في أول حوار له بعد الانتخابات الرئاسية فيصل بن شملان لـ«النداء»: (2-2) الحكم الفردي يجب أن يتغير لصالح الوحدة ولضمان المستقبل

في أول حوار له بعد الانتخابات الرئاسية فيصل بن شملان لـ«النداء»: (2-2) الحكم الفردي يجب أن يتغير لصالح الوحدة ولضمان المستقبل

في الجزء الثاني من هذا الحوار يتحدث المهندس فيصل بن شملان مرشح اللقاء المشترك إلى الانتخابات الرئاسية عن بعض ملامح وأبعاد شخصيته، معرجاً على تجربته في المشاركة بتأسيس حزب المنبر بعد الوحدة، وهواياته وقراءاته الأخيرة.

- عدن - سامي غالب
* أنت شخص أحدث تأثيراً هائلاً لدى الناس. كمستقل، وأثناء حكم الاشتراكي، وبعد الوحدة، وفي اللحظة الراهنة، كيف تعرِّف نفسك؟
- أنا يمني عربي مسلم.
* هذه دوائر طبيعية، لكني أقصد من ناحية أيديولوجية. أنْ تقول: أنا عربي أو مسلم، يختلف في دلالته عن القول: أنا قومي عربي أو إسلامي؟
- أنا أعرِّف نفسي هكذا.
* من خلال متابعتي خطابك، وحتى في هذا الحوار، لحظتُ نوعاً من المزج بين الفكرة القومية والفكرة الاسلامية.
- العروبة لسان وليس عنصراً. الاسلام حينما مزج شعوب هذه المنطقة لم يلتفت إلى (كون) هذا كردياً وهذا فارسياً وهذا عربياً. واحدة من المضار الأساسية التحزُّب القومي (الضيق). والعربي هو عربي لسان وليس جنساً. وأنا لم أنتمِ لأي حزب.
* حتى في مطلع حياتك؟ أعرف أن حضرموت ماجت بحركات سياسية نشطة في الخمسينيات. الحركات القومية، وبخاصة البعث، كانت نشطة في حضرموت، وكذلك حركات إصلاحية ذات طابع إسلامي.
- لا، لم أنتمِ حزبياً، لا للبعث ولا للقوميين العرب ولا للإخوان المسلمين.
* لكنك بعد الوحدة شاركت في تأسيس حزب «المنبر» مع عمر طرموم ومحمد عبدالقادر بافقيه؟
- صحيح.
* من المثل العليا لهذا الحزب يتضح أنه ذو طابع إسلامي.
- نعم، إسلامي معتدل.
* معتدل أم ذو ملامح ليبرالية؟
- نحن نؤمن أن الاسلام يعطي الحرية أهمية كبرى، وبالتالي فإن الحكومة الإسلامية حكومة مدنية بحتة. لم يرد في الاسلام نص يخص الحكم عدا الشورى، وهذه مقيَّدة بخبرة وتجارب الناس.
* لكن معروف أن المرحوم عمر طرموم كان من أهم قيادات حركة الأخوان المسلمين في اليمن، وبالنسبة للدكتور محمد عبدالقادر بافقيه كان الملمح القومي ظاهراً فيه؟
- كان في وقت من الأوقات ناصرياً، لكنه لم يكن قومياً بالمعنى الضيق. كان يحب عبدالناصر كثيراً.
* لماذا لم يستمر حزب «المنبر» رغم أنه بدأ كحزب لديه ما يضيفه إلى الحياة السياسية؟ أيمكن عزو السبب إلى قيام التجمع اليمني للإصلاح كقوة أكثر كفاءة في التعبير عن التيار الاسلامي الذي أردتم أنتم الاشتغال عليه؟
- فعلاً، السبب المباشر قيام التجمع اليمني للإصلاح. وفي واحدة من جلساتنا طُرح هذا الأمر، وناقشنا (الموقف في ظل وجود الاصلاح) كحزب يتميز بالامكانات. في هذه الجلسة اقترح البعض حلَّ حزب المنبر، وطُرح اقتراح بالانضمام إلى المؤتمر الشعبي العام أو حزب آخر. وتوافقنا على أنه لم يعد هناك إمكانية لاستمرار «المنبر» في وجود حزب آخر قام كبيراً.
* وإذاً أنت لم تمارس السياسة بالمعنى الاحترافي؟
- كلا.
