قرأت وأقرأ: تفكيك الخوف السياسي

قرأت وأقرأ: تفكيك الخوف السياسي - عمر كوش

لا يأتي الخوف من فراغ. بل هناك مشكلة ما، في مكان ما، تجعلنا نخاف. ولا شك في أن الخوف السياسي سببه الاستبداد والطغيان، وينشأ نتيجة مشاكل بنيوية داخل الدولة ونظام الحكم قبل كل شيء. وحل مشكلة هذا الخوف لا تتم إلا عبر حلّ اسبابه، عبر العمل للوصول إلى مجتمع ديمقراطي، لا يكون فيه الخوف اساس اي نقاش سياسي، ولا يكون كذلك أساس أي نقاش ديني أو أخلاقي، وأن تكون الديمقراطية والحرية هما أساس أي نقاش، وأن تكون المساواة والعدل اساس التعامل مع الأفراد والجماعات، وأن لا تتم معالجة أي مشكلة وكأنها مواجهة بين طرفين تحولها إلى سباق بين منتصر ومنهزم.
في كتابه «مقالة في العبودية المختارة»(ترجمة مصطفى صفوان، منشورات الجمل، 2005) يفكك «إتين لابويسيه» العلاقة الجدلية ما بين الاستبداد والعبودية، ويحتفظ براهنية منقطعة النظير بالرغم من انقضاء ما يقارب خمسة قرون على زمن كتابته، لكنها راهنية عربية على وجه الخصوص. وكأن النص كُتب كي يحلل -معرفياً- تركيبة انظمتنا السياسية الراهنة وظاهرة الخوف السياسي في معظم بلداننا العربية.
ويعتبر النص مثالاً على النصوص المفتوحة على الزمان والمكان، وبما يجعله طازجاً حتى في أيامنا هذه. والسبب في ذلك هو استناده إلى منهجية تحليل نقدي تطاول بنية الاستبداد وعلاقاته البيئية، عبر الحفر في طبقات معرفية متعددة، والغوص عميقاً في طبقات اللا وعي الجمعي بغية الوصول إلى تحليل طبيعة الخوف والخنوع، والعلاقة ما بين الاستبداد والعبودية.
وينظر لابويسيه إلى الجدل حول ما إذا كانت الحرية حقاً طبيعياً أم لا، بوصفه تحصيلاً للحاصل ما دمنا لا نسترق كائناً دون أن نلحق الأذى به، وما دام الغبن أكره الاشياء إلى الطبيعة التي هي مستودع العقل. إذاً يبقى أن الحرية شيء طبيعي، ويبقى بهذا عينه أننا لا نولد احراراً وحسب، بل نحن أيضاً مفطورون على محبة الذود عن الحرية. لذلك طالما بقي بالإنسان أثر من الإنسان فهو يقيناً لا ينساق إلى العبودية إلا بواسطة أحد سبيلين: إما مكرهاً وإما مخدوعاً.
تحليل لابويسيه للعبودية يستند إلى مسألتي: الإكراه والخديعة. والتاريخ الإنساني حافل بالأمثلة، إذ كثيرة هي الشعوب التي استمرأت عبوديتها ماضياً وحاضراً، ووصل الخوف فيها إلى درجة الاستلاب، وفقدت ليس فقط حريتها، بل القدرة على الاستيقاظ لاستردادها، حتى ليهيأ لمن يراها أنها لم تخسر حريتها بل كسبت عبوديتها. ويمكن ان ننهل من الواقع العربي المعاصر أمثلة عديدة على ذلك، حيث تعددت صور الخنوع والعبودية للطغاة، الذين تعددت أوصافهم وثقلت ألقابهم من «القائد الملهم» و«القائد الضرورة» و«القائد الخالد» و«الأب القائد»...!
> نقلاً عن «السفير»