوره الأخ مدير أمن محافظة عدن.. فعند ممارسة التنكيل والإذلال للإنسان في اليمن (ذكراً أو أنثى) من قبل أجهزة الأمن، تبرأ ساحة الأجهزة الأمنية رسميا فيصبح لدينا قانون لإثبات الهوية وإعلان لضرورة حمل الهوية، ولكن للحفاظ على كرامة الانسان في اليمن وانتمائه وجنسيته وحقوق مواطنته التي لاتمنح إلا بموجب وثائق إثبات الهوية ليعتبر مواطناً، ننسى ونتجاهل أن لدينا دستوراً وقانوناً ملزماً لأجهزة الدولة (وأكرر ملزم وليس عند استغفال الغير والعبث بالإنسان). ولي كامل الحق بأن أتساءل: لماذا صب جحيم القيامة من الأجهزة الأمنية على رأسي وتعرضت للقذف والسب على مسامع الكثير بمن فيهم أمين عام المجلس المحلي لمحافظة عدن، وحضور سيادة وزير الحكم المحلي، لسبب يتيم (القشة التي قصمت ظهر البعير، وظل الجهاز الامني يحوم حولها، ومستمرة بالحروب النفسية.. فلا مجال لذكرها هنا)، ويتعلق أساسا بإقامتي حملة إعلامية بشأن ضرورة منح وثائق إثبات الهوية خاصة للنساء والأطفال الذين لم يعترف آباؤهم بهم، بعد أن لفيت في دوامة البحث في جميع الجهات المعنية بالامر، وكل مسؤول فيها سيتذكر ذلك إن قرأ هذه الاستغاثة عن: من يمنح وثائق إثبات الهوية؟ وقدمت أدلتي وبراهيني، بل واجتهدت بتقديم فتوى للأستاذ القدير رئيس مصلحة الأحوال المدنية والسجل المدني، أضف إليها مذكرة محافظ المحافظة إلى الجهات المعنية (ولم يكن لها جدوى ولا صدى) بضرورة منح وثائق إثبات الهوية للفئة المستهدفة في مركز الاغاثة لرعاية المرأة (السجينات المفرج عنهن وضحايا العنف). وكنت أظن أن هذه الفئة فقط ليس لديها وثائق إثبات هوية، ولكن عندما قدمت رسالة بحث التخرج بعنوان أسباب وآثار غياب الهوية وعلاقته بالنوع الاجتماعي (دبلوم عالٍ -دراسات نسوية وتنمية المرأة/ جامعة عدن).. ذهلت بأن هناك الكثير الكثير ليس لديهم وثائق إثبات هوية (نسوة ورجالا)، في حين كان ظني أن النساء فقط ليس لديهن وثائق إثبات هوية. واستندت لإثبات أهميتها استنادا علميا وقانونيا وليس اعتباطيا إلى نفس القانون الذي استند إليه الأخ العقيد مدير أمن محافظة عدن؟ فأية مسرحية هزلية يعيش فيها الانسان في اليمن! وأي عبث به وبحقوقه في هذه البقعة من الأرض (العالم)، ولن أقول المواطن اليمني لأنه أساسا بلا هوية، بلا مواطنة وبلا حقوق، بل لان كل ذلك وخاصة الحقوق لاتمنح إلا بموجب وثيقة إثبات الهوية.. فكيف يعطي الجهاز الامني لنفسه الحق باعتقال واحتجاز وبالافتراء على إنسان لايعرف هويته – فلعله يكون جاء من المريخ وسكن اليمن – لان هذا الجهاز نفسه هو من تعسف في منح هذا الانسان أو الكائن وثيقة إثبات هويته وخالف الدستور والقانون والمواثيق الدولية التي تتعلق بحقوق الانسان والتي لن تكون أولا إلا بمواطنة تحددها