مذلّّون ومهانون.. ولكن - د.

مذلّّون ومهانون.. ولكن - د. سعودي علي عبيد

في العدد (1023) من صحيفة "الصحوة"، استمتعت أيما استمتاع بقراءة الحوار الجميل، الذي أجراه الصحفي راجح بادي، مع أستاذ العلوم السياسية والسياسي الدكتور محمد عبد الملك المتوكل. وتناول هذا الحوار مجموعة متشعبة من المسائل السياسية التي تخص واقعنا الراهن. وقد اتسمت ردود الدكتور المتوكل في مجملها بالموضوعية والصدق والصراحة، وهي سمات عهدناها فيه باستمرار، كما أنها وليدة عناصر كامنة في شخص أستاذنا الجليل، ناتجة عن خبرة سياسية طويلة، واستيعاب جيد لمجال تخصصه، بل واحترامه له في الوقت نفسه.
ومع احترامي وتقديري للآراء والأفكار التي وردت في الحوار المشار إليه، فإني استميح أستاذنا بطرح بعض الملاحظات التوضيحية السريعة على مسألتين اثنتين، تضمنهما ذلك الحوار:
المسألة الأولى: خاصة بتأييد الدكتور المتوكل مشاركة تكتل اللقاء المشترك في الانتخابات الرئاسية والمحلية في هذا العام.
المسألة الثانية: اعتراف الأستاذ المتوكل بمعاناة الجنوبيين.
فيما يخص المسألة الأولى، في البداية أبدي احترامي لرأي الدكتور فيما يخص تأييده للمشاركة في الانتخابات المذكورة، وبما يعني عدم تحبيذه مقاطعتها. واحترامي هذا نابع من هدوء طرح الفكرة ووجاهة التبرير، بغض النظر عن اختلافنا حول موضوع المشاركة، من حيث عدم جدواها من وجهة نظرنا، كما سنوضح ذلك لاحقاً.
ولأن هدفي في هذه المقالة، هو التركيز على المسألة الثانية، لذلك استميح أستاذنا العزيز عذراً للاطلاع على موقفي من مسألة الانتخابات في مجموعة من المواضيع المنشورة، مثل:" المعارضة.. والسير على أربع" (النداء: 53)، و" لذلك كله.. فلنقاطع الانتخابات" (النداء: 56)، ومناقشتي لمبادرة الدكتور عبد الله الفقيه، في صحيفة الوسط في العددين (101، 103). ومع ذلك فإني أود أن أضع بعض الملاحظات السريعة، مع التركيز على التطورات الأخيرة الناتجة عن الاتفاق الموقع بين الحزب الحاكم( المؤتمر الشعبي العام) وأحزاب اللقاء المشترك:
1- أنا مع الدكتور المتوكل في وجوب أن تكون مقاطعة الانتخابات إيجابية، أي أن تكون شاملة وعامة لكل أحزاب المعارضة، وكل الفعاليات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى، التي لها موقف سلبي من النظام السياسي الحالي.
2- إن أية مشاركة في ظل الظروف والأوضاع والشروط الراهنة، ما هي إلا انتحار للمعارضة بكل أطيافها وألوانها، وستكون المعارضة بهذا الفعل، قد حفرت قبرها بيدها، ودفنت معها أية آمال لهذا الشعب في الحرية، وتكون الانتخابات قد تحولت من وسيلة إلى غاية، ولكنها –للأسف- مميتة.
3- وبما أن الاتفاق الذي تمّ التوقيع عليه بين المؤتمر وأحزاب اللقاء المشرك في 18/6/2006م، هو أقصى ما حققته المعارضة بعد الصراع الماراثوني الطويل مع السلطة، فإن ذلك هو الكارثة بعينها، وإن ذلك يعني الآتي:
أ- إن العملية قد جرى قصرها على الانتخابات، ووفق الظروف والشروط التي فرضتها السلطة، بل وحددت نتائجها مسبقاً.
ب- إسقاط البرنامج السياسي الشامل، الذي طرحه اللقاء المشترك، وذلك بواسطة الضربة الفنية لرئيس الجمهورية.