* على مدى 5 أشهر، كنتَ في قلب العملية السياسية، أضواء وانفعالات وبرنامج يومي مختلف، هل تنعم بأوقات أفضل الآن؟
- نفسياً لم يتغير شيء.
* يعني لم يتغير شيء في طباعك؟
- لم يتغير شيء في طباعي. أنا دخلت الانتخابات من أجل التأكيد على أن الوحدة اليمنية يجب ألا تكون موضع نقاش وتساؤل، وأن الأخطاء في النظام السياسي اليمني كنظام فردي يجب أن تُصحَّح، ليس لاستمرار الوحدة فقط، ولكن لضمان مستقبل الشعب اليمني. شعبنا جَلْدٌ وعامل، ليس كسولاً، إذا أُتيحت أمامه الفرص.
* هذه نلمسها في المهجر، حيث يظهر اليمني جدارته إذا وجد الفرصة؟
- نعم. بإدارة صحيحة (يكون) لهذا الشعب مستقبل حتى بموارده البسيطة. أردت في الانتخابات أن أوصل للنظام رسالة بأن الناس ليسو راضين عنه، ويريدون نظاماً مؤسسياً، لا فرق في أن يبقى علي عبدالله صالح أو يأتي شخص آخر. ولا مجال لهذا البلد أن يتقدم وينفسح المجال أمام اليمنيين لأن يبدعوا وأن يتقدموا إلا بتغيير هذا النظام.
* تعتقد أن رسالتك وصلت؟
- نعم.
* والآن أنت تنعم بالاسترخاء هنا؟
- (ضحك).
* لعلَّك قرأت «الرجل المنسي» لناظم حكمت. الشخص الذي يكون في بؤرة التركيز الاعلامي ونجوميته ذائعة، ثم لأسباب عديدة، يُلقى في بئر النسيان. أنت تصديت لدور مهم، وكنت محاصراً بالعدسات والأضواء. الآن وبعد شهرين، هل حياتك تسير بشكل اعتيادي؟
- الأمور عادية جداً بالنسبة لي. أتابع الشأن العام، وسأظل كذلك، لأنني أتابعه من قبل (ترشحي للرئاسة).
* في فترة ما بعد الانتخابات، ومن خلال متابعتك للشأن العام، هل تمنيت لو كنت في موقع المسؤولية لحل مشكلة ما، ليست بالضرورة في المجال السياسي، ولكن أي همَّ من هموم الناس؟
- هذا النظام يسيطر بقبضة حديدية على كل الأمور. مثلاً الجمعيات والمنتديات والصحافة والنقابات سواء محامين أو صحفيين أو عمال أو غير ذلك، جميعها ينظر إليها بمنظار من الشك، ويعمل على السيطرة عليها. هذه الذهنية يجب أن تزول.
* هذا أمر يبعث على الانقباض.
- في الحقيقة يبعث على الحنق. ماذا يبقى للناس من مجال إذا الدولة ستستمر بهذا النهج؟
* ماذا تقرأ هذه الأيام؟
- أتابع الصحف الأسبوعية. أقرأ «النداء» و«الوسط» وصحف اللقاء المشترك، والصحف الأخرى التي يمكن أن تقرأ فيها شيئاً. الصحف الحكومية لا تقرأ فيها شيئاً.
* ماذا عن الكتب؟
- أقرأ في الاقتصاد. قرأت مؤخراً كتاب «العولمة وإحباطاتها» جوزيف ستيكلس. كان المستشار الاقتصادي لكينيدي، ثم تولى منصب الاقتصادي الأول في البنك الدولي. أقرأ أيضاً لجلال أمين في الاقتصاد. المناقشة الأساسية لهؤلاء أن البنك الدولي ومنظمة التجارة والصندوق، بالنهاية جميعها تأتمر بأمر وزير المالية الأميركي. وقرأت أيضاً «خيالات العولمة» لجون كراي، استاذ الاقتصاد في جامعة لندن.
* هذه الكتب تقرأها بالانجليزية طبعاً؟
- أنا أقرأ بالانجليزية، لأن الترجمات لا تؤدي في الحقيقة المعنى الذي يريده الكاتب. وبعض المترجمين ليس متخصصاً في الموضوع الذي يترجمه، فلا يحسن العمل، ويشوِّه المعنى.
