بينما يرزح ملايين اليمنيين تحت وطأة الحرب والفقر في الداخل، يعيش نظراؤهم في الخارج معاناة من نوع آخر، لا تقل قسوة. ففي المهجر، حيث يُفترض أن تحميهم وتخدمهم سفارات بلادهم، يُقابل اليمني بالتجاهل، والبيروقراطية، وغياب الخدمات الأساسية. والأسوأ من ذلك، أن هذه السفارات باتت في كثير من الدول واجهات شكلية لموظفين يتقاضون رواتب خيالية، دون أي أثر يُذكر على الأرض.
سفارات غائبة ومعاناة حاضرة
لا يخفى على أحد أن الجاليات اليمنية في دول مثل مصر، السعودية، الأردن، ماليزيا، والمهجر الأوروبي، تواجه صعوبات متزايدة؛ من قضايا الإقامة والتأشيرات، إلى التعليم والعلاج، وحتى في إجراءات بسيطة كاستخراج جواز سفر أو توثيق أوراق رسمية.
ورغم أن هذه المهام تقع في صميم عمل السفارات، فإن كثيرًا منها تتعامل مع المواطن وكأنه عبء لا ضيف على وطنه.
فساد إداري ورواتب بلا إنجاز
واحدة من أكثر المفارقات إثارة للسخط، أن العديد من موظفي السفارات يُعيَّنون لا بناءً على الكفاءة أو الخبرة، بل بفعل المحسوبية والانتماءات السياسية أو القبلية. ويُمنح هؤلاء مرتبات بالدولار -أضعاف ما يتقاضاه موظف حكومي داخل اليمن- بينما تغيب عنهم حتى أبسط مفاهيم العمل الدبلوماسي.
فلا تواصل مع الجالية، ولا مبادرات لخدمة المغتربين، ولا حتى مواقف مشرفة عند الأزمات.
الشرعية وصمت مريب
تُثار تساؤلات كثيرة حول صمت الحكومة الشرعية إزاء هذا الإهمال. لماذا لا تتحرك لمحاسبة المقصرين؟ لماذا لا يُعاد تقييم أداء السفارات بشكل دوري؟
هذا الغياب يعمّق فجوة الثقة بين المواطن والشرعية، ويثير الشكوك حول وجود تواطؤ، أو على الأقل، رضا ضمني عن هذا الفساد الإداري والمالي.
أين الجاليات من كل هذا؟
رغم ما تعانيه الجاليات، إلا أن صوتها لايزال ضعيفًا، ومتفرقًا. بينما يُمكن -بل يجب- أن يكون أكثر تنظيمًا وجرأة، عبر تشكيل كيانات قانونية تمثل مصالح اليمنيين في الخارج، وتضغط باتجاه إصلاح السفارات وتغيير نمط التعامل معها، من خلال القنوات الرسمية أو الإعلام الحر.
خاتمة: إعادة الاعتبار للتمثيل الدبلوماسي
لم يعد مقبولًا أن تُترك شؤون اليمنيين في الخارج لعشوائية المصالح، ولا أن تتحول السفارات إلى "صناديق بريدية" لصرف الرواتب فقط. التمثيل الدبلوماسي الحقيقي يبدأ من احترام المواطن اليمني أينما كان، وتقديم الخدمة له قبل التفكير في التقارير والبروتوكولات.
ولا بد أن تعي الشرعية أن الحفاظ على صورتها في الخارج يبدأ من سفاراتها. فإما أن تُصلِح، أو أن تستعد لمزيد من فقدان الشرعية على الأرض… والشتات.