بعد الأحداث التي أعقبت مباراة حسان.. الكرة في ملعب السياسة

بعد الأحداث التي أعقبت مباراة حسان.. الكرة في ملعب السياسة

-  أبين - صالح علي
شهرين أو يزيدان قليلاً، كانت أبين مسرحاً لكثير من الأحداث، جعلتها في صدارة اهتمام الأوساط السياسية والإعلامية، طوال المدة تلك.
ومع سير الأوضاع خلال الأيام القليلة الماضية بإتجاه العودة إلى التهدئة، كانت أحداث الجمعة الأخيرة بمثابة الصدمة، أحداث جاءت نتاج سوء التقديرات لحساسية الوضع الذي تعيشه أبين، حتى بعد تلاشي إعصار أحداث السبعين اليوم الماضية.
فجمر الاحتقان الذي ما زال يسكن ثنايا رماد الهدوء النسبي الذي تشهده أجواء المحافظة، ينذر بانتكاس الأوضاع في أية لحظة.
لكن لم يكن في الحسبان أن الانتكاسة قد تخرج من مدرجات الملعب الرياضي. خصوصاً وأن هناك انطباعاً سائداً لدى السياسيين أن رواد مدرجات الملاعب في مجملهم، هم من الذين لا يأبهون للسياسة.
فجمهور «حسان»، الفريق الذي يمثل أبين في دوري الأضواء، كان يرى أن الحلم بالفوز ببطولة الدوري ما زال متاحاً، رغم ما يراه أن جهات تسعى لعرقلة حسان، بهدف إفساح المجال لأهلي صنعاء.
هذا الاعتقاد جاء بعد عرقلة مخصصات نادي حسان والمماطلة في صرفها، تلك المخصصات الممنوحة له من صندوق النشء؛ خصوصاً وأن تلك المخصصات هي مصدر حسان الوحيد مالياً، وبعد صرف مستحقات كافة أندية المحافظات الأخرى.
دخل الجمهور ليلتها مسكوناً بهاجس المؤامرة على ناديه، ليكتشف أن حكم المباراة ومراقبها أيضاً من صنعاء، وبحسب فنيين بكرة القدم أن الحكم قد تجنى على حسان بعدم احتسابه ضربتي جزاء.
الشكل أصبح يقيناً الآن، هكذا رأى جمهور حسان. يقين لم ينقصه إلا ذلك الإشتباك الذي حصل بين أحد أفراد الأمن ومشجع من جمهور حسان، كي يغرق الملعب بطوفان غضب، بجمهور أدرك أن الحلم بالفوز بالبطولة الذي انتظره طويلاً، قد طار فجأة. الأمن الذي يبدو أنه قد تنبه لحساسية الأوضاع بعد ثورة الغضب التي اجتاحت الملعب، حاول تعزيز القوة المتواجدة بمزيد من الأفراد والأطقم العسكرية، خصوصاً بعد استمرار ثورة المشجعين حتى خارج الملعب. قوات الأمن استمرت بمرافقة الغاضبين بهدف تفريقهم، زادت الطين بلة، فإطلاق الرصاص بكثافة ومسيلات الدموع زاد من تأجيج الموقف.
سار الجمهور الغاضب باتجاه الشارع الرئيسي لمدينة زنجبار. عاصمة المحافظة، واستمرت ملاحقة قوات الأمن له.
لكنها لم تمنعهم من الهتافات التي رددوها، ولم تحم المحلات التجارية والباعة على الرصيف من عبث المحتجين، فقد استهدفت بعض المحلات التجارية والسيارات، وتم العبث ببضائع باعة الرصيف ونهب بعضها أيضاً.
ما نستطيع الجزم فيه أن الغضب الذي شهدته الجمعة في العاصمة زنجبار كان عفوياً، لا يختلف عن شغب الملاعب الذي قد يحدث في أي مكان وزمان. ولكن ما غير مجرى هذا الشغب كان الوضع الاستثنائي للأجواء العامة في المحافظة.
فالشعارات التي رددها المحتجون ضد وحدة الوطن وضد الرئيس، كانت ردة فعل على ما جرى في المباراة. وما كان يعتقده الجمهور المحتج الذي رأى أن فريقه قد استهدف وأبعد عن بطولة الدوري بمؤامرة، بالإضافة إلى تأثر الجمهور المحتج بأجواء الاحتقان التي تشهدها المحافظة جراء الأحداث السابقة.
المظاهرة الاحتجاجية تلك أبرزت ظاهرة جديرة بالاهتمام والبحث، وتكشف قضية غاية في الخطورة، فالمحتجون في مجملهم، إن لم يكن جميعهم، هم من أبناء التسعينات، أي: جيل 22 مايو 1990م وما بعد، الذين لم يعيشوا زمن التشطير ولاتربطهم صلة من أي نوع، بزمن ما قبل الوحدة.
السؤال الذي نحن في حاجة للإجابة عليه هو: من أين جاءت هذه النزعة لأبناء جيل الوحدة؟
الجيل الذي لا يعرف عن التشطير إلا من حكايات الآباء ومن بعض دروس القراءة.
لقد أثبتت هذه الظاهرة للشباب المحتج أننا قد فشلنا في خلق ثقافة تكرس قيم الوحدة في وجدان الأجيال الجديدة، فشلنا في ذلك كما فشلنا حتى في توحيد المعاناة، فمعاناة المواطن في كافة محافظات الوطن واحدة في مختلف جوانب الحياة، إلا أننا نلحظ أن هناك انقساماً حتى في الإحساس بالمعاناة.
ما جاءت به مظاهرة الجمعة يدعونا للوقوف بشجاعة لمواجهة حقيقة، قد لا نحب الاعتراف بوجودها، لكن لم يعد تجاهلها هو الحل؛ فالظاهرة جديرة بالبحث والدراسة لتشخيص الأسباب ومعرفة إخفاقاتنا التي كنا في غفلة عنها طوال سبعة عشر عاماً.