جمال والرئيس... وأحلام المستضعفين

جمال والرئيس... وأحلام المستضعفين - عبدالكريم محمد الخيواني

على غرار «الاسلام هو الحل» اقترح زميلي وصديقي جمال أنعم على رئيس الجمهورية تدشين مشروع وطني ضخم تحت شعار «الاعتذار هو الحل»، ولم ينس تنبيه الرئيس إلى أن هذا المشروع فرصة أخيرة.
لعل جمال بروح الشاعر وسماحة الأديب وجد الاعتذار مدخلاً للحل ولسان حاله يردد مع شوقي...
رُزقتَ أجمل ما في الناس من خلقٍ
أذا رزقت إلتماس العذر في الشيم
أوربما تذكر صديقي العزيز ذلك الموقف لرئيس الجمهورية في يونيو 2006، عندما خاطب أعضاء حزبه أثناء زهده بالرئاسة طالباً السماح عن الأخطاء، وهو فعلاً موقف رائع لم يتذكره الرئيس بعد إعلانه الترشيح مباشرة... أقول ربما شجع ذلك الموقف جمال على «طلب اعتذار» من الرئيس متجاهلاً أن حكامنا لا يعتذرون ولا يجيدون الاعتذار، بل إن مفردات اعتذار، تسامح تصالح، ليست في قاموسهم، وحتى تشاور، تناصح، لم يعد لها وجود، أما الأنتقاد فيصنف في باب الخيانة والانقلاب رغم مزاعم الديمقراطية (التي هي سيئة ولكن غيابها أسوأ).
الاعتذار ثقافة غائبة في تراث القبيلة والعشيرة وهما مكونات الحاضر، والحاكم العربي يمكن أن يتنازل للخارج لكنه لا يتنازل لشعبه حتى عن الزيادة في سعر الرغيف. قد يتسامح مع عدوه المحارب لكنه لا يتسامح مع منتقدي سياسته، أو يتصالح مع مواطنيه الذين لديهم مطالب. لن أذهب بعيداً، الرئيس السادات (كبير العيلة) ذهب إلى اسرائيل ودماء شهداء مصر لم تجف، لكنه لم يقبل أن يرجع معارضو السلام وسياسته من السجون الى بيوتهم.
أنت ياصديقي وأنا كسائر المواطنين يمكن أن نعتذر ونتسامح ببساطة مثلاً قد أندفع في لحظة حُمق نتيجة دفع «أحمق» لتوجيه شكر أكثر حمقاً لمجرد إثبات غياب (الشخصنة وإثبات أني ليبرالي قح، لكن الحاكم لايمكن أن يعتذر عن التشهير بمواطن، أو تعذيبه، أو سجنه أو فصله من الوظيفة، أو قتله. الحاكم العربي يا جمال أخطاؤه مقدسة، ومظالمه مقدسة والرئيس علي عبدالله صالح حاكم عربي أصيل لم يزعم أنه مصلح أجتماعي فأنَّى له أن يعتذر.
سامحك الله ياجمال أنعم كم تفضحنا بطموحات المستضعفين، وأماني المظلومين، وآمال المغلوبين... نعم إنها كذلك وعلينا الاعتراف أن مفردة ثورة اختفت من قاموسنا كجيل، وأن كلمة ثائر لا تعني لنا اليوم شيئاً، وأن «عيسى» جمع كل ذرَّات روحه العظيمة في السماء ولم يترك منها شيئاً يلتمس على أرضنا.
لا بأس نحن هؤلاء وما «فيش» معنا إلا «الحاصل»، وهذه طموحاتنا كمظلومين ومغلوبين ولا عيب في إعلانها صريحة. لم لا تكون هدنة من الأحزان والأوجاع، والمظالم، هدنة من التفكير بالتغيير والمستقبل وأخطاء الرئيس، وفساد سُلطته؟ المعارضة بأحزابها لم تتحمل مسؤولياتها فلماذا نحملها نحن نيابة عنها؟ قيادات الأحزاب تجتهد للبحث عن ضمانات للحوار، ونحن نبحث عن ضمانات للحياة، وشتان بيننا وقادة المشترك، وبين نقابة الصحفيين التي رفعت شعار الجدران مقابل الحريات والحقوق، ومن دون الوصول الى أنابولس.
 الزميل جمال كان الأكثر جرأه في الإفصاح عن البحث عن إجازة قصيرة من الهم والفرق، لكنها رغبة من طرف واحد وطبيعة الحكم والواقع حدد خياراً واحداً: الموت مقهوراً أو مدعوساً، وميزة الموت قهراً هو أن تموت الموت واقفاً ومبكراً فقط. هذا ليس تشاؤماً فأنا من الباحثين عن السلامة أيضاً ولا أجد في طموحات المستضعفين عاراً. لإثبات ذلك سأساير جمال في غفلته، وبما أنني أحد الذين طلب لهم اعتذاراً، أطمئنه أنني ما زلت أمتلك أصابعي وإن كانت مازلت تؤلمني، فقط أتمنى أن لا تدرج إصابتي بالسكر ضمن الانجازات العملاقة... وحتى يتأكد صديقي وأنتم أني لست متجنياً على الحكام أو يائساً من عدالتهم سأبسط الاقتراح من اعتذار الى اعتراف، وأطلب من الرئيس فقط أن يعترف بأخطاء حكمه وسياساته، أن يعترف أن ثمة مشكلة حقيقية في الجنوب ومطالب حقيقية عادلة، أن يعترف أن خسارة 20 نافذاً فاسداً أهون من خسارة وطن وشعب كما قال صالح باصرة رئيس اللجنة الحكومية لمتابعة القضايا في المحافظات الجنوبية لـ«النداء» قبل شهرين، أن يعترف أن الشعب ليس شرذمة، والاصلاحات ضرورة حتميه لليمن، أن حرب صعدة التي تُهيأ لمعركتها الخامسة حرب عبثية، أن المواطنة المتساوية غائبة، والقضاء غير مستقل، وأن الفاسدين والنافذين دول داخل الدولة.. هل يعترف ويعدنا بوطن صالح للعيش، الكل فيه شركاء... هذا هو التحدي. أكاد أسمع أحدهم يعلق قائلاً: «من يقرأ لعريج خطها».
[email protected]