ج- إذا صح أن هذا الاتفاق قد اشتمل على موافقة السلطة على إعادة ممتلكات الحزب الاشتراكي اليمني، وحزب اتحاد القوى الشعبية، فإنّ ذلك يعني أن المعارضة بشكل عام، قد تنازلت عن المبدأ (إصلاح النظام السياسي) مقابل تحقيق المصلحة الذاتية(إعادة الممتلكات). أما الأخطر في ذلك الاتفاق، فهو أن الحزب الاشتراكي اليمني، قد اختصر قضية الجنوب وإصلاح مسار الوحدة ومعالجة نتائج وآثار حرب 1994م، فيما فقده من مقرات وأموال، ويُخشى أن يكون الحزب، قد غادر آخر موقع له في الجنوب، وانضم إلى جوقة الأحزاب الشمالية.
د- وفي هذا الاتفاق يكون الحاكم قد حقق ثلاثة أهداف، وهي: هدف حسم الانتخابات لصالحه مسبقاً، وهدف الحفاظ على النظام السياسي كما هو، وهدف إسقاط المطالبة بمعالجة نتائج وآثار حرب 1994م. ويكون بذلك قد قطف ثلاث جوائز ثمينة.
وفيما يخص المسألة الثانية، وبعد ثنائي وتقديري للأستاذ المتوكل على إطلالته النبيلة، واعترافه الشجاع بواقع ما يعانيه الجنوبيون، بقطع النظر عن درجة الملامسة والاقتراب من المشكلة، ذلك أن ما يهمنا هنا هو أننا كجنوبيين، قد كسبنا بعض أخوتنا في المعارضة إلى صف قضيتنا الجنوبية، خاصة وأن المشكلة تكمن في أن السلطة ونظامها، قد نجحا في رص كل أخوتنا في الشمال لمعاداتنا كجنوبيين، وهذا يؤكد أن حرب صيف 1994م قامت على أساس هذا التناظر، المتمثل في: الشمال ضد الجنوب، وعلى هذا كانت نتائجها.
ومع عدم نكراننا للظلم والقهر والتعسف، الذي تعاني منه المحافظات التي كانت تشكّل- حتى عشية 22مايو 1990م، الجمهورية العربية اليمنية، إلا أن ما وقع على الجنوب وشعبه، قد اتسم بالسمات الآتية:
أولاً: إن الجنوب أرضاً وسكاناً كان حتى عشية 22مايو، يشكّل كياناً سياسياً وطنياً مستقلاً.
ثانياً: إن الجنوب، كدولة، قد شكّل مع الشمال، كدولة أيضاً، الكيان السياسي الجديد، أي " الجمهورية اليمنية"، وهو كيان يفترض أن يكون مختلفاً عن الكيانين السابقين.
ثالثاً: إن الكيان السياسي الجديد" الجمهورية اليمنية"، قد وجد بموجب أُسس معينة متفق عليها من الكيانين السياسيين السابقين، ويأتي في مقدمة تلك الأسس: " اتفاقية الوحدة" و" دستور دولة الوحدة" المستفتى عليه.
رابعاً: إن المشكلات المختلفة التي اعترضت تجربة الوحدة منذ أيامها الأولى، لهي دليل قاطع على الخلل الذي رافق قيام كيان دولة الوحدة.
خامساً: لقد أكدت حرب صيف 1994م، وبما أفرزتها من نتائج، على هشاشة الوحدة، والدليل على ذلك هو الانقضاض السريع على كل الأسس التي على أساسها قامت دولة الوحدة، وبكل سهولة.
سادساً: إن هدم تلك المقومات التي على أساسها تحققت الوحدة، وفي المقدمة منها تغيير دستور دولة الوحدة بشكل جذري، يعني ذلك مساساً بجوهر الوحدة ذاتها.
 ومن هنا، وعلى هذا الأساس، واستناداً إلى هذه الحقيقة الساطعة، تأتي مطالبة الجنوبيين بضرورة إصلاح مسار الوحدة التي أنجزت في 22مايو 1990م، ولم تعُد موجودة في الواقع.
سابعاً: إن الواقع الراهن للجنوب وشعبه، يتجلى في الملامح الآتية:
1 - بعد أن كان الجنوب دولة يخشاها الكثيرون، صار اليوم بالكاد يتساوى مع أية محافظة من تلك المحافظات، التي كانت تشكّل بالأمس القريب، ما يسمى بالجمهورية العربية اليمنية.
2 - يتفوق الجنوب على الشمال من حيث المساحة والثروة، ومن حيث مساهمته في الدخل القومي للجمهورية اليمنية، ومع ذلك فإن الجنوب لا يتحصل إلا على جزء يسير جداً من هذا الدخل.
3 - يوجد نشاط منظم لتغيير التركيبة السكانية للجنوب، وبوسائل متعددة.
4 - يوجد نشاط منظم للاستيلاء على أراضي الجنوب، لصالح المتنفذين الشماليين، وغالباً ما يتم ذلك بالقوة حيناً، وبتزوير الوثائق حيناً آخر.
5 - يتم توزيع أراضي الجنوب بشكل عام، وعدن بشكل خاص على متنفذي السلطة، بأوامر من أعلى سلطة في الدولة، بحيث تصل قيمة بعض هذه الأراضي عند عرضها للبيع إلى نحو نصف مليار ريال، برغم أن ما دُفع في شرائها ليست سوى ملاليم.
6 - تم إفراغ الإدارات من الكوادر القيادية الجنوبية، بحيث تم استبدال الأغلبية العظمى من هذه الكوادر بأخرى شمالية، وكل ذلك يتم بالاستناد إلى شعار الوحدة.
7 - كل محافظي المحافظات الجنوبية، والقيادات العسكرية والأمنية، هي من خارج الجنوب. والأبشع من ذلك أنه حتى بعض الأمناء العامين لبعض المجالس المحلية، قد تم جلبهم من خارج المحافظات والمديريات، ومثال على ذلك: أمين عام المجلس المحلي لمديرية خنفر-أبين، الذي ينتمي إلى رداع.
8 - في أغلب الحالات، يتم التخلص من الأراضي المستولى عليها، وكذا العقارات التي تم إنشاؤها بواسطة البيع على آخرين. وهذا الفعل يدل على أمرين، وهما: إن عملية الحصول على هذه الأراضي لم تكن مشروعة، ولذا يكون من الأفضل لهم التخلص منها عن طريق بيعها، والاستفادة من عائدها في إقامة مشاريع أخرى، وغالباً ما تكون هذه المشاريع خارج الجنوب، وهو سلوك يندرج في إطار ما يُطلق عليه في الاقتصاد بغسيل الأموال، وهي جريمة يعاقب عليها القانون. أما الأمر الثاني، فإنه قد يكون هناك إحساس أو شعور عند هؤلاء، بأن وجودهم أو بقاءهم في الجنوب تحت مسمى الوحدة، ليس إلى ما لا نهاية، على اعتبار أن ما بُني على باطل، فهو باطل.
9 - نعم هناك حماس شديد في إنشاء خطوط طويلة من الطرق، تربط الشمال بالجنوب، ولكن هذه الطرق ليست لأهداف تنموية واقتصادية، بل لأهداف عسكرية وأمنية، حتى يتم الوصول إلى أية منطقة في الجنوب، وفي زمن قياسي عند الحاجة والضرورة، وذلك بالاستفادة من مجريات حرب 1994م.
أما فيما يخص الطرق الداخلية، فلا يمكن الحديث عن شيء مفيد في هذا الجانب. وإذا صادفت أن هناك مشروعاً لمد طريق داخلي في المدينة أو الريف، فتأكد أن في الطرف الآخر من هذه الطريق، توجد مزرعة مترامية الأطراف، أو شاليه أو فيللا بمواصفات راقية لأحد أو بعض متنفذي السلطة. ويعني ذلك أن هذه الطرقات المحكي عنها، لا تصب في مصلحة مواطني تلك المناطق، وأن هؤلاء المواطنين ليسو هم المستهدفين.
10 - أما بالنسبة لخدمات الكهرباء والمياه، فحدثْ ولا حرج، حيث صار الناس مشغولين ومهمومين بانقطاعاتها.
11 - ولدينا الكثير من التفاصيل، التي تبين حالة الجنوب عشية الوحدة، وكيف صار حاله الآن. ولكن هذا يكفي.
ودائماً عندما يتحسس الجنوبيون حالهم البائس، وحالة الذل والمهانة التي يعيشونها، فإنهم غالباً ما يتذكرون توعّد وتهديد الحاكم لهم في فترة الأزمة التي سبقت الحرب، عندما قال ب " أنه سيجعل من عدن قرية". وقد فهم الجنوبيون يومها، أن المقصود هو الجنوب بشكل عام، ذلك لأن عدن بالنسبة لهم، هي رمزهم وعزتهم.
 نعم، نحن اليوم مذلّون ومهانون على ترابنا، ولكن بالتأكيد إلى حين!!