حي على حق تقرير المصير

>  الى شهداء حرية الجنوب: بارجاء وبن همام ومحمد قائد  ووليد صالح عبادي وصلاح القحوم
قامت السلطات الأمنية «بنقل العميد المتقاعد ناصر النوبة وثمانية من قيادات مجلس تنسيق المتقاعدين العسكريين والمدنيين إلى صنعاء لمحاكمتهم أمام محكمة عسكرية» («الأيام»، 9/9/2007)*. وبهذا تمضي السلطة في زيادة الوضع في الجنوب احتقاناً فتجعله غلياناً، وهو في هذه الحال منذ الخميس الدامي 2/8/2007، ولا شك انها سادرة في الطريق الخطأ وتدفع المواطنين في الجنوب للوصول إلى نقطة اللاعودة، التي كان سببها ولا يزال عدم اعتراف رئيس الجمهورية بوجود قضية جنوبية من حيث المبدأ، ومن ثم فإنه لا يستطيع حل قضية غير موجودة، وهذا «المنطق» أسير أيام وسنوات ما بعد 7/7/94 يعض بالنواجذ على نصره، ولا يستطيع التفكير خارج هذه الدائرة. إنه يرفض رؤية الواقع بوقائعه الجديدة وتطورها السريع، ويعززها فشل السلطة في وضع حد نهائي واضح للحرب في صعدة.
أعلنت مسيرة الضالع الحاشدة، التي اشترك فيها نحو عشرة آلاف، لأول مرة مطالبة الشماليين بإسقاط النظام الذي «استوفى شروط زواله». («الشارع» 8/9/2007)، وكان هذا بلا شك اجابة على القمع الدموي لاعتصامي عدن والمكلا في 1/9/2007، اللذين عوملا بطريقة تمييزيه صريحة، إذ لم تواجه السلطة مظاهرات، وليس اعتصامات تعز وغيرها في المناطق الشمالية بمثل هذا القمع الدموي. إن الكلمات التي جاءت في البيان الصادر عن مسيرة الضالع وصف دقيق لانتقال نوعي في الموقف من النظام القائم. وهو فعلاً قد «استوفى شروط زواله» ومنذ وقت طويل، ولكن لا يكفي أن يكون النظام غير قادر على الحكم؛ بل يجب أن يكون الشعب قادراً عليه أيضاً. وعلى أية حال فان النظام يفاقم أزمة وجوده بانتظام مدهش، ويدلل على أن الغليان الذي تشهده كل أرض الجنوب منذ نحو خمسة أشهر سياسي بامتياز.
لقد بدأت قضية الجنوب مسيرتها الدامية منذ اليوم 27/4/94 عندما أعلن رئيس الجمهورية أنه وأركان حربه قد قرروا غزو الجنوب، لإسقاط صفقة الوحدة السلمية، للتخلص من الجيش الجنوبي، ومعه من وثيقة العهد والاتفاق، التي أعلن خبر إلغائها وزير خارجية النظام، قبل نهاية الحرب. وقد وصف الزميل محمد المتوكل في ذلك الوقت جيش الجنوب بأنه جيش الشوافع، وهو وصف مزيج من التبصير والتخدير والخوف.
وما أقدمت عليه السلطة العسكرية منذ 7/7/94 يشبه ما قام به بريمر في العراق بعد ذلك بنحو تسعة أعوام وإنْ كان يهتدي وهو يحل دولة العراق بما قام به الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية. لم تلغ سلطة الحرب جيش الجنوب بل وحلت البنيان الاقتصادي للجنوب لصالح الشمال: دولة وقطاعاً خاصاً، دون أن تأخذ في الحسبان أن القطاع العام الملكية الوحيدة لشعب الجنوب، وتم طرد مئات الآلاف من كل الأجهزة الإدارية. إن مجتمعاً بأكمله قد أحيل الى التقاعد، بملاكاته وكفاياته المدنية والعسكرية، فأصبح الجنوب ميدان كر دون فر لغارات التتار الجدد. واتضح أن دولة المؤسسة القبيلية- العسكرية التجارية تخلصت من نقيضها العصري والمدني لتنفرد بالحكم وتبني دولتها السلطانية، وهذا سلوك إنْ بدا أنه يناقض العصر ويستدبره إلا أنه تعبير أمين عن السياسة كما عرفتها الدويلات والممالك والسلطنات في اليمن قبل الإسلام وبعده، حيث مبدأ الغلبة هو السبب في قيام وسقوط الدول والممالك، ولذا لم تتبلور في تاريخنا «ألفة جامعة» (الماوردي) شأننا في هذا شأن كل المجتمعات قبل العصر الحديث. وما تزامن عشرات الدويلات والممالك في فترات طويلة منه إلا نتيجة لاستمرار الجزر اليمنية في العيش تحت ظلال سلطان الغلبة، الذي شكا منه الفارابي قديماً ومحمد خاتمي قبل بضع سنوات.
