التصالح والتسامح المرغوبان

التصالح والتسامح المرغوبان - سامي غالب

الأحد المقبل سيكون اليمنيون على موعد مع يوم استثنائي في تاريخهم، حيث سيخرج عشرات الألوف لغرض تكريس قيمة التسامح في الذكرى ال22 لأحداث 13 يناير التي أودت بحياة الآلاف، وفي مقدمتهم نخبة من السياسيين والمثقفين والإعلاميين والمبدعين من كل صنف.
ولئن آل تنظيم الفعالية الشعبية المقررة في عدن إلى ملتقيات التسامح حصرا، فالمحقق أنها باتت موضع اهتمام وتركيز أطراف عديدة داخل اليمن وخارجها، ولكلٍّ دوافعه وحساباته وهواجسه.
هذه المرة يتجمع المشاركون، وهم في غالبيتهم الساحقة من أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية، في ساحة الحرية، لا من أجل زعيم، ولا في مناسبة وطنية اعتيادية، ولا في تظاهرة احتجاجية، بل من أجل قيمة سامية، وفي سبيل الانتصار لضحايا الصراعات الدموية، الضحايا من الناس العاديين قبل الزعماء التاريخيين والآباء المؤسسين الذين قُتل أغلبهم في دورات عنف دامية.
تنتظم الفعالية الفريدة في مدينة عدن، التي كانت على الدوام الحاضنة والمشتل والمأوى والسلوى لكل اليمنيين. ولسوف يتوجب على منظمي الفعالية أن ينبذوا القيم السلبية التي أدت إلى كارثة 1986، وغيرها من الكوارث الوطنية في جنوب اليمن وشماله منذ ستينيات القرن الماضي.
التسامح قيمة إنسانية عابرة لمضارب القبائل وحدود الأوطان. إنه قيمة أخلاقية مطلقة، تكون لكل الناس أو لا تكون.
ولئن كان الوجع في الجنوب ذا خصوصية لا ينكرها إلا عديمو المسؤولية الوطنية والأخلاقية، فإن التسامح مطلب وطني يتعالى على أي نزوع باتجاه حصره في أبناء محافظات بعينها، وإلا فلن يعدو كونه أداة حشد وتعبئة داخل جماعة "المصطفين الأخيار" في مواجهة آخر يجسد الشرور كافة. بعبارة أخرى، فإن التسامح على هذا المحمل يغدو محض إعداد لجولة عنف جديدة يتخلى فيها الطرف المستضعف جراء حرب 1994 عن تفوقه الأخلاقي في مواجهة الطرف المتنمر بالقوة العارية!
منظمو فعالية الأحد الواعدة، مدعوون إلى إسقاط أي رهان على توظيف الفعالية ضد أي طرف سياسي، وبخاصة الحزب الاشتراكي، الذي كان أبرز من دفع فاتورة الإقصاء واحتكار الوطنية. في هذه اللحظة الفارقة علينا أن نتذكر أن "الشياطين لا تقيم في ضفة واحدة من النهر"، وفي مجرى التاريخ اليمني الحديث والمعاصر، تورط الفاعلون السياسيون "كل بحسب طاقته" في دورات العنف.
ولسوف يتوجب على منظمي الفعالية لجم أية أطراف تسعى إلى جعل فكرة التسامح أداة لتصفية ثارات ضد الاشتراكي أو على حسابه كفاعل سياسي حاضر في المشهد الوطني.
ملتقيات التسامح والتصالح مدعوة أيضا إلى تعزيز استثنائية ال13 من يناير القادم، وجعله محطة انقطاع عن دعوات تصالحية سابقة كان أصحابها يلتقون كممثلين محتكرين لجماعات وفئات وقوى، مقررين نيابة عن الضحايا وأسرهم، وبالاستعلاء على عذاباتهم أن لقاءهم –محض لقائهم– كفيل بجبر كل ضرر، وبالنتيجة فإنه لقاء تصالحي يجبّ ما قبله. وفي هذه النقطة بالذات، نود في صحيفة "النداء" التي فتحت ملف الاختفاء القسري مؤخرا، متوخية الانتصار لحقوق الضحايا وأسرهم، أن تؤكد أن التصالح الناجز والمكتمل يوجب الحؤول دون تكرار ما جرى في مطلع السبعينيات في الشمال، ومطلع التسعينيات بعد قيام الجمهورية اليمنية، عندما قرر أهل الحل والعقد إبرام مصالحات باسم جماعات على حساب حقوق المواطنين. تلك "المصالحات الوطنية" ما كان لها إلا أن تؤدي إلى دورات عنف جديدة، وإلى ضحايا جدد انضموا إلى ضحايا ما قبل العهود التصالحية!
Hide Mail