وثيقة إثبات هوية، فهذه المواطنة هي التي تترتب عليها حقوقه وتلزمه بواجباته، والاهم من هذا وذاك أنها -أي وثيقة إثبات الهوية- هي التي تنشئ الرابطة القانونية بين هذا الانسان والدولة في جميع مؤسساتها، وكذلك العلاقة بين حقوقه على الدولة وواجباته تجاه هذه الدولة وانتمائه لهذا الوطن.. فبأي حق يتم الاحتجاز وهذا الانسان لا وجود ولا دليل ولا إثبات يعتبر بموجبه مواطناً في هذه الدولة؟ بل لماذا يحقق معه ويحبس ويحاكم ويسجن ويقضي فترة عقوبة في السجن عند اعتباره "مشتبهاً به أو متهماً" وهو بلا وثيقة إثبات هوية – سواء كان هناك مسيرات ومظاهرات أو لم يكن –.
وأود الإشارة إلى أنه ليس هو قانون واحد فقط الذي يؤكد ضرورة وجود إثبات وثيقة الهوية بل معظم القوانين (الإجراءات الجزائية، الأحوال المدنية والسجل المدني، الانتخابات والاستفتاء، المدني... وغيرها).. فما الذي جعل الأجهزة الأمنية تصحو من سباتها عندما بدأ الانسان المجهول يطالب بحق إلهي له منحه إياه الله – جل جلاله – بأن يكون إنساناً متسامحا ومتصالحاً، وله حق في العمل والعلم والمساواة والعدل والكرامة، بل قبل أن يمنحها له القانون الوضعي؟ وهي التي لم تمنحه حقاً في إثبات هويته بوثيقة كي يكون مواطناً، ثم تناقض ذاتها في حسابها وظلمها له على اعتبار أنه مواطن يمني في ظل غياب ما يثبت هذه المواطنة (وثيقة إثبات الهوية)؟!
وعليه، فإن الإجراء بمجمله باطل مثلما هو باطل في حالة عدم وجود أية مسيرة أو مظاهرة أو أي تصنيف تعتمد عليه السلطة المحلية.
وللأسف الشديد والمخجل في الامر برمته لتبرير جرائم ارتكبت بحق الناس في المهرجان، أن السلطة المحلية والأجهزة المعنية تعللت بـ"غياب وثائق إثبات الهوية"، ولم تشعر بالخطر سوى حين اقترب الخطر من مصالحها لتبرئة انتهاكها المخالف للقانون بموجب القانون أيضا، في حين أن هناك مئات الأخطار قد أوردتها في مقالتي كي لا ترمي اتهاماتها زورا وبطلانا (العودة للصحيفة). فمصلحة الوطن تهمنا جميعا وإطارها المواطنة المتساوية والعادلة في الحقوق التي لاتمنح إلا بوثائق إثبات الهوية كي يكون مقابله واجبا وحقا لتلك السلطة محاسبة أولئك الناس بموجب القانون الذي تستند إليه.
وما أشبه اليوم بالبارحة فقد كانت تتم التصفيات الجسدية والتي راح ضحيتها الآلاف وفقا لوثيقة إثبات الهوية (ولا نريد أن نتذكر ذلك)، حيث ثبت أن المعتقلين في 13/1/2008م كان بحوزتهم وثائق إثبات هوية؟! إنهم يعبثون بنا وفقا لمصالحهم ولا قيمة للإنسان أسوة بالناس في العالم سواء كان لديه وثيقة إثبات هوية أو لم تكن!
وهذا الحق هو مثقال ذرة من كل حقوق الإنسان.. فأغثنا وحدد هل ينبغي أن تكون لدينا وثيقة إثبات هوية أو لا ينبغي أن تكون؟
رحماك ربي.. والله من وراء القصد.
 