 استمرت الحرب بعد 7/7/94 بالوجه الآخر للمقولة المشهورة للمفكر السياسي والعسكري الألماني كلاوزفتر، فأصبحت السياسة في الجنوب استمراراً لها، والجنوب منطقة عسكرية يحكم حكماً استثنائياً وتمييزياً يخضع أهله لـ«قوانين» واجراءات ومعاملات تختلف عن تلك التي تمارس في الشمال، ويصدق هذا على الأجور والرسوم والمعاملات والضرائب، ويذكِّر هذا، وإنْ في صورة كاريكاتورية، بالفرق بين روما والمستعمرات، ولكن مع غياب القانون الروماني الذي أصبح أهم مصدر للتشريع في أوروبا الحديثة وفي أمريكا. كان على الجنوبيين منذ 7/7/94 إلى يومنا هذا مقاومة طرفي المعادلة المشهورة. استمرار هذه الحرب اليومية قرَّبهم من يقين مفاده أن فشل الوحدة الحربية فشلا مدويا وقاتلاً لا يعود الى ضلال جهة دون أخرى في الدولة، وأنه ليس طارئاً يزول إنْ زالت أعراضه، بل هو جوهر وحدة الغلبة، التي ترى أن الوحدة غنيمة والغنيمة وحدة، وأن استمرار قتلهم على الحقيقة والمجاز لن يتوقف إلا إذا ما اعتصموا براية جديدة ألا وهي حق تقرير المصير، فهي المخرج الوحيد من احتضار طال مبدداً حيوات الناس وأحلامهم وكرامتهم في جميع أرجاء الجنوب، الذي أصبح دار غربة ومذلة واستغلال بدائي، جعل أحد ابنائه يصك وصفاً لعذاب أهله: «لسعة الجوع الجنوبي» (أديب قاسم).
 كانت الحرب رصاصة الرحمة والانتصار معاً أُطلقت على وحدة دخلت غرفة الانعاش منذ يوم ميلادها، فقد كانت صفقة لم يفكر أحد طرفيها في تعقيدات البيئة السياسية فأصبح كما لو أنه يطلق رصاصة الرحمة على نفسه، ووظف الطرف الثاني كل امكانات الدولة ليشن حرباً يومية دامية وساخنة وباردة على شريكه، فبدلاً من أن تكون الوحدة تتويجاً لمسيرة رشيدة، جاءت دون مفارقة لتكون بداية صراع جديد هو استمرار لحربي 1972 و1979. وكل هذا جرى في غياب كامل لفكر سياسي يتحرك داخل سوسيولوجيا السياسة والوحدة، وهو ملمح راسخ في الوحدات والاتحادات العربية كافة على امتداد سنوات القرن العشرين. ويتم فيها دائماً طرد لمصالح الناس وانكباب نرجسي على طموح القادة أو القائد، وهذا مصدر الارتجال البدوي للسياسة وكأنه قصيدة فرضتها اللحظة.
