صحافة الإفك

عبدالباري طاهر يكتب عن صحافة الإفك

قبل أعوام تطاولت صحيفة (مجندة ونكرة) على ناشطة إعلامية وحقوقية. وقد طعنت هذه الصحيفة الممولة من الحكم، الناشطة/ رحمة حجيرة. وكان رد فعل المجتمع والرأي العام، واتحاد النساء (المرسم) ونقابة الصحفيين، والرأي العام، واهناً.
ومر القذف الفاجع والكريه دون عقاب رادع، وضاعت دعوى الداعية رحمة حجيرة في دهاليز القضاء الضعيف الفاسد واللا مستقل.
وغاب رد فعل الزملاء في نقابة الصحفيين، لأن رئيس التحرير (الصحيفة إياها) عضو في المؤتمر الحاكم وصاحب رتبة عسكرية.
 غياب رد الفعل الزاجر، وغياب العدالة، وتحريض الحكم، أو على الأقل تغاضيه، شجع على التمادي في نهش الأعراض، وقذف المحصنات، والإساءة إلى المرأة: الأم والبنت والأخت.
وقبل أكثر من عام أقدمت صحيفة نكرة ومشبوهة على سب وقذف الصحفية الشابة سامية الاغبري، ورفعت الصحفية دعوى ضد الصحيفة ورئيس التحرير، وقضت المحكمة على الصحفي منتهك الأعراض بغرامة مالية لم يلتزم بسدادها، ولم يجد من يقسره على الحق.
وقبل عدة أسابيع تعرضت الناشطة الاعلامية والعضو الفاعل في مؤسسات المجتمع المدني، توكل كرمان. وجرى تهديدها وأطفالها بالقتل، ولم يكن رد الفعل المجتمعي والسياسي والمدني بنفس مستوى التهديد المتوحش والبشع.
في الاسبوع المنصرم، شنت هذه الصحيفة حملة شعواء ضد واحدة من أشجع الداعيات لحقوق الانسان، ومنسقة المحكمة الجنائية الدولية في الشرق الاوسط وأفريقيا، متهمة إياها بقتل زوجها الفقيد والمناضل الكبير احمد طربوش الذي توفي إثر أزمة قلبية قبل أكثر من 8 سنوات. الصحيفة الممولة من المال العام والمرتبطة ببعض أجهزة الدولة اتهمت أمل الباشا بالعمالة للصهيونية العالمية واسرائيل.
مثل هذه الاتهامات لو صدرت من صحيفة أهلية مستقلة أو حزبية لقامت الدنيا ولم تقعد. ونعرف أن جل الصحفيين والصحف الحزبية والاهلية المستقلة تتعرض للمضايقات، والجرجرة إلى النيابات والمحاكم. بل وللاعتقال والاختطاف والاعتداء بالضرب، وتكميم الأفواه، والتضييق في الرزق، والحرمان من الاعلان، وترويع وتهديد مراسلي الوكالات والصحف الاجنبية والقنوات القضائية لنقدها الفساد والاستبداد.
إن الدولة وحزب الحكم الذي يدعو إلى إصلاحات في الحكم، ويعد بإعطاء المرأة نسبة 15٪_ في الانتخابات القادمة، لا يمكن أن يكون جاداً؛ فتشجيع مثل هذه الصحف القائمة على التمييز ضد النساء والممولة من المال العام والمساعدات الدولية تعكس حقيقة السلطة ذات الطبيعة القبلية والمتخلفة في مجتمع تقليدي ومحافظ. وتمثل فيه الروح القبلية والعشائرية أساس الأسرة الأبوية. فالأسرة الأبوية مدرسة القهر الاولى، فيها يعد الطفل، ولاسيما الإناث، ليقبلوا القهر قيمة داخلية يحملونها في صميم شخصياتهم، كما يرى الدكتور محمد عبدالسلام في كتابه «الجمهورية بين السلطنة والقبيلة».
 كان الرجل الجاهلي يئد المرأة. ولكن القبيلي والبدوي العربي يئد المرأة قيماً وأخلاقاً ومثلاً عليا، ولا يسمح لها بالمشاركة. وكل أنظمتنا القبلية والبدوية والغة في هذا الوأد الأسود من وأد آبائهم الجاهليين.
 تسليط بعض المتكسبين للعدوان على شرف وكرامة الناشطات اليمنيات شاهد زيف تمدن الحاكمين، أئمة كانوا أم جمهوريين. فبالأمس وصف أبو الاحرار الشاعر العظيم محمد محمود الزبيري هؤلاء الحكام الإماميين بأنهم :«يبهرون الدنيا بزورة موسكو وعليهم غبار دين ثمود».
 أما الحكام الجدد فإنهم يتحدثون عن المساواة. ويعدون ب15٪_ للمرأة. وقد يعينون وزيرة هنا أو سفيرة هناك ولكنهم يلجأون إلى أبشع الوأد للمرأة الناشطة بالطعن في الشرف ويصلون حد قذف المحصنات، كما حصل مع الناشطتين: رحمة حجيرة، وسامية الاغبري. يدرك الحاكمون وأزلامهم أن الطعن في شرف المرأة وأخلاقها سوف يردع الفتيات عن المشاركة ويدفع بالآباء والأسر إلى منع الفتيات من المشاركة أو الظهور في الحياة العامة.
