صنعاء 19C امطار خفيفة

ترييف المدن اليمنية.. صدمة تاريخية عنيفة!

عادت إلى قلب المدن اليمنية مظاهر نقل المياه بالأواني والعلب البلاستيكية، واستخدام الأحطاب للطبخ، والكشافات المحمولة للإضاءة، والنقل عن طريق "جاري جمل" ومركبات الدفع الرباعي!

 

وبات سكان الأرياف يخشون على أقاربهم وأصدقائهم الساكنين في المدن من تفشي الأمراض والأوبئة! في حين كان سكان المدن هم من يخشون أكثر على سكان الريف من الأمراض والأوبئة!

وإذا كان اليمني اعتاد -عندما يسافر من المدينة إلى الريف ليلًا- أن يحتاط كشافًا يدويًا، فاليوم حتى المسافر من الريف إلى المدينة ليلًا، يستعين بكشاف، ولو بضوء الهاتف!
وذلك على العكس مما كان مألوفًا وسائدًا في مدننا -حديثة التوسع والتطور- خلال الخمسة عقود الماضية!
فالتشكل المديني البطيء الذي راكمه اليمنيون لأزيد من قرن، جرى تجريفه بعسف وعباطة خلال دورات الصراع المتعاقبة، إذ جرى ترييف المدن حديثة التشكل، ووأد مظاهر التمدن والمجتمع المدني والنظم السائدة على تواضعها، وتخريب أنماط العلاقات والبنى المتراكمة في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والثقافية، على بساطتها. بحيث باتت المدن قرى كبيرة تعج بالمسلحين، وتطفح بالنفايات والبعوض، وتفتقر للخدمات الأساسية المدنية، بما فيها الرواتب والكهرباء والمياه والصرف الصحي، وتعاني من شلل في الأنشطة الإنتاجية والتجارة واقتصاد حركة السوق.
مدن تغص بالظلام والنفايات والبؤساء والمحرومين، تنام على هدير الطائرات والمدافع والمواطير وأزيز البعوض والرصاص والموترات.
حتى تجليات "الإمامة" و"المحميات" و"الجنوب العربي" و"الكتن" و"الجراد" والجوع والكوليرا والحصبة والسل، عادت بقوة..!
لقد شهد اليمن منذ أزيد من عقد حروبًا وصراعات ريفت المدن، وأعادت البلد إلى ما قبل 50 عامًا، لولا مظاهر استخدام الجوالات الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي والإم بي ثري..!
لكأننا نتعرض لصدمة تاريخية عنيفة، أو نسافر في رحلة عبر الزمن!
تخيل نفسك تعيش في الخمسينيات من القرن المنصرم، بينما تتابع "الترند"، وتشارك ملفات عبر البلوتوث، وتعمل "نكز" بالفيسبوك!
وستبقى اليمن تذكيرًا صارخًا لما يمكن أن يؤدي إليه الفساد وسوء الحكم والإدارة وفشله والصراع المسلح والتدخلات الخارجية الفجة والشائنة!
فقد أدت عقود من الاستبداد والفساد وسوء الإدارة والتخلف والصراع المسلح، إلى فشل الدولة، ووقوعها في براثن جماعات دون وطنية ومتطرفة، مشدودة لعصبيات طائفية وقبلية ومناطقية (مسيسة)، وتابعة ومرتهنة للقوى والأجندات الخارجية، وإلى تدخلات خارجية مدمرة، وطفو حكام وسياسيين فاسدين منقادين عملاء، منزوعي الشرعية ومسلوبي القرار والإرادة!

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً