صنعاء 19C امطار خفيفة

بين الواجبات المسلوبة والحقوق المهدورة.. المواطن اليمني في ظل سلطة بلا دولة

في بلدٍ أنهكته الحرب، ومزقته الصراعات، يعيش المواطن اليمني اليوم واقعًا أقرب إلى العبث السياسي والإنساني. في مناطق سيطرة سلطة صنعاء، تتكرر مفارقة موجعة: المواطن يؤدي ما يُطلب منه من "واجبات" مالية كضرائب وزكاة وخُمس، لكنه لا يتلقى بالمقابل أيًّا من حقوقه الأساسية، وعلى رأسها راتبه الذي انقطع منذ أكثر من عشر سنوات.

 
المواطن الممول.. بلا مقابل
 
في كل دول العالم، العلاقة بين المواطن والدولة تحكمها قاعدة متعارف عليها: الحقوق مقابل الواجبات. لكن في اليمن، اختل هذا التوازن. فالمواطن، رغم معاناته تحت وطأة الفقر وغلاء الأسعار، لا يُعفى من دفع الضرائب أو الزكاة أو الإتاوات المستحدثة تحت مسميات متعددة. في الوقت نفسه، يُحرم من راتبه الذي كان يمثل شريان الحياة الوحيد لأسرٍ بأكملها.
أي منطق يمكن أن يبرر استمرار اقتطاع الضرائب في بلد لا تدفع فيه الدولة رواتب موظفيها؟ بل كيف تُطلب من مواطن يعيش على حافة الجوع أن يلتزم بواجبات مالية تُفرض عليه، في حين لا يحصل على دواء أو تعليم أو حتى رغيف خبز مدعوم؟
 
الشارع اليمني.. مرآة الأزمة
 
يكفي أن تسير في شوارع صنعاء لترى الحقيقة كما هي: أطفال يفترشون الأرصفة، عائلات تسكن تحت الأشجار، وباعة متجولون يطاردون لقمة العيش بيأس. بينما في المقابل، تتكدس الإيرادات في أيدي قلة، وتتوسع مظاهر الثراء في الطبقة الحاكمة، دون أي إحساس بمعاناة الغالبية.
 
غياب العقد الاجتماعي
 
غياب الراتب لا يعني فقط فقدان دخل، بل يعني سقوط الدولة في نظر المواطن. فالدولة التي لا توفر لموظفيها رواتبهم، ولا لمواطنيها خدماتهم، لا يمكن أن تستمر في مطالبتهم بالولاء أو الطاعة. إنها حالة فقدان للعقد الاجتماعي الذي يفترض أن يقوم على مبدأ: "ندفع لأننا نحصل".
ما يحدث اليوم هو انقلاب على هذا المبدأ. المواطن اليمني لم يعد شريكًا في الدولة، بل مجرد مُمَوِّل قسري، يدفع ليعيش تحت خط الفقر، دون كهرباء، دون ماء نقي، دون تعليم محترم، ودون صحة.
 
في الختام:
 
ليس من العدالة أن يُطلب من الإنسان الالتزام في ظل نظام لا يلتزم تجاهه بأية مسؤولية. اليمن بحاجة إلى مراجعة جذرية لعلاقة الدولة بالمواطن، قائمة على احترام الكرامة الإنسانية أولًا، وعلى إعادة الحقوق قبل فرض الواجبات.
آن الأوان أن يُسمع صوت المواطن، لا كممول، بل كإنسان له الحق أن يعيش بكرامة في وطنه.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً