أنقذوا رأس الخيواني

أنقذوا رأس الخيواني - ابوبكر السقاف

«التهمة الموجهة للخيواني، هذه المرة، هي العلاقة بما تسميها السلطات «خلية صنعاء الحوثية الثالثة»، وهي التي بدأت وسائل إعلام الحكومة التحدث عنها ونشر أسماء أعضائها عقب اعتقال الخيواني وفي سياق تبرير اعتقاله.
رئيس الجمهورية شخصياً أبلغ قادة المعارضة بهذه التهمة، معتبراً الخيواني جزءاً من مخطط سري لقلب نظام الحكم وإعادة الإمامة إلى الحكم... وإذ تحدث الرئيس عن مجلس إمامة سري داخل البلاد، فقد اعتبر أن عبدالكريم الخيواني هو الأب الروحي لخلية صنعاء الحوثية التي كانت تخطط لأعمال عنف». (صحيفة «الشارع»، 23/6/2007).
هذه أفضل تغطية كاشفة قرأتها في الصحافة اليمنية لحادثة اعتقال الخيواني.
وهذه الاتهامات التي أطلقها رئيس الجمهورية تكفي للحكم بالإعدام غير مرة.
المطلوب هذه المرة رأس الخيواني. ويرى المحامي محمد المرتضى أن الطريقة التي تم بها اعتقاله في غرفة نومه، وهجوم ثلة من رجال الأمن القومي عليه وهو بملابس النوم يهزون رأسه ويجثمون على صدره ويشدونه ذات اليمين وذات الشمال، إنما هي شروع في القتل، لا سيما وأنهم قالوا له إنهم يعرفون أنه يعاني من مرض في القلب. كان المشهد المروع هو ما لم تتحمله أعصاب ابنته هبة (7سنوات) فأُغمي عليها، وهذا دفاع الحياة في الكائن الحي عندما يداهمه ألم إن لم يتجنبه بالغياب يفقد الحياة نفسها. هبة، الزهرة الصغيرة، أصيبت برضَّة نفسية سوف تلاحقها مدى الحياة. و يؤكد علم النفس أن الذاكرة بعد الخامسة لا تنسى.ولا بد من محاكمة الجناة أمام قضاء عادل. يتكرر تعذيب الأطفال مع كل اعتقال تقريباً.وقد روع ابن الزميل سعيد ثابت قبل نحو ثلاث سنوات وإن بصورة أقل بشاعة. وهناك عدد كبير من الأطفال الحوثيين في السجن.
نعم، المطلوب رأس الخيواني. وجاء اعتقاله بعد الفرحة التي عمت البلاد بعد إيقاف نزف الدماء في صعدة. وقد ضربت السلطة/ السلطات، عرض الحائط وطوله بتعهدها الدولي في اتفاقية وقف اطلاق النار، حيث تنص على أن العفو يشمل الجميع باستثناء من تحقق النيابة معهم. وعلى فرض ان الخيواني من الحوثيين، وهو أمر لم يقم عليه برهان قاطع واحد، فإنه يكون مشمولاً بالعفو المذكور، وهو الذي اعتقل بعد الاتفاق. ولكن السلطة عودتنا على أنها لا تحترم شيئاً سوى رغبتها في الانتقام والتنكيل بخصومها. تمديد الاعتقال شهر إنما هو البداية.
أما القضاء، فإن أدق وصف له قدمه المحامي محمد ناجي علاو، بعد خبرة طويلة ونشيطة في مجال الدفاع عن حقوق الانسان، عندما قال إنه يتلقى أوامره من الأمن السياسي.
إن رفع سقف الدفاع عن حياة الخيواني يجب أن يصل إلى الحد المطلوب لإنقاذ حياته، لأن من يطلب رأسه قدم على أنه نجا في الاعتقال السابق من الموت لأن السجناء دافعوا عنه بعد أن سقط على إثر ضربة قوية وجهها إلى رأسه سجين محكوم بالإعدام. وهو مشهد يعيد إلى الذاكرة مشاهد من أفلام الواقعية الايطالية الجديدة التي تقدم تاريخ ألمانيا في إيطاليا.
إن القوانين اليمنية بالنصوص وظلال المعاني ومجالات التفسير بل والتأويل التي لا تتناهى فيها تضمن صدور أحكام ظالمة لإزهاق أرواح البشر في هذه البلاد، الذي كان القضاء فيها ولا يزال أفعل وأفتك أدوات السلطة لشن حرب متصلة على المواطنين في الصعد كلها وبنجاح منقطع النظير.
هذه كلمات موجهة إلى من يدافع عن حق الإنسان في الحياة والمحاكمة العادلة في هذه البلاد، وإلى لجنة حقوق الإنسان اليمنية في كندا ونظريتها في بريطانيا.
وإلى المفوضية العليا للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف، والعفو الدولية في لندن، وهيومن ووتش في نيويورك، وإلى المنظمة العربية لحقوق الإنسان في القاهرة، والمنظمة العربية لحقوق الإنسان في فرنسا، والى الزميل هيثم مناع في باريس، وإلى جميع منظمات حقوق الإنسان في البلدان العربية في المشرق والمغرب.
قتل الأبرياء في ساحة القضاء يبدو من بعض الوجوه أشد هولاً من القتل العشوائي في ميادين القتال «ليس هناك من يكوِّن جزيرة وحده. إنه جزء من الكل... فلا تسلني لمن تُدقَّ الأجراس، إنها تدق لتنعاك» الشاعر الانكليزي المتصوف (جون دون).
30/6/2007
 
 
 
أحمد سيف حاشد -  ابوبكر السقاف
 

للمرة الثانية تعاقب السلطة التنفيذية النائب  أحمد سيف حاشد. وهي السلطة الوحيدة في البلد، فالنظام في اليمن السعيد بحكامه قائم على الجمع بين رئاسة الجمهورية والقيادة العليا للجيش، وهذا رفض من نقطة البدء للدولة المدنية، ويصبح الحديث عن الدستور ونظائره، والنظام الجمهوري أو الرئاسي هرير كلام وأضغاث أحلام، لأن طبع السلطة/ السلطان القائم على مبدأ الجمع بين الرئاستين بجعل الاحتكام إلى القوة المجال الوحيد المفتوح على باب التغيير وفي مقدمته التغيير بالجيش وثبت أنه أسوأ أنواع التغيير في المشرقين والمغربين.
إن المفارقة الساخرة أن عضو لجنة الحريات في مجلس النواب، جرى الاعتداء عليه وهو يمارس مهاماً هي من صميم اختصاصه بما هو  نائب وصاحب صحيفة. ولم يسفر التحقيق في الحادث الأول عن شيء رغم مضي عام، وها هو الحادث الثاني يتعثر التحقيق فيه. وهذا ازدراء من قبل الهيئة التشريعية لحقوق النائب بلغ مداه، وهل يمكن لهذه الهيئة ان تكون جادة في غير هذا من الأمور وهي لا تحرص على الدفاع عن حرية وكرامة وسلامة عضو عامل فيها؟
يبدو أن مجلس النواب راض أن يكون تابعاً للسلطة الوحيدة في البلاد، وكنا نظن أنه لم يتدخل في أحداث صعدة الدامية لأن الأمر يتعلق بالسياسة والسيادة العليا وهي في بلادنا أغمض من الغموض  و«حاجة تلخبط اللخبطان» كما يقولون في مصر، ونتائجها غاية في الوضوح البشع وعلى كل الصعد. أما أن تصل التبعية إلى العجز  الكامل عن نصرة  عضو من أعضائه يبدي اهتماماً صادقاً بالشأن العام ويشارك في نشاط المجتمع المدني ليثبت أن السياسي والمدني وجهان لأي مجتمع ينشد السياسة المدنية والعقلانية السياسية، فإنه أمر تجاوز كل تشاؤمنا.
إن الانتصار للنائب الشجاع المضطهد واجب كل برلماني، فذلك ليس أمراً يوجبه الدفاع عن الحق والحقيقة بل وبه يرتبط مصير مجلس النواب، الذي عليه، حتى يحظى بالاحترام والثقة من المواطنين، ان يكون سباقاً إلى ساحات الدفاع عن الحق ونشدان العدل، فهل يتحرك النواب؟ وهل يشكون في أن كرامة النائب أحمد جزء لا يتجزأ من كرامتهم جميعاً؟ إن سلوك مجلس النواب يثبت أنه لا يريد أن يكون إحدى السلطات، وأنه  راض قرير العين بمكانه في النظام السياسي وهو بائس يشبه  العدم.
أما النائب احمد سيف حاشد فإن تقدير الرأي العام له وكذلك هيئات المجتمع المدني الفاعلة يزداد كل يوم. ولك التحية والإعجاب والتضامن.

