على خط البيعة من 1934 - 1994.

على خط البيعة من 1934 - 1994. - منصور هائل

فيما اضحت أيلولة اتحاد الادباء إلى «كومة دمى» تستوجب التأبين والرثاء، فقد غدت جُلّ الفعاليات السياسية اليمنية جديرة عن استحقاق بما يليق بالموتى الذين اصيبوا بالخرس ولم يتوفروا على مجرد لسان تنطق بشهادة صادقة على خط الانحدار الكارثي للبلاد اعتباراً من مايو 1934 إلى مايو 1994 وحتى الانفاس الاخيرة التي لفظها مايو 2006، على خلفية من غياب الدولة لحساب حضور «دولة العُكْفة» وعكفة الدولة.
لقد انهزم اليمنيون في عام 1994 بفداحة أودت بهم إلى الترسيم والتسليم مع أواخر مايو 2006، وكانت هزيمتهم في الحرب التي دارت رحاها عياناً بينهم ساحقة وماحقة، ولا يمكن ان تقاس او تقارن بهزيمة جيوش الإمام يحيى حميد الدين -العكفة المختصة بالاغارة على الداخل ونهبه- أمام جيوش المملكة السعودية التي وصلت طلائعها إلى «الحديدة» لتجبر الإمام على التراجع عن تطلعاته لـ«اليمن الكبرى» ذات الحدود التي تصل إلىمكة وتلامس الركن اليماني للكعبة الشريفة، وفرضت عليه الاذعان والتوقيع على اتفاقية الطائف التي ألزمته بقبول مبدأ تأجير الارض موضع النزاع (نجران، جيزان، وعسير) ونصت المادة الثانية والعشرون من تلك الاتفاقية على ان مدتها عشرون سنة قابلة للتمديد، وقد تم تمديد العمل بها عشرين سنة اخرى في 1954.
وفي مارس 1973 اصدر رئيس الوزراء آنذاك القاضي عبدالله الحجري -رحمه الله- بياناً اعتبر خط 1934 دائماً ونهائياً. غير انه اغتيل بعد فترة وجيزة بجريرة «الخيانة العظمى».
.. بعد حرب 1994 تباحث الطرفان، اليمني والسعودي، في جنيف وتوصلا إلى مذكرة تفاهم في فبراير 1995 أكدت على ان خط الطائف دائم ونهائي، الامر الذي شكل مكسباً كبيراً للسعودية على طريق احراز المزيد من المكاسب وفتح الشهية للمزيد من «التوسع» من باب الاستجابة لواجب الجار تجاه جاره بمثابرة استثمارية لنتائج الحروب الداخلية التي طالما خلفت فراغات كبيرة كانت تستحث الجار الاكبر على النهوض بدوره في سد تلك الفراغات والتقدم إلى الحدود الشرقية وإلى مساحات واسعة من الاراضي الداخلية لحضرموت بالاستفادة من جيوبها في رأس النظام ومن سياستها الثابتة في نشر علامات سيادتها على البشر والارض عبر اجتذاب القبائل إلى محيط الرعوية السعودية وتجنيسهم كما كان الحال بالنسبة لقبائل الصيعر والكرب والكثير من قبائل المهرة وابناء حضرموت، وعلى نحو يمكن ان ينجز حضرموت والمهرة كإمارات تبعاً لنهج احتوائي ناعم ومدعوم بسياسات انفصالية مدمرة، من قبل سلطة يمنية ممعنة في ممارسة الانفصال عن الشعب والطرد للسكان والمكان.
وعودا على بدأ: اين موقف الفعاليات السياسية من هذا الذي يحدث؟
يجيب المؤرخ السعودي مشاري عبدالرحيم النعيم، في موضوع خاص عن الحدود اليمنية السعودية نشرته مجلة «ابواب» العدد 20 عام 1999، بقوله: « شكلت الوحدة اليمنية خطوة مهمة على طريق تولي صنعاء لملف الحدود، وهي تربطها بالرياض علاقة جيدة، وفي غمرة اوضاع سياسية واقتصادية مستجدة خلفتها الحرب الانفصالية وتداعياتها، فقد ادت المشكلات التنموية التي تفاقمت بعد الحرب إلى اقتناع النخبة السياسية اليمنية الحاكمة بصورة خاصة، والرأي العام بصورة عامة -كما يبدو- باقفال الملف الحدودي».
هكذا آل الحال باليمنيين، فقد اشتد بهم الفقر وباعوا البقعة ولم يبرهنوا بذلك على سيادة ذهنية ما قبل الدولة فقط، وانما ما قبل الوطن حيث لا ينفع استحضار الاجواء والمناخات التي كانت تجعل من امر التفاوض على الحدود «خيانة عظمى» أو استئناف تلك المناخات التعبوية المشبعة بالذهنية الرعوية البدوية التي تقوم على المزاوجة بين الارض والعرض وعلى تغليف موضوع الحدود بالمقدس بقصد استنفار حمية وغيرة النشامى.
الرحمة على عمر الجاوي، وعلى القاضي عبدالله الحجري، وعلى الاستاذ محمد النعمان، وغيرهم، وعلينا جميعاً، او ليس ثمة «سيادة لوطن يذل فيه المواطن وينعدم، ولا يتوفر علىمساحة ارض في عاصمة بلاده تؤويه بأمان».
----------------------------

mansoorhaelMail