كانت الأضلولة التي تؤكد أنه لا فرق بين الجنوب والشمال، وأنه لا يوجد نظام سياسي لا في الجنوب ولا في الشمال وإنما سلطتان طارئتان، وأن الوحدة إنما هي استعادة وحدة قائمة خارج الزمان.. الخ تغذي قراراً مضمراً ويقيناً راسخاً في الوعي القبيلي بأن الافتراس المتبادل هو محرك السياسة بعصبياتها في صورتها القديمة والمعاصرة، وجمعاً للأسد والثعلب حسب تصور ماكيافيللي للأمير، وفي صورته الخام. وكل هذا يصدر عن إلغاء للزمن، الذي شكَّل على امتداد القرون تكوينات اجتماعية وسياسية وثقافية مختلفة على غير صعيد. فالوحدة في هذه الذهنية، وهي عربية بامتياز، تلغي الاختلاف مع أنه الأصل في كل واقع وكل فكر، وهو ما أسماه الفيلسوف الألماني لايبنتز «قانون الاختلاف الشامل»، وعبره وبساطته يبحث الناس عن التعاون والوحدة لأن إلغاءه يجعل الوحدة لا تحقق إلا استبداداً، والفاجع أن هذا يلقي قبولاً لا عند العامة بل وعند من يصفون بأنهم الخاصة أو النخبة، ولذا فشلت 93 تجربة وحدة واتحاد وتعاون بين البلدان العربية في القرن العشرين، حسب دراسة قام بها مركز البحوث العربية في القاهرة قبل أعوام، وتجربة اليمن الوحدوية الدامية لم تشذ عن هذه القاعدة الإحصائية بل أكدتها على نحو همجي.
 واستمرار الكلام الرسمي عن رسوخ الوحدة رسوخ الجبال يناقضه على نحو هزلي نشر مشروع قانون حمايتها وهذه الحرب اليومية بكل الأسلحة، ووجود معظم الجيش ومعه الحرس الجمهوري وفيالق الأجهزة الأمنية الثلاثة في الجنوب. إن هذا يشبه ترديد طفل يعبر منطقة مظلمة: لست خائفاً.. لست خائفاً.
لم تع السلطة/ السلطان وشيعته غير المذهبيين أنه لا يمكن الاحتماء بالسيادة من حق تقرير المصير،فهذه السيادة الجديدة قامت أساساً على صفقة بين نظامين غير تمثيليين بل وتسلطيين، وهذا الحق هو أساس السيادة في كل مجتمع، ولا يوجد مجتمع معاصر لا يعترف بالاعلان العالمي لحقوق الانسان، كما أن كل دساتير الدول إذْ تجعل السيادة العليا للشعب وتعتبره مصدراً للشرعية تعني أن الحاكم محكوم بقرار المحكومين وسيادته تُجدد من قبلهم، ولذا قال هارولد لاسكي إن الديمقراطية هي حكم الناس برضاهم، وهذا الرضاء هو ماتفتقر اليه سلطة الحديد والنار اليوم في بلادنا، وهذا الإعلان الكبير عن عدم الرضا، يأتي بانتظام جميل وتصميم متين لا يصدر إلا عن توحد عميق ومطمئن بغاية سامية لا يكون للوجود نفسه معنى إلا بتحقيقها.
ولا يشترط أن يكون المحتل أجنبياً وجنوده وضباطه زرق العيون ليكون لتقرير المصير قوة الحق، فهو حق لا يقبل التفويت للفرد والجماعة والقوم والشعب، لأنه يستند إلى الكرامة والحرية، وحيثما لجأ الناس إلى هذا الحق فهناك خلل جلل في حياتهم، وإنما تتميز الدول بأسلوب معالجة هذا الخلل: طلاق مخملي في تشيكوسلوفاكيا واستفتاء في كندا، ومطالبة علنية في برلمان الهند، وفي البرلمان الايطالي حيث ينادي رئيس رابطة الشمال بوستي باستقلال شمال ايطاليا لأنه يتحمل أعباء إعالة الجنوب الايطالي، وهذه مشكلة بدأت منذ 1871 عند توحيد ايطاليا وعُرفت بالميزوجورنو، كتب فيها وعنها أشهر فلاسفة ومفكري ايطاليا من أمثال كروتشه ب، وغرامشي أ. هذه الأمثلة في وحدات تمت معظمها بعد حروب تحرير وطنية وحدت المواطنين، فكيف يكون حالنا في وحدة الغلبة ذات القسمات الموغلة في العتاقة، ولا تني في التحدث بالدم والرصاص والاستعلاء، من قبل كل أطرافها، وانضم علناً الى هذا السياق، تحت بيارق تستعيد مؤتمرات قبيلية بدأت من مؤتمر خمر، مؤتمر التضامن في موفنبيك ليعلن الجيل الثاني في المؤسسة القبيلية الحاكمة أنه يريد محاربة فساد هو جزء أساسي منه، وحماية الوحدة من مكائد الانفصاليين الجنوبيين. وليست هذه المؤسسة أقلية صغيرة، بل إن الوجود القبلي في الشمال نفسه لا يمثل إلا ربع السكان وربع المساحة، ولذا يتوحد بالغلبة ليعلن سلطانه، القائم على اضطهاد الفلاح القبيلي واستخدامه لحكم بقية الاغلبية العظمى في الشمال، والجنوب بعد الوحدة، فهو بكل المعايير حكم أقلوي بمصطلحات الزملاء اللبنانيين، بامتياز. شعاره الحكم في همدان.