 
***
 
 
حَوْم في "حُمَّى أحداث 13 يناير"

عبدالقوي غالب
 
 
-1-

لا شك أن "أحداث 13يناير 1986" تنتمي إلى الماضي بوصفه "مخزن" الذاكرة، وإلى التاريخ الذي مجال اشتغاله هو أحداث الماضي.
ولا شك، أيضاً، أن ما "جرى" في يوم الأحد الماضي 13 يناير 2008م، لهو حدث، رغم ارتباطه بأحداث 13 يناير 1986م، ورغم أنه أصبح ماضياً ايضاً.
-2-
بعد هذا الإقرار، المسبوق، طبعاً، بشجب حادث يوم الأحد، 13يناير 2008م، وبتقديم: التعازي لأسر ضحاياه والتهاني بالسلامة للجرحى.
بعد كل ذلك، بمكن للأسئلة وللتساؤلات، أياً كانت، أن تسأل وتطرح. لكن ذلك، في نهاية الأمر، يوضح أن هناك "ارتباطاً" بين الحدث الأول والأخير.
-3-
لكن، قراءة الارتباط بين الحدثين بحاجة لإبداء ملاحظات، أولاها: أنه رغم مرور 22 عاماً من "أحداث 13 يناير 1986"، فإنها لا تزال تتناول سياسياً فقط، حيث أن الحديث عنها متمركز حول السياسة سواء عند الحديث عنها أو في استخدام الخطاب السياسي لها. فالخطاب السياسي برمته يقوم بتوظيف هذه الأحداث تجاه خصم مقابل. وهذا الاستخدام ليس مقصوراً على "النظام الحاكم"، المتحدث عنه كثيراً، بل توظيف هذه الأحداث يظهر جلياً في خطاب منظمي "تظاهرة التصالح والتسامح"، والتي هي تظاهرة سياسية "مضاعفة"، حيث وهي تتوجه ضد سياسة "النظام الحاكم"، لتقوم في ذات الوقت بتوظيف سياسات الذاكرة (التصالح والتسامح)، في خطابها السياسي.
وثانية الملاحظات هي ندرة الكتابة (أدبية، دراسات، أبحاث) في أحداث 13 يناير 1986م. مما يصعب خوض غمار كتابة في هذه الأحداث، بعيداً عن السياسة.
-4-
لعل الملاحظتين السابقتين تعطيان، من ناحية، مبرراً لحومي حول الحدثين، سابقي الذكر، ومن ناحية ثانية، تكشفان صعوبة قراءة ما للحدثين.
ولكن رغم ذلك أقول التالي: إن ما حدث يوم 13 يناير 2008م هو بمثابة "نوبة حُمًى" ل أحداث 13يناير 1986، حيث هذه النوبة وهي تستعيد صورة "أحداث يناير 86" لا تتقبل الفقدان (فقدان السلطة)، خاصة إذا ما أخذ في الحسبان أن "أحداث 13 يناير 1986م" هي منتج لـ"جروح السلطة"، فإن يوم الأحد الماضي 13 يناير 2008، يبدو رمزاً لجرح.
ولكي يساير هذا القول، ينبغي دائماً أن يجعل تحت المساءلة من ناحية، وأخذ الحذر من صحته، من ناحية أخرى. كل ذلك في سبيل قراءة تفتح طريقاً للكتابة في الذاكرة وأحداثها، لا بغاية بحث عن (الحقيقة) وإنما مراوحة بين حقيقة ما.
ولكن قراءة "أحداث 13 يناير 1986" تتطلب، بداية، استجواب هذه التسمية (أحداث 13 يناير 1986).
-5-
ذلك يساعد مغامرة كتابة في أحداث الذاكرة ويضفي على "مراوغة" الكتابة للغة قدراً أكبر من الانفكاك من سلطتها. فالكتابة، وهي "تراوغ اللغة"، هي إمكان تمكن ذاكرتنا من النسيان، وتفضي بنا إلى تصالح وتسامح دون توجه.
فالكتابة هي نسيان، حتى عندما نتذكر فإننا نتذكر ما ننساه.
بكلام آخر، الكتابة هي الوحيدة التي تعود بنا إلى السؤال والتساؤل، لا لشيء، وإنما لخوض غمار حياة أخرى مختلفة. حيث الأدب –حسب بارت- "يخلخل اللغة".
abdulkawi_sMail

***
 
 
على خلفية مشاركتهم في ملتقى التصالح والتسامح.. معتقلون يواجهون تهماً يعاقب عليها بالإعدام

