في ملعب الثقافة والسلالة الزرقاء.. المصير الرائع لزين الدين زيدان

في ملعب الثقافة والسلالة الزرقاء.. المصير الرائع لزين الدين زيدان

جمال جبران
< كان لابد من كارت أحمر طارد لزيدان كي تكمل الاسطورة جنونها وفرادتها. لم يكن لائقاً به أن يخرج مكللاً بكأس ثانية ومجد أبيض. لا أتكلم في الرياضة هنا. في حالة الكلام عن زيدان ورفقته «الخليط» في المنتخب الفرنسي يتحول الحديث ليصبح ثقافياً تاماً، عن قدرة الفرد في تكوين ذاته وفرضها في مجتمع المابين، اولئلك المرحبين بذلك الخليط الحاصل والمُعتَبَر مداً واصلاً للقول الثقافي الفرنسي، وغيرهم ممن يرون فيه نفياً وتغريباً للنقاء الفرنسي وفصلاً عن جذوره الضاربة في التاريخ.
< كان لابد إذن من كارت أحمر طارد لزيدان كي تكمل اسطورته دخولها في الرقم المستحيل، أن تكون كغيرها عصية على التعيين، فوق أية تصنيف تام وناجز. لنقل أن زيدان استطاع التسجيل من تلك الضربة الرأسية الأخيرة التي فعلها وكادت أن تدخل، قبل أن يُطرد بعدها مباشرة.
لنقل أن زيدان استطاع حمل الكأس ثانية وراح غارقاً ورفقته في التكوين البشري المتدفق على جادة الشانز ليزية.
كان الانجاز هنا سيغدو مكتملاً ومثالياً تماماً.
سيأخذ حقه في دورة الزمن والوقت ماضياً بعد ذلك نحو نسيانه، كغيره من الكائنات المكتملة. كغيره من العناصر المقدسة التي لا يصح الاقتراب منها ولو تلميحاً.
< عليه يدخل زيدان اسطورته بثلاثة عشر كارتاً أحمر، بمعنى ثلاثة عشر واقعة سوء سلوك استحق عليها الخروج من المستطيل الملائكي المقدس، داخلاً ساحة الكائنات الشقية القادرة على كسر البروفيل المرسوم لها مسبقاً، التمرد على البدلة الحديدية المصنوعة لها خصيصاً وبمقاييسها، مقاييس حاسمة ونهائية لا تسمح بأي حركات وأفعال نزقة، لا تسمح بأداء ذلك الخارج على المرسوم سلفاً، السيناريو المعد من قبل أصابع التقديس والركوع لكل ما هو مثالي تام كلية. نحسب هنا أن سبب الحزن الذي تلا خروج زيدان بكارت أحمر ليس الفعل الذي أتى به، حركة «التيستا» التي فعلها على صدر، المدافع الايطالي، وهي الحركة التي تندرج في خانة الفيفا بسوء سلوك مستحق لكارت أحمر. نحسب أن سبب الحزن ذاك مرده خروج زيدان عن سيناريو مفترض له سلفاً، سيناريو ميشيل بلاتيني وبيليه وغيرهم من كائنات مسالمة ورسمية.
سيناريو يفترض عدم موت البطل قبل نهاية الفيلم، نجاحه حتى الأخير في القضاء على كافة خصومه لتخرج بعدها كلمة «النهاية» على الشاشة معلنة نهاية الحكاية.
< وقبل ذلك، نجح زيدان في التمهيد لاسطورته هذه. ضرب مداميكها في أذهان الناس وبشكل لا يتخذ من السريع المعمول بخفة منهجاً له. كان ذهابه واضحاً في خط من يأتي أخيراً ليكسب كل شيء. «أنا لا أعدكم بشيء» يقول زيدان، لكنه في النهاية كان يأتي بالكثير. الرئيس الفرنسي شيراك أكد بأن لزيدان ورفقته دعوة غداء في الاليزية في العاشر من يوليو سواء فاز بالكأس أم لم يفز. المجد هنا لا يتعلق باتمام الإنجاز بقدر ارتباطه بلا تمامه في أرجح الاحتمالات، في الطريقة التي لم يتم بها.
