وزارة للرياضة فقط.. وشباب يبحثون عن سراب "قادة المستقبلـ"!

وزارة للرياضة فقط.. وشباب يبحثون عن سراب "قادة المستقبلـ"!

 اليوم العالمي للشباب يصادف الثاني عشر من أغسطس من كل عام. وهي مناسبة يحتفل فيها العالم بقدرات الشباب واكتشاف إبداعاتهم وطاقاتهم، والعمل على تسخير الإمكانات المتاحة رسمياً لخدمة هذه الشريحة الهامة في المجتمع والتي هي بمثابة القلب النابض لأي مجتمع، ومن بينهم يخرج القادة وأهل الاختصاص في شتى مجالات ومناحي الحياة.
وإذا ما تأملنا في واقع شبابنا اليمني اليوم فإن المؤشرات مخيفة جداً، حيث إن نسبة الاهتمام الذي توليه الدولة للشباب ضعيف ولا يتناسب مع ما يمثله الشباب ويحتله في نسبة السكان، وأهميتهم في بناء الوطن.
فالملاحظ غياب الأنشطة والبرامج والاستراتيجيات التي من شأنها الرقي بواقع الشباب. بل إن الاهتمام بهم يأت في أسفل السلم. حتى الوزارة التي تحمل اسمهم أولا ليس لهم من جهدها وعملها شيء يستحق الذكر والوقوف عنده.
الشباب أصبحوا مجرد جسر يتم من خلاله العبور لتحقيق مطامح ومطامع لا ترتبط بهم ولا تعنيهم، بقدر ما تعني أصحابها. كما أن حكاية "التشبيبـ" التي دائماً ما نسمعها ما هي إلا كلمة عابرة. فبنظرة سريعة نجد أن الشباب يعملون في المرافق الحكومية أو القطاع الخاص تحت قيادة أشخاص بلغوا من العمر عتيا، ليستنفدوا طاقات الشباب ويحسبوا نجاحاتهم لأنفسهم، وهم الذين عجزوا عن إحداث تغيير خلال مراحلهم العمرية المختلفة. إن المرحلة تحتم إعمال مبدأ "القيادات الشابة" في سبيل تحقيق التغيير المنشود بحيث لا يكون الشباب بمنأى عن عملية التنمية والتي لا يمكن لها أن تتحقق بدون إن يقودها الشباب.
الشباب هم قادة المستقبل. هكذا يحلو لأهل السياسة وصفهم، وتمر الأيام وتذبل ورود الشباب ويرحل ربيع العمر، وينتهي الشباب -الذي هو مرحلة- ويدخل أبناؤه مرحلة عمرية جديدة، وهم مازالوا في انتظار دورهم ليصبحوا قادة للمستقبل الذي حلموا به طويلاً؛ ولكنه لم يأت، ولم تأت القيادة، ولو على مستوى "سيارة"، حيث ذهب شبابهم، بل فنيت أعمارهم وهم في انتظار "الدبابـ" ليوصلهم حيث يريدوا لقضاء حاجياتهم.
كذبة كذبوها وصدقها الشباب المليئة حياتهم بالأكاذيب التي يصنعها غيرهم ليقعوا هم فريسة لها. فهذه المدرسة الابتدائية، التي درس فيها الشاب وأنهى دراسته فيها، واليوم يدرس فيها ابنه، مازالت تخضع لقيادة نفس المدير، دون أن يتزحزح من مكانه. وهذا مكتب العمل الذي قدم الشاب أوراقه لطلب وظيفة ولم يحصل عليها ذات يوم مازال يرأسه نفس المدير الذي يسعى لتوريث ابنه المنصب.
الشواهد كثيرة على أن "الشباب هم قادة المستقبلـ" مجرد كذبة. حتى الأحزاب السياسية التي تُزيّن برامجها وأدبياتها جُمل وعبارات منمقة ذات صياغة لغوية عالية تعنى بشؤون الشباب، نجدها محتفظة بالحرس القديم، وإن تمت "انتخابات" في أوساطها فإنها تعيد إنتاج القديم، وحتى نسبة التغيير والتجديد الضئيلة التي تتم في هذا الحزب أو ذاك فإنها تأت بجيل الأبناء. بمعنى أن الجميع قد وقع وبمحض الإرادة في شراك التوريث. على أن قدر الشباب الطموح هو الانتظار.
وبالمقابل دعونا نتساءل عن ماهية أوضاع شبابنا وكيفية أحوالهم خلال هذه الأيام!
هذا عدد من المشاهد لتكون جزءا من الإجابة المؤلمة ليست عن الشباب بشكل عام، وإنما عن فئة منهم، وهم أولئك الذين سهروا الليالي في سبيل طلب العلا. وأنهوا مرحلة هامة من تعليمهم وفي طريقهم للوصول للحلم المنشود الذي راودهم طويلاً، وفي سبيل تحقيقه عانوا ومعهم أسرهم الكثير من الصعاب في ظل ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة. هؤلاء هم خريجو الثانوية العامة،والذين تزدحم بهم هذه الأيام ساحات الجامعات بكلياتها المختلفة. بهدف الفوز بقبول يفتح لهم أبواب المستقبل. كما أن وزارة التعليم العالي هي الأخرى تزدحم ممراتها وبواباتها وشبابيكها بالطلاب المراجعين والحالمين بمنحة دراسية تكفيهم عناء المصاريف التي أثقلت كاهل أسرهم خلال تعليمهم الأساسي والثانوي. وهي حق مشروع لهم ومكفول، وبالذات لأولئك من أصحاب التفوق العلمي والدرجات العالية.
التزاحم خيالي، والأعداد كبيرة جداً، وما هو مقرر من مقاعد لكل كلية في الجامعات المختلفة لا يتناسب وأعداد المتقدمين، ولن نقول الخريجين؛ لأن الهوة تكون هنا فاضحة. كما أن أشكال التمييز تكون حاضرة بقوة، ومنها بالطبع الوساطة والمحسوبية، كما أن الرشوة تحل ضيفة، وعلى عين من ينكر لمجرد المكابرة.
تلك صورة فقط من صور شتاء يعانيها مجتمعنا. والعاقل يضرب أخماس الحسرة في أسداس الألم، ويتساءل عن مصير الذين لم يحالفهم الحظ للدخول إلى قاعات الجامعات ولم يساعدهم قدرهم في أن يركبوا "اليمنية" بعد ابتعاثهم للدراسة في إحدى الدول؟
يقولون المعاهد الفنية والتقنية ترحب بهم، ونقول: ليس كل شاب يرغب في المعاهد. ثم إن المعاهد هي الأخرى تسري عليها نفس المعايير.
الشباب بحاجة إلى إدماجهم في المجتمع من خلال شراكه حقيقية وفاعلة في صنع القرار.