- شفيع العبد
لم يتم الإفراج عن كل المعتقلين على ذمة ملتقى التصالح والتسامح الذي احتضنته مدينة عدن، ومازال هناك من يواجه تهم "الاعتداء على استقلال الجمهورية ووحدتها وتكدير الأمن والسلم الاجتماعي وتعريض وسائل النقل والمواصلات للخطر والإضرار بالمال الخاص"، وهي تهم عقوبة بعضها الإعدام. وقد أحيلوا للنيابة العامة وسجلت تلك التهم في محاضر جمع الاستدلالات، ويتوقع أن تضيف النيابة في محاضر التحقيق تهماً أخرى.
المعتقلون هم: سعيد احمد الزهري، 45 عاما (أبين)، عبداللاه سند عاطف، 32 عاماً (يافع)، وجدان عبد الله سند، 18 عاماً (ردفان). والمعتقلون في سجن شرطة الشيخ عثمان، وأحمد بن احمد العبادي، 35 عاماً (يهر) يقبع في سجن البحث الجنائي.
وقد تدافع عدد كبير من المحامين للدفاع عن المعتقلين حيث اعترض عضو النيابة على المحاميين يحيى غالب وعارف الحالمي عضوي هيئة الدفاع كون اسميهما قد وردا ضمن ملف القضية المرفوع من شرطة الشيخ عثمان كمتهمين.
وقد رفضت هيئة الدفاع سير إجراءات التحقيق قبل إحضار العسكر ومن أطلق الرصاص وتسبب في القتل والجراح ومن اعتدى على المعتقلين داخل السجن، حيث أكد بعض أعضاء هيئة الدفاع أن المعتقلين عبداللاه والعبادي تعرضا لضرب واعتداء داخل المعتقل مازالت آثاره بادية على جسديهما، كما أن عبداللاه تعرض للاهانة من قبل الجنود بقولهم "أنت شيوعي ملحد ولابد من عودتك للإسلام".
كما تقدمت هيئة الدفاع بطلب الإفراج عن المعتقلين كونهم لم يرتكبوا أي جريمة تستوجب اعتقالهم والتحقيق معهم، إلا أن النيابة رفضت.
 إلى ذلك، أدانت سكرتارية مجلس تنسيق الشباب والعاطلين عن العمل بمحافظات الجنوب، في بلاغ صحفي صدر عنها، استمرار اعتقال بعض المشاركين في ملتقى التصالح والتسامح، وأعربت عن رفضها المطلق لإجراءات التحقيق التي تتم مع المعتقلين وكذا التهم الباطلة الموجهة إليهم.
وتساءلت السكرتارية: "كيف يعتقل من شعاره التصالح والتسامح ولم يثر شغب أو فوضى وتوجه له مثل هذه التهم، بينما ثروات الجنوب وأراضيه يتلاعب بها من قبل من يسمون أنفسهم وحدويين ونجدهم في مأمن من أحكام القانون؟".
ودعت السكرتارية شباب الجنوب إلى إقامة الفعاليات الاحتجاجية في مختلف مديريات ومحافظات الجنوب اعتباراً من يوم السبت الموافق 26يناير، على أن تستمر حتى يتم الإفراج عن كافة المعتقلين ووقف إجراءات التحقيق الباطلة، وكذا تقديم الجناة في مختلف الجرائم التي ارتكبت ضد المشاركين في النضال السلمي الجنوبي منذ مراحله الأولى وحتى اليوم.
 
 

***
 
 
قال إنه ضد الخلط بين حقيقة وحدة الشعب اليمني وبين سلطة الحكم العابر منذ حرب 94
اتحاد أدباء وكتاب عدن في بيان موقف من القضية الجنوبية والسلطة الحاكمة:
الإيمان بالتسامح والتصالح والتضامن يتنافى مع التهميش والإقصاء والإلغاء

