استدراكاً لـ"شعفل": السياسة متورطة بالذاتي ومعززة به!

يبدو الحوار الذي أجراه الصديق مروان الغفوري مع "شعفل" في العدد الماضي من صحيفة "النداء" خصباً ومثيراً للانتباه، ويمكن تلقيه بالتأكيد ضمن أكثر من تلق أو مستوى في القراءة. لكن مع إدراك أن أي "تباين" في التلقي له لا يمكن أن يغادر الحرارة والحيوية التي ميزت الحوار بشكل أساسي ولافت.

إضافة للنبرة الذاتية لدى "شعفل" التي لونت جملته وأخضعتها في بعض الأحيان لمستوى معين من الانفعال، وهو ما لم يُمكنه من اتخاذ مسافة يُنقذ فيها "الشخصي" من تداخل مربك مع التقديرات السياسية، أو رواية الأحداث بما كانت عليه وكيف صارت. ويمكن القول أيضاً إن هذه النبرة الذاتية شديدة القرب في الحوار، خلقت تقديراً لمستوى مرتفع من المصداقية لدى رجل اجتنب السياسة بشكل كبير في منفاه، لكنه لم يبرأ منها ومن تناقضاتها، ومن ثقل التاريخ القريب والتباساته.

إن هذه "الذاتية" المتداخلة بالسياسي في سرد "شعفلـ" للأحداث، تبدو قد لعبت دورا ترويجيا مهما للحوار وتعزيز تلقي إيجابي له عموماً، رغم اتسام هذا النوع من السرد بالتشويش العاطفي وبقدر من التحيزات وضع فيها نفسه مرتفعاً بمقابل الآخرين (الرفاق أو الخصوم) على المستوى السياسي والأخلاقي (وإن يمكن الإنصاف بالقول إن الأخيرة: "الأخلاقي"، كانت خافته ولم يكن مشغولاً بها إلا بشكل مقتضب وانفعالي محدود).

ذلك شأن "أي الذاتية" كان يحتاج إلى مستوى من التعطيل لإنقاذ جملة الحوار عموماً من شبهات التحيز المفرط والتعارض الحاد مع أي سرديات أخرى للأحداث التي تناولها. ذلك التعارض الذي يُمكن أن يثار مثلاً في قضية إعداد الحزب الاشتراكي لقائمة اغتيالات مضادة، التي احتلت "مانشيت" مغرياً في الحوار، خصوصاً حين تكون المسألة ترجيح قول على قول، و"قوله" هنا لم يعزز بأي شيء غير ذاكرته الشخصية، وهو ما يتناقض مع مروية "الرفاق" عن الأمر والتي تنفيه عموماً ولا نجد لدى أي آخرين سنداً للأمر، إضافة لحضور تقدير يضع "شعفلـ" ضمن مستوى قيادي في الحزب لا تتعلق مسؤوليته بمسائل أمنية على هذا المستوى من الحساسية يتعلق القرار بها (إذا وجد أصلاً) بدائرة ضيقة للغاية من قيادات الصف الأول، ولا يتم نقاشها واتخاذ قرار بها جماعياً من الحزب بالطريقة التي رواها "شعفل".

علاوة على ذلك، يبدو التقدير المرتفع من قبله لمواقفه الشخصية، ووصفها لدى الآخرين بتقدير منخفض ونزق، سبباً في إثارة أكثر من التباس أثناء قراءة الحوار. طبعاً يمكن إدراك بعض هذه الالتباسات حين القراءة بتخفف من الانحياز الذي تثيره نبرة "شعفلـ" المُرضية والتي تنجح بخلق استقطاب عاطفي لصالحه.

من تلك الالتباسات الوصف للبيض وقيادات الحزب بعد أحداث 13 يناير بقيادات "الصدفة"، ضمن إشارة إلى تناقضها وتخبطها وتحميلها مستويات مختلفة من المسؤولية، ثم الحديث في مكان آخر عن إعادة بناء الحزب للدولة، الحديث هنا في إطار نفي هرب الحزب نحو الوحدة لإنقاذ نفسه كما يروج، ضمن مشروع جديد وطموح يتغذى على تخطيط ودراسة وتقديرات وإمكانيات متوفرة، وهو بالطبع ما لا يمكن القيام به من قيادات "الصدفة"! إضافة للتوصيف الايجابي ضمناً لاصطفافه (العاطفي) مع البيض في الاجتماع الذي عرض به الأخير على الحزب قراره بالموافقة على وحدة اندماجية مع الشمال، لاحقاً على تجريده القرار ذاته من البيض من أي إيجابية ووصفه بالارتجال! ذلك الأمر مرده تشويش تبعثه سردية للأحداث وقراءة لها غير متخففة من الذاتي وغير معززة بالتجرد السياسي الجاف عادةً. الأمر بالطبع لا يعفيني من التأكيد على الشعور بمصداقية عالية في جملة "شعفل"؛ مصداقية في نبرة الحديث، والانفعال الحقيقي أثناءه. وهي "مصداقية" قد لا تحيل لزاماً إلى ضرورة تطابق ما حدث مع الطريقة التي نظر بها إليه أو فسرها به.

إن الألم الممعن لدى "شعفل" الذي أورثته في روحه حرب ظالمة، طالته، بشكل عميق وفادح، خسائرها، وخلفت لديه زوجة وولدا من ضحايا الاختفاء القسري، إضافة لقائمة من "المنهوبات" المادية التي استولى عليها "فيد" ما بعد الحرب، لا تنقذ المرء من انحياز عاطفي له، ولمأساة شخصية ألقت بظلها على كامل روايته، وبشكل لا يمكن تبعاً له إنقاذ أي قراءة منها، مهما حاولت أن تكون صارمة ومتعالية عن الاستجابة العاطفية لرجل ما زال ينتظر "غودو" رغماً على وهنه!
maged