إن حكم هذه الأقلية الذي يعلن عن نفسه بأنه الأصل الذي يعود اليه الفرع، كما قال الأحمر الأب شفاه الله ورعاه، في الأيام الأولى من عمر الوحدة الميمونة، يذكَّر بما يسميه السميولوجي الايطالي المعروف أومبرتو ايكو بـ«الواقع المفرط»، حيث يراد لما هو مزيف أن يكون حقيقياً أكثر من الواقع الأصلي، ولعل ما حدث في «ساحة الحرية» العروض سابقاً، في يومي 7/7/2007، و17/7/2007 على التوالي يقرِّب الفكرة: في اليوم الأول كان الاعتصام العظيم الذي أعلن دون جحجحة ارادة شعب،واجه المواطنون العزل فيه الرصاص والسيارات المدرعة والشتائم المقذعة، فكان واقعاً حقيقياً، وفي الثاني نظمت فيه المحافظة ومندوبها السامي احتفالاً بيوم الديمقراطية، ورغم الحشود والضجيج بدا واقعاً ينقصه الروح وحرارة الحياة ودمها، ولذا فهو «واقع مفرط» أخرجه إلافراط من الواقعية والعينية.
إن حق تقرير المصير يواجه رفضاً شرساً من قبل ملك المغرب ليس لأنه أمير المؤمنين وضامن الدستور فحسب بل ولأنه منقوع في الثقافة السلطانية مثل والده. بينما تدل كل الدلائل والقرائن على أنه مخرج حكم في حال المغرب وحالنا، وتجاوز لاحتقان تاريخي في تاريخنا المشترك، وبداية لدخولنا في العصر الحديث. وهو دائماً أقل ضرراً من حيث التكاليف المادية والمعنوية.
لا يمكن الالتفاف على المقاومة بالاستنساخ، فالشعب في الجنوب رغم كثرة الحديث في السلطة والمعارضة عن غياب عصبية جامعة موحدة، هو اليوم في ذروة تماسكه وتوحده تحت راية معركة المصير، ولن يجدي فتيلا أن يقول إعلام السلطة أن امريكا وراء تمرده وغضبه السلمي، فالولايات المتحدة حليفة وراعية النظام والحامي تحت راية مزورة هي المشاركة في الحرب على الارهاب، حربها لا حربنا، التي استبدلت فيها بالملاحقة البوليسية حرباً على افغانستان والعراق، بينما كانت هذه الملاحقة كافية إنْ كان المقصود مكافحة الارهاب حقاً.
بدأت امريكا وأوروبا تدرك بإجماع محلليها السياسين والاقتصاديين أن النظام يستعصي بإصرار راسخ على الاصلاح والتطوير، وأنه ثقب أسود، سياسي اجتماعي، يبتلع بقدرة متسارعة أي جهد رشيد يمده بأسباب البقاء لصالح حكامه والغرب. إنه يذكرني بما كتبه مرة في السبعينات الباحث الامريكي بوروز عن السعودية في سياق تحليل لأوضاع اليمن: يجب إنقاذهم من أنفسهم. وهذا محال، لأنه لا يمكن انقاذ إنسان فرد أو جماعة أو نظام من نفسه.
إن رسالة الراحل العطار التي وجهها إلى بطرس غالي الأمين العام للأمم المتحدة في 7/7/94 وكان رئيساً للوزراء بالإنابة، والتي أوردتها في غير موضوع، يرجح أنها كتبت بتوجيه امريكي لتنظيم العلاقة بين المنتصر والمهزوم في الحرب، وتعامل معها حكماء النظام بحكمة «ما بدا بدينا عليه». وها هو يبدو باتساع الأفق السياسي.
