فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها بشكل خاطف وحاسم وكامل جعل مسار المعركة محصورًا بين خيارين: إما تدخل عسكري غربي مباشر لدعمها، أو التوجّه نحو البحث عن مخرج تفاوضي.
ومع عجزها عن شلّ قدرة خصمها الإيراني أو إسقاط إرادته السياسية والعسكرية، بدأت تتآكل رهانات الحسم السريع، وشرعت أطراف إقليمية ودولية في إعادة تقييم جدوى الاستمرار في هذه المواجهة طويلة النفس.
الولايات المتحدة، من جهتها، تبدو في مأزق استراتيجي؛ فهي لا تستطيع التورط المباشر دون أن تنزلق إلى مواجهة شاملة تهدد مصالحها الأوسع والأكثر أولوية، مثل أمن الطاقة، واستقرار الأسواق، والتوازن مع الصين وروسيا. لكنها، في الوقت نفسه، تجد صعوبة في ترك إسرائيل تواجه مصيرًا غامضًا بمفردها، خاصة إذا تآكلت صورتها الردعية أمام خصومها وحلفائها على حدّ سواء، وما قد يترتب على ذلك من اختلال في التوازنات التي بناها الغرب في المنطقة عبر عقود من الزمن ومخاض طويل من الأحداث والحروب. لذا، فإن واشنطن اصبحت الآن تبدو حريصة على ضبط إيقاع التصعيد، وربما تدفع من خلف الكواليس نحو مخرج تفاوضي يُجنّبها كلفة الانخراط الكامل.
أما إيران، فترى في هذا التحول فرصة استراتيجية؛ إذ نجحت في امتصاص الضربة الأولى، وانتقلت سريعًا إلى وضعية الردع المتصاعد، مما منحها قدرة على فرض إيقاع مختلف للمعركة. وطالما لم تُجبَر على تقديم تنازلات استراتيجية، فإن طهران ستسعى إلى إطالة أمد المواجهة على نحو يُنهك إسرائيل سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، وبما يضعضع جبهتها الداخلية، ويكشف عجزها أمام جمهورها وحلفائها، دون الوصول إلى نقطة اللاعودة التي قد تستدعي تدخلاً أمريكيًا مباشرًا.
وبذلك، تبدو الحرب وقد تحوّلت من محاولة حسم سريع لصالح إسرائيل إلى صراع استنزاف مفتوح، قد لا تُحسم نتائجه في الميدان بقدر ما تتشكل في غرف التفاوض، وتُرسم معالمه على ضوء توازنات ما بعد الصدمة.