< صحيفة «لوباريزيا» الفرنسية اليومية كتبت على غلاف عددها ليوم 7 يوليو المصير الرائع لزين الدين زيدان، والغلاف، مرفق هنا، صورة شخصية لزيدان وبخلفية سوداء لإعطاء مزيد من وضوح للصورة الملقاة عليها.
اختفى «زيزو» هنا ليظهر اسم «زين الدين». الصحيفة باريسية خالصة، والنسخة التي لدينا تنبه على غلافها أنها نسخة خاصة بالمحيط الباريسي. هو اعتراف أخير منها والمحيط الذي تمثله بشرعية اسم «زين الدين» الذي كان يستعاض عنه بـ«زيزو»، الأخيرة فرنسية تماماً، تظهر فيها لمسات صنعة محلية خالصة، ف «زين الدين« ليس سوى «زيزو» المصنوع في شوارع مارسيليا الفرنسية، في حين يبقى «زين الدين» ذلك الآتي من منطقة القبائل الجزائرية على الرغم من كونه مولوداً في 23 يونيو 1972 بمنطقة بوش دورون بمرسيليا.
< في الصفحة الثانية من ذات الصحيفة كاريكاتور يوضح مجموعة فرنسية بألوان مختلفة يقفون تحت سارية يرتفع عليها علم على هيئة قميص رقم (10) قميص زيدان، يبلغ الأمر هنا حد التنازل ولو في كاريكاتور على ما يمثله العلم الفرنسي من قداسة بالنسبة للفرنسيين.
لكن عند زيدان يبدو الأمر مستحقاً وقابلاً لأي تنازل مهما كان. وفي صحيفة «لوباريزيا» ايضاً فُتحت صفحات للحديث عنه بصيغة البطل الدائم لا حاجة لكي يكون مالكاً لكأس ثانية. هذه أمرها قد تم حسمه نهائياً، بالنسبة لهم تبدو مسألة ثانوية لا طائل منها. وفي ذات الصفحات فتحت مساحات على اتساعها تم التنويه على أنها نماذج مختصرة وللراغب في المزيد عليه الذهاب لموقع الصحيفة الإلكترونية. وكل هذا يطلب من الفرنسيين توجيه كلمات الشكر لزيدان (vous lui dites merci). أي قولوا له شكراً.
< صحيفة «اللوموند» على الرغم من الملحق الذي خصصته لمونديال 2006، إلا أنها وعلى غلافها تبدو محرجة من إظهار كل مايجب تجاه ذاك الفريق الخليط. على مساحة ربع صفحة من أولى عدد 7/7/2006 كتبت «زيدان وتيورام وبارتيز والعودة إلى نهائي كأس العالم». تتنازل «اللوموند» هنا عن ذكر المنتخب الفرنسي، وهذه كبيرة في وجهة نظر المعاديين للاستعمار الخارجي للمجتمع الفرنسي، لكنها أي «اللوموند» تستعيض ذلك بإدخال اسم بارتيز ضمن من ذكرت من اسماء، بمعنى اثنين (خليط) مقابل واحد نقي».
صحيفة «الايكيب» الرياضية اليومية وعلى الضد فردت غلافها الاولى ذو القطع الكبير لصورة هائلة تجمع بين تيورام وزيدان وفيرا، ثلاثة خليط، كتبت عليها مانشيتاً عريضاً يقول باستمرار «السلالة الزرقاء» على مدارج الاسطورة، والمناسبة صعودهم لنهائي كأس عالم لمرة ثانية.
اختطلت السلالات هنا. تماهت كلها في لون سلالة واحدة.
أحد الفرنسيين اطلق على نفسه اسم «كانوا» كتب على موقع صحيفة «لوباريزيا» الالكترونية ما يلي: «زيدان، شكراً لأسرتك التي استطاعت أن تهيئ لك قدرة على التعلم ومعرفة العيش، على الرغم من أنها عائلة تنتمي إلى «القاع»، يجب ان تكون فخورة بك». في حين كتب آخر هو زيبيزو «في 1998 كان عندي ثمانية أعوام، وبفضل رجل وفريقه الكروي تحول الشهر السابع من ذلك العام إلى عيد بالنسبة لي ليس له أن ينتهي حتى الآن. كيف يمكن لهدفين سجلهما لاعب أن يستطيعا إزالة الحواجز بين الناس والاعراق والانتماءات. لم أر اسرتي متحدة مثلما كانت ذلك اليوم.
jimy