غرة تموز 2007
 
 

أخرجوا الأمن السياسي من الجامعات(1).. سندس العطاب ترفض التلقين(*) - أبوبكر السقاف
 
يعتبر رئيس الجمهورية الجامعة جزءاً من دائرة الأمن الشخصي فيلحقها بمنطقة السيادة التي يشرف عليها بنفسه. ولذا لا تملك الجامعات حق انتخاب رؤسائها، لأنه رئيسها كلها، وليست رئاسة رمزية مثل تلك التي تمارس في الملكيات الدستورية على الكنيسة وبعض المحافل، بل ممارسة تجعلها جزءاً من قصوره واستراحاته وطائراته. والجامعات هي «عقل الأمة» ومراكز يتخرج فيها قادة المجتمعين المدني والسياسي. ورغم تكاثر رؤساء الجامعات الذين يحتفظون في فترة انتدابهم لرئاسة الجامعة برتبة في الأمن السياسي أو القومي، بعد أن كان أسلافهم يوجهون بالتلفون وهمسات المقايل، إلا أن غرف الأمن بالجامعات لا تزال في ذروة نشاطها. وهذا جزء من الدولة الأمنية وهي قفا الدولة السلطانية العربية المعاصرة، إذا صح أن وجهها هو الرئيس، وكلا الوجهين نتاج لقاء آثم بين السلطة الرئاسية ورئاسة الجيش. فلا يمكن والحال هذه إلا أن تنشر شرور السلطة القوة في كل الجسم الاجتماعي والسياسي والتربوي. ولذا فإنه بدلاً من التخبط في دائرة مضحكة من الاقتراحات، علينا أن نتوجه رأساً إلى رأس الأفعى: إخراج الأمن السياسي من الجامعة واستقلالها، بدء، بانتخاب اعضاء هيئة التدريس رئيس جامعتهم، وكذلك العمداء ورؤساء الأقسام، وكل ما خلا هذا قلب لهرم الأولويات وقبول بواقع الحال. وإعادة النظر في قانون الجامعات الصادر بعد الحرب/ مايو 1995. نشرت الصحف أخباراً عن اضطهاد بشع للطلاب والطالبات في غير جامعة للدولة (تسمى «حكومية» وهذا خطأ) وما حدث في جامعة إب يستحق أن نقف عنده لأهميته من وجهين (حرية الطالبة والطالب، وهمجية اساليب التربية العلمية والسياسية وفق منطق الحصان، وهو يعارض كل منطق يمتلك ابجديات التعليم السليمة وقواعد التربية والبحث العلمي والإدارة الانسانية.
تشير إفادات المحامي ناشر الشجاع (هود) -وله التحية والتقدير وللمنظمة التي ينتمي إليها- إلى الوقائع الآتية: أفاد رئيس جامعة إب أن الطالبة وزعت منشورات تسيء إلى الجامعة. كذَّبت الطالبة ذلك. رفض عميد شؤون الطلاب قرار القضاء الذي يقضي بعودتها وحقها في الامتحان. وأضاف: «هذا قرار يتم شراؤه ب500 ريال من أمام بوابة المحكمة». عميد العلوم: «أنا لا أقبل أي توجيه أو أمر من خارج رئاسة الجامعة». وعند فحص الوقائع يتضح أن هذا الاستقلال المبالغ فيه إلى درجة الانتفاخ للجامعة ليس إلا ذروة عبوديتها. فالقضية كلها بدأت كما يحصل يومياً من رفض الطالبة أن تلقي اجابات محددة تقولها في حلقة للفضائية اليمنية، وكانت هي وغيرها من الطلاب والطالبات يتعرضون للتهديد من قبل الأمن السياسي بالجامعة بأنهم وأنهن يشكلن «تجمعات مشبوهة» أو بالحوثية، التي تسمم حياة المجتمع كله لأنها تتيح فرصة ذهبية للأجهزة وأحبابها وأصحابها.
