يناقش (العيش بالأزمات)

محسن العمودي يناقش (العيش بالأزمات)

محسن العمودي
angalhMail
عرف عن مصر في عهد الرئيس "السادات" اتباع وانتهاج أسلوب جديد في إدارة البلاد، سمي حينها بـ"الإدارة بالصدمات"، فبدءاً من الانقلاب على نهج "ناصر"، ومن طرد الخبراء السوفييت العام 1972م، إلى إعلان نيته زيارة دولة "إسرائيلـ"، ثم ختمها وقبيل اغتياله بحملة الاعتقالات التي شملت كل أركان مصر ومثقفيها العام 1981م، إلى التسليم قبل كل ذلك بأن 99% من أوراق الحل بيد أميركا.
في الجمهورية اليمنية وفي ظل الغياب المطلق للمعايير السوية للإدارة، تفتقت أذهاننا عن أسلوب يمني صرف مستمد من عراقتنا ومن تاريخنا الحافل بغياب الاستقرار، فابتدعنا أسلوبنا وكنا الرواد فيه ويمكن أن نعرفه بأسلوب "العيش بالأزمات"، ففي تاريخنا الحديث والمعاصر ومنذ 22مايو 1990م وإعلان قيام دولة الوحدة بعد صراعات دامية في كل شطر على حدة، وكهروب لكل طرف من انعدام القدرة على التعايش مع محيطه الداخلي، فكانت الوحدة مهربا لكليهما، إلا أن الطامة وقعت وما لبثت أن اندلعت مماحكاتهما ثم حربهما العام 1994م، وانتصر طرف على آخر فحسمت المعركة وتمت السيادة والهيمنة لأحدهما، إلا أن غياب المشروع لدى المنتصر أوصل البلاد والعباد إلى ما آلت إليه الآن، فقد اتسعت الرقعة الجغرافية وبقيت الآلية كما هي مع ازدياد شهوتها لنهب المال العام والخاص بوجود مصادر دخل جديدة لم تكن يوما ما في الحسبان.
استمرت الأزمات وسوف تتواصل، فإعلان رئيس الجمهورية عدم رغبته بالترشح لدورة رئاسية ثانية كفلها له الدستور أدخل البلاد في دوامة جديدة، والكل في حالة ارتباك وتخبط، سلطة ومعارضة، وانتقل ميدان صراعهما إلى اللجنة العليا للانتخابات وحصة كل منهما في لجانها، ثم مدى شرعية اللجنة نفسها وحجم مصداقيتها. هو نوع من أنواع العيش بالأزمات بالتعمق في جزئيات الشيء وهروبا وتبريرا من القصور لديها كلها.
أحداث صعدة الدامية والى يومنا هذا، كانت كل المؤشرات تقول إنها مشكلة داخلية ويمكن معالجتها منذ البدء بالكثير من التروي والتأني والقليل من الحكمة اليمانية، إلا أن محترفي العيش والتعيش بالأزمات لم يرقهم وأْدها في مهدها، حتى وصلنا الآن إلى تبعاتها ومحاولة إيجاد السبل لمعالجتها.
سياسة العيش بالأزمات امتدت في عموم حياتنا، فلن تجد مؤسسة ما أو إدارة ما، حكومية أو خاصة، إلا ويتبع فيها نفس الأسلوب، حتى أنها تحولت إلى جزء أساسي من ثقافتنا وطريقة تفكيرنا. فالتناغم الذي ينبغي أن يسود حياتنا أو حتى الحد الأدنى والمقبول منه لم يعد موجودا، وفي حال وجوده يبقى استثناء لا تلبث أيد خفية أن تتسلل إليه وتفعل فعلها، حتى وإن لم تكن مستفيدة استفادة مباشرة من نتائجه، بقدر ما هو سلوك تم اكتسابه وأصبح جزءا أساسيا من مكنونات الصدور وكيفية تفكير العقول، غير مدركين بأن دورة الحياة تبقى قصيرة مهما طالت، وبأنه يحق لنا العيش بعيدا عن مثل هذه المنغصات سواء على المستوى الشخصي أم على المستوى العام.