لب أفكار هذه الكتب أنها تلحظ أن كل وصفات الصندوق والبنك الدوليين لم تأت بفائدة إلا في الدول التي كان لديها الاستقلالية في أن تقرر من ذاتها ماذا تأخذ من هذه الوصفات، وكيف تتعاطى مع هذه الوصفات. الدول التي كان عندها موقف مستقل، وأكبر مثال عليها الهند، ترعى فيه مصلحتها وتقرِّر أولوياتها، هي التي أفادت من وصفات المنظمات الدولية. قضايا الفقر والعمالة وتماسك المجتمعات، مسائل مهمة جداً جداً. خذ مثلاً ما يجري هنا: أصبح التجار وأصحاب الشركات يعيشون في جيتوهات (معازل)، في أماكن منعزلة تماماً عن الناس، ومحاصرين بالحراسات. لا يجب أن نعمل حلولاً لا تؤدي إلى تقوية المجتمع وتنميته حتى يستطيع أن يقوم بإدارة نفسه.
* هل تقرأ في السير الذاتية لزعماء وسياسيين؟
- قرأت في السابق مذكرات ديجول (بالترجمة العربية)، وقرأت مذكرات نلسون مانديلا، وبن جوريون (...).
* تنعم، كما أرى، بالعيش في مكان هادئ (البريقة)، هل تمارس رياضة المشي هنا؟
- المشي بالنسبة لي ضروري بسبب عملية القلب، على الأقل ساعة في اليوم.
* هل تقوم بذلك خارج المنزل؟
- عادة في الحوش، لأن المشي ينبغي أن يكون في مكان مسطَّح. أحياناً أتحرج في المشي خارج البيت، لأنني دائماً ما أُستوقَف من المعارف والناس الذين يُسلِّمون عليَّ، فالمشي يكون متقطعاً.
* ألا يوجد لديك مشروع كتابة سيرة ذاتية؟
- لا لا.
* أنت لا تكتب يوميات؟
- أكتب أحياناً أشياء لنفسي، لكني لا أكتب يوميات. أشعر أن الواحد كأنه يريد أن يضخم نفسه أو شيء من هذا القبيل.
* هذا تواضع زايد عن الحد؟
- (ضحك) وبعدين أنا أستثقل الكتابة، وحتى في أي مناسبة أو فعالية ما أحب أقرأ من ورقة.
* سمعت أنه خلال الحملة الانتخابية، كانت ترد إليك أوراق أو مقترحات برسائل معينة ينبغي أن تصل إلى الجمهور بحسب قادة المشترك، وكنت لا تحبذ ذلك، وتتجاهلها؟
- في شيء رئيسي، هو قضية التغيير. كل منطقة من المناطق لها مواضيع مهمة بالنسبة لها. في قضايا لا تشعر أن إثارتها صحيحة، وتتناولها من جانب قد يكون مضراً، لازم تكون ملتزماً بعدم المساس بحريات الناس وحقوقهم، وقضية الوحدة ومساواة الناس.
* ومع ذلك، ألا ترى الموضوع متصلاً بالاعتداد بالذات، واعتقاد المرء بأنه يعبِّر عمَّا يراه فعلاً وليس مضطراً للتعبير عن الجماعة في مفاصل معينة، أو مجاراة تفضيلاتهم التي يرونها في صالح الحملة الانتخابية؟
- أنا أقول إذا أردت أن تقنع الناس بشيء يجب أولاً أن تكون مقتنعاً به (ضحك). في خبيرين جاءا أثناء العملية الانتخابية: الأول جاء لغرض التصوير، وكيف تلتقط الصور وماذا تلبس وكيف شكل النظارة، وكان هذا مسؤولاً في حملة الرئيس الصربي الجديد. وشخص آخر عمل في حملة كلينتون. وفي لقاء معهما تكلمت بالطريقة التي أريدها. كان انطباعهم جيداً، وقالوا إنهم يشعرون بأنهم صدقوني فيما أقول.
 جرت محاولة ثانية، وقدمت إليَّ اقتراحات، كلٌ يقترح أن أقول شيئاً أو أركز على مسألة. وعندما تكلمت، قالوا: لم يعد عندنا الانطباع الأول. السبب طبعاً معروف (أضاف ضاحكاً) رغم أن هؤلاء لا يعرفون عربي أصلاً، الكلام لم يخرج بنفس الروح الذي خرج به الكلام الأول. النبرة هي الأدارة التي تصنع وقعاً لدى المستمع.
* لنضيف أيضاً بأنك لا تحترف السياسة، لأن المحترف لديه استعداد عالٍ لمجاراة الجمهور والجماعة لتحقيق مكاسب، بينما أنت تمارس السياسة من باب الهواية؟
- أنا أديت مهمة.