ضداً على أي خلافات ملتبسة, ثمة ما يؤشر وقوعها داخل اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين حول الوحدة اليمنية والقضية الجنوبية, لايسعنا نحن أعضاء وسكرتارية الفرع (رقم واحد) لاتحادنا الوحدوي والديمقراطي الأصيل، إلا أن نعيد إلى الذاكرة الجمعية للاتحاد بل والمجتمع اليمني أن اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين تأسس على قاعدة عدم الخلط بين ما يناضل في سبيله وبين السلطات الحاكمة بكل أشكالها وأنواعها ومستوياتها.
لذا, فإن الاتحاد لم يتورط البتة في عملية الخلط بين قضية الوحدة اليمنية, بما هي وسيلة لها علياؤها المتميزة إلى غايات استراتيجية وطنية, وبين أية سلطة حاكمة في اليمن, لا قبل ولا بعد 22 مايو 1990م.. فكيف بهذا الخلط الخطير من أي جهة وعلى أي نحو جاء اليوم بين حقيقة وحدة الشعب اليمني وأرضه – شمالا وجنوبا – وبين واقع سلطة الفساد الحاكم/ العابر/ بصنعاء, منذ 7/7/1994م المشؤوم, مهما استطال أو تطاول.
وعليه, فإننا في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين – فرع عدن، وبما يختلج في حنايانا من شعور بالشرف الرفيع وفيض الفخر والاعتداد بانتمائنا – أولا – لمدينة عدن: مدينة الريادة الأولى في اليمن, في عصرنا الحديث, إلى النهوض الثوري الوطني - ثقافيا وسياسيا – بأبعاده الموضوعية والذاتية في التحول والتطور والتقدم الاجتماعي.. فانتمائنا ثانيا لفرع عدن: فرع التأسيس التاريخي الفذ مطلع سبعينيات القرن الماضي – لأول كيان وحدوي/ نوعي/ على أثرى مجالين عصريين للانتماء الإنساني, هما المجالان الوطني والمدني.. ثم انتمائنا ثالثاً إلى الامتداد المتقدم والمتجدد في عموم الوطن لزملائنا الأعزاء حملة رسالة رعيل المؤسسين, وفي الصدارة منهم آباؤنا وأساتذتنا ورموزنا الشوامخ: عبدالله البردوني, علي باذيب, إدريس حنبلة, يوسف الشحاري, عمر الجاوي, محمد علي الربادي, سالم زين محمد, حسين أبوبكر المحضار، ومحمد أحمد عبدالولي، وسواهم من الراحلين/ الأحياء/ والأحياء/ الأحياء/ من أقمار حرية الإبداع وتأصيل الديمقراطية والتحديث في اليمن. هذه الأقمار غير القابلة للأفول عن فضاءات وعي وذاكرة ووجدان كل يمني حر, جنوبي أو شمالي. لا فرق بينهما في هذا على الأقل.
هكذا, وبكل هذا الاختلاج الجميل والقوي في عمق أعماقنا, نستطيع أن نعبر هنا عن تأييدنا ومساندتنا لكافة تجليات النضال السلمي الديمقراطي للشعب, وعلى وجه الخصوص في جنوب وطنه: بدءاً من ملتقيات ومهرجانات التسامح (أولا) والتصالح والتضامن, مروراً بجمعيات واعتصامات المتقاعدين العسكريين والأمنيين والمدنيين والشباب والعاطلين عن العمل ومجالس تنسيقها, وانتهاء بما لا يزال في ظهر الغد القريب بإرادة المولى القدير جل جلاله, ومعها الإرادة الشعبية صانعة الانتصار لغد اليمن الجديد.
على أننا في موقفنا المحدد والواضح هنا إزاء واقعية وموضوعية وشرعية وعدالة القضية الجنوبية, نأبى على كل مناضل في سبيل هذه القضية العظيمة أن يتشبه بسلطة الفساد الحاكم.. فأشد مظاهر هذا التشبه المشين سفهاً وضرراً هو ادعاء الشيء وممارسة عكسه كادعاء الوحدوية والديمقراطية والتمنية أو العدل والصدق والنزاهة, وممارسة عكسها تماماً.
فالإيمان فكراً وقولاً وعملاً بالتسامح والتصالح والتضامن يتنافى مع التهميش والإقصاء والإلغاء. لأن هذه الثلاث الأخيرة من طبائع الاستبداد, بينما الثلاث الأولى على العكس كلياً, فهي من قيم الحرية. أم هل يعقل أن يستدعي تسامح أبناء الجنوب وتصالحهم وتضامنهم مع بعضهم بعضاً, اتخاذ موقف نقيض تجاه أبناء الشمال ومآسي صراعاتهم السياسية العديدة وحروبهم الداخلية الطويلة بين الجمهوريين والملكيين, ثم بين السلطات والمعارضين والمناوئين لها – منذ قيام ثورة 26سبتمبر 1962م وحتى إعلان الوحدة اليمنية في 22مايو 1990م؟! أليس الأجدر بنا والأجدى لنا في الجنوب استنهاض همم جميع المضطهدين والمستضعفين في الشمال, وحثهم على الانتظام الواعي والفعال في حركة النضال السلمي الديمقراطي هناك كذلك؟
ثم إذا كان من مقدمات القضية الجنوبية إصرار سلطة الحكم – الشمالي عملياً – على إنكار وجود الجنوب حتى كجهة من الجهات الأصلية الأربع, فهل سيقع الجنوبيون الأحرار في فخ رد الفعل على هذا الإصرار المتعنت والغبي, بإنكار وجود الشمال؟!