إن الذي يفرض ايقاع السياسة الآن هو مقاومة الجنوبيين الرائعة لسلطة جريئة على الظلم والضلال، وإذا كان المجتمع الدولي سيمارس ضغطاً لإيجاد مخرج للنظام المرتبك والمسعور فإن ذلك من طبيعة الأشياء، فهو نفسه جاء بتأييد أمريكي باسم الاستقرار الذي بدأ الحديث عنه بوش الأب في العام 1988 عندما زار مأرب لاعلان بداية ارتفاع نافورة النفط في (ج ع ي) وكان واضحاً في شرح شأن سياسي يرقى الى البداهة عن ضرورة الاستقرار لحماية نفط الخليج العربي وإذا ما أصبح هذا الاستقرار مهددا من قبل النظام القائم وحكمائه في الدائرة الصغيرة المغلقة التي لا تحاور إلا نفسها فإن الواقع الجديد الذي يفرضه نضال الجنوبيين للظفر بحقهم في تقرير المصير هو صاحب الفضل في اقترابهم من حلمهم، وليس النوايا الطيبة في الغرب أو إيمانهم المجرد والمطلق بحقوق الانسان. ومن حق الجنوبيين أن يوظفوا كل تطور او تغير في الوضع الدولي وميكانزمات المجتمع الدولي لتحقيق مطالبهم/ مطلبهم.
 تنسى أو لاتعرف دولنا العربية أنها نتاج توازن دولي في صيغة صريحة كما في اتفاقية سايكس - بيكو، أو في تحويل قبائل وآبار نفط الى دول برآيات وعضوية في الأمم المتحدة. وفي حالنا لن يكون الحل خارجياً كما حدث في العراق، الذي جلب الاستعمار الداخلي فيه الاستعمار الخارجي، فكانت إعادة استعماره الهمجية الدموية على يد أمريكا ورئيسها المسدس بوش الابن.
إن أزمة الوجود تحاصر النظام من الشمال ومن الجنوب، والطبقة السياسية في الشمال تعادي حق تقرير المصير وتبدو متحالفة مع النظام لدرء شرور الانفصال، فمغانم الوحدة موزعة لا على القاعدة الاجتماعية السياسية للنظام بل واغترف من بركاتها كثيرون من خارجها، فالوحدة القائمة بنزوعها القبيلي الحصري العميق جعلت كل جنوبي تقريباً خاسراً وكل شمالي تقريباً غانماً عبر سلسلة من التمييزات في حياة كل يوم، ولم يفكر ساستها ولو لحظة واحدة أن الجنوب يمكن أن يكون رافعة تطور للبلاد كلها بفضل كفاياته وثرواته وموقعه.. فهذا ليس هماً بالنسبة لها. ولم تكن الوحدة العصرية هماً للفئات والطبقات التقليدية في أي مجتمع عربي، ولا سيما في اليمن.
الثقافة السياسية التي تحكم سلوك الفاعلين السياسيين في بلادنا العربية، وفي مقدمتها اليمن، لا تسمح ببناء دولة بله أن تكون أساساً لدولة حديثة ومشروع نهضة، وإلا ماكنا في نهاية قوائم التقديرات الدولية في كل صعيد: الأمية والبطالة ونوعية الحكم والحياة والحريات. إن السلطة تتحرق شوقاً الى محاكمة نفسها. فليكن لها ما تريد.
إن الذين تزمع السلطة محاكمتهم أمام محاكم عسكرية سيدفعون بحق تقرير المصير، وعندئذ ستنتقل القضية برمتها إلى المستوى الدولي لتغدو صفحة جديدة في ملف مفتوح، زادت رعونة النظام من مشاكله بالاحتفاظ به مفتوحاً وقتاً طويلاً وأضافت اليه مشاكل جديدة.
10/9/2007
 
* تبين أنهم في سجن رأس مربط، وهو سجن بريطاني استضاف رجال الحركة الوطنية والنقابية في أيام الحكم الاستعماري، واشتهر بأنه من أسوأ سجون الامبراطورية التي غربت شمسها.