تمضي وزارة الخارجية، بقيادة الدكتور شائع محسن الزنداني، في مسار إصلاحي مهم طال انتظاره، ويأمل الكثيرون أن يُسهم في إعادة الاعتبار للعمل الدبلوماسي اليمني، وانتشاله من التراكمات التي أثقلته خلال سنوات الحرب. ومع الإشادة بهذه الخطوات، فإن من الضروري التذكير بأن أي إصلاح حقيقي لا يكتمل إلا إذا اقترن بالإنصاف، ووُضعت الكفاءة والعدالة في قلبه لا على هامشه.
منذ عام تقريبًا، أصدر الوزير قرارًا باستدعاء نحو 160 موظفًا من طواقم البعثات الدبلوماسية في الخارج. هؤلاء لم يكونوا مجرد موظفين عاديين، بل عملوا في ظروف استثنائية وصعبة، ووقفوا في وجه مشروع الانقلاب الحوثي، مدافعين عن الشرعية في عواصم العالم، وكأنهم في خنادق المواجهة الأمامية. لقد قاموا بواجبهم الوطني في ظل انقطاع المرتبات، وغياب أبسط الحوافز، وفي وقت كانت فيه الدولة نفسها تتآكل.
من المعلوم أن هؤلاء الموظفين لم يحصلوا على رواتبهم لأشهر، وأحيانًا لسنوات، كما لم يتلقوا علاوات كانت تُمنح تقليديًا للدبلوماسيين كبدلات الدراسة والعلاج والإجازات. ومع ذلك، أدّوا واجبهم بإخلاص، وتحملوا الغربة وشظف العيش ومخاطر المواقف السياسية التي اتخذوها.
واليوم، وبعد قرار الاستدعاء، أُفرغت السفارات من طواقمها دون أن يتم تعيين بدائل مؤهلة، باستثناء بعض المسؤولين الماليين الذين تم تعيينهم مؤخرًا. كما أن مصير أولئك المستدعين لا يزال معلقًا، خصوصًا من لا يستطيعون العودة إلى صنعاء أو عدن خشية الملاحقة أو الانتقام من المليشيات التي طالما وقفوا ضدها.
ومن المفارقات الصارخة أن بعض هؤلاء كانوا قد عُينوا بقرارات رئاسية أو حكومية لأسباب سياسية واضحة، ولم يتم إلغاء قرارات تعيينهم حتى اليوم، رغم أن القانون لا يجيز إلغاء القرار الرئاسي إلا بقرار مماثل من نفس المستوى. لكنهم تُركوا بين المنافي والفراغ، لا هم على رأس عملهم ولا هم في الوطن.
في الوقت نفسه، لا يزال في أروقة وزارة الخارجية من تم تعيينهم في العهد السابق دون مؤهلات كافية، وهو ما يتطلب مراجعة حازمة وجادة. ولعل تشكيل لجنة محايدة من أساتذة القانون الدولي والعلوم السياسية لإعادة تقييم كفاءة شاغلي الوظائف الدبلوماسية سيكون خطوة على طريق الإصلاح العادل والمتوازن.
لا يمكن لإصلاح وزارة الخارجية أن ينجح ما لم يكن شاملًا، يعالج الخلل ويُصفّي التراكمات بمعايير واضحة وشفافة، ويضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبار. كما لا يجوز أن يكون الإصلاح سيفًا يُسلط على فئة دون أخرى، أو يعاقب من خدموا الوطن في أحلك الظروف، وتركوا وراءهم الأهل والأرض للذود عن الشرعية وقيم الجمهورية.
ومن اللافت أن عدد الذين عادوا ويداومون اليوم في ديوان الوزارة من بين الـ160 المستدعين لا يتجاوز الثلاثة، وهو رقم يكشف حجم المعضلة، ويضع على طاولة الوزير وكل المعنيين بالملف سؤالًا كبيرًا: هل نحن أمام إصلاح فعلي أم تسوية شكلية لا تنظر بعين الإنصاف للذين ضحّوا لأجل هذا الوطن؟