العقل القبلي والبدوي عقل كيدي بامتياز. فهو يأخذ باليمين ما أعطى باليسار، ويصطاد أكثر من عصفور بحجر واحد. فالوعد (غير الصادق) بإعطاء المرأة نسبة معينة 15٪_ في الانتخابات فيه «مزاودة على المعارضة التي لم تحسم أمرها في الموقف من المرأة. كما أنه رسالة قوية للمنظمات الدولية والدول المانحة، ويظهر السلطة المتخلفة بالمظهر الحداثي والعصري والديمقراطي، ويجر المرأة الى جانبه، ويقوم في السر بتحريض الصحف الممولة بالنهش في أعراض القيادات النسوية لإخافتها وإحراقها وردعها عن خوض المعركة للمطالبة بالمساواة ومنع التمييز والانتقاص من حق المواطنة، ورفض التشريعات والقوانين والممارسات التمييزية والقامعة.
لا يستطيع هؤلاء الصغار التطاول على كرامة المرأة وشرفها دون إيعاز من السيد المعطي، ومسؤولية أدبائنا وصحفيينا والمثقفين والمحامين والنساء ومؤسسات المجتمع المدني فضح العلاقة المشبوهة بينهم والحكم. وكانت عشرات من الفتيات تعرضن لحملات التكفير والتفجيع: د. رؤفة حسن، رضية احسان، رضية شمشير، امة العليم السوسوة، ذكرى عباس، أروى الهمداني، ونبيلة الزبير، وغيرهن كثيرات. وجل الفتيات اللاتي انسحبن من الحياة العامة أو من الترشح للانتخابات قد تم ذلك بفعل التخويف بالطعن في شرفهن، وجرى الضغط على أولياء أمورهن لمنعهن من المشاركة.
إن القتال بسلاح الأخلاق سلاح من لا اخلاق لهم. والبلوى في اليمن أن تنشأ صحف وتمول من السلطة لهذه الأغراض الكريهة.
وعندما تلجأ الفتاة المقذوفة إلى القضاء، فإن التقاضي يصبح وسيلة تشهير وإساءة في مجتمع تقليدي ومحافظ. ويساعد فساد القضاء وغياب الاستقلالية في عدم الإنصاف وردع المتطاولين على الاعراض.
إن نقابات الرأي: الصحفيين والمحامين والأدباء والكتاب وهيئات التدريس والمعلمين والمفكرين والاحزاب وأهل الرأي والنساء، مدعوون للتضامن ضد هتك العرض. وينبغي على أحزاب اللقاء المشترك أن تطرح الأمر في صدارة أجندة التحاور مع المؤتمر الشعبي العام لإيقاف تمويل هذه الصحف «الخالقة» للفتنة والوالغة في أعراض النساء، وإيقاف استنساخ الصحف، وحرمان المرأة من حق المشاركة، وفضح الجهات «الخفية» التي تدعم هؤلاء الخارجين على النظام والقانون. ويمكن لمؤسسات المجتمع المدني أن تلعب الدور المهم في التصدي للحملة التمييزية ضد المرأة وتطرحها بقوة على المنظمات الحقوقية والصحفية والجهات المانحة لإيقاف هستيريا التمييز وازدراء المرأة ووصمها بـ«الدونية والناقصة» في الفكر القبلي الأبوي شديد التخلف والانغلاق.
وبغض النظر عن الخلاف السياسي فإن الغالبية في حزب الحكم لا يمكن أن تقبل مثل هذا الإسفاف والابتذال. ويدرك العقلاء أن الطعن في الأعراض وقذف المحصنات من أكبر وأخطر بوابات الفتن والاحتراب، فلا أحد يقبل أن يطعن في شرفه وعرضه.
يتوعد القرآن الكريم محبي إشاعة الفاحشة بخزي في الدنيا، وعذاب عظيم في الآخرة. ولا يمكن للعقلاء في اليمن أن يسمحوا لهذه المنشورات المريبة أن تتجرأ على هتك الاعراض، وإهدار الكرامة الآدمية وحرمة المرأة: الأم، والبنت، والأخت، فمثل هذا الاجتراء المخزي واللااخلاقي يحتاج تصدي جميع الحريصين والعقلاء سواء في المعارضة أم في الحكم.
وللجميع: أمهات وبنات وأخوات، لا يجوز إهدار كرامتهن أو ترويعهن في سمعتهن، فأين خطباء المساجد الذين لا يحزّهم مثل هذه الأمر الفاجع والخطير!؟ وأين أجهزة الاعلام «حارسة الفضيلة» الجاهزة للحسبة ضد أي كلمة نقد ضد الفساد والاستبداد!؟ وأين نواب الشعب المسؤولون عن الرقابة وإيقاف إشعال الحرائق!؟ أما مسؤولونا فلا عتب عليهم. وأين صحفيونا والأقلام النزيهة من خوض معركة دفاع مجيدة ضد هذه الذئاب الناهشة والمستبيحة.
النساء قبل غيرهن مدعوات للتضامن والاحتجاج ضد التمييز والازدراء والانتقاص، ويستطعن بالتضامن إسكات الأصوات المجرمة والخارجة عن القيم والآداب العامة.