الأمر على بكرة أبيه بيد أمن الأمن السياسي، وما الإدارة والأساتذة الاداريين إلا بيادق في الإدارة الأمنية للجامعات، وهي آخر مجال تصلح له، وهي في أساس تردي العلم والتعليم والخلفية السياسية في جامعاتنا ومن ثم في مجتمعنا.
رفض الطالبة سندس التلقين يدل على شخصية مستقلة لا تقبل أن تعامل وكأنها طفلة تقدم باقة ورد لرئيس الجمهورية أو غيره في حفل قص الشريط/ الاشرطة، وهو فعل لا متناهٍ ومؤشر الى أن السلطة والسلطان عازم على تأبيد مشاكلنا.
هذا السلوك الايجابي منها يدل على أنها لا تقبل التلقين في مسار العملية التربوية والعلمية والتعليمية، لأنه نقيض كل منهج علمي يعيها جميعاً، فوظيفة التعليم من الأولي إلى العالي تعليم المنهج وتمكين الطالب/ الطالبة من اكتشاف قدراته، أي نقض التلقين الذي تبدأ معه وظيفة التعليم في بلادنا والبلدان التي تشبهها أي القمع لأن هدف التعليم الحفاظ على الواقع وإعادة إنتاجه في ثباته، والحيلولة بينه والحركة والتطور والتغيير.
سندس معارضة بالتعريف لواقع الجامعة الذي يتضافر فيه التربوي - التعليمي، والأمني، في تواشج لا يقبل التفريق، ولا يستقيم التعليم إلاَّ بإلغاء هذه الوحدة الآثمة. قبل عامين فصلت طالبة إعدادي مصرية لأنها كتبت في موضوع الإنشاء كلاماً فيه نقد لأمريكا. إنها طالبة صغيرة، كبيرة في عين الرأي العام المصري. وهبَّ عشرات الصحافيين للدفاع عنها، فأصبحت قضية عامة بجدارة. وهذه الحادثة تؤكد أن التعليم في الدولة السلطانية، وإن تعددت مسوحها وقسماتها وديكوراتها، له الوظيفة نفسها: القمع، ويسخّر كل الأدوات والإمكانات والطاقات لهذه الغاية التي لها الأولوية على العلم والتعليم وترقية العقل البشري والخلق والسلوك الجميل. كل هذه القيم تصيبها وظيفة التعليم الأساسية في مقتل. ونتساءل: لماذا تقدم الناس في اليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا والهند والصين... إلخ ونحن في مستنقع الجهل وأكثر الشباب أمية بما في ذلك المجمتعات العربية التي بدأت تتطلع للنهوض منذ نحو قرنين من الزمان. التعليم هناك رافعة تقدم وباب نهضة يتسع لدخول ملايين الصغار والكبار إلى عالم المعرفة /الحرية، وليس مفارقة أن طلابنا وطالباتنا والأساتذة يدخلون الجامعة من أبواب حديدية صغيرة جانبية والباب كبيراً موصد دائماً برتاج ثقيل. وبخروج الأمن من الجامعة سوف تفتح كل الأبواب على اتساعها.
وللعزيزة سندس التقدير والإعجاب والمحبة والتضامن. ولأسرتها التحية.
24/6/2007.
 
* حتى الموتى من البالغين ذكوراً وإناثاً، يلقنون بعد دفنهم. ونحن نتلقى القرآن من القارئ، في الأغلب, وتفوتنا الوصية/ الحكمة: إقرأ القرآن كأنه أنزل عليك. ثقافة الأذن طاعة, والقراءة فعل تحرر وتفكير.