إن جاذبية القضية الجنوبية اليوم ومقدرتها المدهشة على الاستقطاب المتسارع والمتصاعد للمزيد المزيد من آلاف المواطنين المتضررين في الشمال أيضا من سياسات وممارسات سلطة الحكم الفاشل بكل المعايير الوطنية والدولية إنما تكمن هذه الجاذبية وهذه المقدرة في روح الشجاعة الجماعية الباسلة لأبناء الجنوب على مواجهة آلة حكم الفيد والضم والإلحاق والهيمنة والتدمير تجاه الجنوب وثرواته البشرية والطبيعية والتاريخية.. فلماذا, إذن, نحرم قضيته العظيمة من عاملين مكينين في المدى المنظور – لا يعززان فحسب, بل ويعجلان من انتصارها الغالي الكريم – هما عاملا الزمن والتوسع شمالا؟!
أما التفكير بتقرير المصير لدينا – مع احترامنا للمبدأ والتفكير به مثله مثل الرهان على الأجنبي, كما هو حال النظرة الضيقة والعائمة إلى اليمنيين على أنهم شعبان اثنان, والى الجنوب على انه عربي فقط – أي بلاهوية وطنية – وكأن لم يبق لنا إلا الهرف بخرافة يمكن إعطاؤها عنوان (الجنوبية الوطنية!) مجازاً – لمما ينطوي على قدر لا يستهان به من تخدير الذات, والاستعلاء على حقائق التاريخ والجغرافيا والعصر معا, والهروب بعيون مغمضة – إن لم تكن مطفأة – نحو المجهول بقضه وقضيضه, وغير ذلك من المخاطر الكارثية الأكيدة – لا على الوطن كله وإنما على كل قرية ومدينة وبيت فيه مما لا بد أن يترتب على تعاطينا لسحر الخلط سلباً أو ايجاباً بين السلطة الحاكمة حالياً وبين الوحدة اليمنية, كحلم رائع كان يبدو بعيد المنال في الواقع.. وعندما تحقق – وإن شكلياً واعتباطياً – في 22مايو 1990م, سارعت سلطة التحالف المتخلف الحاكم للجمهورية العربية اليمنية التي أعيد إنتاجها معمدة بدم يمنيين وحدويين حقيقة, بسطاء ومخدوعين من الشمال والجنوب في 7 يوليو 1994م باجتياح الجنوب مع سبق الإصرار والترصد وبصورة بشعة من الحقد الدفين للإطاحة بالوحدة وإحالة الحلم الرائع بها لدى الشعب بأسره إلى كابوس فضيع مريع. لكنه لم يعد يبدو طويلا كما كان بين 7/7/ 1994م و6/7/2007م, أي قبل النجاح البارع والباهر للاعتصام الجماهيري الحاشد في ساحة الحرية بخورمكسر يوم 7يوليو 2007م, والذي عمده هوس الحكم كعادته بالدم من دون شهداء في ذلك اليوم فقط. أما بعده وحتى 13 يناير الحالي, فقد انغمس الحكم إلى عنقه بالدم الحرام والزكي لعشرة شهداء. افتدى ثمانية جنوبيون منهم قضية الجنوب بحياتهم خلال شهر ونصف الشهر, بين أول سبتمبر و13 أكتوبر 2007م, في المكلا والضالع وردفان. أما الشهيدان الأخيران أحدهما شمالي – فقد دشن الحكم بدمهما في ساحة الهاشمي – بالشيخ عثمان – يوم 13 يناير الموافق للرابع من المحرم, استراتيجيته الدموية للسنتين الجديدتين: الميلادية 2008م والهجرية 1429ه.
لكن إلى متى يمكن لهذ السلطة الحاكمة أن تواظب على شرب حليب السباع لإذلال الشعب واضطهاده وقمعه والتنكيل به وسفك دمه من صعدة إلى المهرة؟ إذ لا شك أن يوماً سيأتي على هذه السلطة لن يكفيها فيه كل حليب السباع في العالم أجمع, والسبب بمنتهى البساطة يكمن في حد شفرة الحقيقة التاريخية الخالدة التي لخصها الشاعر أبو القاسم الشابي بهذين البيتين الشهيرين جدا من الشعر في قوله:
"إذا الشعب يوما أراد الحياة    فلابد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلي         ولابد للقيد أن ينكسر"
فلنرفع صوتنا عاليا بالإرادة الشعبية.. ولنكف عن غرز مخالب الحكم وأنيابه في أجسادنا بأيدينا وأفواهنا نحن فنتمزق ونتبعثر بين المناطق والقبائل ومشاريع السلطة الصغيرة والمتخلفة.. ولنصوب أبصارنا وبصائرنا إلى المصدر الرئيس/الأصل/ لأزمات المجتمع والبلد, من دون أدنى ارتياب بأن الوحدة اليمنية – بين جنوب الوطن وشماله – حقا وصدقا هي الخادم الأمين للمصالح العليا – والدنيا على حد سواء – لملايين اليمنيين البسطاء, الشرفاء والنشطاء من جوف المهرة – جنوبا- إلى حيدان صعدة شمالا.. ولنستعذ بالله من شيطان (الفساد) الرجيم الذي حذر منه المفكر والبروفيسور العربي اليمني القدير أبو بكر السقاف – قبل اثني عشر عاماً – من خطورة (تطبيعه) في الحياة اليومية للعباد والبلاد.
اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين
فرع عدن
 19 يناير 2008م